يرى أي مفكر أن المفكرين الآخرين هم جهلة ماكرون منغمسون في ظلام دامس بعيد عن المعرفة الفكرية والأدبية تنقصهم الكفاءة لدرجة أنه يشفق عليهم لمجرد أنهم خالفوه في طروحاته الفكرية ………… فما هو المعيار الحقيقي الذي يحدد من منهما على صواب كي يتهم الآخر بتلك الصفات الهمجية والعشوائية ؟؟؟
من الفطرة البشرية لأي إنسان طبيعي منهاج عاطفي يحدد هويته وانتماءه لأسرته ومجتمعه المحيط به , وكذلك هو حال عقيدته الدينية بغض النظر عن نوع ديانته السماوية , إن الرابط الديني هو أول رابط فطري لذلك تسمو مكانته ليكون رابطآ أساسيآ لأي إنسان وليد , وعليه فإن الروابط اللاحقة به ونخص منها الاجتماعية والإنسانية تأتي مكملة له وتابعة لنهجه فتصبح جزءآ منه , ووفق منطق العقل الحسي نقول أن اللاحق جزء من الكل وليس العكس صحيحآ إطلاقآ , وإن نسف الرابط الديني يولد عقولآ متخبطة تحمل طروحات مهلكة لإنها نسفت ركنآ أساسيا من تاريخها المرتبط أساسآ بكل مجريات حياتها منذ ولادتها وحتى موتها .
لقد فقدت العلمانية إيمانها بالغيبيات وإعتبرت الوجود طبيعيآ إذ طرحت مبدأها بأن الطبيعة هي التي تسير الأحداث وليس الله / إله الكتب السماوية / وزادت أن الذي يتحكم بالوجود كله هو الإنسان بعقله وحيوية معرفته فنسفت بذلك مصداقية الدين وزرعت الشك بالذات الإلهية رغم أنها لم تعلن ذلك علانية , ذلك كله تحت ذريعة أنها تريد تحرير عقل الإنسان وفكره من دينه لينطلق إلى المعرفة الحقيقية وكأنها تخصي ذهنه ليكون ماديآ ضمن مجتمع يعتمد كليآ على أساس الكون المادي الدنيوي اللاديني المرتكز على أسس العلوم الوضعية الوصفية بعيدآ عن الموروث الديني الذي ورثه فطريآ , فطالبته بالتحرر من عقيدته الدينية البالية وإستبدالها بعقيدة دنيوية صنعية فكان أول غيثها زرع الشك والريبة بنفس مريدها تجاه الذات الإلهية وتجاه وجوده كليآ ليخرج بنتيجة مفادها أن / ماهو لله هو شأن خاص به حصريآ ويقع تحت سلطته ولاعلاقة له بسلطة الإنسان على حياته الدنيا / فبرز في ميدان فكرها قانونين :
1 – قانون الله وسلطته على نفسه والمحصور حتميآ بمكونات الكون ضمن حدود السماء فقط .
2 – وقانون الإنسان وسلطته على حياته الدنيا التي لاشأن لله بها .
مما أفرز نوعان متنافران يتنافسان على خدمة البشرية أحدهما / شريعة الله وهي خاصة به لوحده يذكرها ضمن دياناته السماوية / أي سلطة الله لله فقط / و / شريعة الإنسان الوضعية الذي يهتم بكونه المادي الدنيوي / أي سلطة الحاكم على قومه / ووجه التنافس المأمول منهما أن تتسابق السلطتان لخدمة الإنسان وتقديم أفضل ما عندهما وكأن مايدور في الخفاء من مبدأها عملية تحريض للسلطتين ليس إلا , ولهذا فصلت العلمانية قوانينها الوضعية عن قوانين الشرائع السماوية بحجة أنها تريد تحرير الفكر البشري من الموروثات العقائدية .
لقد ظهرت العلمانية في أوربا أولآ وفي العصور الوسطى تحديدآ ثم مالبثت أن إنتشرت تعاليمها في أرجاء الكرة الأرضية سيما بعد الغزو الغربي للعالم بأسره , فجندت رجال الدين وكبار الساسة وأصحاب النفوذ ولفيف من العلماء والأدباء ليدورا في فلكها فصاروا حكومات مستبدة , واتهمت من خالفها من علماء الدين بالضلالة والخزعبلات , وطال جورها علماء الفكر والمعرفة المناهضين لها فاتهمتهم بالجهل والظلام وللساسة والمجتمعات بالرجعية والانحطاط , وصار شعارها / الحرية والمساواة والإخاء / كشعار الماسونية النكراء , وإننا نصنف العلمانية كركن من أركان الماسونية وكجزء هام من كل منهاجها , وسنذكر بعض بنودهما المشتركة فيما بينهما ومسالكهما المقرونة بمنهجهما الواحد :
أ - على مستوى الفرد :
- يجب أن يتغلب الإنسان على الإله وأن يعلن الحرب عليه وأن يخرق السماوات ويمزقها كالأوراق .
- ويجب عليه أن يكفر ب