هل اندلع الصراع على السلطة في السعودية؟
صحف عبرية:
2010-12-05
التصقت فضيحتان هذا الاسبوع باسم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في الفضيحة الصغيرة اشتكى المرضى وأبناء عائلاتهم في المستشفى في نيويورك من أن الملك، الذي اجتاز هناك عملية جراحية طارئة في العمود الفقري، وحاشيته سيطروا على طابق الشخصيات الهامة. الفضيحة الثانية انكشفت في وثائق ويكيليكس:
في محادثات مغلقة بين العاهل السعودي ومستشاريه للشؤون الايرانية من جهة والمستشارين المقربين من الرئيس اوباما منجهة اخرى قال المبعوث الخاص للملك انه 'يجب قطع رأس الافعى'، و'محظور الثقة بالايرانيين'.
وقد أثارت التسريبات اصوات التحقير في القصر الملكي، حيث أعلن الناطق بلسان الخارجية السعودية اسامة نقلي 'هذه منشورات حقا لا تعنينا'.
وثيقة واحدة فقط مع ذلك أثارت اعصاب السعوديين وهي التي تضمنت تفاصيل الحديث الذي دار ثنائيا بين الملك عبدالله ومستشار الرئيس اوباما لمكافحة الارهاب جون بيرنن، وكان هذا في اذار (مارس) 2009، في الرياض، حين اقترح الملك السعودي ان تـُلصق بالسجناء المحررين من سجن غوانتانامو شرائح متابعة وشرح بانه يجب ان يجرى لهم مثلما يجرى للجياد كي نتمكن من معرفة اين يوجد كل واحد من مثيري المشاكل. بعدها علق بيرنن قائلا 'ضبطت نفسي كي لا اضحك بصوت عال على الفكرة الهاذية'، وقال انه شرح للملك 'الفارق البارز بين الجياد ومعتقلي غوانتانامو هو انه ليس للجياد محامون'.
وبينما ينزل الملك عبدالله في المستشفى، تحاول المملكة بث صورة وضع هادئة، الرياض لا تتأثر بكشف الكراهية الشديدة والشبهات على آيات الله والبرامج النووية لايران. وحسب الاستخبارات السعودية، فان ايران تسعى الى اسقاط النظام الملكي لآل سعود واقامة دولة اسلامية على نمط ايران بدلا منه، تسيطر على الاماكن المقدسة لملياري مسلم.
في يوم الاحد من هذا الاسبوع اعتقل 149 شخصا خططوا لاستغلال الفوضى وصراعات القوى لضعضعة الامن الداخلي في المملكة. ولدى التحقيق معهم تبين ان نصفهم على الاقل تلقوا تمويلا من الحرس الثوري في طهران. وقال أحد المعتقلين 'قالوا لنا ان نستغل مرض الملك. وانه بشكل عام ليس مؤكدا ان يعود الملك وقريبا ستبدأ صراعات الخلافة'.
مئات الامراء خائبي الامل
يوم الاثنين الماضي، قبل أن ينقلوه على عجل من المستشفى في الرياض الى مستشفى في نيويورك أصر الملك السعودي (87 عاما) على اجراء سلسلة من التعيينات في قيادة الحكم. ولم يعين خلفا ولكنه وزع الصلاحيات. وفاجأ وزراء الحكومة حين ضم اليهم ابنه البكر، الامير متعب (56 سنة) وعلى الفور عينه بمرسوم ملكي خاص رئيسا للحرس القومي، كما حرص على أن يتلقى اخوه، الامير بدر (77 سنة) رئيس الحرس الحالي، تلميحا إلى انه 'حان الوقت لان يذهب الى البيت'. بعد ذلك وسع الملك صلاحيات أخيه، الامير نايف (76 سنة) الذي يشغل اليوم منصب وزير الداخلية وعينه مسؤولا ايضا عن الحدود مع الدول المجاورة الخمس. بعد لحظة من علمه بالمنصب الجديد سارع الامير نايف الى تعيين ابنه نائبا له. عشرات الامراء الاخرين، الذين يتطلعون نحو كل وظيفة شاغرة، أغلقوا على أنفسهم فورا لعقد مشاورات طارئة. وافاد دبلوماسي اوروبي قائلا: 'اعرف ان الامراء غاضبون جدا. مئات الامراء خائبي الامل في مملكة ثائرة الاعصاب من شأنهم ان يصبحوا مشكلة حادة'.
