تصعيد في سقف المطالب وإصرار على سلميّة الاحتجاج
الدماء تعمّد ثورة البحرين: الآن نريد إسقاط النظام!
|
شبان بحرينيون يعتصمون في مواجهة القوى الأمنية في المنامة أمس (رويترز) |
|
|
|
|
|
مازن السيد
فيما كان مجلس الشورى البحريني يعرب عن ثقته في
حكمة الشعب المصري وقدرته على تجاوز الظرف الحسّاس، كان الشهيد الأول
لـ«ثورة 14 فبراير» علي عبد الهادي مشيمع يحوّل مطالب شباب البحرين المعلنة
على «فيسبوك» من الإصلاحات إلى إسقاط النظام.
«الشعب قال كلمته
اليوم... وسيواصل ترديدها غدا وبعد غد وعلى مدار الأيام حتى تحقيق المطالب
الوطنية الشرعية... كنا حتى اليوم نطالب بمملكة دستورية تحكمها أسرة آل
خليفة ولكن بعد استشهاد الشاب علي عبد الهادي مشيمع وهذه الهجمة الإرهابية
على الاعتصامات السلمية... نطالب الآن بإسقاط النظام... فلتسقط العصابة
الحاكمة».
إعلان احتل امس الصفحة الأساسية للتحرك البحريني على
«فيسبوك» التي ارتفع عدد مشتركيها من 13 ألفا إلى 18 ألفا في يوم واحد، كان
بمثابة بيان رسمي وموقف ذي مدلولات فعلية، بعدما تحوّل موقع التواصل
الاجتماعي الالكتروني، إلى منصة إعلامية للتحركات الشبابية المعارضة من
أقصى الوطن العربي إلى أقصاه. ويؤكد رئيس «جمعية شباب البحرين لحقوق
الإنسان» (بشر) محمد المسقطي لـ«السفير» أن «كثيرا من الشبان الذين رأيتهم
اليوم قد تغير موقفهم» في إشارة إلى رفع سقف المطالب ليشمل إطاحة العائلة
المالكة، آل خليفة. ويلفت المسقطي إلى أن «التأثر الذي شهدته في المستشفى
على وجوه الشبان كان شديدا».
والمستشفى المذكور هو مستشفى السلمانية في
المنامة، الذي انطلقت منه مسيرة بعدما اكتظ بالمصابين والمتضامنين، وقد
وصل عددهم إلى أكثر من 55 بحسب مصادر بحرينية، فيما استشهد المشيمع، إضافة
إلى شاب آخر وطفل عمره 8 سنوات في قرية السنابس تضاربت الانباء حول وفاتهم،
كما يرقد أحد المصابين في حالة خطرة.
الشهيد الأول، «لم يشارك بعد في
التحرك» حسبما يؤكد المسقطي لـ«السفير»، مضيفا أن المشيمع «توفي وهو خارج
من بيته بنيران قوات مكافحة الشغب»، وذلك في منطقة الدية في ضواحي العاصمة
المنامة، فيما يؤكد رئيس المركز البحريني لحقوق الإنسان نبيل رجب على صفحته
في موقع «تويتر» أن المشيمع «سقط برصاص الميليشيات الأجنبية التابعة
للأجهزة الأمنية»، في إشارة محتملة إلى المجنسين الذين تستقدمهم السلطات
وتتهم بتسليحهم واستخدامهم كجهاز قمع بديل.
وقد شهدت أكثر من 17 منطقة
مختلفة في أنحاء البحرين التي لا تتجاوز مساحتها 750 كيلومترا مربعا،
تحركات احتجاجية، تركزت في القرى رغم وجود تظاهرات في ضواحي العاصمة. وشهدت
قرية النويدرات تظاهر حوالى ألفي مواطن، وبحسب المسقطي فإن ما يقدّر
بـ«آلاف البحرينيين، تظاهروا اليوم سلميا تماما، ورفعوا شعاراتهم المطلبية
إلى جانب الأعلام الوطنية»، لكن القوات الامنية البحرينية التي انتشرت
بكثافة، واستخدمت المروحيات، «واجهت المتظاهرين بإطلاق الرصاص وقنابل الغاز
المسيل للدموع، وسلاح الشوزن القاتل».
ويؤكد المسقطي لـ«السفير»، أن
«المتظاهرين لم يردوا بأي شكل من الأشكال على القوى الامنية، وشددوا على
سلمية تحركهم، رغم وقوع إصابات عديدة في صفوفهم، جراء الرصاص والهراوات»،
مكذباً بذلك نبأ أعلنته وزارة الداخلية البحرينية عن إصابة 3 شرطيين، وهو
قد يكون بادرة أولى عن تحرك حكومي مضاد يهدف إلى تقويض شرعية التحرك الشعبي
البحريني عبر اتهامه بالعنف وتشويه سمعته، إذا امتثلت السلطة البحرينية
لسيناريو المواجهة الذي بدأ يصبح مألوفاً لدى المتابعين، في ظل الدعوة إلى
التواصل في الاحتجاج.
التحركات السياسية بدت شبه غائبة كما يشير
المسقطي، لكنه يتوقع «أن تؤدي أنباء سقوط قتلى، إلى مواقف وتحركات على
المستوى السياسي»، فيما تداولت المواقع الالكترونية البحرينية خبر توجه رجل
الدين المعارض الشيخ عيسى أحمد قاسم إلى قصر الملك حمد بن عيسى آل خليفة،
لتدارك الامور قبل تصعيد مستوى التوتر، فيما أعلن وزير الداخلية البحريني
الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة في رسالة قصيرة على موقع الوزارة على شبكة
الانترنت «اذا دلت التحقيقات على عدم وجود مبرر قانوني لاستخدام السلاح
بقضية (الدية) فسيتم اتخاذ الاجراءات القانونية حيال المتسبب». ونشر موقع
الوزارة ايضا رسالة اخرى تقول ان «وزير الداخلية يعرب عن خالص تعازيه وعميق
مواساته لأسرة المرحوم الذي توفي متأثرا بإصابته بالأحداث في منطقة
الدية».
هو نوع من تسلسل أحداث متطابق، قد يعيده هواة نظرية المؤامرة
إلى «الأيادي الخفية» و«الاجندات الخارجية»، بينما هو في علم السياسة
والاجتماع نتيجة لعلاقة متشابهة بين الكتلة الشعبية والنظام. عندما ينكسر
حاجز الخوف بالاستلهام من التجارب الثورية العربية، تجرّ الكتلة الشعبية
النظام إلى التعبير عن حقيقته في الشارع، وتعمّد ثورتها بدماء شهدائها،
فيلتفّ حولها المزيد من القوى الشعبية، يقابلها النظام بالتعنت والعنف.
لكننا عندما نتحدث عن البحرين، يجب إدراك خصوصية نظام ملكي خليجي، يقع فيه
الجيش تماما تحت سيطرة الأسرة المالكة.
محمد المسقطي يتمنى عبر
«السفير» على السلطات البحرينية «التعاون لحلّ الازمة في البلاد، وعدم
اللجوء إلى العنف»، مجددا تحذيره من انفجار الأوضاع الداخلية. فهل سيكتشف
العرب خصوصية جديدة لديناميكية الثورة خليجيا، أم يشهدون حمّام دماء قد
يجرّ إلى ما لا تحمد عقباه في جوار ايراني مضطرب، وسعوديّ قلق؟