** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 مهماتنا الثورة ومشكلات التنظيم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سميح القاسم
المد يــر العـام *****
المد يــر  العـام *****
سميح القاسم


التوقيع : تخطفني الغاب، هذه امنيتي الحارقة حملتها قافلتي من : الجرح الرجيم ! أعبر من ازقة موتي الكامن لاكتوي بلهب الصبح.. والصبح حرية .

عدد الرسائل : 3161

تعاليق : شخصيا أختلف مع من يدعي أن البشر على عقل واحد وقدرة واحدة ..
أعتقد أن هناك تمايز أوجدته الطبيعة ، وكرسه الفعل البشري اليومي , والا ما معنى أن يكون الواحد منا متفوقا لدرجة الخيال في حين أن الآخر يكافح لينجو ..
هناك تمايز لابد من اقراره أحببنا ذلك أم كرهنا ، وبفضل هذا التمايز وصلنا الى ما وصلنا اليه والا لكنا كباقي الحيونات لازلنا نعتمد الصيد والالتقاط ونحفر كهوف ومغارات للاختباء
تاريخ التسجيل : 05/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10

مهماتنا الثورة ومشكلات التنظيم Empty
12012011
مُساهمةمهماتنا الثورة ومشكلات التنظيم

[b]
مدخل

مسائل التنظيم لصيقة الصلة بالفهم
المحدد لدور الحزب في أتون الصراع الطبقي. وبالتالي فهي مرتبطة بالثورة
ككل. لهذا لن تكون هناك مشكلات تنظيمية منعزلة عن النشاط الثوري. لأن
الحزب، المجسد والمعبّر عنه في صيغة تنظيمية، هو تعبير عن حاجة موضوعية
تفرضها الظروف العيانية في منطقة معينة، وفي وقت محدد. وبالتالي فإن
مشكلات بنيته لصيقة الصلة بهذه الظروف العيانية. وإن كانت التصورات
النظرية والتجارب المختلفة، التي هي جزء من تجربة الإنسانية، تعطي رؤى
عامة وأواليات، تبعد النظرة الواقعية عن التجريبية، وتعطيها بعداً معرفياً
ضرورياً.
وبالتالي حين نتحدث عن الحزب لا نبغي الحديث النظري المجرد،
بل نهدف الحديث عن حزب محدد، يلعب دوراً ثورياً في الظروف الراهنة في
الوطن العربي. لهذا نجدنا أكثر انشداداً إلى ظروف التجربة العربية،
وخصوصاً تجربة الحركة الشيوعية، لأننا نحاول دراسة ظروف معينة هي ظروفنا
العربية، وتجربة محددة هي تجربة نضالنا الثوري.
في هذا السياق تبرز
قضية ارتباط الحزب بنشاط الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء كقضية مفصلية،
لأن الحزب ليس صانع معجزات، ولأن دوره ليس افتعال الثورات، بل أنه يمارس
العمل الثوري في إطار ظروف محددة، تحكمها قوانين معينة ليس من الممكن
القفز عنها، بل من الممكن فقط تفعيل العامل الإرادي من خلالها، بما يؤدي
إلى تسارع العملية الثورية، بإعطائها طابعها الواعي، مما يجعلها أكثر
مقدرة على تجاوز العفوية، وعلى التصاعد وصولاً إلى الانتصار. من هذا
المنطلق تبرز أهمية ارتباط الحزب بنشاط الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء،
الذي لازال يتسم بالعفوية. ولعل مهمة الحزب الأولى هي أن يؤسس لتجاوز هذه
العفوية، أو بشكل أدق أن لا يجعلها السمة الأساسية للنضال الجماهيري. هذا
هو دور العامل الإرادي الذي يدخله الحزب في نشاط الطبقة، والذي هو جزء من
الواقع الذي يعتمد تفعيله على الوعي.
لهذا من الضروري وعي أهمية قضية
ارتباط الحزب بالنشاط الجماهيري، قضية حتمية ارتباط الحزب بهذا النشاط.
وبالتالي من الضروري تحديد سمات النشاط الجماهيري ذاته، من خلال دراسة
الظروف الاقتصادية الاجتماعية التي تعيشها هذه الجماهير، والتي تدفع
بالضرورة إلى انطلاق النشاط الثوري وتبلور حركة جماهيرية لها قسماتها.
وهنا نحن لا نحاول تجديد "النضال الاقتصادي" أو "النضال المطلبي"، المنفصل
عن النضال السياسي، حيث كان يتفكك الصراع الطبقي إلى مطلبي وسياسي، وهو
التفكك الذي كان ينتج عن رفض تطوير النضال المطلبي من أجل تحقيق التغيير
السياسي، والاكتفاء بالنضالات الاقتصادية من جهة والديمقراطية من جهة
أخرى. الأمر الذي كان يحول النضال الاقتصادي إلى نضال ديمقراطي، أو كان
يبقيه في حدود النضال الديمقراطي، المنطلق من الاعتراف المسبق بالنمط
الاقتصادي الاجتماعي القائم، وبالتالي السعي لـ "تحسينه" فقط، أو لدمقرطته
فحسب. وهو ما كان ينحي هدف الوصول إلى السلطة جانباً. وبالتالي لا تعود
خصماً، أو هي التعبير عن الطبقة المسيطرة، بل تصبح أباً من واجبه تقديم
الهبات لأبنائه المخلصين. ويكون المطلوب هو رفع شعارات جزئية تتعلق بتحسين
الوضع المعيشي، أو تخفيف الظلم الطبقي، و"عقلنة" الاستغلال.
بل ندعو
إلى الارتباط بنشاط الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وكل الطبقات
الشعبية، وإلى تطويره بما يفضي إلى تحقيق التغيير. ولن يتحقق ذلك إلا من
خلال دراسة واقعية لظروفها، وتحديد مشكلاتها، مع اقتناعنا بأن النشاط
الجماهيري لن يكون نشاطاً سياسياً هكذا بشكل عفوي، بل أن هذه هي مهمة
الحزب على وه التحديد. وهنا يُطرح السؤال: كيف يلعب الحزب هذا الدور؟
هذا يطرح مسألة الحزب، والمهمة التي يلعبها في الصراع الطبقي. فالنشاط
الجماهيري الذي هو نشاط عفوي، ينحكم لإشكالين: قصور الوعي لدى الطبقات
الشعبية، فرغم إحساسها بمصالحها إلا أنها ملوثة بمفاهيم مناقضة لهذه
المصالح، هي من منتوج الطبقة المستغِلة الحاكمة. بمعنى آخر، إن هذه
الطبقات تمتلك وعياً زائفاً، وعي لا يعبّر عن مصالحها، بل يجعلها تتكيف مع
عبودية الاستغلال، رغم تناقض وجودها الواقعي مع هذا الوعي. ورغم أن ظروفها
المعيشية تدفعها إلى تجاوزه. وأن حسها الطبقي يدفعها إلى التمرد عليه.
لهذا يجعلها هذا الوعي الزائف تقنع بنمط الاستغلال الذي تعيشه قناعة تامة،
مما يحرمها من تصور أنها قادرة على إنهائه. وبالتالي فهي ترى أن الحل هو
في تحسين ظروفها من خلال المطالبة والمناشدة والرجاء. من خلال "التوسل".
ومن ثم التمرد والانفجار لحظة شعورها بأن لا خيار أمامها لكي تجدد حياتها.
الأمر الذي يجعل وضعها مأزقياً، حيث هي لا تتوصل إلى الطريق الذي يحقق
مصالحها. في هذا الوضع يُطرح دور الحزب. وانطلاقاً من ذلك تتحدد مهماته.
فالحزب
كونه المعبّر عن العمال والفلاحين الفقراء يجب أن يكون القادر على امتلاك
الوعي المطابق لمصلحة هؤلاء. فهو يمثل، فيما يمثل، الفئة التي تمتلك
الفكر، ويحوي مستوى غير المستوى المتعلق بالبناء التحتي والذي تتشكل فيه
الطبقة بما هي طبقة، هو مستوى الفكر/الوعي. المستوى الذي يسمح بإنتاج
الأيديولوجية المعبّرة عن هذه الطبقة، والمطابقة لمصالحها. وهو هنا يضيف
عنصر الوعي/الفكر، حيث هي مهمة جوهرية من مهماته، وضرورة من ضرورات وجوده.
وبهذا تتقوم مهمته في إدخال الوعي إلى الطبقة، وبالتالي إلى النشاط
الجماهيري. وهنا تُطرح قضية الوعي وعلاقتها بالنشاط الثوري، وموقعها في
العملية الثورية بمجملها. وما من شك في أن دور الحزب هنا يتمثل في تحديد
التصور الإستراتيجي للعمل الثوري، وتحديد الأهداف، وبالتالي العمل على
إقناع الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء بها، في سياق العمل من أجل تطوير
وعيها عبر هزيمة الوعي الزائف الذي يسكنها، والعمل على تأسيس وعي فلسفي/
سياسي/ اجتماعي مطابق لوجودها.
هذا ما عجزت الحركة الشيوعية العربية عن
تحقيقه، حيث ظل الوعي هامشياً. وبدا الحزب أنه لا يضيف سوى الشعارات
العامة دون الوعي، ويدور في حدود المطالب دون السعي إلى التغيير. مما أبقى
النشاط السياسي نشاطاً عفوياً، وأضعف مقدرة الأحزاب على إيصال الحركة
الجماهيرية إلى تحقيق التغيير. بمعنى أن الحركة الشيوعية فشلت في تطوير
وعي العمال والفلاحين الفقراء، وتطوير نشاطهم المطلبي بما يجعله نشاط من
أجل التغيير الذي يحقق مصالحهم. فظلت تطالب وتناشد وتلتمس الرجاء كما
الحركة الجماهيرية ذاتها، وفي حدود مطالبها كذلك، دون وعي بأن تحقيق
مصالحها يفرض أن تكون هي السلطة وليس غير ذلك.
الإشكال الثاني هو
العفوية التي تجعل النشاط مرتبطاً بردات الفعل. وهنا يجب أن نتحدث عن
التنظيم، حيث أن للوعي مسارب تتشربه الطبقة من خلالها، وحيث أن العمل
العفوي يفرض تنظيم النشاط الجماهيري، ووضعه في سياقات تجعله قادراً على أن
يتحول إلى فعل ثوري حاسم. وليست هذه السياقات من اختراع الحزب دائماً، بل
أنها تكون في أحيان عديدة من مبادرات الطبقة، لكن الحزب يدعمها ويطورها
وينظمها في إطار السياق العام للنشاط الثوري.
لكن المشكلة الهامة هنا
هي مشكلة البنية التنظيمية للحزب ذاته، منظم النشاط الجماهيري. لقد
استسهلت الحركة الشيوعية في الماضي اعتماد "صيغة جاهزة" ولدت في إطار ظروف
معينة، وبعد تجربة طويلة لها خصوصياتها وإشكالاتها، والتباساتها، وأعني
الصيغة الستالينية في التنظيم (التي تسمى عادة الصيغة اللينينية في
التنظيم). ولقد كانت صيغة فاشلة، بل سيئة، لأنها أعادت إنتاج البنية
البطريركية التقليدية الرائجة في مجتمع ريفي. لهذا كان من الضروري نقد هذه
الصيغة الرائجة، ومحاولة رؤية الظروف الواقعية المؤثرة في بنية التنظيم في
الوطن العربي، وليس في أي مكان آخر. وبالتالي محاولة تحديد تصورات تنظيمية
جديدة.
هذا ما نتناوله. منطلقين من الحركة الجماهيرية التي هي أساس
العمل الثوري، لأنها أساس تحقيق التغيير بلا منازع. ونؤكد على ضرورة
ارتباط الحزب بها، ضرورة أن يندغم فيها، يندمج فيها. ولكن انطلاقاً من أنه
يؤسس لوعي/فكر جديد، ينطلق من الجدل المادي، ليؤسس أيديولوجية تعبر عن
مصالح العمال والفلاحين الفقراء هنا في الوطن العربي. هي انعكاس ليس
للواقع كما هو، فربما تكون هذه مهمة تفسير الواقع فقط، بل الواقع كما يجب
أن يكون لكي يحقق مصالح هذه الطبقة. بمعنى أنها لا تكون تكراراً للوعي
السائد لدي الطبقة، لأنها في ذلك تعيد تأسيس الأيديولوجية المسيطرة، بل
أنها تؤسس الوعي المطابق لمصلحة العمال والفلاحين الفقراء. الوعي الذي
يعبّر عن كينونتها كما يجب أن تكون.
إذن، الحزب يضيف الوعي والتنظيم لمجمل نشاط الطبقة، لكي يخاض الصراع الطبقي وفق أسس جديدة توصله إلى الانتصار.




























