سميح القاسم المد يــر العـام *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 3202
تعاليق : شخصيا أختلف مع من يدعي أن البشر على عقل واحد وقدرة واحدة ..
أعتقد أن هناك تمايز أوجدته الطبيعة ، وكرسه الفعل البشري اليومي , والا ما معنى أن يكون الواحد منا متفوقا لدرجة الخيال في حين أن الآخر يكافح لينجو ..
هناك تمايز لابد من اقراره أحببنا ذلك أم كرهنا ، وبفضل هذا التمايز وصلنا الى ما وصلنا اليه والا لكنا كباقي الحيونات لازلنا نعتمد الصيد والالتقاط ونحفر كهوف ومغارات للاختباء تاريخ التسجيل : 05/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10
| | نقد العقل الغيبي | |
تقوم الأديان القديم منها و الحديث على وجود ما يسمى بالغيب. هذا الغيب هو كل الوجود الفائق للطبيعي من كائنات و ظواهر و موجودات لا تنتمي لعالمنا المادي و لا تخضع لقواعده و بالتالي لا يمكن تفسيرها عن طريق القوانين المادية الطبيعية. الغيب بحكم التعريف هو ما يغيب عن إدراك البشر فلا سبيل لمعرفة الغيب بالحواس البشرية أو عن طريق الآلات و الأجهزة العلمية أيا كانت لأن الغيب يفوق قدرة الإنسان على المعرفة من حيث المبدأ.
بالإضافة لوجود الغيب فهذا الغيب يؤثر على عالمنا و يتأثر به احيانا, فهناك كائن غيبي هو الإله هو المسئول عن خلق الكون و تحريكه بشكل مستمر و هو يتأثر بما يفعله البشر من حسنات أو سيئات بحيث يجازيهم بحسب أعمالهم. و هناك كائنات غيبية مثل الشياطين و الجن و الملائكة و الأشباح تكون مسئولة أحيانا عن بعض الحوادث المادية. و هناك ظواهر غيبية مثل السحر و المعجزات و هناك أماكن غيبية مثل الجنة و السماء السابعة و جهنم و غيرها ..
و مع إن الغيب يفوق العقل و الإدراك إلا أن هناك طرق للكشف عن بعض الغيبيات مثل الوحي و الإيمان و حالات النشوة الصوفية و ما إلي ذلك من الوسائل الذاتية غير الموضوعية و التي لا تخضع للقياس العقلي أو العلمي. المشكلة ان الغيبيات تفوق العقل و الإدراك و لا يمكن البرهنة عليها بأي وسائل مادية, هي فقط موجودة و علينا أن نتقبل هذا الوجود و نتعامل معه. علينا أن نطيع الله و نستعيذ به من الشيطان و أن نسعى للجنة و نرهب جهنم دون أن يكون لدينا أي دليل و لو بسيط على وجود الغيب عموما الذي يلد لنا كل تلك الكائنات و الموجودات و الأماكن الغريبة.
و هكذا نجد أن المؤمنين بالغيب أو الوجود الفائق للطبيعي لا يحتاجون لأدلة و لا للعلم و لا للعقل بل يحيون و هم يخشون الغيب الحاضر في كل مكان و زمان, يحسبون حسابه و يتقونه إعتمادا على إدعاءات بشر ماتوا من آلاف السنين. و هم في سعيهم نحو التواصل مع عالم الغيب يهملون العالم المادي الحاضر بإعتباره عالم فاني لا أهمية له و يسمون هذا السعي روحانية و هداية و إستنارة بما يعني ان السعي في الحياة المادية الحاضرة هو سعي خسيس و ضال و ظلامي.
لكن أسوأ ما في الموضوع هو ان المؤمنين بالغيب في تأكيدهم على الوحي و الإيمان كوسائل وحيدة للمعرفة عن عالم الغيب و عالمنا الحاضر إنما يطعنون في قيم إنسانية مهمة مثل العقلانية و المنهج العلمي. يتحججون بان العقل قاصر و أن العلم ناقص و أن الإنسان ضعيف و فاني فيصطادون في الماء العكر بتركيزهم على سلبيات كينونتهم و ضعفهم الشخصي و هو العيب الواضح في شخصية كل من يعادي القيم الإنسانية و يحاول ان يسفه الإنسان و يطعن في رقيه و تقدمه.
يشيد العلم قصورا و منارات و يصل بنا العقل إلي أطراف الكون فيطعنون في القدرات العقلية للإنسان و في إنجازاته العلمية و ينسبون كل ما هو جيد للغيب. يعفون الإنسان من إستخدام عقله بحجة أن الإيمان القلبي اولى بالإتباع و أن العقل خاضع للحواس المادية التي لا تدرك الكثير من الأمور. و هكذا و إعتمادا على ان الغيب غير قابل للإدراك عن طريق الحواس أو العلم ينتصرون لوجود الغيب و للوسائل الغريبة في تلقي المعارف الغيبية مثل الوحي و الإيمان.
المؤمنون بوجود الغيب يدافعون عنه بحجة الجهل البشري فيقولون أننا نجهل المستقبل و نجهل الكثير من الأشيئاء في الكون و لذلك فإمكانية وجود الغيب موجودة. و هو صحيح ان العلم لم يفسر كل شيء حتى الآن إلا أن هذا لا يعني بأي حال أننا مضطرين للجوء للتفسيرات الغيبية. فالإعتراف بالجهل و من ثم البحث عن الإجابة بطريقة علمية يعني أن الإنسان قادر على الوصول إلي كل معرفة ممكنة لو أتيحت له التكنولوجيا المناسبة و الوقت الكافي. و بالطبع مع الإعتراف بالجهل يكون من الضروري أن نتوقع وجود تفسير مادي طبيعي لأي شيء.
