هذا الكتاب فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1296
الموقع : لب الكلمة تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | الماركسية في الصراع الراهن | |
الماركسية في الصراع الراهن سلامة كيلة ( ورقة للحوار من أجل إعادة بناء الحركة الماركسية العربية) الماركسية ليست تصوّر فقط ، إنها قوّة فعل كذلك، لهذا يجب أن يتحدّد دورها في الصراع الراهن، حيث يتعرّض العالم لاجتياح إمبريالي أميركي فرض احتلال عديد من الدول من كوسوفو إلى أفغانستان إلى العراق، وهو مستمرّ. و لقد بدأ هذا الاجتياح منذ بداية التسعينات على ضوء انهيار المنظومة الاشتراكية، و يهدف إلى إعادة صياغة العالم بما يحقّق مصلحة الشركات الاحتكارية الإمبريالية التي باتت متعدّية الحدود و هائلة الرأسمال و التقنية و فائقة المقدرة على المناورة، لكنها المأزومة و التي تعاني من ضيق السوق و التنافس و من تضخّم الرأسمال المالي و من اختلال العلاقة بين الرأسمال المنتج ( الذي بات يشكّل ما يقرب من أل 20% من كتلة الرأسمال) و الرأسمال المنفلت الذي يبحث عن منافذ لنشاطه مادام لا يحمل إمكانية التوظيف في القطاع المنتج خشية تفاقم المنافسة و بالتالي خطر الانهيار. و بالتالي فان هذا الاجتياح هو محاولة للعودة إلى أشكال السيطرة القديمة القائمة على الاحتلال و النهب المباشر، و التدمير و التهميش من أجل فتح المنافذ لاستثمارات تدرّ الربح الأعلى. لهذا فهو يعمّق الاستقطاب و يوسّع اللاتكافؤ، و يقود إلى دمار ما تحقق في المجال الاقتصادي خصوصا في الصناعة، كما في المجال المجتمعي، و يدخل الأطراف في حالة من الموت ألسريري. وإذا كانت فترة الحرب الباردة ( 1945- 1991) قد سمحت بتحقيق نهوض عام، و بالتالي قادت إلى انتصار حركات التحرّر القومي، نتيجة التوازن الدولي الذي كان وجود الاتحاد السوفييتي يفرضه، الأمر الذي أفضى إلى تحقيق تطوّر معيّن في العديد من الأمم، و من ثمّ فقد انهارت تلك التجارب بعد دخول الاتحاد السوفييتي في أزماته، و نتيجة التناقضات الداخلية فيها بفعل النهب الذي مارسته الفئات المسيطرة. فان الاجتياح الإمبريالي الراهن يعقّد الوضع في مختلف بقاع العالم، و يجعل إمكانية التطوّر أكثر صعوبة، و كذلك أكثر ارتباطا بالصراع ضد الرأسمالية، الأمر الذي يفتح على البحث من جديد عن بديل للرأسمالية يحقّق التطوّر بمعناه الاقتصادي الاجتماعي و الثقافي السياسي و المجتمعي الشامل من جهة، و يزيل الاضطهاد و الاستغلال و القهر و عدم المساواة و اللاتكافؤ من جهة أخرى. وإذا كان إخفاق التطوّر العربي ارتبط بالأحزاب القومية العربية التي قادت النشاط الثوري منذ خمسينات القرن العشرين،رغم كل الإنجازات التي تحقّقت و هي كبيرة و لاشك، فان استعادة المشروع النهضوي العربي في وضع يفرض المواجهة مع الإمبريالية التي باتت قوّة احتلال مباشر ، وكذلك مع جزئها العضوي ( أي المشروع الصهيوني)، يتطلّب أن يسعى الماركسيون العرب لكي يكونوا قوّة فعلى حقيقي، و أن يعملوا على أن يخوضوا الصراع من موقع الفعل الريادي. لقد كان عليهم لعب هذا الدور منذ تشكّل العمل الشيوعي، حيث كان يجب أن يقودوا النضال الثوري من أجل الاستقلال و الوحدة والتطوّر، و من أجل تجاوز الرأسمالية، لكن " العقل" الذي حكمهم و الرؤية التي مارسوا على أساسها، جعلتهم " يهربون" من السياسي إلى ألمطلبي و من الثوري إلى الديمقراطي و من الفعل إلى رد الفعل، و بالتالي من تبنّي الأهداف العميقة و الواقعية المعبّرة عن المشكلات الحقيقية، إلى لمس انعكاسات هذه المشكلات فقط و تقديم حلول جزئية لها كذلك. كما أسّست هذه "العقلية" و تلك الرؤية لمنطق يقوم على القبول بالأمر الواقع و التكيّف معه و التخلّي عن ضرورة تجاوز الواقع انطلاقا من ممكنات الواقع ذاته، هذه الممكنات التي ظلّت غائبة عن وعيهم لأنهم لم يستطيعوا وعي الواقع و ظلّوا في مستوياته "الخارجية"، أي في المستويات التي تطال السياسي بما