لذا تعاطف مع المحتجين.
طُرد الشاعر من الصحيفة عقابا، لم يجد الوزير ما يفعله غير نصح صديقه بالصبر والصمت، يرد هذا بحدة "أسوء وصفة لمحرر موقوف عن العمل هي الصمت. ذلك ما يريده رئيسك... يعتقد أنه يملك صوتك... لا يجب أن تسمح له بالفوز".
ذلك ما فعله الشاعر عندما استجاب لدعوة اتحاد الطلبة وألقى محاضرة عاصفة في الجامعة. تحدث عن الطريقة المبتكرة لمكافحة الفساد في البلاد "يقتل شخص جاره بالساطور فيقبضون على الحداد الذي صنع الساطور" ص246.
وفي اليوم الموالي طلعت الجريدة التي طرد منها بمانشيط عريض "رئيس التحرير السابق يدعو إلى قتل رئيس الدولة"249. (شينوا أشيبي "كثبان الرمل في ألسافانا" ترجمة العقيد الليبي فرج الترهوني سلسة إبداعات عالمية رقم 339 الكويت ديسمبر 2002.)
ها... لقد عثروا على المشجب، اعتقلوا الشاعر وعذبوه وقتلوه، فصدر بلاغ حكومي لتنوير الرأي العام أكد أن الشاعر انتزع السلاح من حراسه فدافعوا عن أنفسهم فقُتل!
في هذه الرواية يقدم النيجيري تشنوا أشيبي ـ الذي يعتبر الكتابة التزاما أخلاقيا ـ معالجة فنية لواقع مأساوي قهري عبر رواية سياسية حتى النخاع... خاصة وأن جمهورية كيجان الوهمية ليست بعيدة عنا، لقد كان كلام الصحفي/ الشاعر الغاضب مدويا، يرى فيه المستمعون صورتهم، لأنهم لا يعتبرون السياسيين ممثلين لهم، وفي هذه الحالة، حتى حين يقول الصحفي أنه مهني، لا يستطيع الصامتون النظر إليه كذلك، يعتبرونه ناطقا باسمهم...
عندما يشتد القمع ويستشري الفساد داخل النخبة السياسية كما هو جار في العالم العربي، تعرقل السلطة حرية التنظيم والتجمع فتجرف مشتل ولادة ونمو نخب جديدة، تبرز قيادات طحالب من وسط مغاير ليس حتى إعلامي، بل من نجوم الغناء والرياضة، أي الذين يتحركون تحت الأضواء وليس وسط المجتمع، وبفضل الحركة والأضواء يتصدر اللاعب والرياضي للزعامة، فهذا لاعب كرة ينحدر من إقليم نائي في البلد يعامل كناطق رسمي باسم كل المنطقة، وذاك المغني وقد تضخمت صورته على الشاشة: الجزائر هي الشاب خالد، مصر هي البرلماني أحمد شوبير، العراق هو كاظم، المغرب هو هشام الكروج... وهيفاء زعيمة الأمة التي هب لها عشرات الآلاف في آكادير يوم 17-10-2009. للتملي بفخذيها المباركين… فخذين يلعنهما المفتي النجم ويهب المعلون في الإنترنيت لمباركته: لافض فوك...
زعماء من ضوء يتماهى معهم الناس على زعم أنهم يحملون همومهم.
حينها تلتفت السلطة لهذه "المعارضة" لتعالجها، وهي معارضة لا تستدعي الاعتقالات، لقد تغير الزمن، يكفي إغراق النجم ماليا، ليضع ساعات كاردان ويقود سيارات بورش... حينها يُصْدم الناس ويعلنون خيبتهم في حبيب الجماهير، لأنه مجرد زعامة فردية هشة، دون كاريزما ولا تنظيم، بل هو مجرد طفيلي مشهور سهل استقطابه لتروج به وزارة الداخلية حملتها الانتخابية ولتسوق به السيدة الأولى لجمعيتها التي ولدت عملاقة وفي فمها ملعقة من ذهب... حينها يستهلك الزعيم الضوئي وترتبط صورته بإشهار آلات الطبخ ومساحيق الغسيل... يبتعد عنه الناس بحثا عن نجم جديد، فقير ونحيف على شاكلتهم...
مع الدوران في هذه الحلقة، يبدو العالم العربي راكدا بشكل لا يصدق، السلطة تقص أي عشب جديد، تفكك المجتمع يعرقل بروز قيادات طبيعية، حتى الذين نادوا بالإصلاح بعد 2003 كانوا مجرد أصوات أمريكية مستعارة والدليل أنها خبت بسرعة... صوت حراس النوايا يعلوا على صوت الإبداع… البحث والثقافة في الهامش…
مع هكذا وضع من سيصوغ ويقود التغيير المنشود من الخليج إلى المحيط؟