من
بين الأسئلة التي تلقيتها، سواء خلال اتصالات هاتفية، أو على الإيميل، منذ
الإطاحة بالرئيس السابق يوم 11/فبراير.. تتعلق جميعها بمستقبل المادة
الثانية من الدستور.. والمخاوف التي حملتها تلك الأسئلة، جاءت على خلفية
مطالب البعض بإلغائها.
والحال أنني قرأت مثل هذا الكلام لعدد من الباحثين الذين يتسمون
بالخفة، ويعوزهم العمق ولا يزالون أسارى الميل إلى الاستعراض وهي النزعة
التي كانت سائدة في أدبيات ما قبل 25 يناير.
وابتداءا فإن هذا الكلام يعتبر "وصاية" مرفوضة ولا تتحلى بالأدب مع شعب
تغير فعلا وبات قادرا على أن يقول لا أو نعم .. بعد أن انتزع حريته
انتزاعا من أعتى الأنظمة الديكتاتورية التي ظهرت في العصر الحديث.
الشعب المصري لم يعد في حاجة إلى "سلطة المثقف" وتنظيره وتأطيره
وثرثرته.. لا يحتاج إلى هذه النخبة التي هزمها النظام وحررتها الثورة.. هذه
النخبة هي التي تحتاج إلى "وصابة" الشعب عليها، حتى لا تتاجر في قضاياه ة
وتربك مسيرته التي بدأها منذ اليوم التالي من خلع مبارك.
وفي تقديري أنه ليس ثمة ما يقلق من هذه الدعوات.. لأن القرار لم يعد
في يد "الفرعون" ولا في يد أعوانه ولا في يد أي من كان.. بل بات في يد
المواطن المصري وحده.. وأي تعديل في الدستور سيعرض على الاستفتاء العام ومن
حق المصريين أن يقبلوا أو يرفضوا بحسب ما تقتضيه مصالحهم وأمنهم القومي.
البيان قبل الأخير للجيش، كان دقيقا، حيث أشار إلى "تعليق" العمل
بالدستور الحالي وليس "إلغائه".. بمعنى أن التعديلات ستكون على مواد معينة
فيما سيُبقى على غيرها.. ولا اعتقد قياسا إلى العقل والمصلحة العامة وإلى
مقتضيات الأمن القومي، أن تُلغى هذه المادة، ولقد سمعت منذ يومين فضيلة
الدكتور يوسف القرضاوي، وهو يؤكد أن المادة الثانية من الدستور أجمعت عليها
الأمة مسلمين وأقباطا منذ دستور 23.
وإذا كان ثمة لغط بشأن هذه المادة وتقرر ـ وهو ما استبعده ـ أن يحسم
أمرها.. فإنه سيجري استفتاء عليها وحدها.. ولا اعتقد ولا يعتقد غيري ان
نتيجة الاستفتاء ـ حال حدوثه ـ ستكون على نحو مغاير على ما هي عليه الآن.
المهم في هذه المسألة.. أننا نحتاج إلى دستور يعيد للمصريين آدمياتهم..
وأن يعلي من منزلة المؤسسة وليس الفرد.. وأن نحكم بمؤسسات وفق دستور قررته
الأمة.. وليس من قبل "فرعون" لا حسيب ولا رقيب عليه.