فالتفسير المادي الطبيعي هو افضل تفسير لما لم يكتشفه العلم بعد نسبة إلى باقي التفسيرات الأخرى، وهذا يأتي من أن العالم يصبح عقلاني في ظل التفسير الطبيعي كون التفسير بالالهة والارواح لايتضمن آلية صدور هذه الأسباب ولايتضمن طريقة لدراسة هذه الأسباب ولايتضمن فوائد عملية تنتج من هذا التفسير. كما أن التوقعات المادية الطبيعية حتى تفسر ما لم يفسره العلم بعد فانها تفترض عدد اقل من الفروض مما يمكن ان تفترضه المنظورات الأخرى، على سبيل المثال، تفسير ظاهرة ما بسبب فوق طبيعي مثل الالهة يحتاج شبكة واسعة من الفرضيات الأخرى والغير مثبتة تتعلق بقدرات هذه الالهة ووجودها وعلمها ومشيئتها وعلاقتها بالعالم الطبيعي ومعظم هذه الفرضيات تبقى بلا جواب أو توضع على رف عجز الإنسان عن تصور الالهة، وبما ان كل فرض قد يحتمل الخطأ وكان تقليل الفرضيات اللازمة لتفسير ظاهرة معينة مطلوباً لتقليل الخطأ الكلي فان التفسير المادي الطبيعي هو التفسير الاقل احتمالاً للخطأ وبالتالي يكون التفسير الافضل.
إضافة لذلك فإن التفسير بالغيب يهدر كل البعد التاريخي لكل الاكتشافات العلمية والتقدم المعرفي فالعديد من الظواهر الطبيعية تم بداية إرجاع مسبباتها إلى الغيبيات (غضب الآلهة الذي كان يسبب فيضان نهر النيل وحاجة الآلهة للتضحيات البشرية ليهدأ النيل على سبيل المثال) وبتقدم المعرفة العلمية والقدرات البشرية توصلنا لمعرفة أسبابها وتبيّن أنها أسباب مادية وليس غيبية.
لا يمكن لاحد العلماء ان يجادل بان العلم يعرفنا كل شيء و لكن الغيب يقدم تفسيرات أعقد من أن تكون حقيقية بينما التوقعات المادية الطبيعية هي أقرب للبساطة و من ثم الحقيقة. بالإضافة لأن التفسيرات الغيبية تتجاهل تتطور العلم و نموه الدائم منذ عصور النهضة و التنوير. في الواقع إن الغيب يطعن في مصداقية الإنسان كإنسان له عقل و قدرة على تحقيق ذاته.
لكن أهم رد من الممكن ان يقال أن التفسيرات الغيبية ليست تفسيرات من الأساس, فالقول بأن شيء ما في علم الغيب او هو حكمة إلهية أنما يعبر عن جهل القائل و ليس علمه. و تحضرني حكاية ساذجة يحكيها معظم المؤمنين بالغيب و الإله الواحد يوضحون تصورهم عن التفسيرات العلمية لنشوء الحياة و تطورها, التي تعمل و كانها سحر غير مبرر. فيقول الواحد منهم انه و هو ماشي في الشارع يبحث عن تاكسي و لا يجده فوجئ بركام سيارة يتجمع لوحده مكونا سيارة احدث موديل في إنتظاره و أنها قد أوصلته إلي المكان الذي يريده. ثم يكذب صاحب الرواية الساذجة نفسه قائلا بإستحالة قصته كما ان التطور التلقائي للحياة هو مستحيل أيضا.
في الواقع أن قصة التصنيع التلقائي للسيارة تلك تعبر عن قصة الخلق بأكثر مما تعبر عن قصة نشوء الحياة و تطورها كما يرويها لنا العلم الحديث. فالتفسير الغيبي يقول بأن الله قال للأشياء كوني فكانت و هذا يعني أنه يستخدم السحر أو المعجزات و هي تفسيرات غيبية لا توضح الآلية أو الكيفية المتبعة في الخلق و بالتالي لا يتبقى إلا تصور الأشياء و هي تنبثق من العدم و تتجمع تلقائيا لترضي الإله بالضبط كما في قصة التصنيع التلقائي للسيارة. إنما التفسيرات العلمية المادية الطبيعية هي التي توضح لنا آلية أي حدث أو ظاهرة بالتفصيل الممل و بأكبر قدر ممكن من التبسيط.
لذلك يمكن القول أن التفسيرات الغيبية ليست تفسيرات من الأساس لانها تبقى فائقة للإدراك و المعرفة و تبقى الآليات و الكيفيات مجهولة, و هكذا فحين أسمع من يحكي لي تلك القصة عن السيارة أو المركب التي يتم تجميعها تلقائيا أقول لصاحبها أن تلك القصة هي قصة الخلق الإلهية و ليست قصة التطور التلقائي من كائنات بسيطة كما يرويها العلم. فلو كان المرء موجودا وقت خلق الأشياء بحسب الروايات الغيبية لما وجود شيئا مختلفا عن تلك القصص الساذجة عن تجمع الأشياء لوحدها في ثانية واحدة.
لكن في الروايات العلمية تؤثر الطبيعة في تكوين الأشياء عبر ملايين السنين بعوامل كثيرة مثل الحرارة و الضغط و المناخ و .. ألخ, روايات لها دلائل و إثباتات و قد نشأت تلك الروايات بالتعب و الجهد الجهيد من علماء خدموا البشرية بأبحاثهم و معارفهم, و ليس عن طريق شعوذة أو قراءة طالع او وحي ينزل على شخص و لا يراه غيره. تعب و جهد و ذكاء و ليس سهولة و راحة و قلة حيلة. | |
|