ـ1ـ

سمات النشاط الجماهيري ووضع الحركة الماركسية

تنتصر
الثورة حينما تتحد الحركة الماركسية بحركة الطبقة العاملة، ليؤسسا معاً
النضال الثوري. ولا يتم ذلك إلا حينما تتبنى الحركة السياسية أهداف
الجماهير وتدافع عنها، وحينما تندمج بالطبقات التي تعبّر عنها.
هذا
الأمر يطرح قضية الارتباط بنشاط الطبقات الشعبية، كما يطرح قضية وضع هذه
الطبقات، نشاطها، وتصوراتها.. إلخ. لكنه يطرح أيضاً المهمات التي من
الضروري أن تسعى الحركة الماركسية لتحقيقها. وكل ذلك يفرض دراسة الظروف
الراهنة، وتحديداً فيما يتعلق بالوضع الجماهيري، ووضع الحركة الماركسية.
ومن ثم تحديد دور الحزب الذي يطمح لأن يلعب دوراً ثورياً، يتجاوز الدور
الذي باتت تلعبه الحركة الشيوعية الراهنة، وهو في كل الأحوال دور هامشي،
ويقوم على الفصل بين السياسي والمطلبي، مما لا يحوّل الصراع إلى صراع طبقي
.
الارتباط بنشاط الجماهير:

