محمد ديبو..!
أيها العنيد كالصخر والناعم مثل قطر الندى. أيها المشاكس كأمواج البحر
والرّقيق مثل السماء.
عرفتك بادئ الأمر كاتباً من كتاب موقع الأوان، ثم صديقاً ذات صيف مغربي
جميل. عرفتك مُذ عانقتك في أول لقاء بمطار الدار البيضاء. يومها قلت لك :
أسرتي في الشاطئ، والبيت فارغ، فماذا تفضل، أن نلتحق بالأسرة أم نستمتع
بحريتنا في البيت؟ فكان ردك حاسماً : الحرية أولا.
عرفتك عاشقاً كبيراً للحرية. عرفتك شاعراً لا يقبل أي قيد أو ضوابط غير
ما تمليه رهافة الحس والذوق الجميل. عرفتك شاعراً مرهفا وقاصاً حاذقاً
وصحافياً مثابراً، فعلمتُ أن كل الجوائز التي حصدتها كانت مستحقة، ومن
بينها جائزة نيلسون مانديلا، التي تسلمتها عام 2007 في جنوب إفريقيا.
محمد ديبو..!
صاحب القلم الرّطب والوجه النبيل، والعاشق الكبير للحياة ولزهر الأقحوان
ولعذب الكلام، لعلي أشعر ببعض ما يتحمله جسدك الرقيق في تلك الأقبية
المظلمة. لن أردد قول الأحبة بأنهم اعتقلوك، فللاعتقال مسطرة و"قانون"،
ولكني أقول قولا صريحا : لقد اختطفوك على ذمة التعذيب. سيظل تاريخ اختطافك
راسخا في ذاكرتنا : ليلة السبت 19 مارس 2011.
أيها الأحبة هل تذكرون العبارة التي قالها السيد حسن نصر الله، وهو حليف
استراتيجي لسوريا، عن أساليب الاستنطاق لدى المخابرات السورية، عندما
اعتقلوا متهماً "صديقا" عن طريق الخطأ : "لقد طحنوا عظامه"؟ أرجوكم أن
تتذكروا هذه العبارة المخيفة، من أجل ديبو، وأيضا، وبالكلام الاستراتيجي،
من أجل ذلك اليوم الذي تتصالح فيه سوريا مع نفسها.
وأما بعد.
أكاد أسمع صرخاتك الآن أيها الصديق الرائع، أكاد أسمعك تشتم جلاداً
جباناً بعد أن أفرغ فيك كل حقده وجبنه ووضاعته. أكاد أسمعهم يعذبونك الآن
من الرأس إلى أخمص القدمين، أكاد أراهم يجعلون عظامك رميما، أكاد أراهم
يعلقونك بين السماء والأرض، لكنهم، حتى بعد ألف عام من الجحيم، لن يجدوا
عندك ما قد يخفى عن الأبصار من أسرار أو خيوط تآمر ليبرروا ما فعلوا بك وما
سيفعلون، ولو بأثر رجعي؛ فقد كنت شفافاً مثل السماء.
ليتهم يفهمون.
أعلم أنك كنت مستهدفاً منذ أن كتبت عن فساد وزير التعليم، ما انتهى بك
إلى طردك من موقع شاكوماكو والذي كنت تشرف على إدارته. لكني لم أكن أظن بأن
للحكاية بقية.