كيف أدار مروان حمادة معركة شبكة اتصالات المقاومة ميشيل سيسون (أرشيف)
إيران تلكوم تستولي على البلد، عبارة قالها مروان حمادة للقائمة بالأعمال في السفارة الأميركيّة، ويقصد شبكة الاتصالات الخاصّة بحزب اللهالتقت القائمة بالأعمال في السفارة الأميركية في بيروت، ميشيل سيسون، الوزير مروان حمادة، بحضور الملحق الاقتصادي في السفارة. وضع حمادة الدبلوماسية الأميركية في أجواء شبكات الاتصالات الداخلية الخاصة بحزب الله، وشكا من تقاعس عدد من حلفائه وخوف المؤسسات الرسمية من مواجهة الحزب. واللافت أنّ تعليق السفارة على هذا اللقاء ينتهي بعبارة: «الحكومة اللبنانية قد تأمل أن يقوم طرف آخر بمواجهة هذا التحدي».
مذكرة 16 نيسان 2008«إيران تلكوم تستولي على البلد» هي أولى الكلمات التي تلفظ بها الوزير مروان حمادة خلال لقائه القائمة بالأعمال في السفارة الأميركية في بيروت، ميشيل سيسون، والملحق الاقتصادي في السفارة، يوم 16 نيسان 2008. وأشار حمادة إلى اكتشاف نظام ألياف بصرية كامل وضعه حزب الله، ممتد على كل الأراضي اللبنانية، مضيفاً أنّ الحزب وضع في الخدمة نظام «ويماكس» إلى ضواحي بيروت الجنوبية.
ولفت حمادة إلى أنّ موضوع شبكة الألياف البصرية الخاصة بالحزب بات أمراً معروفاً، مشيراً إلى أنّ المؤسسة اللبنانية للإرسال تناولت هذه القضية في تقرير لها ليل 15 نيسان 2008. وأكد أن لا علاقة للحكومة اللبنانية بهذا التقرير، نافياً أن تكون الحكومة قد سرّبته للمؤسسة الإعلامية، ومشدداً على إمكان استخدام هذه الرواية.
وأكد حمادة أنه أطلع الحكومة على هذه المعلومات، وتشاركها مع بعض «أصدقائه» في الخارج، في الدول العربية وفي أميركا وفرنسا (صُعق ساركوزي عند اطّلاعه على هذه المعلومات)، إضافة إلى ناظر تطبيق القرار 1559، تيري رود لارسن، وأنه خلال زيارته لباريس، وضع حمادة كلاً من برنار كوشنير، جان دافيد لوفيت، بوريس بويون وميشال بارنسيه، في هذه الأجواء، كذلك تواصل مع القائم بالأعمال في السفارة الفرنسية في بيروت، أندريه باران، والسفير السعودي عبد العزيز خوجة.
أما الرئيس سعد الحريري، الذي كان في السعودية حينها، فقد أرسل طائرة خاصة لتحمل نسخة عن الخريطة التفصيلية لهذه الشبكة، لمشاركتها مع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز ورئيس الاستخبارات السعودية مقرن بن عبد العزيز.
وأشار حمادة إلى أنّ الرئيس فؤاد السنيورة قام بجولة في المنطقة ونقل هذه الأجواء إلى كل من الأردنيين والإماراتيين ورئيس جامعة الدول العربية عمرو موسى. وقال إنه بعد إبلاغه الرئيس السنيورة ورئيس اللقاء الديموقراطي، وليد جنبلاط، بهذه القضية، أول شخص شاركه هذه المعلومات هو البطريرك الماروني نصر الله صفير. وقال حمادة إنّ التأثيرات الاستراتيجية لمخطط حزب الله هي استهداف المناطق المسيحية، رغم إنكار الحزب هذا الأمر. ويضيف التقرير أنّ حمادة والسنيورة وجنبلاط والوزير إلياس المرّ نشطوا في سعي الحكومة اللبنانية إلى جمع المعلومات عن الشبكة.
اعتراض الاتصالات المرتبطة بالشبكةلفت حمادة إلى أنه فيما ووجه حزب الله في موضوع شبكته للألياف البصرية، كانت الاتصالات الخلوية موضع اعتراض من قبل سوريا في الشمال، وإسرائيل في الجنوب، واحتمال تدخل قوات اليونيفيل في البحر. لم تؤكد قوات اليونيفيل رسمياً الاعتراض الإسرائيلي، فيما لم يصدر عن قيادة الجيش أي شكوى رسمية.
أما الاختراق السوري فكان شبيهاً بالاختراق الذي حصل خلال أحداث نهر البارد، ويسلّط الضوء على قدرة السوريين على التواصل داخل لبنان خارج نظام الاتصالات اللبناني.
وعبّر حمادة عن اعتقاده بأن تكون شركة «أم. ت. ن» للاتصالات العاملة في سوريا التي تغطي المنطقة الحدودية الشمالية بين لبنان وسوريا، تقدم تغطية سياسية لمصلحة الحكومة السورية التي يعتقد أنها خلف هذه المشكلة. وأشار حمادة إلى أنّ هذا الأمر هو نفسه التدخل الاستراتيجي في لبنان، الداخلي والخارجي، وقد حمل خريطة تحدد التدخلات التي تحصل على شكل قوس يمتد من الشمال إلى الجنوب.
اجتماع لـ14 آذار بوجود الحريريسعد الحريري كان في السعودية وأرسل طائرة لتحمل نسخة عن الخريطة
وقال حمادة إنه والسنيورة والمر في خطر، وإنه والمرّ سيأخذان أكبر المجازفات بكشفهما شبكة الألياف البصرية الخاصة بالحزب. وأبلغ السنيورة أنه لن يجازف وحده في مواجهة الحزب، مشيراً إلى أنه وجنبلاط اعتادا التهديدات الجسدية، ولافتاً إلى أنّ جنبلاط أراد عقد مؤتمر صحافي لعرض موضوع شبكة حزب الله. ورأى حمادة أنّ هذا الملف هو قضية لـ14 آذار، ولا يمكن حلّه دون رئيس تيار المستقبل سعد الحريري. وشكا من أنه لم يُعقد بعد اجتماع أكثري أو اجتماع حكومي لمناقشة هذه القضية، مضيفاً أنه طرح هذا الأمر مع الرئيس السنيورة في 15 نيسان، وأنه سيعيد طرحه اليوم.
وأشار حمادة إلى أنه أطلع لارسن على هذه المعلومات من دون أن يسلّمه الخريطة التفصيلية لشبكة الحزب، وأكد له أنه سيسلّم هذه الخريطة إذا قررت الحكومة رفع الملف إلى مجلس الأمن الدولي.
ردّ حزب الله: لا تمسّوا شبكتنانقل حمادة أنّ مدير الاستخبارات في الجيش العميد جورج خوري، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، التقيا مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا. طلب خوري من الأخير إسقاط جزءين من الشبكة كخطوة أولى، فرفض صفا الذي أكد أنّ شبكة الاتصالات تدخل في عملية دفاع الحزب عن لبنان، وأنّ الحزب سيعدّ أي تعرّض للشبكة بمثابة عدوان. وشكا حمادة من أنّ الرئيس السنيورة تلقى من خوري تقريراً خطياً عن لقائه بصفا، وأشار الوزير إلى أنّ التقرير لم يكن موقّعاً فأعيد إرساله ليوقّعه خوري. وتضمّن التقرير أنّ الحزب يرى أنّ السنيورة وحمادة والمر يرفعون ملف الشبكة لإعادة فتح ملف سلاح الحزب. وأضاف التقرير أنّ صفا أقرّ أمام خوري وريفي بوجود الشبكة، مشيراً إلى أنها غير مطروحة للنقاش لكونها مفتاحاً أساسياً في ترسانة حزب الله، وبالتالي يمكن مناقشتها فقط في إطار الاستراتيجيا الدفاعية. وتابع صفا أنه ليس لشبكة الاتصالات آثار اقتصادية أو تجارية، مؤكداً أنها لا تخترق المناطق المسيحية.
تأكيدات الحزب كاذبةعبّر حمادة عن عدم تصديقه لتأكيدات حزب الله ومواقفه، ودحض ادّعاء الحزب أن تكون الشبكة فقط لتوفير تواصل دفاعي على امتداد البلد. وأشار حمادة إلى وجود سنترالات وموزّعات ومقوّيات للإرسال في عدة مناطق، مضيفاً أنه بلا شك هذه الخطوط تصل إلى قرى ومساكن أخرى. وقال حمادة إنّ عناصر حزب الله ينتظرون فقط أن تذوب الثلوج عن مرتفعات المتن وكسروان «المسيحية»، حتى يستكملوا خرقهم لهذه المناطق من جهة الشرق.
وقال حمادة إنّ حزب الله استعان بقدرة البلديات على استصدار تصاريح محلية لتنفيذ هذه العملية بعيداً عن أعين الناس. وقدّم مثلاً على ذلك، فأشار إلى أنّ الحزب يعمل في مدينة صيدا بغطاء من رئيس البلدية عبد الرحمن البزري. وأضاف حالة أخرى في وزارة الطاقة التي غطّت عمل عناصر الحزب تحت ذريعة «تعزيز خطوط الطاقة»، معتبراً أنّ هذه الحجة ساقطة. وتابع حمادة لافتاً إلى أنّ كل المشاريع والإمدادات التي حصلت في البقاع قامت بها مجموعات منفصلة لا يطّلع بعضها على عمل بعض.
الاكتشاف والتقريروصل التقرير الرسمي الأول من منطقة الشويفات وتضمّن تركيب حزب الله نظام ألياف بصرية، وطالب وزارة الداخلية بالتدخل لإيقاف العمل. لم يتحرك أحد «لأنهم لا يجرؤون على فعل شيء»، بحسب حمادة. وتابع: مع اكتشاف خطوط الاتصالات التابعة لحزب الله، التي تمتد في بيروت حتى بمحاذاة حائط السفارة الفرنسية، طلبت الحكومة من الحزب إزالة هذه الخطوط. حصل ذلك. واعتقد حمادة حينها أنّ هذا الأمر سيمتد أيضاً إلى شبكة الاتصالات الحزبية في الجنوب.
وقال حمادة إنّ تقرير وزارة الاتصالات أشار إلى أنّ مهندسين في الوزارة، بمن فيهم مهندسون شيعة من الجنوب، وضعوا نظام الاتصالات الخاص بحزب الله.
تمويل إيرانيإنّ الخريطة التي سلّمها حمادة إلى السفارة أظهرت الخطوط التي تصل بيروت، مروراً بجانبي المطار، بالجنوب قرب الليطاني، وبالبقاع وصولاً إلى الشمال. وأظهرت الخريطة نفسها أنّ هذه الخطوط تغطي المخيمات الفلسطينية ومخيمات التدريب التابعة لحزب الله في البقاع، كذلك دلّت على أنّ الشبكة تخترق عمق المتن وكسروان. وقال حمادة إنه يملك بعض الأسماء المرتبطة بهذه الشبكة، من دون أن يذكر أسماء الشركات المسؤولة عن هذه التركيبات، مشيراً إلى أنّ هذه المعلومات قد تجهز قريباً.
ولفت حمادة إلى أنّ المؤسسات التي تعيد بناء الطرقات والبنى التحتية بعد حرب تموز، بأموال إيرانية، اتُّهمت سابقاً بأنها تُمدّد شبكات الاتصالات بالتوازي مع الطرقات الجديدة. وأكد حمادة أنه يريد، بمساعدة الحكومة، الحصول على أسماء هذه الشركات المتورطة في هذه الأعمال، ووضعها على لائحة سوداء.
انتصار استراتيجيرأى حمادة أنّ نظام الاتصالات الخاص بحزب الله انتصار استراتيجي لإيران، لكونه خلق محطة خارجية إيرانية في لبنان مروراً بسوريا، وأنّ قيمة هذا النظام استراتيجية لدى الإيرانيين أكثر مما هي اقتصادية أو تقنية، وأن قيمة هذا النظام بالنسبة إلى حزب الله هي في كونه خطوة أخيرة قبيل إنشاء دولة خاصة به، مشيراً إلى أنّ الحزب يمتلك جيشاً وسلاحاً، محطة تلفزيونية، نظاماً تعليمياً، مستشفيات، خدمات اجتماعية، نظاماً نقدياً ونظام اتصالات.
وأشار حمادة إلى ثقة حزب الله بنفسه، ناقلاً أنّ صفا أبلغ خوري وريفي أنّ أي حركة تجاه نظام الألياف البصرية ستُعدّ «هجوماً إسرائيلياً»، وسيُتعامل معها على هذا الأساس.
وتابع قائلاً إنه عندما لفت خوري وريفي إلى أن الناس قد ينزعجون ويخاصمون الحزب نتيجة هذا النظام وشبكاته، ردّ صفا «لا نأبه بذلك، وسنقبل بذاك العداء». وبحسب حمادة، شعرت الحكومة بعد هذا الموقف بضرورة إعلام أصدقائها لاتخاذ القرار اللازم.
حمادة يُعدّ حملة داخليةفي الوقت الحاضر، يُعدّ حمادة لـ«حملة داخلية قوية جداً»، رأى الوزير أنها قادرة على «تدمير (الجنرال ميشال) عون» وتحفيز المسيحيين والتأثير في الشيعة القلقين من حزب الله. وأشار التقرير إلى أنّ حمادة ينتظر اجتماع قوى 14 آذار، فيما النائب الحريري غادر في جولة إلى لندن وجنيف، ومن المتوقع عودته إلى الرياض في 20 نيسان.
ورأى حمادة أن أمام الحكومة خيارين: التوجه مباشرة إلى مجلس الأمن، أو مواجهة الحزب عبر قطع الخطوط. وتساءل: «هل تمتلك قيادة الجيش الجرأة على القيام بذلك، أم هي خائفة من كلام صفا باعتبار أي خطوة في هذا الاتجاه ستعدّ عدواناً؟».
تعليق السفارة:
في العام الماضي، عندما اكتشفت وزارة الاتصالات التابعة لحمادة نظام الاتصالات الخاص بحزب الله والخطوط التي تمر بمحاذاة السفارة الفرنسية، أكد حمادة أنّ الحكومة لن تتساهل في قضم حزب الله سلطتها وأراضيها. لكن بعد قطع الخطوط القريبة من السفارة الفرنسية، لم تُنفّذ أي خطوة إضافية. هذه المرة، يبدو أنه من خلال مشاركة واسعة لتفاصيل الخطة، فإنّ الحكومة اللبنانية قد تأمل أن يقوم طرف آخر بمواجهة هذا التحدي.