مرسوم ملكي آخر مدد بأربع سنوات ولاية السفير في واشنطن، عادل الجبير. وهذه وظيفة اساسية في السلك الدبلوماسي للمملكة، والملك عبدالله لا يريد مفاجآت في السلوك تجاه البيت الابيض. الجبير، الذي رفع الى البيت الابيض 'طلب قطع رأس الافعى الايرانية'، هو مدلل ورجل سر الملك، وفي امريكا ايضا يعترفون بمكانته الخاصة. وكذلك ليس صدفة، ان يحظى المفتي الاكبر للسعودية، عبدالعزيز الشيخ، بأربع سنوات ولاية اخرى، سيتعين فيها عليه أن يتصدى للمعسكرين المعاديين في الدولة: الاصلاحيين، الذين يطالبون بمشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات والمتزمتين من التيار الوهابي، الذين يصرون على الانغلاق التام وادارة المملكة 'بروح الاسلام الصحيح'. في نظرهم، كل ما يشتم منه امريكا يعتبر دنسا اما الملك عبدالله فهو زعيم التيار المتجدد الذي يقود التغييرات في الدولة ولكن ببطء: خطوة كبيرة الى الامام، مثلا في موضوع حقوق النساء، نظرة حذرة الى اليمين، نظرة الى اليسار وخطوتان الى الوراء لتهدئة روع المحافظين.
الصحافي السعودي جمال خاشقجي مستعد لان يؤكد المنشورات التي تقول ان المملكة مريضة، واوضح 'صحيح أن الملك مريض، وكذا القائم باعماله مريض ايضا ووزير آخر يحتل منصبا هاما (حاكم مدينة العاصمة الرياض س. ب) مريض هو الاخر، ولكن لدينا مؤسسات حكم من مهمتها ان تعالج الاوضاع غير العادية'. واضاف 'أنا أقرأ عن صراعات القوى التي تجري داخل البلاط الملكي، وبودي أن اهدىء الروع: في الوضع الحالي لا يمكن لاحد عندنا أن يسمح لنفسه بالخروج عن الاطار والبحث عن مغامرات'.
وحسب وزير الصحة فان الملك يعاني من تجلط دموي في المستوى السفلي لعموده الفقري، ولكن حسب تقارير سرية لدبلوماسيين اجانب في الرياض، فان الملك يعاني من السرطان ومن آلام شديدة تزعجه في اداء مهامه منذ خمسة اشهر. النزول في المستشفى في نيويورك، على حد قولهم، قد ينتهي بالشلل التام ان لم يكن بوضع اسوأ. القصر في الرياض أعلن بان العملية الجراحية تمت بنجاح.
مزح الملك مع الصحافيين 'سألت الاطباء ما الذي يوجد عندي بالضبط؟'، 'قالوا لي ان هذا بشكل عام مرض نسائي. غريب، ليس واضحا كيف وقعت في المرض. حتى اليوم لم تفعل النساء لي سوى الخير (وهو متزوج من أربع نساء). والان يتبين انهن يعطينني شيئا ليس ناجحا بقدر كبير'. مهمة تعيين خليفة تركها الملك لمجلس البيعة وهو مجلس عائلي لكبار الامراء ينعقد حسب القانون فقط اذا ما اعلن عن عدم قدرته على اداء مهامه، ولكن منذ الان يمكن ملاحظة المؤشرات الاولى للصراعات التي ستندلع.
وسارع عشرات الامراء الى الهبوط في الرياض للمشاركة في السباق نحو المناصب الاساسية. أول من استدعي هو القائم باعمال الملك (ولكن ليس خلفه الرسمي) أخوه من أبيه، الامير سلطان ابن 84 عاما. وحسب معلومات استخبارية فان الامير سلطان المريض غير قادر على اداء مهامه وقد دعي الى الرياض شكليا فقط. وعاد أيضا أخ آخر، الامير سلمان (71 سنة) حاكم مدينة الرياض الذي يتبوأ ايضا المنصب المعقد المسؤول عن شؤون العائلة المالكة. هذا المنصب يسمح له بان يسيطر على مليارات الدولارات من مداخل النفط، المودعة في حسابات الامراء الخاصة. لديه قوة عظيمة، غير أنه هو أيضا مريض: الامير سلمان تبرع بنخاع العظام لاخيه سلطان وفي اثناء اقامته في المستشفى شخص لديه ورم خبيث.
أمير آخر عاد هو بندر (71 سنة) الذي كان سفيرا في واشنطن اعيد الى الديار بعد عمليات 11 ايلول (سبتمبر)، عندما اكتشفت في حسابات البنوك لزوجته تحويلات مالية للقاعدة. ويحرص بندر الان على الظهور في الساحات الصحيحة. أمير آخر عاد فجأة الى العناوين الرئيسية هو تركي الفيصل، الذي تبوأ منصب رئيس الاستخبارات والسفير في لندن وفي واشنطن.
من يبحث عن أدلة معارك الخلافة الجارية في الساحات المغلقة، مدعو لان يلقي نظرة الى اعلانات التهنئة 'بالشفاء التام والعاجل' للملك، والتي تغطي صفحات الاخبار للصحافة السعودية في الاونة الاخيرة. مئات الامراء يقاتلون في سبيل مكان بارز في هذه الاعلانات. تسلسل المباركين يشكل مفتاحا لحل لغز أنظمة الحكم والقوة في المملكة السعودية. في المكان الاول، يوجد بالطبع الامير سلطان، القائم بالاعمال. ولكن احدا لا يصدق بان بوسعه على الاطلاق أن يؤدي مهامه. لسلطان ابنان معني هو بدفعهما الى الامام وكل جهود الامير نايف في احتلال المكان الثاني في الاعلانات باءت بالفشل.
في السلالة الملكية السعودية يوجد 3 الاف امير، والمئات منهم يقفون في طابور طويل لنشر اعلانات التهنئة. وهم يؤمنون بانه حتى اذا ما شفي الملك وعاد الى الديار فان هذا هو الوقت للكفاح في سبيل المناصب والترفيع. يدور الحديث عن القوة، الصلاحيات والمال. كل صدمة في الحكم من شأنها أن تهز سوق النفط العالمية بأسرها. المال الخاص للملك عبدالله يقدر حسب مجلة 'فوربس' بـ 22 مليار دولار وهو من الخمسة الاوائل للحكام الاغنى في العالم.
ولكن لا يدور الحديث فقط عن المال. منذ تسلم الملك عبدالله الحكم دخلت السعودية في نشاط سياسي متفرع وهي تتماثل مع المعسكر المعتدل في العالم العربي، الى جانب مصر، الاردن والمغرب. تكاد لا تكون هناك دولة هامة لا تصل اليها الايادي الطويلة لالاف اولياء العهد وتقديم التبرعات دون حساب مقابل موطىء قدم سياسية. هكذا في العراق، في السودان وبالطبع في لبنان، نقطة ضعف الاسرة المالكة في الرياض، اسياد ابناء عائلة الحريري.
مستقبل مبادرة السلام
في داخل الجلبة المفاجئة وتوزيع الصلاحيات، الاهم الان لمدعي التاج هو الامتناع عن خلق انطباع الفراغ السلطوي. ومن استغل منذ الان التشويش السائد في السعودية هو رئيس وزراء قطر، حمد بن جاسم، الذي صعد الى الطائرة هذا الاسبوع وهبط في بيروت. من ناحية الامارة الصغيرة، فان هذا الزمن للدخول في دور الوسيط بين القيادة اللبنانية ثائرة الاعصاب وبين حزب الله واشراك الرئيس السوري لمنع الاضطرابات التي قد تنشب في لبنان في اعقاب نشر تقرير التحقيق في ملابسات تصفية رئيس الوزراء رفيق الحريري.
غياب الملك عبدالله من شأنه ان يوجه ضربة لصفقة سلاح بقيمة 60 مليار دولار وقع عليها الامريكيون مع السعودية في حالة مواجهة عسكرية مع ايران. الصفقة جيدة للطرفين. للملك عبدالله، الذي أصر على كشف الصفقة كي يردع ايران من اجتياح بلاده واسقاط الاسرة المالكة، مهم الحفاظ على علاقات وثيقة مع البنتاغون ووكالات الاستخبارات. مثال على ذلك جاء في الشهر الماضي عندما كشفت الاستخبارات السعودية عن عبوات ناسفة كانت سترسل من اليمن لتتفجر في الولايات المتحدة. الرئيس اوباما الذي هاتف هذا الاسبوع ليتمنى للملك شفاء عاجلا في المستشفى في نيويورك، لم ينسَ.
بالنسبة للعلاقات مع اسرائيل، ليس سهلا كشفها، ولكن منذ ان دخل عبدالله القصر في 1996، بعد أخيه الملك فهد، كف عن اداء مهامه بسبب سلسلة جلطات دماغية وأكثر من ذلك، منذ أن عين ملكا رسميا في 2005 تدار علاقات، وتوجد اتصالات. هنا وهناك ينشر نبأ، لا يمكن لاحد ان يحصل على تأكيد له، عن زيارة سرية لرئيس الموساد او عن لقاءات سرية لمبعوثين ومبعوثيهم في اوروبا. ولكن قبل ثماني سنوات حين كشف الملك عبدالله للصحافي الامريكي توماس فريدمان 'مبادرة السلام السعودية' التي اقترحت علاقات كاملة مقابل انسحاب كامل، حرصت اسرائيل على الا تعقب وهي تفعل هكذا حتى اليوم.
الامير نايف، الذي نشأ في أجهزة الامن السعودية، قريب من التيار المحافظ وهو معروف كمن يعارض المغامرات السياسية. ملحة له أكثر معالجة الخلايا الارهابية للقاعدة، بأساليبه. وينفي الامير حتى اليوم ان يكون انهيار البرجين التوأمين في نيويورك قد تم على يد عصبة من السعوديين تطوعوا للقاعدة. وهو يقول بين الحين والاخر مثيرا في ذلك حفيظتنا انه 'لا يستبعد ان تكون اسرائيل هي التي بعثت بخلية الارهابيين'. 'لا غرو، إذن، ان يقدر الخبراء عندنا في أنه اذا ما صعد الامير نايف الى كرسي الملك، فان السعودية ستتخندق وستغلق على نفسها و'المبادرة السعودية' ستتبدد.
يديعوت 5/12/2010