إن
انتصار الثورة القومية الديمقراطية في الوطن العربي يرتبط أشد الارتباط
ليس بمسألة واحدة بل بمسألتين. لقد ساد في المرحلة الماضية، ومازال، منطق
يعتبر أن التطور الموضوعي هو الذي سوف يؤدي إلى حدوث التغيير في بنية
المجتمع العربي. أي باعتبار أن كل الظروف الموضوعية هي التي سوف تحقق
«الحتمية التاريخية»، التي هي انتصار الاشتراكية في نظر البعض(1)، أو
انتصار النظام الديمقراطي البورجوازي في نظر آخرين. ولقد عبَّر هذا المنطق
عن اتجاه إصلاحي ارتبط بمطامح فئتين مختلفتين، أولهما، الفئات المثقفة
التي درست وتعلَّمت وحصلت على شهادات جامعية، وأصبح منطقها يختلف عن
المنطق السائد في المجتمع، نتيجة اعتناقها أفكار ومفاهيم جديدة. فأخذت
تشعر بأن عليها أن تلعب الدور الرئيسي في قيادة البلاد، لكنها في الوقت
نفسه، ضد الثورات، والتغييرات العنيفة (الراديكالية)(2). لهذا رأت أن
التطور التدريجي هو خيارها. وهو خيار بورجوازي ديمقراطي (وإن كنا نتحفظ
على ذلك، بسبب من العجز عن بلورة اتجاه بورجوازي ديمقراطي حقيقي، رغم أنه
يحمل سمات هذا الاتجاه العامة، التي يمثل في أحيان كثيرة، صورة مسخاً).
وثانيهما،
الفئات «الثورية» من العمال والفلاحين والمثقفين التي اتبعت الماركسية.
لكن ليس الماركسية الثورية، بل «الماركسية الاصلاحية»، ماركسية الأممية
الثانية، وماركسية المناشفة في روسيا، التي كانت تعتبر أن الانتقال من
الإقطاع إلى الرأسمالية، قضية «حتمية»، كما هي «حتمية» قضية الانتقال من
الرأسمالية إلى الاشتراكية، لأن الظرف الموضوعي، هو الذي يقود ـ بشكل حتمي
ـ إلى ذلك، فالمجتمعات تنتقل من مرحلة في التطور الطبقي، إلى مرحلة أخرى،
وفق قانون محدد. أما دور الحزب فيتمثل في كونه عاملاً مساعداً: مساعدة
البرجوازية ضد الاقطاع، لكي تتحقق الثورة الديمقراطية البورجوازية(3). هذه
الثورة التي سوف تخلق ـ بشكل حتمي أيضاً ـ طبقة عاملة كبيرة العدد،
وقوية(4)، تستطيع هزيمة البورجوازية دون عناء كبير، ومن خلال الطريق
البرلماني(5).
إن هذا المنطق يلغي العامل الإرادي، عامل الوعي
والتنظيم، ويغلِّب العنصر العفوي، مما يجعل قضية التغيير الثوري حلماً هو
أقرب إلى السراب منه إلى التحقق.
كما ساد في المرحلة الماضية، المنطق
المقابل، أي منطق تغليب العامل الإرادي، واعتبار أن دور الطبقات الشعبية
هو دور هامشي، ثانوي، تابع، لاحق... إلخ. ولقد مثَّل هذا المنطق، موقف
فئات نزقة، حاولت تغيير ظروفها بسرعة فائقة، وبالتالي حاولت إلغاء الوضع
القائم الذي تعيشه بلمحة بصر. وهذه فئات كانت تهدف إلى الإثراء السريع،
لتتحول فجأة من فئات محدودة الدخل إلى فئات ميسورة الحال، أو فئات
«ثورية»، لكنها لا تثق بالنشاط الجماهيري، ولا تلقي أي اعتبار للمطالب
المعاشية البسيطة، وتعتبر أن قضايا التغيير الثوري هي من صنع الأبطال
وحدهم(6)، لهذا لجأت إلى «العنف الثوري»، أو «الدعاية الثورية المسلحة»...
إلخ(7).
إذا كان ساد هذان المنطقان في الماضي، وما زالا، فلا بدَّ لنا
أن نؤكد اليوم أنهما لم يقودا إلى تغيير. فلا الاتجاه الاصلاحي أدى إلى
تحقيق «تراكمات كمية» تسمح بتطور مضطرد يحسِّن من وضع الجماهير، ولا
الاتجاه الطفولي أدَّى إلى أن يقرِّر العامل الإرادي مصير الثورة، مما جعل
الوطن العربي يعيش دوامة صعبة، قادت إلى الفوضى أحياناً، وإلى عدم
الاستقرار أحياناً أخرى، لكنها كرَّست وضع الفئات الحاكمة، وأطالت في
عمرها، وإن أدَّت أحياناً إلى سقوط سلطة والاتيان بأخرى، أو تغيير حاكم
بحاكم.
لذلك يمكننا الجزم أن الثورة القومية الديمقراطية مرتبطة
بمسألتين: الظرف الموضوعي من جهة، والعامل الإرادي من جهة أخرى. وهذه
بديهية في الماركسية(8)، رغم أنها بحاجة إلى التأكيد فيما يتعلق بوضعنا،
لأنها ليست بديهية في كل الأحوال، ولا هي الفكرة التي تتبناها القوى
الماركسية العربية، التي تراوح في سياساتها بين العمل الإصلاحي والعمل
الطفولي، بين النضال الديمقراطي البرلماني، وبين الارهاب، المسمَّى
بـ«العنف الثوري»(رغم هامشية هذا الاتجاه). لهذا كان من الضروري التأكيد
على أهمية الارتباط بنشاط الطبقات الشعبية إذا كنّا نسعى، حقيقة، إلى
تحقيق الثورة الجذرية في الوطن العربي.
إن مأزق التغيير يكمن دائماً في
قدرة الفئات المسيطرة، أي الحاكمة، على ضبط حركة التطور والنهوض، والتحكم
فيها، نتيجة تحكمها بالاقتصاد، من خلال امتلاكها لرأس المال. ولكن أيضاً
نتيجة سيطرتها على الدولة، كقوة قمعية كبيرة الشأن. ولكن ثالثاً نتيجة
امتلاكها لايديولوجيا تعبِّر عن مصالحها تعبيراً مطابقاً، مما يجعلها
قادرة على فهم مصالحها، ومن ثمَّ تحديد السياسة التي تخدم هذه المصالح.
هذا في جانب، لكنه جانب واحد، لأنه يمكن مواجهة القوة بالقوة، وهذا يقودنا
إلى الجانب الآخر، لأن مأزق التغيير يكمن أيضاً في عدم توفر القوى القادرة
على هزيمة الفئات المسيطرة، وبالتالي فتح آفاق التطور والنهوض.
لما
كانت القضية هي قضية فئات حاكمة، وطبقات شعبية مضطَهدة ومستغَلة ومحكومة،
فإن هذه الجماهير هي القوة المقابلة، التي يقع على أكتافها عبء التغيير.
وحين تعاني قضية التغيير من مأزق، يكون السبب الجوهري هو عجز الطبقات
الشعبية عن تحقيق هذا التغيير. لماذا؟ لافتقادها المزايا التي تمتلكها
الفئات الحاكمة. كيف؟ إن إسقاط الفئات الحاكمة وتحقيق التغيير الثوري
يرتبط بمعرفة آفاق هذا التغيير أولاً، أي بمعرفة أهداف الطبقات الشعبية،
أهداف العمال والفلاحين الفقراء، والشرائح الديمقراطية الثورية من