هو سطحي. لهذا عرفوا ب" السلب" أو بالنقد و لم يعرفوا بالميل لتأسيس ما هو ابعد من الواقع و يتجاوزه. ونتيجة ذلك اقتحم الريف واجهة المشهد، فقد دخلت الفئات الفقيرة و المتوسّطة الصراع وهي التي كانت تئنّ تحت وطأة استغلال عنيف طيلة قرون، حيث كان الإقطاع المتمدّن ( أي الذي يسكن المدينة و يعمل في التجارة كذلك) يمارس أبشع نهبه، و بالتالي كان الصراع الطبقي يتمركز هناك، حيث كان الريف هو التكوين الأساسي للمجتمع. كما أن النمط الرأسمالي العالمي الذي كان قد مدّ سيطرته كان يهمّشه حيث كان يمنع التطوّر الذي كان يمكن أن يستوعب أزمات الريف عبر توظيف جيش العمل الاحتياطي. وكانت وسيلة اقتحامه هي الجيوش المشكّلة أصلا من القاعدة الريفية. وإذا كانت الفئات التي انتصرت قد هدمت البنية القديمة - عبر الإصلاح الزراعي الذي كان هو مركز ثقل الثورة الديمقراطية، و أساس توحيد القطاعات الشعبية و تأسيس قوة تغيير حقيقية – إلا أنها كانت تعمل على تحقيق مشروعها الخاص، البادئ بالمساواة و الواصل إلى التحوّل إلى طبقة مترسملة ( عبر النهب). و لم تكن تحمل مشروعا بديلا عن المشروع الرأسمالي، رغم أنها- ولتحقيق مصالحها- قلّدت و استفادت من التجربة الاشتراكية. لقد نادت ب " الاشتراكية" القائمة على المساواة و تقديس الملكية الخاصة، الأمر الذي كان يجعل المساواة إلى لا مساواة، كما كان يجعل تقديس الملكية الخاصة يفرض النهب و مراكمة الثروة التي كانت تهرّب إلى البنوك في المراكز الإمبريالية. و لقد تحقق ذلك في ظل أنظمة دكتاتورية استبدادية دمرت النشاط السياسي و الاحتجاجات الشعبية و الميول المطلبية. وإذا كانت قد ترسملت حقيقة و أعادت التكيّف مع النمط الرأسمالي، أو سعت إلى ذلك، فان نهبها و استبداديّتها أفضيا إلى إدخال عملية التطوّر في مأزق عميق، و أوجدا أزمة اقتصادية و إفقار شديد، و أسسا لحالة من الرفض الشعبي مع تدمير للحركة السياسية و القيم و تشويش على الأهداف. وها هي الآن تواجه الاجتياح الإمبريالي فتتكيّف معه أو تقف عاجزة عن ردّه. لكن ليست الحركة الأصولية هي البديل، لأنها ترفض الرأسمالية ليس لأنها رأسمالية تستغل و تنهب و تضطهد و تدمر و تحتل، بل ترفضها من منطلق ديني و بالتالي ماضوي، و بالتالي فهي تعيد الصراع إلى شكله المغرق في القدم، و تفتح الأفق للتدمير و القتل على أسس بالية، دون رؤية لبديل يحقّق التطوّر و الحداثة التي ترفضهما. لكنها في الواقع تكرّس الاستغلال و الإثراء و النهب، و أيضا التفكك و التخلف و الاستبداد. الأمر الذي يجعل صراعها مع " الاستكبار" ( أو مع الإلحاد، أو المسيحية و اليهودية) من منطلق ماضوي، و ليس من منطلق مستقبلي. و هي في كل الأحوال لا تستطيع توحيد القطاعات الشعبية لأنها تميّز على أساس الدين و تتجاهل أوضاع الطبقات الفقيرة و ترفض الميول التحررية و تتجاهل أن الواقع يؤسس لتكوين مدني حديث نتيجة العلاقات الرأسمالية التي أصبحت واقعا لا يمكن شطبه، مما يجعل ميلها معاكسا لهذا المسار، و مدمرا لما هو ايجابي فيه، مع تكريس لما هو سلبي و محافظ. لهذا و رغم أنها باتت تواجه " المسيحية و اليهودية" فان التصوّر الذي تطرحه لا يحمل أي ملمح يطال المشكلات التي نعيشها، و لا يقدّم حلولا حقيقية. إذن، يتقدم الاجتياح الإمبريالي في لحظة انهيار البنى التي تشكلت خلال فترة الحرب الباردة، و انهيار الأحزاب التي تشكلت خلالها، و في إطار مقاومة ماضوية و هوجاء من قبل الحركة الأصولية. و في وضع انتفت فيه البدائل، حيث أن انهيار النظم الاشتراكية فتح باب التشكيك في الاشتراكية كبديل، كما أن النهاية المأساوية لتجربة " رأسمالية الدولة" التي تحققت بقيادة الحركات القومية، قد أبعدت التفكير في هذه الصيغة من التطوّر. و وهم السماء لا يحل مشكلات الأرض. رغم أن الفقر و الجوع ينخران كتلة هائلة من العرب، و يؤسسان لاحتقان شديد، و يحرّضان على الفعل، على الانتفاض و الثورة. كما أن الوجود الصهيوني و الإرهاب الذي يمارسه و الأخطار التي يوجدها على الوطن العربي، و كذلك - الآن- احتلال العراق و التهديد – الذي هو تهديد جدّي- باحتلال سوريا و إعادة صياغة خريطة المنطقة لدمجها في العولمة الإمبريالية المتوحّشة، كلها تحرّض على التمرّد و الاندفاع إلى المقاومة، و هو الأمر الذي بات هاجس كتلة شعبية هامة تعيش احتقانا هائلا. وربما كان غياب البدائل هو الذي يجعل للحركة الأصولية هذا الدور الذي تلعبه في وضع يتّسم بالتفجّر، حيث يحل أمل السماء محل أمل الأرض. و أيضا ربما استطاعت قوى لا تحمل بديلا أن تواجه و تنتصر ( رغم صعوبة ذلك الآن)، لكن ذلك لا يسمح بتحقيق التطوّر و الحداثة، أي تحقيق المشروع النهضوي العربي، مشروع الاستقلال و التوحّد و الدمقرطة و التطوّر الاقتصادي ( بناء القوى المنتجة)، رغم أن هذا الاحتمال بات ضعيفا جدا لأن الصراع مع النمط الرأسمالي بات حاسما، الأمر الذي فرض تجاوز النمط ذاته، حيث عبر ذلك يمكن تحقيق التطور في القوى المنتجة و الحداثة، وكذلك كل المشروع القومي الديمقراطي. هذا يطرح دور الماركسية، و يفرض دور الماركسيين العرب. لقد كان على الحركة الماركسية(الشيوعية) العربية أن تؤسس لنضال جذري ضد الاستعمار و ضد الطبقات المسيطرة الحاكمة و ضد التجزئة و التخلف و الإقطاع و المشروع الصهيوني، لكنها لم تقدم، فتاهت في الفكر و في الرؤية و مالت إلى المساومة و "الاستسلام" و المهادنة و التكيّف. أما الآن فيجب أن يختلف النظر، لكي تختلف الرؤية. و ليس مطلوبا هنا الانتقال من طرف إلى آخر، لأن المعاكس ليس هو الحقيقة، و لقد حاولت قوى ذلك و فشلت كذلك. المطلوب يتمثّل في وعي الواقع و وعي حركته( صيرورته) من أجل أن يتحدّد دور الحركة الماركسية على ضوء هذا الوعي، و بالتالي لكي تلعب دورها الممكن. و الممكن يشير إلى أن لها دورا محوريا يستطيع لمّ تململات الطبقات و القوى، و يمكنه تطوير المقاومة بشكل عاقل و عقلاني، كما أن بامكانه بلورة بديل حقيقي، يتجاوز التخلف و التهميش و يحقق التطوّر و يزيل الاستغلال و الاضطهاد و ينحو لأن يحقق إنسانية الإنسان. أن الطابع ألاستقطابي للنمط الرأسمالي يفرض أن يتحقق التطور و تتحقق الحداثة عبر تجاوزه ( أي عبر نفيه)، و ليس من مشروع يطمح إلى ذلك سوى المشروع الماركسي. لقد حاولت الفئات الوسطى تجاوز احتجاز التطوّر عن طريق الدور الذي لعبته الدولة، وكان جوهر مشروعها يتمثّل في الرسملة، لكنها فشلت حيث أنها تغلّب الخاص على العام. وإذا كان المشروع الرأسمالي مستحيل أصلا نتيجة عالمية النمط الرأسمالي، فان الخروج على آليات النمط الرأسمالي تفرض الخروج على الرأسمالية ذاتها، و هنا يتحدّد دور المشروع الماركسي. المسألة الآن هي مسألة مواجهة الاجتياح الإمبريالي الأمير كي، لكنها كذلك و في الوقت ذاته مسألة تحقيق التطوّر و تجاوز الاستغلال و الاضطهاد و الاغتراب و الاستبداد. الأمر الذي يفرض على الماركسيين العرب أن يكونوا عنصر فعل حقيقي في الصراع، و أن يعملوا على تطوير الصراع الطبقي و العالمي، ضد الطبقات المسيطرة عربيا كما ضد الرأسمالية الإمبريالية و خصوصا رأسمالية الولايات المتّحدة. و أن يعطوا لهذا الصراع اتساقه و شموله و أبعاده العميقة، عبر تفعيل حركة اجتماعية شاملة، عن طريق تطوير نشاطات الطبقات الفقيرة، خصوصا العمال و الفلاحون الفقراء و كل المهمشين، و الدفاع عن حقوقها و عن دورها و حق تشكلها كذات سياسية. و هذا الدور للماركسيين العرب يفرض عليهم إعادة بناء تصوّراتهم و رؤاهم و تحديد أهدافهم، وفي هذا الوضع يجب التأكيد على الأمور التالية: 1) أن الصراع الأساسي هو صراع مع النمط الرأسمالي و أن الهدف هو تجاوز الرأسمالية. وهذا يعني أن نفي الرأسمالية هو ما يوجّه النشاط و يفرض تجاوز الميول القائمة على التكيّف معها باعتبارها "حقيقة" ليس من الممكن تخطيها الآن. على العكس ، ليس من الممكن تحقيق التطوّر و أي من الأهداف المطلبية التي تهمّ الطبقات الفقيرة مباشرة دون تجاوز الرأسمالية، كما أن الرأسمالية غدت قوّة تدمير و تخريب للبيئة و قوّة إفقار و تهميش. وإذا كانت الحركة الماركسية القديمة قد بنت سياساتها على أرضية الرأسمالية و انطلاقا من ضرورتها، باعتبارها مرحلة " تقدمية" لا يمكن تجاوزها، فان أوهامها سقطت منذ زمن بعيد، الأمر الذي يستدعي التأكيد على أن الرأسمالية في الأطراف ليست قوة تقدم بل هي قوة إعاقة، و أن عالمية النمط الرأسمالي تشكل قوة منع و تخليف إضافة إلى كونها قوة نهب و استغلال و اضطهاد و تدمير. و أن التطور و تجاوز الاضطهاد و الاستغلال تفرض كلها صيغة أخرى تلعب الحركة الماركسية دورا محوريا فيها. إذن يجب أن تكون الحركة الماركسية في طليعة القوى التي تخوض الصراع ضد الاجتياح الإمبريالي الراهن، و بالتالي تكون في طليعة القوى التي تقاتل من أجل طرد الاحتلال الأمير كي من العراق و إنهاء الوجود الصهيوني في فلسطين و التصدي للتوسّع ألاحتلالي الأميركي المستمر. أن تبني استراتيجيتها على أنها قوّة مقاومة من جهة، و أنها تحمل مشروعا بديلا من جهة أخرى. و بالتالي فان المراهنة على أن تنتصر الرأسمالية، أو أن تتخلّف عن أن تصبح قوة مقاومة عبر الركض وراء أوهام راهنية الرأسمالية، يفسح لقوى أخرى أن تحل التناقضات دون أن تقدّم بديلا حقيقيا، الأمر الذي يفتح على مشكلات جديدة. أن تحوّل الرأسمالية إلى نمط عالمي فرض أن يرتبط التطوّر بالحركة الماركسية، الأمر الذي جعلها قوة تطوير قبل أن تكون القوة التي تحقق الاشتراكية . إنها و هي تقاتل من أجل تكريس الاستقلال، وهو الأمر الضروري و الحاسم راهنا، تعمل من أجل تحقيق الأهداف الديمقراطية العامة، أهداف التطوّر و الحداثة. وبالتالي فهي لا تسعى للرفض فقط بل تعمل من أجل تحقيق برنامج التطوّر و الحداثة كخطوة في طريق تجاوز النمط الرأسمالي. 2) و لهذا يجب أن تعمل من أجل تحقيق مشروع نهضة في الوطن العربي،أن تجيب على أسئلة التقدم العربي و تعبّر عن حداثته. إن مواجهة الرأسمالية ترتبط بتحقيق التطوّر، الذي يفترض تحقيق جملة المهام التي يفرضها تحقيق الثورة القومية الديمقراطية. أي مهام الانتقال من الاعتماد على المواد الأولية و الخدمات و الزراعة كقوي " منتجة" في الاقتصاد إلى تأسيس قوى منتجة تكون الصناعة هي أساسها، وكذلك الانتقال من التفكك السياسي الذي تكرّس خلال القرن العشرين إلى الدولة الأمة، ومن أيديولوجيا القرون الوسطى و البنى القروسطية إلى المجتمع المدني الحديث الذي يتأسس على مفهوم المواطنة و القائم على العلمانية و الديمقراطية. و أيضا الانتقال من التبعية و الإلحاق إلى الاستقلال و لعب دور فاعل في العلاقات الدولية، و تكريس العلاقات الأممية و تشكيل التكتلات الاقتصادية الكبيرة. هذا الدور يفرض إعادة النظر في كل الرؤية التي كانت هي الرؤية الرائجة، و التي همّشت الحركة الماركسية و أفضت إلى سيرها نحو التلاشي. و أوّل هذه المسائل مسألة الموقف من المسألة القومية العربية،فالدول القائمة على الأرض العربية هي التكيّف العملي مع النمط الرأسمالي العالمي و هي نتاجه، لهذا فهي متنافرة مع التشكل التاريخي الذي كان العرب نتاجه و متضادة مع " الشعور القومي". كما أنها المكمّل للتكوين الاقتصادي الذي فرضه الالتحاق بالنمط الرأسمالي العالمي و المكرّس له، و بالتالي المكرّس لهيمنة القوى الإمبريالية. و إذا كان التحديد لا ينطلق من الدولة بل ينطلق من الأمة ( إلا إذا اعتبرنا أن الدولة القطرية تشكل أمة) فان استراتيجية النضال تنطلق من الإطار القومي ، وبهذا تكون المسألة القومية مسألة تحتاج إلى حل و تكون في صلب برنامج التطوّر، و يصبح " الشعور القومي " أصيلا في فهم ميول العرب و تحديد مطامحهم. و من ثمّ يصبح النضال من أجل التوحيد القومي جزءا جوهريا في سياق تحقيق التطوّر كما هو ميل لتجاوز اغتراب ألذات عبر تحقّقها، لكي يكون ممكنا تضمّنها في تكوين أشمل و أقصد الأممية. أن الصيرورة الواقعية بما هي حركة من أجل التطوّر و تحقيق إنسانية الإنسان، هي أيضا ميل لتحقيق هويته،ليكون " الشعور القومي" جزءا عضويا في الصيرورة ليس من الممكن إهماله. أن الترابط المتشكّل تاريخيا و المؤسّس لنشوء الأمم لا يمكن شطبه أو القفز عنه أو تجاهل مفاعيله، و بالتالي حينما لا ينتظم في تكوين موحّد يؤسّس لميل إلى التوحيد، و هو ما يطلق عليه الشعور القومي الذي يكون وفق ذلك ميلا موضوعيا ليس من الممكن تجاهله. لهذا كما أن في كل " دولة" مشكلات محلية تتعلّق بوضع الطبقات و الاقتصاد و السلطة، ستكون التجزئة وبالتالي الميل لتشكيل الدولة الأمة مشكلة داخلية في كل منها كما هي مشكلة عامّة، ولاشك في أن النشاط الشعبي تجاه العديد من المسائل العربية ( فلسطين و العراق مثلا) يعبّر عن ذلك. من هنا يصبح تشكيل الدولة/ الأمة هدفا في البرنامج الديمقراطي، و هو هدف محوري لأن تحقيق الوحدة القومية يؤسس لسوق واسعة قادرة على استيعاب التطوّر في القوى المنتجة ( الصناعة)، كما أنه قادر على تأسيس الدولة/ الأمة القادرة على حفظ استقلالها و بناء علاقات متكافئة على الصعيد العالمي. لقد اختار الشيوعيون النشاط القطري ( خصوصا منذ نهاية ثلاثينات القرن العشرين)، و كان ذلك من أسباب أزمتهم، كما عبّر عن تكيّفهم مع " المنطق البرجوازي" الذي حكم الرأسمالية المحلية المتكيّفة مع سياسات النمط الرأسمالي العالمي الذي أسس للصيغة الراهنة للوطن العربي، في سياق تكيّفهم مع كون الرأسمالية هي التي تحقّق التطور الراهن لتحقيق المهمات الديمقراطية. ولهذا فان التأسيس لدور مختلف يفرض تجاوز المنطق البرجوازي و التأسيس لوعي عميق بالمسألة القومية، و الانطلاق من أنها جزء عضوي في صيرورة التطور الراهنة، و تحققها هو من مهمات الحركة الماركسية، لتصبح على رأس برنامجهم، ويكونوا في مقدّمة المناضلين من أجل حلّها، بالترابط و تحديد موقف واضح من وضع الأمم المتداخلة مع العرب نتيجة تقسيمات اتفاق سايكس/ بيكو، ينطلق من مبدأ حق تقرير المصير المحدّد في حق الاستقلال. و كذلك التأكيد على حق الأقليات القومية الديمقراطية و الثقافية. ولاشك في أن دورهم هذا يعطي للمسألة القومية طابعها التقدمي، لأن أممية الماركسيين تجعلهم يؤكدون على ترابط النضال الأممي و على تحالف الطبقات الفقيرة و المستغلّة ضد الرأسمال، و تحالف الأمم المضطهدة ضد المراكز الإمبريالية. ليكون تحقيق التوحيد القومي خطوة ضرورية في مسار تشكيل عالم موحّد. يجب إذن أن يخرج الماركسيون من النظرة المحلّوية الضيّقة، و أن يؤسسوا لدور حقيقي ينطلق من تحقيق المهمات الديمقراطية العربية، فتكون المسألة القومية مسألة محورية في رؤيتهم،و يعملوا لكي يكونوا الأجدر في حلها عبر تحقيق الوحدة القومية العربية. المسألة الأخرى التي يجب على الماركسيين أن يؤسسوا لموقف مختلف منها هي المسألة الفلسطينية، حيث مال الموقف العام الذي راج و أصبح أساس سياسات الحركة الشيوعية، إلى القبول بالأمر الواقع، و اعتبار أن ميزان القوى المختلّ يفرض التكيّف مع " الحقائق"، والانطلاق من أنه يمكن التعايش مع التكوين الجديد الذي هو الكيان الصهيوني ( أو إسرائيل)، و أن يكون مبدأ " التعايش السلمي" هو أساس الرؤية، و أساس القبول بالمفاوضات و الاعتراف بهذا الكيان، و بالتالي رفض كل سياسة تدعو إلى المقاومة باعتبارها طفولية و تطرّفا، و القبول بكل " المبادرات الدولية" و التزام قرارات الأمم المتحدة التي تكرّس الوجود الصهيوني. ولما كان هذا الوجود يؤسس لرفض عربي شعبي بالأساس، و يهيئ لنشاط سياسي مقاوم، فقد أصبح موقف الحركة الشيوعية العربية صعبا و محلّ رفض من قبل الأوساط الشعبية، حتى تلك التي يدافع الشيوعيون عن قضاياها المعيشية و المطلبية. الأمر الذي كان يضيّق من قاعدتها الاجتماعية، و يضعف من تأثيرها العام، كما كان يجعلها مجال هجوم من قبل الاتجاهات القومية و كل الاتجاهات الأخرى. و بالتالي كان يضعف دورها في تحقيق التطوّر و تحقيق المهمات الديمقراطية. لقد نبعت إشكالية موقفها من المسألة الفلسطينية من خلل في الرؤية كما من خلل في المنهجية. حيث كان هذا الموقف يتجاهل الطابع الإمبريالي للمشروع الصهيوني، كون تأسيس الكيان الصهيوني هو جزء من السياسة الإمبريالية العامة للسيطرة على الوطن العربي، وحيث كان تكريس التجزئة الجزء الآخر منها، بهدف تكريس البنى التقليدية القديمة و تأبيدها لضمان استمرار السيطرة في سياق تحقيق مصالح الرأسمالية المهيمنة عالميا. لهذا كان الوجود الصهيوني ضروريا كمركز إمبريالي متقدّم و كحاجز يؤسس لظروف تشلّ امكانات تنامي الميول التوحيدية العربية، وكقوة ردع إمبريالية حينما تفرض الضرورة ذلك، و من ثمّ كمركز اقتصادي متقدم حينما تتحقق الهيمنة. إذن ليس تأسيس الكيان الصهيوني حلّ للمسألة اليهودية ( التي هي مشكلة أوروبية بالأساس جرى تصديرها إلى الوطن العربي)، الأمر الذي ينفي عن هذا الحل أي طابع إنساني، و يضعه في خانة الاستعمار الاستيطاني في إطار السيطرة الإمبريالية على العالم، وليكون موطئ السيطرة على الوطن العربي. و بالتالي فان مواجهة الرأسمالية بما هي نمط عالمي يستدعي مواجهة تمظهراتها. لهذا تكون مواجهة الوجود الصهيوني جزء من الصراع مع الرأسمالية من أجل التطوّر و التحرر، و ليس من الممكن رؤيتها خارج هذا الإطار، لأنه ليس من الممكن فصل الوجود الصهيوني عن الإمبريالية، و ليس من الممكن رؤية الطابع " الإنساني" لهذا الوجود دون الطابع الإمبريالي، كما لا يمكن رؤيته دون رؤية انعكاساته غير الإنسانية على العرب. لهذا سوف تصطدم كل السياسات التي تنطلق من القبول بالوجود الصهيوني و التعايش معه، باستحالة أن يتخلى هذا الوجود عن طابعه الإمبريالي و بالتالي عن ميوله التوسّعية الهيمنية، و عن كونه احتلال استيطاني متعصّب، و كذلك عن كونه عنصر إعاقة و توسّع و تدمير. الأمر الذي يجعل كل السياسات الهادفة إلى إيجاد " حل سلمي" تغرق في متاهات العدوانية الصهيونية و ميلها التوسّعي ألاحتلالي. و ما من شك في أن سنوات المفاوضات الطويلة التي مارسها العرب و الفلسطينيون توضّح مدى الوهم الذي ينبني على مفهوم التسوية و التعايش. على الماركسيين إذن أن يجعلوا المسألة الفلسطينية مسألتهم، و أن ينطلقوا من أن الصراع مع الوجود الصهيوني هو جزء من الصراع مع الإمبريالية، و أن فلسطين جزء من الوطن العربي و بالتالي يجب أن تظلّ كذلك، و انطلاقا من ذلك يجب التأكيد على بلورة حل ديمقراطي للمسألة اليهودية، لا يقوم على القتل و يقبل العيش مع اليهود ( الذين هم في قسم كبير منهم عرب عاشوا قرونا طوال في الوطن العربي) في إطار دولة ديمقراطية عربية. و هنا يستطيع الماركسيون العرب أن يقدّموا رؤية متماسكة لا تنطلق من التعصّب أو ارث التخلّف أو ردود الأفعال، بل تستند إلى كل ما هو إنساني و ديمقراطي في التراث العالمي. يجب إذن مقاومة الاستسلام لميزان القوى كما للوجود الصهيوني، و بالتالي يجب العمل من أجل " تغيير ميزان القوى" عبر تغيير الواقع العربي، ليصبح الصراع ضد الوجود الصهيوني جزء من الصراع العام من أجل التطوّر و التوحيد و الحداثة. و لا شك في أن تداخل السيطرة الإمبريالية و الوجود الصهيوني و التخلّف و التجزئة و التفكك يفرض هذا الترابط الضروري، حيث سنكون في صراع متشعّب الاتجاهات و متعدّد الأشكال، الأمر الذي يجعل تفعيل نشاط الطبقات الشعبية مسألة حاسمة، مما يفرض وعي ظروفها و الدفاع الحقيقي عن مصالحها، و هو ما يعطي للصراع عمقه الاجتماعي ( الطبقي) الضروري. في هذا الوضع يصبح التأكيد على الديمقراطية و السعي من أجل العلمنة من المسائل الحساسة و الضرورية كذلك. وإذا كانت الحركة الشيوعية قد بدت متجاهلة هاتين المسألتين أو رافضة لهما، فان مآلات التجربة الاشتراكية و موقع الاستبداد في الوصول إليها، يفرض التأكيد على أهميتهما و يعزّز الحاجة لأن يكونا في صلب البرنامج الديمقراطي. لقد بدا أن الديمقراطية هي الطريق للانتقال إلى اشتراكية أرقى، و هي التي تنهي اغتراب البشر و تعيدهم إلى صلب السياسة و بالتالي إلى تملّك مصيرهم، و من ثمّ تحقيقهم التحولات الضرورية لتطوّر الاقتصاد و تحسّن الوضع ألمعاشي، لكن تجاهلها قاد إلى انهيار الاشتراكية لأن السلطة التي تبلورت و التي حكمت باسم الاشتراكية دفعت البشر ( و للتخلّص من اغترابهم و مسخ شخصياتهم) إلى التخلّص من الاشتراكية ذاتها، فساروا في هاوية مريعة، جلبت لهم الفقر و الموت دون أن تجلب نهاية الاغتراب أو الديمقراطية الحقة. آن لنا إذن أن نتخلص من صيغة للعلاقات و للحكم نهايتها الدمار، و أن نؤسس تصوّراتنا و علاقاتنا على أساس ديمقراطي، خصوصا و أن التجربة تكرّرت عندنا في صيغة مسخ، حيث سادت الدكتاتورية دون أن يتحقق التطوّر المرجو. و سادت " الحداثة" دون أن تتحقق القطيعة مع الأيديولوجية التقليدية، الأمر الذي أسس لعلمانية ملتبسة و منخورة، مما أعاد نهوض الأصولية كحركة سياسية و جعلها قوة تدمير ببرنامج ظلامي و ممارسات بشعة. لقد نشأت الحركة الأصولية ضد الحداثة و التطوّر و لعبت دورا في التدمير الداخلي القائم على أساس ديني و مذهبي، و قاتلت السلطات في بعض الدول انطلاقا من ذلك، كما سعت لفرض برنامج محافظ و رجعي( فيما يتعلق بالمرأة و العلاقات الاجتماعية و الاقتصاد ). و إذا كان الصراع العالمي قد حوّلها إلى قوة مناهضة لأميركا بعد أن تحالفت معها لعقود و تدرّبت لديها ( كما في أفغانستان مثلا). و بالتالي بدت إزاء انهيار اليسار و الحركة القومية أنها القوة التي تناهض " الاستكبار" الأمير كي، لتصبح هي قائدة التحرر، فان الرؤية التي تنطلق منها القائمة على أساس الدين ( صراع المسيحية/الإسلام أو اليهودية/ الإسلام) تدخل الصراع، الذي هو صراع مصالح، في متاهات دموية لا تسمح بوصوله إلى الانتصار و بالتالي التحرّر. إن البديل الضروري لكي يكون الاستقلال حقيقيا، و لكي يصبح التطوّر فاعلا، هو البديل الديمقراطي العلماني المحقق لمصالح الطبقات الفقيرة، وهذا الأمر يجب أن يكون من أهداف الحركة الماركسية و من سياساتها. إن الرؤية التي يجب أن ينطلق منها الماركسيون تتحدّد في المحاور الآتية: 1) مقاومة الاحتلال الأمير كي الجديد، و تطوير مقاومة سلمية و مسلحة ضده تتخذ أشكال القتال العسكري و المظاهرات الشعبية و الاضرابات و مقاطعة المصالح و السلع. و لاشك في أن الاحتلال يفرض المقاومة المسلحة التي يجب أن تنصبّ على تدمير قوّاته و تكبيده أكبر الخسائر، و الحرص على توحيد كل القطاعات الشعبية في هذا الصراع من أجل هزيمة الاجتياح الإمبريالي و تكريس الاستقلال. 2) مواجهة المشروع الصهيوني و تغيير ميزان القوى عبر تحقيق التحويل العميق في المجتمع العربي، بما يسمح بفرض الشروط العربية. و تقديم حلّ ديمقراطي للمسألة اليهودية تؤسس لتعايش سلمي في إطار دولة عربية ديمقراطية. و هذا الأمر يفرض تجاوز منطق التناحر الديني الذي تقيمه الحركات الأصولية، و بالتالي تجاوز منطق القتل العشوائي. 3) السعي لتحقيق الوحدة القومية العربية و تأسيس الدولة/ الأمة على أساس ديمقراطي و فيدرالي، و تكريس استقلال الأمم المتداخلة مع العرب و حق الأقليات القومية. 4) وهنا تصبح الديمقراطية هدفا أساسيا و جزء من عملية التطوّر و الحداثة. 5) صياغة برنامج تطوّر على الصعيد الاقتصادي تلعب الدولة دورا محوريا في تحقيقه، دون تجاهل دور الملكية الخاصة لكن مع ضبط نشاط الرأسمالية المافياوي و الطفيلي. 6) التأكيد على مبدأ العلمانية القائم على فصل الدين عن السياسة و بالتالي عن الدولة. 7) التأكيد على حق المواطنة و الحريات الأساسية و على التعددية و حقوق الإنسان السياسية و الاقتصادية/ الاجتماعية و حق النشاط السياسي و النقابي و المدني. 7) الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء المطلبية و المعيشية، و كذلك الدفاع عن مصالح كل الفئات الشعبية الفقيرة و المهمّشة. 8) النظر الجدّي إلى وضع المرأة و دورها و التأكيد على دورها السياسي الفاعل، و إصدار التشريعات التي تكرّس ذلك. 9) تحقيق الحداثة في التعليم و في الثقافة و كذلك في التكوين المؤسسي. الحركة الماركسية إذن هي حامل مشروع التطوّر العربي و هي التي يجب أن تقود تحقيقه. و إذا كانت لم تستطع الإمساك بهذه المهمة الكبيرة فيما مضى مما جعلها تتلاشى أو تكاد، فان تحقيق ذلك الآن يفرض إعادة النظر في " العقل"، أي في منطق التفكير، لأن الخطأ المعرفي هو الذي استحكم فيها في العقود الماضية. حيث كان ينقصها العمق و الشمول و النسبية و كل النظر القائم على الجدل المادي الذي هو أس الماركسية و أساس تشكيلها الرؤية التي تحكم فعلها السياسي. لقد فشلت في أن تكون ماركسية حينما لم تستطع تجاوز المنطق الذي يترعرع و يجري توارثه، و المؤسس على الثنائية اللاهوتية التي تنطلق من رؤية الشكل ( السطح) في أحاديته و سكونه و تضاده، هذا التضاد الذي يبدو ثنائيا ( خير/ شر). لهذا فهمت السياسة في إطارها المبسّط و السطحي، معزولة عن الاقتصاد و المصالح الطبقية. كما فهمت في حدثيّتها و لحظيّتها، الأمر الذي أسس لسيادة المنطق التكتيكي، أي المنطق الذي يبدأ من التكتيك و ينتهي به فتغيب الرؤية و ينتهي الفكر . و هو الأمر الذي كان يقود إلى عدم رؤية الواقع بما هو صيرورة وتحوّلات، و بالتالي إلى العجز عن رؤية ممكنات التحوّل في ميزان القوى، مما كان يقود إلى التكيّف مع ميزان القوى الواقعي وليس رؤية ممكنات التغيير فيه من خلال استنهاض الحركة الاجتماعية، و رؤية أن فعل القوى المسيطرة يقود إلى استثارة الطبقات الشعبية، الأمر الذي يلقي على الحركة الماركسية مهمة تنظيم و تطوير النشاط الشعبي من أجل قلب ميزان القوى و فرض انتصار برنامج بديل هو برنامج الطبقات الشعبية. إذن يجب تجاوز منطق التكيّف مع الأمر الواقع و الانطلاق من إمكانية تحويل الواقع لأنه يحمل هذه الإمكانية بفعل التناقضات التي يوجدها الاحتلال و توجدها السيطرة و النهب و الاضطهاد، أي التي توجدها ممكنات الصراع الطبقي. إن فعل البشر أساسيّ هنا و هو جزء من الحركة الواقعية التي تسمى الصيرورة،و حيث لا يتحدّد ميزان القوى إلا بعد استنفاذ كل طاقاتهم عبر نشاطهم في الصراع. و هنا يكون وعي عمق الواقع حاسما لأنه يؤسس لوعي فعل البشر هذا مما يقود إلى بلورة الأشكال التي يمكن أن يتبلور فيها، و يفرض صياغة الرؤية الضرورية لتحقيق ذلك و المؤسسة لتحديد الأهداف المحققة لمصالح البشر أنفسهم. أن منطق المواجهة و المقاومة و التعبير عن أزمات الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء، و وعي مفاعيل صيرورة الانسحاق التي تلقى فيها، و بالتالي العمل على تسييسها و تحويلها إلى فعل سياسي منظّم، هو ما يجب أن يكون في رأس أولويّات الحركة الماركسية، حيث سيكون من مهمّتها وعي الظروف الواقعية من أجل وعي صيرورة التغيير التي هي مهمتهم. يجب الانطلاق من الدور الفاعل للماركسية و الماركسيين دون الوقوع في الارادوية، لكن بما يحقق تجاوز منطق " الاستسلام" و التكيّف، و بما يجعل الحركة الماركسية قيادة حركة اجتماعية حقيقية. هذا ما يجب أن يحاوله الماركسيون و أن يمارسوه، حيث يجب أن يقودوا حركة المجتمع من أجل تحقيق مشروع تطوّر حقيقيّ لما بعد الرأسمالية في القرن الواحد و العشرين. أن يقودوا القتال ضد الاحتلال الأمير كي و أن يتصدّوا للمشروع الصهيوني انطلاقا من بديل ديمقراطي للمسألة اليهودية، و أن يحققوا التغيير الجذري في النظام الإقليمي العربي بما يؤسس لمجتمع جديد و يفتح أفقا لتطوّر محتجز يفضي إلى نقل العرب إلى القرن الواحد و العشرين. و ليكن الماركسيون الآن ضد النمط الرأسمالي العالمي و ضد عولمته و ضد الحروب الإمبريالية التي يخوضها، و ضد الاحتلال الأميركي الجديد و ضد المشروع الصهيوني. من أجل الاستقلال و التوحيد و التطوّر و بناء عالم آخر يعزز قيم الإنسان و يؤسس التشارك و المساواة و التكافؤ و الاعتماد المتبادل، هو عالم الشعوب. | |
|