** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
كيف يتشكل المرجع الديني في الفكر الشيعي؟! قراءة في كتاب"بردة النبي، الدين والسياسة في إيران" I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 كيف يتشكل المرجع الديني في الفكر الشيعي؟! قراءة في كتاب"بردة النبي، الدين والسياسة في إيران"

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سميح القاسم
المد يــر العـام *****
المد يــر  العـام *****
سميح القاسم


التوقيع : تخطفني الغاب، هذه امنيتي الحارقة حملتها قافلتي من : الجرح الرجيم ! أعبر من ازقة موتي الكامن لاكتوي بلهب الصبح.. والصبح حرية .

عدد الرسائل : 3170

تعاليق : شخصيا أختلف مع من يدعي أن البشر على عقل واحد وقدرة واحدة ..
أعتقد أن هناك تمايز أوجدته الطبيعة ، وكرسه الفعل البشري اليومي , والا ما معنى أن يكون الواحد منا متفوقا لدرجة الخيال في حين أن الآخر يكافح لينجو ..
هناك تمايز لابد من اقراره أحببنا ذلك أم كرهنا ، وبفضل هذا التمايز وصلنا الى ما وصلنا اليه والا لكنا كباقي الحيونات لازلنا نعتمد الصيد والالتقاط ونحفر كهوف ومغارات للاختباء
تاريخ التسجيل : 05/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10

كيف يتشكل المرجع الديني في الفكر الشيعي؟! قراءة في كتاب"بردة النبي، الدين والسياسة في إيران" Empty
24052011
مُساهمةكيف يتشكل المرجع الديني في الفكر الشيعي؟! قراءة في كتاب"بردة النبي، الدين والسياسة في إيران"



كيف يتشكل المرجع الديني في الفكر الشيعي؟! قراءة في كتاب"بردة النبي، الدين والسياسة في إيران" Arton2516


خلفت الثورة الإسلامية في
إيران (1979) تغييرا كبيرا في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم الإسلامي بصفة
خاصة. وقد تمحورت، ولا تزال، حول شخصية الإمام الخميني، الذي التف حوله
الجمهور الإيراني التفافا شديدا. والخميني، شأنه في ذلك شأن مئات ألوف رجال
الدين الإيرانيين في القرنين التاسع عشر والعشرين، أنجز دراساته الدينية
في المدرسة الفيضية بحوزة قم المقدسة. ثم درّس فيها واشتُهر إلى جانب
العشرات من آيات الله، الذين يقلدهم الجمهور الإيراني المتدين بفطرته،
والذين يتحملون مسئولية نقل العلم الديني إلى الأجيال اللاحقة، مثلما فعل
أسلافهم قرونا قبل ذلك.



ويحكي هذا الكتاب قصة أحد تلاميذ الخميني
ممن تربوا على يديه وتأثروا بآرائه وأفكاره إبان نشأة الثورة الإسلامية وما
بعدها. وفي الواقع، يثير هذا الكتاب العديد من التساؤلات المتعلقة بواقع
الدين والسياسة في إيران، وعلى رأسها: كيف يتشكل عقل المرجع الديني في
الفكر الشيعي المعاصر؟، وما هي أهم المحطات التي يمر بها في سياق مراحل
تحصيل العلم وصولا إلى الحصول على الإجازة، ومن ثم امتلاك ناصية الفتوى
الدينية؟!.


وما أوجه التفاعل بين ما هو ديني وما هو
سياسي في الجمهورية الإسلامية؟ وإلى أي مدى يفيدنا التعرف على كيفية تنشئة
وتربية المراجع الدينية في إثراء معرفتنا الراهنة بالدولة/الأزمة، إيران؟
وما المرجعية العليا التي تصدر عنها التصريحات المثيرة للجدل للرئيس
الإيراني، أحمدي نجاد، والتي كان آخرها قوله: إن الإمام (المهدي) يدير
العالم ونحن نرى يده المدبرة في شؤون البلاد كافة"؟!.


بعض هذه الإجابات نجدها بصورة مباشرة ضمن
تضاعيف كتاب روي متحدة، أستاذ التاريخ بجامعة هارفارد ومدير برنامج الوليد
بن طلال للدراسات الإسلامية، والذي اضطلع بترجمته الدكتور/ رضوان السيد،
وصدر أخيرا عن دار المدار الإسلامي ببيروت.