البورجوازية الصغيرة. وهذا يحتاج إلى الوعي، والطبقات الشعبية أمية أو شبه
أمية وبسيطة الوعي، وبالتالي تكون عاجزة عن تحديد أهدافها بوضوح ودقة، رغم
أنها تعيش آلاماً كبيرة وتتلمَّس من خلالها «مطالبها» التي تكون في العادة
مطالب معاشية. وهنا يكمن المأزق الأول، مأزق غياب الوعي المطابق لمصلحة
الطبقات الشعبية. وهذه القضية ناتجة من أن الفئات الحاكمة، المستغِلة،
تحرص على ديمومة تخلُّف الجماهير، وعلى عدم امتلاكها الوعي. بل أكثر من
ذلك، تحرص على إكسابها وعياً زائفاً(9)، يخدم مصلحتها هي، لهذا فإنه في
الظروف الواقعية تتبنى الطبقات الشعبية الايديولوجيا السائدة، النابعة من
مصلحة الفئات الحاكمة ـ المستغِلة.
ثم إن غياب الوعي المطابق لمصلحة
الطبقات الشعبية لدى الطبقات الشعبية ذاتها، واكتسابها «الوعي الزائف»
الذي تدخله الفئات الحاكمة ـ المستغِلة لها، يجعلها، بالضرورة، تبتعد عن
أشكال النضال الثوري، وتميل إلى خيارات أخرى مختلفة، فإما العمل من أجل
الكسب الفردي، وبالتالي التحوُّل إلى الانتهازية، وهذا ما يصيب الفئات
الطامحة من مختلف الطبقات الفقيرة، أو العمل الاصلاحي الذي يقوم على أساس
التحسين التدريجي للوضع، أو القبول بالوضع القائم والاقتناع به كـ«قدر
إلهي»(10)، وهذا هو موقف الأغلبية عادة، وإن سياسة هذه الاتجاهات لا
يمكَّن من وحدة الجماهير ضد مستغِليها، فتبقى قوة ضعيفة، محدودة التأثير.
أما
عملية التغيير الثورية فتعتمد تحقيق مصالح الطبقات الشعبية، وبالتالي
تعتمد أن تلعب هذه الطبقات دوراً ثورياً لأجل إسقاط الفئات الحاكمة ـ
المستغِلة، وتأسيس سلطة جديدة تحقق مصالحها. فبدون الطبقات الشعبية لا
يكون ممكناً تحقيق التغيير. ولكي تلعب هذه الطبقات دوراً ثورياً من
الضروري إكسابها الوعي المطابق لمصالحها، وإكسابها القدرة على تحقيق هذه
المصالح.
وهذا هو دور الحزب، الحزب الذي يمثِّل طليعة على صعيد الوعي،
من خلال قدرته على امتلاك المنهج المادي الجدلي كطريقة في الدراسة والبحث
والعمل، وقدرته على التعبير عن مصالح الطبقات الشعبية. والحزب الذي يمثِّل
القوة المقابلة لقوة وجبروت السلطة من خلال قدرته على أن يصبح طليعة
مكافحة، وأن يندمج بالطبقات الشعبية. ولكن أن يمتلك، أيضاً، القوة اللازمة
لتحقيق التغيير الثوري. وهذا يطرح قضية الارتباط بالنشاط الجماهيري،
بالطبقات. لكن لابدَّ من توضيح مسألتين هامتين هنا، وهما:
أ) أنه رغم
السياسات التي تتبعها الفئات الحاكمة ـ المستغِلة تجاه الطبقات الشعبية،
والهادفة إلى تحويلها عن النضال الثوري، فإن عمق الأزمات التي تعيشها هذه
الطبقات يدفعها إلى خوض غمار النشاط الثوري، وهو نشاط يتسم بالعفوية في
الغالب، وبالتالي بعدم ارتباطه بتصور ثوري للتغيير.
ب) أن دور الحزب
يتمثَّل في بث الوعي في أوصال الطبقات الشعبية، و«إقناعها» بإستراتيجية
التغيير الثورية، وهذا دور دعاوي تحريضي من جهة، ويتمثل من جهة ثانية في
السعي لتنظيم نشاطها لكي «يتحوَّل التراكم الكمي إلى تغيير نوعي»، ولكي
تنقلب العفوية إلى إرادة، إلى فعل واعي. والحزب في كل ذلك لا يخترع
أفكاراً أو «يستورد» مفاهيم، ولا يؤلِّف أشكال تنظيم على هواه، بل يُعمِل
الفكر بواقع الطبقات لكي يفهم مصالحها ومطامحها، ومن هذه النقطة ينطلق.
ولقد
حددنا ضمناً، فيما طرح سابقاً، القضية التي تجعل من الممكن للحزب أن يرتبط
بالنشاط الجماهيري. إن تبني موقف فلسفي يرتبط بقضية التغيير الثوري، الذي
بدوره يسمح بتحديد استراتيجية تعبِّر عن أهداف الطبقات الشعبية ومطامحها،
ومن ثَّم طرح الشعارات التي تعبِّر عن حاجة هذه الطبقات، هي كلها ما يسمح
بالارتباط بنشاط الطبقات، وبالتالي تفتح إمكانيات بث الوعي فيها وتنظيمها،
على طريق تحقيق الانتصار الثوري. لهذا فإنه من الضروري الانطلاق من الحركة
الواقعية للطبقات بهدف تطويرها. إن تطور العمل الثوري مرتبط بمدى اندماج
الحزب بحركة الطبقات. وهذا يقتضي رؤية وضعها ، ومعرفة نشاطها، وعلى أي
الأسس تقوم.
وحركة الطبقات هي الحركة العفوية الناتجة عن حالة الفقر
التي تعيشها (وهذه هي الحالة العامة في الوطن العربي)، أو عن حالات
السيطرة الامبريالية المباشرة (الاحتلال)، وغياب الحريات الديمقراطية (وهي
حالات لها أهميتها المعنوية). إن الارتباط بالحركة الجماهيرية يفرض فهم
الأزمات التي تعيشها، على الصعيد المعاشي الاقتصادي أولاً، نتيجة اتساع
الظاهرة، وليس الغرق في الحديث السياسي السطحي، لأن تحوُّل المجتمع من
مجتمع إقطاعي أو شبه إقطاعي (مجتمع كفاف) إلى مجتمع رأسمالي تابع، أدخل
الصراع الطبقي بكل حدَّته إلى كل بقاع الوطن العربي، وجعل النضال القومي
مرتبطاً أشد الارتباط بالنضال الطبقي. مما أوجد ظروفاً جديدة، تختلف أشد
الاختلاف، عن الظروف التي سادت في فترة الاستعمار المباشر. ظروف كون
الصراع الطبقي بات هو أساس الصراع القومي، وليس العكس.
وفي هذا الوضع تتقوَّم مهمات الحزب في التالي:
أ) طرح التصور السياسي الشامل، أي استراتيجية العمل الثوري.
ب)
ربط مشاكل الطبقات الشعبية بالمشاكل السياسية العامة، أي تسييس الصراع
الطبقي، أو التأسيس على الصراع الطبقي، لأن هذا الربط هو في جوهر الصراع
الطبقي، في مقابل النضال المطلبي فقط أو النضال الديمقراطي المنعزل.
ج)
تطوير حركة الطبقات الشعبية ومحاولة إعطائها بُعدها السياسي المنظم، من
خلال تطوير النشاط النقابي والمطلبي، السياسي والثوري، من أجل تحقيق
التغيير في مرحلته الراهنة، مرحلة الثورة «القومية الديمقراطية».

سمة النشاط الجماهيري

لاشك
أن هناك تزايداً في نشاط الحركة الجماهيرية في عدد من الأقطار العربية،
يمكن تلمسه من خلال متابعة حركات الإضرابات التي تحدث في كل البلدان
العربية. ويمكن ملاحظته بشكل أوضح في الانتفاضات التي حدثت في هذه البلدان
تحديداً خلال ثمانينات القرن العشرين. وإذا كان سلاح الإضراب يعبِّر عن
نضال الطبقات من أجل تحسين أوضاعها فتلجأ إلى كل وسائل الاحتجاج، فإن
الانتفاضة تعبِّر عن مرحلة أعلى من الاحتجاج، تبلغ حد السخط، تستخدم فيها
الطبقات الشعبية وسائل عنيفة. ولا يبدو أن هناك تدرجاً في الانتقال من
سلاح الإضراب إلى سلاح الانتفاضة، بل إن الانتفاضة غدت تحدث بشكل دوري
كلما نشأ اختلال في العلاقة بين الأجور والأسعار، إلى الحد الذي جعل سلاح
الانتفاضة سلاحاً أساسياً في تحقيق عملية التغيير في الوطن العربي.
لماذا تحدث هذه الانتفاضات؟
إننا
معنيون بتحديد السبب الجوهري لحدوثها فيما إذا كنَّا معنيون بالنضال
الواقعي، ومصممون على الارتباط بالحركة الجماهيرية، لأننا نطرح الأهداف
التي تطرحها الطبقات الشعبية، وإن كنا معنيين بأن نراها انطلاقاً من رؤية
علمية، وأن نضعها في سياق النضال السياسي الشامل. وهذا الذي يجعلنا لا نرى
النشاط الجماهيري العفوي فقط، بل نرى إشكالاته في الوقت نفسه، وأن نحدِّد
مهام الحزب، في إطار سعيه لتحقيق الثورة الجذرية العميقة. إذن لماذا تحدث
هذه الانتفاضات؟ لماذا «تنفجر» الجماهير حين يُصدِر نظام من الأنظمة
قراراً يقضي برفع الدعم عن السلع الأساسية، مما يقضي زيادة أسعارها، لكأن
هذا الارتفاع «المحدود» في أسعار هذه السلع هو الذي ينقل الإنسان من
الحياة إلى الموت؟
يمكن تلخيص السبب الجوهري الذي يؤدي إلى ذلك في
مسألتين، هما: بطء النمو الداخلي (أو قد يكون الأدق، في أحيان كثيرة،
الحديث عن انعدام النمو، أو النمو السلبي)، بسبب تحويل المجتمع من مجتمع
ينتج السلع الضرورية لمعيشة الطبقات الشعبية إلى مجتمع يستوعب السلع
المستوردة بشكل متزايد، أي باختصار محدودية الدخل المحلي، ومحدودية نموه.
ومن المعروف أن التخلف «المتوارث»، والذي جرى دعمه من قبل الامبريالية
العالمية، هو سبب ذلك. لأن الامبريالية العالمية معنية بتكوين أسواق لها
تستوعب بضائعها وسلعها، وهذا يفرض وجود مجتمعات غير صناعية، لكي تستورد
منتجات الصناعة الرأسمالية، وغير زراعية لكي تستورد، أيضاً، المنتجات
الزراعية للرأسمالية. والمسألة الأخرى هي النهب الامبريالي الذي يؤدي إلى
خروج جزء هام من الدخل المحلي إلى المراكز الإمبريالية عبر قنوات مختلفة،
منها اختلال الميزان التجاري لمصلحة الواردات، وفتح الوطن لاستثمارات رؤوس
الأموال الأجنبية والشركات متعددة الجنسية في القطاعات غير المنتجة
أساساً، ثم من خلال تهريب الفئات المستغِلة الحاكمة لثرواتها التي نهبتها
من الدخل الاجتماعي العام.
وإذا علمنا أن عدد السكان يتزايد بشكل
متسارع ـ وهي سمة النمو السكاني في الوطن العربي، حيث يتضاعف عدد السكان
كل ربع قرن تقريباً ـ بينما لا ينمو الدخل المحلي بما يوفر مستوى معيشة
موازٍ لما كان قبل سنة أو سنتين، نعرف بأن عملية الإفقار في تصاعد. وتزيد
من حدة المشكلة تزايد وتيرة التبعية للسوق الامبريالي، التي توجد مسألتين
مترابطتين: تزايد أسعار السلع بنسب مرتفعة(11)، وتزايد النهب الذي تمارسه
الشركات الاحتكارية(12)، وكذلك تزايد شره الفئات المستغِلة الحاكمة(13).
فتستحوذ هذه كلها على جزء هام من الدخل المحلي، مما يفرض تناقص حصة السكان
من الدخل المحلي تناقصاً متسارعاً يؤدي إلى إفقار الطبقات الشعبية،
إفقاراً مطلقاً، يصل إلى حد الموت جوعاً. عندها لا يكون ممكناً بقاء هذه
الطبقات راكدة، خانعة، لأنها لم تعد تستطيع العيش.
هذا ما حدث في مصر
عام 1977، وتونس عام 1978، والسودان عام 1979، والمغرب عام 1981، والسودان
عام 1982، ثم تونس والمغرب ومصر عام 1984، ومن ثم السودان عام 1985، ومصر
عام 1986، والجزائر عام 1988، والأردن عام 1989. ولعل الوضع ينذر
بانفجارات جديدة من جديد، في تونس والمغرب، ومصر، والجزائر، و الأردن،
وسورية واليمن ودول أخرى، بعد الركون الذي طاول سنوات التسعينات.
والمشكلة
التي تؤدي إلى كل ذلك هي السياسة التي تتبعها الأنظمة الحاكمة، وخصوصاً في
المجال الاقتصادي(14)، النابعة من مصلحة الفئات المستغِلة الحاكمة، هذه
الفئات التي اغتنت نتيجة الدور الذي لعبته في العملية الاقتصادية، حيث
عملت في الرشوة والسمسرة. ولهذا شجعت الاستيراد لأنه مجال السمسرة
والرشوة، وضربت كل تطور إنتاجي محلي، ففتحت البلاد مشاعاً لنهبها، وأساساً
لنهب الشركات الاحتكارية متعددة الجنسيات، هذه الشركات التي تنهب دون
حساب، ودون أن تحسب حساباً لفقر الجماهير أو لمصيرها. إن سيطرة فئة تسعى
لأن تكوِّن ثروة كبيرة يدفعها إلى تكييف الاقتصاد المحلي في العلاقة مع
السوق الإمبريالي بما يخدم هذا الهدف.
ولما كانت ظروف تطور
الرأسمالية العالمية لم تعد تسمح بتطور بورجوازي مستقل، يقوم على أساس
تطوير جدِّي في الصناعة والزراعة، يحقق فائضاً، تلجأ هذه الفئات من
البورجوازية إلى أن تكون وسيطة تعمل في تسويق السلع المنتجة من قبل
الشركات متعددة الجنسيات، لكي تقتصَّ عمولة ـ أو سمسرة ـ، ولكي تنهب
الطبقات الشعبية من خلال بيع السلع في السوق المحلي بأسعارها في السوق
العالمي. لهذا فهي تستفيد من سيطرتها على جهاز الدولة لكي تصدر القوانين
التي تدعم الاستيراد وتسهِّله، وتحطِّم وسائل الإنتاج المحلية، سواء
الصناعات التي بنيت خلال قرن من الزمان، وهي صناعات تحويلية ِأساساً، أو
الريف كمنتج للمواد الزراعية الأساسية(15).
وتؤدي هذه السياسة إلى حدوث عملية معقدة، تطيح بالدخل المحلي العام، وبالتالي بنصيب الفرد منه:
فأولاً:
تؤدي السياسة الاقتصادية التي تتبعها هذه الفئة إلى تناقص نمو الدخل
المحلي تناقصاً شديداً، وحتى إلى تناقص قيمته، أي إلى نمو سلبي في قيمة
الدخل المحلي.
وثانياً: نهب الشركات الاحتكارية متعددة الجنسيات من
خلال بيع سلعها بأسعار مرتفعة في السوق المحلي، مما يؤدي إلى خروج جزء هام
من الدخل المحلي، من خلال العجز في الميزان التجاري، كما من خلال الأرباح
التي تحققها هذه الشركات من الامتيازات التي تحصل عليها في إطار عملها في
الوطن العربي.
وثالثاً: النهب الذي تمارسه الفئات الحاكمة من خلال التحكم بأسعار السلع وبيعها بأسعار باهظة.
ورابعاً: نهب الدولة ـ السلطة الحاكمة ـ المفروض من خلال الضرائب على الأموال والأفراد والسلع.
لهذا
يبقى جزء ضئيل من الدخل المحلي الذي هو ضئيل بالأصل، ليوزع على الأغلبية
الساحقة من الجماهير، مما يجعلها، مع تزايد النهب الامبريالي، والنهب
المحلي، غير قادرة على العيش. ولهذا يزداد فقر الفقراء، وتنعم قلة بجزء
هام من الناتج المحلي، وتنهب الشركات الاحتكارية ما يحلو لها. فلا يكون
هناك مناص من الانفجار، لأن الطبقات الشعبية لا تستطيع العيش وفق الوضع
الذي كانت عليه، حيث يصل النهب الامبريالي إلى مستوى يجعل فئات اجتماعية
واسعة لا تستطيع الحصول على ضروريات الحياة، وعندها لا يعود ممكناً بقاء
الطبقات الشعبية خامدة هامدة قانعة بقدرها ومصيرها.
ولا نخالنا معنيين
بدراسة الأرقام التي توضح كل ما جاء سابقاً، لأننا لا نود تقديم دراسة
اقتصادية، لكن يمكننا إعطاء بعض المؤشرات التي توضح ما نحاول تأكيده. تبلغ
مثلاً نسبة تكوين رأس المال الثابت، الخاص، والعام، إلى مجمل الدخل القومي
في البلدان العربية الفقيرة، للأعوام 79، 80، 81، على التوالي 23%، 25%،
28%، رغم أنها تذهب في معظمها لما يخدم القطاع التجاري. بينما بلغت نسبة
الاستهلاك العام والخاص، إلى الدخل القومي لنفس الأعوام، 80%، 86.2%،
87.7%، على التوالي(16). وهذه الأرقام تؤشر إلى غياب نمو القوى المنتجة،
مما لا يسمح بنمو متسارع في الدخل القومي. أما على صعيد التجارة الخارجية
فقد بلغت نسبة العجز في الميزان التجاري للسلع والخدمات إلى الدخل القومي
للبلدان العربية الفقيرة للسنوات ذاتها، كما يلي: 30%، 28%، 37%، على
التوالي، حيث كان العجز 22.825 مليار دولار، 25.441 ملياراً و 35.545
مليار دولار(17). أما نهب الشركات الاحتكارية فالأرقام قليلة حوله، وتشير
دراسة أميركية إلى أن الشركات الأميركية ربحت وحدها في العام 1976 مبلغ 27
مليار دولار(18). كما بلغت 7.6 مليارات دولار عام 1985 بالنسبة لمصر
وحدها(19).
أما على صعيد التمايز الطبقي فيمكن النظر لوضع مصر كي يتوضح
وضع الطبقات الشعبية، حيث يحصل أدنى 44% من الأسر على 20 من الناتج، وأدنى
57% من الأسر على 32% من الناتج، و71% من الأسر على 46% من الناتج(20)،
بينما تشير احصائيات أخرى إلى أن 20% من السكان تعيش حالة فقر شديد، و40%
في حالة فقر نسبي، بينما يحصل 20% من السكان على 49.5% من الدخل(21).
لهذا
فإن حالة الإفقار المطلق التي تعيشها الطبقات الشعبية، تؤدي بالضرورة إلى
انفجارات واسعة، تهز عروش، وتطيح بأنظمة. وإذا كانت الانفجارات التي حدثت
في العديد من الدول لم تؤد إلى تحقيق التغيير الجذري، فقد أشّرت إلى عمق
الأزمة من جهة، وأكسبت هذه الطبقات خبرات نضالية كبيرة من جهة ثانية.
لكنها أشّرت أيضاً إلى غياب القوى السياسية القادرة على قيادتها، وخصوصاً
هنا القوى الماركسية. مما أصبغ الطابع العفوي على هذه الانتفاضات. وهنا
مكمن الضعف في النشاط الجماهيري.

إشكالية النضال العفوي:

كانت
نتيجة الانتفاضات التي حدثت هي الفشل،أو حدوث أشكال من التغيير في بعض
الحالات، هذا التغيير الذي خدم شرائح من البورجوازية على حساب أخرى، ولم
يؤد في كل الأحوال إلى تحقيق التغيير الجذري، الذي يعني انتصار القوى
المعبِّرة عن مطامح الطبقات الشعبية صانعة الانتفاضات. ولاشك في أن النضال
العفوي المعزول عن النضال السياسي العام الذي تمارسه قوى ثورية، يقود إلى
هذه النتيجة، حيث تبقى الطبقات الشعبية دون "عقل" وهدف جوهري. وبالتالي
فإن الفراغ الذي يحدث في الحياة السياسية يملأ من قوى مختلفة لا تعبِّر عن
مطامح تلك الطبقات. والسبب يكمن في أن النضال العفوي يقوم على أساس مطالب
محددة، آنية في أغلب الأحوال، مثل زيادة الأجور، أو الحفاظ على ثبات
الأسعار، ولا يعود ينحكم لتصور سياسي يطرح قضية التغيير بأفقها الاقتصادي
الاجتماعي والسياسي، أي لا يطرح قضية السلطة. وهذه قضية منطقية فيما يتعلق
بطبقات بسيطة الوعي، تتغلغل الأمية في أوساطها، وبالتالي تحكمها
الايديولوجيا السائدة، هذه الأيديولوجيا التي تلعب دوراًً مهماً في
اقتناعها بأن المطلوب هو «إحقاق الحق»، والحق يعني أن تقدِّم الفئات
المستغِلة بعض التنازلات التي تحسِّن من وضع هذه الطبقات الفقيرة، ما دام
التمايز الطبقي قضية إلهية. إضافة إلى أن هذه الأيديولوجيا تحصر القضية في
جانب مطلبي ضيِّق، لأنها تقنع الناس بأن للسياسة «القادرين على ممارستها»،
وهم غالباً الوجاهات والفئات الميسورة (المستغِلة).
ومن يدرس شعارات كل
الانتفاضات التي حدثت في الوطن العربي، يلاحظ أنها شعارات تطالب بتحسين
الظروف المعاشية. ولقد انتهت حين تحققت بعض المطالب (مثل التخلي عن قرارات
وقف الدعم عن السلع، أو التخلي عن قرارات رفع أسعار السلع الأساسية،
وخصوصاً الخبز ومشتقاته)، ولم نلمس أي شعار سياسي يتعلق بطبيعة السلطة
السياسية، أو طبيعة العلاقة مع الامبريالية(*). وهذا يشير إلى غياب الحركة
الماركسية، وعجزها عن لعب دور في هذه الانتفاضات، لا بل إن دورها في
العديد من الانتفاضات التي حصلت كان سلبياً، حيث أدانت معظم التحركات
باعتبار أنها أعمال شغب وتخريب، ورأت أن المطلوب هو «التفاهم» مع الأنظمة،
من خلال الحوار و«النضال الديمقراطي»، لكي يمكن التوصل إلى حلول شاملة
للمشاكل التي تعانيها الجماهير.
لهذا يمكن التأكيد أنه لن تحقق أي
انتفاضة الأهداف التي تطرحها الطبقات الشعبية إذا لم تلعب القوى الثورية
دوراً مهماً فيها، من خلال تطوير الوعي العام لدى هذه الطبقات. وهذا
يستلزم تطوير أساليب الدعاية والتحريض بهدف إكسابها وعياً مطابقاً
لمصالحها ومطامحها، ومناقضاً لوعي عدوها (الفئات المستغِلة محلياً،
والامبريالية عالمياً). لأن هذا هو الطريق الوحيد الذي يجعل من الممكن أن
ترفع الطبقات الشعبية الشعارات السياسية كشعارات مرادفة لشعارات النضال
المطلبي، وأن تلعب القوى الثورية دوراً مهماً في تطوير أساليب التنظيم
التي تجعل للنشاط الجماهيري جدوى، وتمكِّن من أن تصبح هذه الطبقات قوة لا
تقهر.
أما ما يجري حالياً، فيوضح أن الحركة الماركسية غير قادر على لعب أي دور جدِّي.

وضع الحركة السياسية:

وتكتسب
الحركة السياسية طابعها من الظروف التي تولد فيها، والوضع الذي تعيش فيه.
وتتحدد مهماتها على ضوء الظروف العيانية التي يعيشها الوطن الذي تولد فيه،
والطبقات التي تدافع عنها. هذا إذا أرادت أن تتحول إلى حركة ثورية جذرية،
أما إذا افتقدت كل ذلك، فستصبح حركة هامشية، قد تلعب أدواراً مختلفة،
لكنها لن تستطيع لعب دور قوة الطليعة.
ولقد ولّدت ظروف النضال ضد
الاستعمار القديم الحركة الوطنية العربية منذ بداية هذا القرن، فاصطبغت
بصبغة محددة تقوم على أساس رد الفعل ضد سياسات وممارسات القوى الخارجية،
وحين انهار الاستعمار القديم وتمكنت بعض القوى الوطنية من الوصول إلى
السلطة في عدد من الدول العربية، عجزت عن تحقيق الشعارات التي رفعتها في
ميدان البناء الداخلي، وعلى صعيد الوحدة العربية. ولكن التحولات التي حدثت
خلال السنوات الثلاثين الماضية، ومنها تصفية بقايا الإقطاع والبورجوازية
التقليدية من جهة، ثم تزايد دور «الدولارات النفطية» من جهة أخرى، أوجدت
وضعاً طبقياً جديداً، اتسم بـ«الميوعة» والاختلاط، حيث عملت القوى الوطنية
على أساس «إلغاء الفوارق الطبقية». ولقد أوجدت هذه التحولات ظروفاً أسهمت
في اتساع حجم البورجوازية الصغيرة والوسطى، وحصولها على امتيازات جعلتها
تتكيَّف مع الأوضاع الجديدة، وحققت للطبقة العاملة والفلاحين تحسناً مهماً
في أوضاعها المعيشية، رغم أن الفروقات الطبقية ظلت كبيرة، حيث كان الـ20%
الأغنى في مصر، تحصل على 48.4% من الدخل المحلي سنة 1965، و48.1% في
السودان سنة 1969. أما النفط فقد أثر في البنية الطبقية لكل الدول
النفطية، وانعكس تأثيره على الدول الأخرى من خلال المساعدات والقروض،
وتوظيف رؤوس الأموال، والعمالة.
وأخذ الوضع في التغير مع التحولات
السياسية اليمينية التي حدثت منذ عام 1970، والتي كانت نتاج إشكالات
المرحلة السابقة في المجال الاقتصادي الاجتماعي، حيث نمت فئات طفيلية
استطاعت أن تتحول إلى قوة، وأفرزت تفارقاً طبقياً واسعاً. وقادت هذه
التحولات إلى تزايد التبعية للإمبريالية سياسياً واقتصادياً، التي أدت
بدورها إلى استشراء سياسة النهب. إن سياسة النهب الامبريالي هذه، والتي
أوجدت حالة الإفقار المطلق، أدت إلى إحداث فرز طبقي جديد، اتسم بالاستقطاب
الحاد، مما جعل الطبقات الشعبية في البلدان العربية الفقيرة تعيش حالة من
الفقر الشديد، وصل لدى قطاعات معنية إلى حدّ الجوع، بينما عاشت فئات قليلة
حياة مترفة. لقد ولد هذا الانقسام، وقادت هذه الحالة، إلى انتعاش الحركة
الجماهيرية، واندفاعها في نشاط محموم، وإلى تحول ركودها الطويل إلى
انتفاضات عارمة. وكلما ازدادت حالة الفقر، بسبب تعمق التبعية كلما تزايدت
الانتفاضات، واتسعت وازداد تأثيرها.
لكن اتساع النشاط الجماهيري لم
يرتبط بتزايد نشاط الحركة الماركسية، بل في تراجعه وانحداره. وكان ذلك
يعبر عن مشكلة تعيشها الحركة الماركسية (سوف يجري تلمس بعض جوانبها
لاحقاً). لكن يمكننا أن نتلمس طبيعة علاقتها بالطبقات الشعبية لارتباطه
بما نحاول تبيانه في هذا الفصل. ويمكن القول إن الحركة الماركسية العربية
اتسمت في السنوات الأخيرة بإحدى سمتين، الأولى: الإصلاحية، والثانية:
الطفولية والانقلابية والتآمرية. وهذه السمة وتلك أبعدا الحركة عن الطبقات
الشعبية إلى حد كبير، لأن الاتجاه الإصلاحي، يركز على «ضرورة إقناع»
الفئات الحاكمة بتحقيق مطالب محددة، لا تكون ثورية في جوهرها، لهذا يركز
الاتجاه الإصلاحي على إقامة علاقات أساسية مع هذه الفئات، ويتكيف مع
سياساتها، ربما يحتجّ أو ينتقد لكنه لا يميل إلى الرفض ولا يفكر في
التغيير، لهذا فهو يبتعد عن المشاركة في النشاط الجماهيري الثوري. أما
القوى الطفولية (الانقلابية، التآمرية)، فإنها تعتقد أن التغيير يتم
بتصفية الفئات الحاكمة (مستخدمة أسلوب القتل، أو الانقلاب). وهي انطلاقاً
من ذلك لا تعتقد أن للطبقات الشعبية دوراً سوى التأييد. وهذا وذاك لا
يجدان كبير دور تقوم به هذه الطبقات سوى «التأييد والدعم والمساندة». وهما
معاً، لا يطرحان قضايا الطبقات الشعبية الأساسية، ولا يدافعان عنها، ولا
يخوضان معاركها.
ولقد أظهرت الانتفاضات التي حدثت في مصر، وتونس،
والمغرب، والسودان (مع استثناء محدود للانتفاضة الأخيرة)، أن القوى
السياسية، عدا قوى محدودة، تقف على الحياد، حين يتفاقم الصراع بين الطبقات
الشعبية والبرجوازية الكومبرادورية الحاكمة، وتتخذ مواقف مرتبكة مهزوزة،
لكنها في جوهرها إصلاحية(22). فهي لا تطالب بإزالة الفئات المستغلة
الحاكمة وتأسيس سلطة جديدة تعبّر عن مصالح الطبقات الشعبية، بل تطالب
السلطة القائمة بتحسين أوضاع هذه الطبقات ، أي تخفيف الظلم عنها، وإعطائها
بعض الحقوق المحدودة، وهي تأمل من النظام، أن يحقق ذلك. بمعنى أنها تقف
عند القضايا المعيشية المطلبية فقط، دون تلمس أنه حتى هذه القضايا لا
تتحقق إلا بتغيير السلطة ذاتها.
وإذا كانت الانتفاضة الجماهيرية لحظة
زمنية تقيِّم هذه الطبقات من خلالها الحركة السياسية، لأنها وهي تخوض
معركة وجودها تكون في لحظة شديدة «الحساسية» و«الرهافة»، تستطيع من خلالها
تقييم القوى المختلفة في موقفها من الانتفاضة ذاتها، وفي دفاعها عن
المطالب الجماهيرية، وفي دورها في كل ذلك،. لذلك كانت الانتفاضات
المتتالية لحظات اكتشفت الطبقات الشعبية أنها وحدها في المعركة، وأن
الحركة السياسية تعيش «أحلاماً» غير أحلامها، وهي لا تمت بصلة لأحلامها في
التحرر وإزالة الاستغلال.
لهذا نستطيع القول إن الحركة الجماهيرية
تتجاوز اليوم الحركة السياسية التي نشأت منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتبرزها
كحركة إصلاحية. من هنا تأتي مشروعية البحث في تأسيس حزب جديد، حزب يقوم
على ماركسية حقة، ويندغم بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء لكي يعبّر عن
واقعهم، ويدفعهم للوصول إلى السلطة.


الاقتصاد والسياسة:
النضال المطلبي والنضال الثوري

ركزنا
الاهتمام في الصفحات السابقة على مطالب الحركة الجماهيرية المباشرة،
والمتعلقة أساساً بالجانب الاقتصادي، ولم نولِِ أي اهتمام للسيطرة
الإمبريالية، أو للنضال السياسي، رغم الخطر التي تشكله القوى الإمبريالية،
والذي يزداد تفاقماً، ورغم الإشكالات المعقدة التي يطرحها الواقع العياني،
التي هي إشكالات أوسع مما تطرحه الطبقات الشعبية راهناً، مثل قضية تجاوز
التخلف، وقضية الوحدة القومية مثلاً.. إلخ. فهل يعني الاهتمام بقضايا
الجماهير انتقاصاً من النضال ضد الخطر الخارجي (الامبريالي الصهيوني)؟ وهل
يعني طرح هدف عملي مثل هدف تبني المطالب الجماهيرية تغليب النضال الداخلي
على النضال ضد الخطر الخارجي؟ وهل هناك أولوية في كل هذا النضال الداخلي
والخارجي؟ وإذا كانت هناك أولوية على الصعيد النظري من منطلق أن مواجهة
القوى الإمبريالية هي الهدف الأسبق قبل الخوض في غمار الصراع الطبقي، فهل
يجوز إعطاء الأولوية لذلك في غمار النضال العملي؟ وأساساً هل تأخذ مطالب
الطبقات الشعبية بعين الاعتبار؟ وإلى أي مدى؟
وما يزيد من أهمية
الإجابة على هذه الأسئلة، «النضال الأحادي» الذي ساد العمل الثوري العربي
في السنوات الماضية، حيث انفصم الربط بين النضال الطبقي والنضال القومي،
وبين الداخل والخارج، فأولت بعض القوى النضال القومي الاهتمام الأول، وفي
أحيان كثيرة الاهتمام الأوحد (النضال من أجل الوحدة، النضال من أجل
فلسطين)، وأولت قوى أخرى النضال المطلبي المعاشي (الاقتصادي) الاهتمام
الأول والأوحد. وإذا لمس الاتجاه الأول النضال المطلبي فمن بعيد، وبحياء
شديد، وعادة مراعاة للنشاط الجماهيري. كما أنه إذا لمس الاتجاه الثاني
النضال القومي، فخجلاً وعلى استحياء، وأساساً نتيجة المد الجماهيري
العارم. لهذا انفصمت الحركة السياسية، انقسمت على نفسها، وقسمت الطبقات
الشعبية، ثم انفصمت عن هذه الطبقات. وكانت الحركة الشيوعية العربية هي
التي تعاني من الإرباك الأشد، حيث فصمت بين الطبقي والسياسي، فركزت على
المطلبي من جهة، وفي الحدود المطلبية فقط، وعلى السياسي "الديمقراطي" من
جهة ثانية، وعلى رفض الاستعمار دون نضال حقيقي ضده.
والآن، فإن أي فصم
سوف يؤدي إلى تكرار تجربة فاشلة. لهذا كان من الضروري دراسة الحركة
التاريخية الصاعدة، حركة الأمة باتجاه تحررها ووحدتها، وحركة الطبقات
الشعبية من أجل تقدمها ونهضتها، من أجل إزالة الاضطهاد والاستغلال اللذين
تعيشهما. وإذا كنا نسعى لتحقيق أهداف الأمة وجب علينا أن نربطها بحركة
الطبقات الشعبية، لأنها بالأساس أهداف هذه الطبقات. وهذا يعني أن نتبنى
مطالبها، أن ندافع عن أهدافها ومطامحها، وأن نبذل كل الجهود من أجل
تحقيقها، في التحليل الأخير. لكن أزمات الطبقات الشعبية الملحة، أزمة
الجوع والفقر والتخلف من جهة، وتخلف الوعي لديها من جهة أخرى، يجعلانها
تخوض النضال المطلبي عموماً، وإن سعت بعض فئاتها إلى خوض النضال السياسي.
وهنا لا يجب أن ننسى أن مهمة الحزب الماركسي تتقوم بالضبط في إكساب
الطبقات الشعبية الوعي السياسي المطابق لمصالحها ومطامحها من جهة،
وتنظيمها لكي تخوض النضال الثوري من جهة أخرى.
ولكي نضع القضية في إطارها الصحيح لابد من شرح لعدد من القضايا التي ترتبط بهذا الموضوع:

إن نمو الحزب، أي حزب، يرتبط بمدى انسجامه مع الحركة الجماهيرية، مع وضع
الطبقات التي يسعى لأن يعبر عنها. والانسجام مع الحركة الجماهيرية لا يكون
بطرح القضايا الكبيرة فقط (مثل التحرر والوحدة والديمقراطية)، لأن الطبقات
الشعبية تعتبر هذه القضايا –في أغلب تقدير- حلم جميل، لكنه حلم «لا يسمن
ولا يغني من جوع» بالنسبة لحالتها الراهنة تحديداً، وهي الحالة التي تكون
مدخل اتحاد الحزب بها كطبقة، فالذي يكتوي بالنار لا يريد العسل. وهذا يعني
بالضبط أن نربط بين البرنامج العام والمطالب الجماهيرية، وبتحديد المهام
العملية التي تقنع الطبقات الشعبية. إننا لا نطرح «حلماً» فقط، بل ونطرح
القضايا الواقعية أيضاً، أو بتعبير أدق نطرح الحلم الذي ينطلق من الواقع،
حيث أن تحقيق الأهداف العامة هو الأساس الذي يسمح بتحقيق التطور والحداثة،
وبالتالي تحقيق تحول في الوضع المعيشي لهذه الطبقات.
وإذا كانت هناك
فئات تنسجم مع قضايا مثل قضية تحرير فلسطين، وتتطوع للقتال من أجل
تحريرها، أو كانت هناك فئات أخرى تطالب بالديمقراطية والوحدة، فإن كل هذه
الفئات ستبقى محدودة العدد، قليلة التأثير إذا لم ترتبط الحرية
والديمقراطية والوحدة القومية بمواجهة الجوع والفقر، مادامت حركة الجماهير
الأساسية تندفع، كما هو واضح في الكتلة الأساسية في الوطن العربي (الكتلة
الأساسية من البشر)، في انتفاضات عفوية حين يهتز وضعها المعاشي، حين تزداد
فقراً. فلماذا لا نعتبر هذه هي نقطة البدء لتسييس الحركة الجماهيرية،
وإعطائها الوعي السياسي العميق، الوعي الذي يؤهلها لاستيعاب استراتيجية
الثورة القومية الديمقراطية(*)، ومن ثَّم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

مهماتنا الثورة ومشكلات التنظيم :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

مهماتنا الثورة ومشكلات التنظيم

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» بعد أن أسقطت الثورة الشعبية نظام " بن علي " في تونس . وبعد أن أسقطت الثورة الشعبية نظام " مبارك " في مصر . طرح السؤال ، وماذا عن الثورة الشعبية في سوريا ؟ . وبعد أن اندلعت وتأججت الثورة الشعبية في اليمن والبحرين وليبيا ، وبرزت نذرها في العراق والجزائر وال
» "اللغة ومشكلات المعرفة"نعوم تشومسكي
» لمقاصدية ومشكلات التعارض: أزمة النصّ أم عجز التأويلية المصلحية؟
»  الثورة و الدولة و العنف الثوري في التجربة المصرية امال الحسين الحوار المتمدن - العدد: 3270 - 2011 / 2 / 7 المحور: ابحاث يسارية واشتراكية راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع Bookmark and Share إن امتداد الثورة الشعبية التونسية بشوارع مصر قد حطم م
» الثورة ضد الثورة والشارع ضد الشعب، والثورة المضادة

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: