الماعز تحتفل برأس السنة لكن في دار الدباغ
الـمهـدي الـكــرّاوي -
guerraoui@gmail.com
الناس
في رأس السنة تصاب بعدوى حقيقية، لا تفرق معها بين الفقراء والأغنياء،
الكل يركض بوسائله وإمكانياته وراء الحلوى و«السهير»،... فالكباريهات
والعلب الليلية هذا اليوم في «نهارها» كأنها الأبواب المفتوحة،... الكل
يريد جلب زبائن مع أن الأصح أنهم يريدون جلب سكارى بجيوب مملوءة حتى
تتساقط الأوراق النقدية وتكون كافية لتغطية أجساد الراقصات والفتيات.
أي سنة جديدة يحتفلون بها ليلا وفي الغد يدشنون أول يوم منها والمناديل
معقودة حول رؤوسهم من شدة «الشقيقة»،... وأي سنة يحتفلون بها وفي الغد
تصبح جيوبهم مثقوبة وأرصدتهم فارغة،... لأنهم بالأمس، وهم في قمة نشوتهم
الزائفة بالاحتفال برأس السنة، نسوا أن «ليام طويلة» وأن ما ينتظرهم أشبه
بمنظر الأيتام في مأدبة اللئام، وأن كل ما «حنقزاتو المعزة في الجبال...
تخلصو في دار الدباغ».
لماذا يصاب المغاربة بجنون الاحتفال برأس السنة؟.. فالفقير البسيط العامل
في ورش البناء يلبس مثل «شارلي شابلن» ويعبئ رصيده في الهاتف ويتصل بأكثر
من واحدة من صديقاته ليحجز مكانا وسط حضن امرأة عابرة تتزين بالنسيان لا
يتذكرها سوى في «راس لعام» بحلوى رديئة وكفتة مشوية ودوخة مضمونة،...
والموظف العادي تجره الزوجة مع الأولاد إلى السوق الممتاز ويخرجون منه نصف
أجرته قبل أن يحجزوا له مكانا أمام شاشة التلفزيون لتكسير البرامج السرية
مع أصدقائه العزاب.
في المغرب، هناك أيضا فئة من الأطر المتوسطة والعليا في القطاعين الخاص
والعام ممن ظنوا، برواتبهم التي تتكئ أو تتجاوز بقليل مليون سنتيم شهريا،
أنهم من أغنياء البلد،... هؤلاء يظنون أنه يكفي وضع ساعة يدوية
لـ«بولغاري» أو«سيرتينا» مع نظارات «راي بان» ليحسبهم الناس أثرياء،
وينسون أن الأغنياء لا يشترون الأكسسوارات بشيكات تمتد إلى شهور كما
يفعلون، بل فقط بتوقيع بسيط على تذكرة تخرج من آلة الأداء بالبطاقات
البنكية المذهبة.
أطرنا، من الفئتين المتوسطة والعليا، يتنكرون هم أيضا خلال رأس السنة في
أزياء الأغنياء ويحجزون أماكن في مطاعم وكباريهات يلتقون فيها بأصدقائهم.
وبعد ليلة يمضونها في التباهي بالفيلا والصيف بجنوب إسبانيا وتلوح زوجاتهم
بأيديهن حتى يظهرن مجوهراتهن،... ينهون ليلتهم عند عودتهم إلى المنزل
بتبادل الشتائم حول من دفع الفاتورة وحول «حشيان الهضرة» التي دارت في
أحاديثهم وعن زوجة أحدهم التي لم تنزل عينيها عن أعين غيرها.
الأغنياء «ديال بصح» هم الذين «واتاهم» الاحتفال برأس السنة،... أولئك
الذي يصرفون ما يعادل 10 شواهد ملكية للسكن الاقتصادي في ليلة واحدة، ومع
ذلك عند مراجعة حساباتهم لا يكونون قد صرفوا سوى ما وراء الفاصلة،... فقط
لأنهم لا يحتفلون برأس السنة بقدر ما يحتفلون بعائدات أرباحهم السنوية من
شركاتهم العملاقة،... أما ماعدا ذلك فكله جنون وانتحال لصفة المحتفل،...
رأس السنة عند أولئك الذين يحتفلون بها ينسون أن مغاربة كثرا يمضونها وراء
قضبان السجون وعلى أسرة المستشفيات وبداخل برودة جدران دور العجزة،... وفي
أركان صامتة ينظرون إلى قسوة توالي الأيام وتشابهها... يشيعون سنة من
أعمارهم بندمها وأحلامها المؤجلة... ينظرون إلى أنفسهم كعناقيد شجرة
العنب، لكل حبة ظلها على الأرض... كرحى الريح تعانق الدفء والبرودة،...
كالقرميدة الخضراء، لامعة حين نبللها بالماء... قد نكون خُزامى... لكن من
غير رائحة.