في أهمية الكتاب

ترجع أهمية هذا الكتاب لأسباب عدة، يأتي
على رأسها أن مؤلفه يعد علما من أعلام الاستشراق المعاصر، وقد أنجز العديد
من المؤلفات المنصبة حول الحضارة الإسلامية ومن أهمها: الولاء والقيادة في
المجتمع الإسلامي القديم، والحروب الصليبية في المنظور البيزنطي والإسلامي،
ودروس في التشريع الإسلامي. كما تُرجم كتابه هذا للإنجليزية ثلاث مرات منذ
صدوره عام 1986 بلندن، كما اعتبرته مجلة Foreign Affairs واحدا من 75
كتابا تمثل أفضل ما صدر بالإنجليزية عن العوالم غير العربية في القرن
العشرين.


ومن أجل أن تكتمل الصورة الكلية للمرجع
الديني، ومن أجل أن نتعرف على مصادر التثقيف الديني والسياسي، ومن ثم مصادر
الإشعاع والتأثير، غاص المؤلف في تاريخ إيران وشخصيتها، ودرس علاقتها بكل
من العروبة والإسلام، وبحث بمزيد من الدقة والتفصيل أدوار كل من رجال الدين
ورجال السياسة في تكوين هذا المتسع من المعارف والاهتمامات والحساسيات.
وبحسبه، فإن التعرف على أدوار رجل الدين في إيران، ماضيا وحاضرا، وقراءة
تلك الأدوار تمثل ضرورة أساسية لمعرفة ما يدور في الجمهورية الإسلامية
اليوم، وبخاصة ما يتعلق منها بالعمل على تصدير الثورة الإسلامية لمختلف
بقاع العالم الإسلامي.


في نشأة الحوزات التعليمية الشيعية

يمكن القول، إنه منذ القرن السابع
الميلادي، وبالتوازي مع بزوغ الإسلام نفسه، برز التعليم الإسلامي تلبية
للاحتياجات التأسيسية للإيمان الديني ذاته. حيث كان للمسلمين نص مكتوب هو
القرآن، وكان من شعائر الدين التعبد بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار.
وكان للمسلمين أيضا تاريخ مقدس يروي كيفية نزول الوحي وكيف فسر النبي، عليه
الصلاة والسلام، القرآن في ضوء احتياجات الجماعة المؤمنة ومشكلاتها. ومنذ
هذه اللحظة، بات التعليم الديني أمرا ضروريا، على أقل تقدير، من أجل أن
يتمكن المؤمن من قراءة النص المقدس وتلاوته بشكل صحيح.


وخلال الجيل الثاني لموت النبي، عليه
الصلاة والسلام، تلقى التعليم الديني ثانية انطلاقاته الكبرى بفضل احتكاك
المسلمين بالتقاليد التعليمية في كل من مصر وآسيا الغربية. حيث وجدتْ
الدولة الإسلامية، إثر الفتوحات الكبرى التي حققتها خلال القرن السابع، تحت
سيطرتها تنويعةً معقدةً من المؤسسات التعليمية. وقد حققت المدارس ظهورها
النهائي في القرن الحادي عشر، أي قبل مائة عام على ظهورها في الغرب، وكانت
تقوم بفضل جهود الوقف الخيرية.


وكان من المنطقي للتعليم الشيعي أن يعيش
أزمانا صعبة خلال الألف عام الأولى، بما أن معظم الأنظمة الحاكمة كانت سنية
خلال تلك الفترة. وقد عكست المدرسة النظامية التي أقامها الطوسي للتعليم
الشيعي في النجف تطور التشيع إلى مذهب فكري مستقل ومحدد المعالم. ومع ذلك،
وفي ظل غياب السلالات الشيعية الحاكمة، ظل التعليم الشيعي هشا ومرتبطا
بإمكانيات الجماعات الشيعية المشتتة في العراق، حتى قامت الثورة الدينية
الكبرى والتي أوصلت إلى الحكم في إيران، عند بداية القرن السادس عشر، أسرة
الصفويين الشيعية.


أما المناهج العلمية التي كانت شائعة
آنذاك، فكانت تنصب بالأساس على أن يُنهيَ الطالبُ في المرحلة التعليمية
الأولى دراسته لكل من كتب النحو والمنطق والبلاغة، ثم يبدأ المستوى المتوسط
من الدراسة بقراءة النصوص الكلاسيكية في الشريعة الإسلامية، وهو مستوى كان
يؤهل الطلبة قديما لتسلم مسئولية مسجد في الجوار أو في قرية ما. ويتألف
هذا المستوى من قراءة النصوص المقررة في كل من العربية والشريعة والمنطق
وعلم الكلام والفقه الإسلامي، فضلا عن مناقشتها في الصف الدراسي. والحال أن
تقنيات الجدل كانت قد تطورت وتحسنت خلال المساجلات وأحيطت بحب شديد في
العالم الفكري للمسلمين المبكرين، وقد أثرت بدورها تأثيرا شديدا في المدارس
اللاحقة.


وفي مجال دراسة الشريعة، كانت هناك كتب
أولية في الأحكام الشرعية يتوجب الإلمام بها، خاصة تلك المتعلقة بعلم
المواريث، وكان طالب الشريعة الشيعي - وفي سياق محاولته إعادة بناء متن
المقدمات ومناهج الجدل التي تقف في خلفية تلك الكتب المبكرة- يحاول، في
الوقت نفسه، إعادة بناء السيرورة الذهنية لمؤلفيها وصولا إلى الوقوف على
المقصد الإلهي منها. ومن ثم، فإن دراسة الشريعة وفق هذا المستوى من التنظير
كانت تعد بمثابة "ملكة العلوم"، والهدف الأسمى للنظام التعليمي الشيعي
برمته. كما كانت تهدف إلى خلق علم نظري للشريعة انطلاقا من كتب الأحكام،
وانطلاقا أيضا من بذل الجهد في موافقة مراده تعالى.


ذلك أن الملالي الذين تمكنوا من الارتقاء
سريعا وصولا إلى أعلى مستويات هذا النشاط الفكري كانوا، ولا يزالون، يشعرون
أنهم دخلوا حلقةَ حقول المعرفة المسحورة، والتي تقودهم حتما إلى أقرب ما
يمكن من التحديد الذي يبتغونه أكثر من أي شيء آخر: أي المعرفة المُحقة
والصحيحة بشريعة الله. وقد ظلت هذه الحلقة مغلقة طوال قرون عديدة، ولم تسمح
أسوارها العالية لأي علم جديد بأن يخترق دائرتها، كما لم تكن لتسمح بأن
تَقْطعَ تقاليد إجماعها حول العدد المحدود للشكوك والصعوبات التي يسمح
بنقاشها.


وبرأي المعارضين، خاصة ممن كانوا من
الملالي وانقلبوا على الحوزة رأسا على عقب، لم تكن هذه الحلقة مجرد حلقة
مغلقة، بل حلقة ينقاد أعضاؤها، بفعل كبريائهم المغرور، من جراء علمهم الذي
لا يبدو أكثره مفيدا، إلى التفكير بأنهم يمتلكون شيئا مفيدا لا ينفكون
يرددونه بصدد المهام الملحة لزمانهم، وبشأن البعث الاقتصادي والثقافي
وحاجتهم السياسية لإيران.


وحين تأسست في مرحلة لاحقة "المدارس"، كانت
هذه المؤسسات الجديدة لا تزال تَدينُ بالكثير من صرامتها وقوتها
لانفتاحها، والقوةِ التي راح كل جيل جديد من الطلاب، بعد الجيل السابق
عليه، يرمى، عبر ضروب المساجلة والجدل، إلى هدم وإعادة بناء المتون التي
وُضعت من قبلهم.


هاشمي ورحلة البحث عن دور

يدور الكتاب حول شخصية أحد المراجع الدينية
ممن تلقوا تعليمهم في حوزات مدينة قم. وبالطبع فإن علي هاشمي الذي يتمحور
حوله الكتاب شخصية واقعية أحترم الكاتب فيها رغبته في أن يبقى اسمها
الحقيقي مجهولا. ويحكي روي كيف أنه في أواخر ربيع 1978 زاره أستاذ في جامعة
طهران كان قد انصرف إلى تحصيل دراسات مدنية مبتعدا، بشيء من الارتياح كما
يقول، عن صحبة الملالي وآيات الله.


وفي سرده لمحتوى المناهج التعليمية التي
كانت تُدرس في الحوزات الدينية بقم المقدسة، بيّنَ الأستاذ الجامعي أن
الطالب يبدأ رحلته العلمية بدراسة البلاغة والنحو والمنطق حيث تشكل في
مجموعها الثلاثي ما يمكن تسميته بـ Trivium، أي العلوم الثلاثة الأولى من
بين التخصصات الحرة السبعة كما تحددت خلال الحقبة المتأخرة من نظام التعليم
في العالم الكلاسيكي، مواصلة بعد ذلك تشكيلها لأساس البرنامج المدرسي كما
جرى تعليمه في نواح عدة من مناطق أوربا خلال العصور الوسطى وعصر النهضة.


تعد مواضيع ذلك الثلاثي إذاً أولية إلى حد
أن الذين تجاوزوها للإمعان في مستويات من الدراسة أكثر تقدما، كانوا ينظرون
إليها باعتبارها مقدمات بديهية، مما جعلها بالتالي غير مهمة بشكل خاص. ومن
ثم، كانت كلمة Trivial، والتي تعني: عادي، أو رتيب، أو سطحي، تعبر في
الوقت ذاته عن طبيعة هذه المرحلة الأولية. وقد أفرز مثل هذا الضرب من
التعليم في الغرب عظماء في دراسة اللاهوت من نمط القديس توما الأكويني،
مثلما أنتج كذلك رجالا من نمط المفتش الكبير والمتعصب المتعطش للدماء
توركيمادا، تماما مثلما أنتج في المشرق مفكرين عظام من قبيل ابن رشد في
صفوف المسلمين، وموسى بن ميمون في صفوف اليهود.


وقد مرت إيران، في السنوات الخمس التالية
على التغيير، بثورة سياسية وثقافية خلفت ورائها آثارا مأساوية غالبا ما
اتسمت بالعنف الشديد، ثم دخلت في دوامة حرب مريرة مع العراق، واختار آلاف
المثقفين، مثل علي هاشمي، العيش في المنافى بعيدا عن سطوة الملالي وآيات
الله.
فما أبعاد هذه التجربة الذاتية، بحلوها ومرها، وكيف يمكن الإفادة
منها والاستدلال عليها من خلال سرد تجربة حية وواقعية لبطل الكتاب الذي
عاصرها؟!، هذا ما تكفلت بالإجابة عنه الفصول الأولية بالكتاب. حيث يحكي
هاشمي كيف أنه كان يصغي مساء يوم الحادي عشر من شباط/فبراير من العام 1979
إلى المذياع فإذا به يسمع الكلمات التالية: "هذا صوت الأمة الإيرانية
الحقيقي، لقد انتهى نظام آل بهلوي المأساوي وقامت حكومة إسلامية بزعامة آية
الله الخميني".


وهكذا بدا للإيرانيين أن كلمات الله قد بدت
أخيرا في الواقع، وفي كل مكان، وقد رُفعت بكل حماس إلى الذُرى. وأن كلمات
المعارضة التي كانت من قبل تكشف مدى ضعفها تجاه النظام، بدت أخيرا
باعتبارها إعلانات نصر مبين. كانت شعارات المعارضة تحمل من قبل مضامين من
مثل: "إن الذين يتبعون الإمام الحسين الشهيد، سيفوزون على الطاغية يزيد
الذي قتله"، و "إن دم الشهداء أقوى من ظبات السيوف"، وهاهي اليوم مجسدة
كأروع ما تكون على أرض الواقع.


وقد شعر هاشمي حين وصل إلى قلب المدينة أن
الثورة قد نجحت أخيرا في إزاحة الشاه وذيوله، وأن اختفاء نظامه يبدو وكأنه
الزوال النهائي للنبي سليمان، مع الفارق بطبيعة الحال، الذي ظل الناس
يطيعونه حتى بعد موته لمجرد أن جسده ظل متكئا على العصا بلا حراك!!. شعر
هاشمي أخيرا أن صفحة من عمر التاريخ الإيراني سيطر فيها "المهندسون"
الدنيويون ذوو البذلات الأوربية، قد انطوت، وأن فجرا جديدا لعصر جديد يبزُغ
هو عصرهم، عصر الملالي ورجال الدين. فهل كان شعوره هذا بمثابة النبوءة
التي تحققت فيما بعد؟ أم أن وعد الثورة جرى إخلافه ووعد النصر جرى العبث
به؟!.


كان الحماس حينئذ يؤجج مشاعر تلامذته
الصغار، وقد بادره أحدهم بالقول: لقد أحيا الإمام الخميني الإسلام من جديد.
فيما توجه إليه آخر بتساؤل مفاده: هل تعتقد أن بإمكاننا أن نبعث الإسلام
في بلادنا من جديد بعد ثورتنا المحبوبة؟ إن نحن أوصلنا القرآن إلى الناس،
وإذا ملأنا أذهانهم بروح الحسين، وأطلعنا الشباب والفتيان على تاريخ
الإسلام الحقيقي يصلهم عبر الكتب المدرسية؟!. فرد هاشمي قائلا: إن إزالة
فرعون كانت مجرد خطوة أولى، وعلينا أن نعمل زمنا قبل أن يتحقق وعد الله.


لقد كان هاشمي يحذو في ذلك حذو أقرانه من
رجال الدين في قم، وطالع مثلهم كتاب علي شريعتي "العودة إلى الذات"، كما
أنه تاق طويلا لأن تقبل الجماهيرُ الغفيرة الرسالةَ التي يحملها الإسلام
للعالم وبما يضمن في الوقت ذاته أن تتحرر إيران من براثن الخضوع السياسي
والنفسي للغرب المتآمر. وقد سره بالطبع ملاحظة أن بيرقيْ الحِداد الأسودين
اللذين رُفعا تحية لشهداء الثورة فوق المنارتين قد نُحيا واُستبْدلَ بهما
بيرقٌ أخضر رُفع على القبة الذهبية إشارةً إلى الانتصار الذي حققه الإسلام.


لكنه شعر أيضا بشيء من عدم الراحة إزاء ما
يمكن لمثل هذا البيرق أن يعنيه إلى المستقبل، وما يعنيه بصفة خاصة إلى
مسئولية كل رجل دين متعلم مثله، خاصة إذا كان مثله أحد ورثة النبي، رجل دين
يرتدي اللون الأخضر، لون ميراث النبوة. وواقع الأمر، أن ثمة أمورا ثلاثة
حدت بهاشمي لأن يصبح "ملّا"، الأول يتعلق بوراثة العلم عن أبيه، وهو نفسه
كان مجدا في مطالعاته الدينية، كما أنه نشأ وترعرع في قم المقدسة، تلك التي
كان يؤمها الآلاف من طلبة العلم وتعد أرفع موقع لتعليم الدين في إيران.


فيما يرى العلمانيون أن التعليم الشيعي
التقليدي قد اختار مكانا له مدينة الموتى تلك. وأن ستة آلاف تلميذ قد كرسوا
حياتهم لعلم يبدو من القدم كحال الثياب التي يرتديها الملالي، ومن الجفاف
كحال المناخ في قم نفسها. ففي قم تصبح القبور واقعة من وقائع الحياة، تماما
كتبدل الصيف والشتاء.


في حوزة النجف برفقة الخميني

في الثالث من حزيران/يونيو، الموافق
لعاشوراء، وعظ الخميني مرة أخرى في الفيضية بعد الانتهاء من شعائر كربلاء
ومما جاء في خطبته آنذاك: حين أستذكر حوادث عاشوراء يخطر على بالي سؤال: لو
أن الأمويين رغبوا في شن حرب على الحسين، فلماذا ارتكبوا كل هذه الجرائم
الوحشية وغير الإنسانية ضد النساء العزل والأطفال الأبرياء؟ يبدو لي أنه
كان لهم هدف أساسي أبعد: لقد كانوا يعترضون على صميم وجود أهل النبي!!.


ثم تابع قائلا: الآن يخطر لي سؤال مشابه:
لو أن النظام الاستبدادي في إيران أراد فقط أن يشن الحرب على "المراجع" وأن
يقاتل الملالي، فما علاقة ذلك بتمزيق المصحف إلى نثارات يوم هاجموا مدرسة
"الفيضية"؟!. نحن نستنتج أن لهذا النظام أيضا هدفا أساسيا أبعد: فهم في
العمق يُعارضون الإسلام ذاته ويعترضون على وجود طبقة رجال الدين. إنهم لا
يرغبون في وجود هذه المؤسسة، ولا يتمنون لأي منا أن يعيش، كبيرنا وصغيرنا
في ذلك سواء".


وفي الثاني عشر من محرم اُعتقل الخميني فجر
هذا اليوم وقد بقيت المتاجر مغلقة، وظلت كذلك أسبوعين متتاليين. وما مر
عام على ذلك حتى نُفي الخميني إلى تركيا، وبعد عدة شهور انتقل منها إلى
النجف في العراق، وهكذا لم يعد الخميني فقط ذاك المختص بعلوم الفقه، وإنما
أصبح شخصية وطنية يعرفه الفلاحون كما يعرفه الطلبة باعتباره الرجل الذي
تجرأ على معارضة الشاه بصورة علنية. أما هاشمي، فقد غدا الخميني في نظره
"أسد الله".


واصل الخميني بعد ذلك نشاطاته السياسية
وبوتيرة أشد جرأة وأكثر حدة حتى أعلن الشاه عام 1971 إقامة الاحتفالات
الألفية للملكية الإيرانية وأنفق فيها ثلاثمائة مليون دولار!! وهنا أطلق
الخميني عشية الاحتفالات تصريحا من العراق أدان فيه الأمر برمته وتساءل
باستنكار: أصحيح أن الناس في إيران يحتفلون بسيطرة رجل خان الإسلام ومصالح
المسلمين وأعطى النفط للإسرائليين؟…إذا لم تُحبط أعمال الشطط الجديدة هذه،
فإن مصائب أكبر ستنقض علينا، وستنتظرنا مشاهد أكثر فظاعة.


وقد أثار هذا التصريح اهتمام الجيل الثاني
من الملالي، وعلى الفور أسس الشباب منظمات سرية يتخطى هدفها إدخال الإسلام
في الحياة نحو القضاء التام على الملكية الإيرانية وهو ما تحقق بالفعل حيث
غادر الشاه إيران يوم السادس عشر من يناير عام 1979 وعاد الخميني في الأول
من فبراير من منفاه وانحل كل من الجيش والحكومة الانتقالية في الحادي عشر
من الشهر ذاته، فيما كان الخميني يتلقى، وهو جالس في فناء إحدى مدارس طهران
العليا، مبايعةَ وحدات الجنود الإيرانيين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

كيف يتشكل المرجع الديني في الفكر الشيعي؟! قراءة في كتاب"بردة النبي، الدين والسياسة في إيران" :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

كيف يتشكل المرجع الديني في الفكر الشيعي؟! قراءة في كتاب"بردة النبي، الدين والسياسة في إيران"

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
»  كيف يتشكل المرجع الديني في الفكر الشيعي؟! قراءة في كتاب"بردة النبي، الدين والسياسة في إيران"
»  جدل الدين والسياسة بين دوغما الأصولية ودوغما العلمانية: قراءة في الحراك السياسي المصري بعد ثورة يناير 2011م 10 ديسمبر 2014 بقلم محمود كيشانه قسم: الدين وقضايا المجتمع الراهنة تحميل الملف حجم الخط -18+ للنشر: جدل الدين والسياسة بين دوغما الأصولية ودوغما
»  الإمام المهدي "محمد بن الحسن العسكري" حقيقة تاريخية ؟.. أم فرضية فلسفية ؟ الجزء الثاني من كتاب تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه
» قراءة في كتاب "الدين في الديمقراطية"
» خمس أطروحات في السياسة النبوية قراءة في كتاب د. عبد الإله بلقزيز الأخير: «تكوين المجال السياسي: النبوة والسياسة»

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: