"اعلم ان السلطان يحسن ذكره ويعلو قدره بالوزير اذا كان صالحا،عادلا،لأنه لا يمكن لأحد من الملوك أن يعرف زمانه ويدير سلطانه بغير وزير،ومن انفرد برايه ضل لغيره"
حجة الاسلام أبي حامد الغزالي:"نصيحة الملوك"
مدخل:
مخطؤون اذا اعتقدوا- الذين اعتقلوني واصدروا في حقي حكمهم الجائر- انهم سينالون من عزيمتي واصراري على النضال من اجل الدولة الديمقراطية دولة يعز فيها المرء،دولة لا قيد فيها لا ارهاب لا استخفاف بالانسان.
أنا تحررت باعتقالي وأحاصر اليوم حصاري.وستعلم بطانة السوء الذين لا هم لهم الا تحقيق المصالح والامتيازات وقلاع مقاومة الاصلاح أي منقلب سينقلبون."لقد مكروا"لي وللأخ محمد الأمين الركالة ولحزب البديل الحضاري"وعند الله مكرهم وان كان مكرهم لتزول منه الجبال".
ظنوا باننا السور القصير الذي سيقفزون عليه في أولى خطوات ترتيب الحقل السياسي...ونسوا أن البعوضة قد تدمي مقلة الأسد!
نحن اخلصنا لبلادنا وللمرحلة التي كانت تمر بها.ومنذ 1994 بذلنا الوسع من اجل انجاح خطوات الاصلاح السياسي.لم نخن بلادنا ولا شعبنا ولا هددنا نظامنا السياسي...وكان ثمن وفائنا واخلاصنا ليلة عيد العرش العاشر:حل حزب البديل الحضاري ونصف قرن من السجن أتقاسمها أنا واخي محمد الأمين الركالة.
انه جزاء السنمار.
وصدق الله العظيم حينما يقول في سورة يوسف:"ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننهن حتى حين..."
هل تدرون ماذا كان ذنب يوسف - عليه السلام – حتى استحق السجن؟
انه رفض تلبية دعوة الفاسدين والفاسدات للاشتراك معهم فيما هم فيه مشتركون.كان ذنبه أنه رفض خيانة الملك !
وعود على بدء لأقول أنه بالرغم من الظلم والسجن ازددت يقينا بأن لا حل لنا من دون انجاز الانتقال الى الديمقراطية لينعم المغاربة بالحرية والعدل والمساواة والتعايش والتسامح...وازددت ايمانا بأن من يرتضي غير الديمقراطية حلا فهو فاسد مستبد ولن يدفع المغرب الا في الاتجاهات الكارثية التي سيكون أبطالها ورموزها المتطرفون بمختلف عناوينهم.
اني مؤمن أن ما أصابنا ما كان ليخطئنا فالانسان لا يفر من قدر الله الا ليسقط في قضائه وهذا ما يحثني ويحث الأخ محمد الأمين الركالة والأخوات والاخوة في حزب البديل الحضاري للامتثال لأمره تعالى:"لاتيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح اله الا القوم الكافرون" يوسف، ولقوله تعالى :"ومن يقنط من رحمة ربه الا الظالمون"الحجر.
الغد الأفضل يصنعه الرجال الكبار..كبار الهمم والعزائم...ولن افقد الأمل وقد رأيت رجالا ونساء كبارا أثناء محاكمتي.محامون وحقوقيون واعلاميون وسياسيون من مختلف الحساسيات والمرجعيات يتضامنون معنا ويدافعون عن براءتنا ويسقطون الرواية الرسمية المتهاوية.
كم كانت رائعة تلك الصورة المعبرة عندما كان القاضي بنشقرون يقرأ التعليمات التي نزلت عليه كالصاعقة بصوت مرتعش..اغرورقت عين رجل الأمن وبكت صحافية وحقوقية وزغردت أم وكبرت أخت وردد الجميع مطلع قصيدة أبي القاسم الشابي:
اذا الشعب يوما اراد الحياة * * * فلا بد ان يستجيب القدر
ولا بد لليل ان ينجلي * * * ولا بد للقيد أن ينكسر
من اجل كل هؤلاء ومن اجل اطفال كل المغرب قررت ان أتشبث بخيط الأمل في غد افضل.
ترتيب سياسي ردئ
حل حزب البديل الحضاري واعتقال قياديين من قيادييه كان سبب شروع جهات نافذة في الدولة باعادة الترتيب السياسي لمشهد اتسم بالانغلاق والتوتر وتعطيل مسلسل الاصلاحات السياسية وفي سياق زاده استفحال الوضع الاجتماعي الذي يضع المغرب فوق برميل بارود قد يهدده بانفجار مدمر في اية لحظة وحين.
اليوم يتضح بما لا يدع مجالا للشك هذا المخطط الذي بدأت لائحة ضحاياه تطول لتشمل احزابا كانت محسوبة على القصر أو احزابا كانت تصنف بأنها من اليمين الاداري !!
ولكن كيف ما كان مآل هذا الترتيب البئيس المرتقب في أفق 2012 فيبدو أن لامكان فيه للاسلاميين.ومن أراد التاكد من صحة هذا الادعاء فليلقي السمع لتصريحات وخطابات أقطاب ورموز وزعماء هذا الترتيب فسيجد أنهم يعلنون بوضوح عداءهم للاسلاميين بمختلف عناوينهم لا يفرقون بين معتدل ومتطرف.
ان التحركات والتحالفات والمناورات والوسائل الشرعية وغير الشرعية التي استعملت بعد استحقاقات يونيو2009لتنحية حزب العدالة والتنمية من تسيير اية جهة أو مدينة كبرى تؤشر ان هناك سعي دؤوب لاخراج هذا الحزب من دائرة تسيير الشان اليومي للمواطنين والاحتكاك المباشر معهم والحيلولة دون المقارنة بين ادائهم واداء غيرهم.
وللأسف الشديد فان من يدفع الى هذا الترتيب الذي يذكرنا بما حدث في تونس بعد مجئ بنعلي(والذي لم يستثن ولا اظنه سيستثني اليسار ببلادنا في نهاية المطاف) اما أنهم يجهلون خطورة ما يقومون به على استقرار وأمن ووحدة المغرب وعلى التوازنات القائمة الظاهرة منها والخفية بالمجتمع المغربي أو بهم علة ويحفرون قبر وحدة المغرب:وحدة الأرض والشعب. لأن الاسلاميين على الأقل ليس لهم مطالب تهدد وحدة المغرب بل قد يكونون سدا منيعا في وجه كل من سولت له نفسه الاضرار بها.ان الصراع مع الاسلاميين لن يكون الا ضارا مؤلما وله آثار وخيمة في المجتمع.وقد نعود بشكل اسوء الى سنوات الرصاص والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ونعود الى حروب الوجود بين الحاكم والمحكوم.
وليس مفهوما ولا مقبولا تأجيل أو تاخير سؤال المصالحة الشاملة وسؤال استيعاب الاسلاميين ضمن اللعبة السياسية بعيدا عن منطق التوجس والتآمر والبحث عن وسائل لاخراجهم من المعادلة السياسية.لماذا نبحث في سؤال كيف نخرج الاسلاميين من اللعبة ولا نطرح سؤال كيف ندمجهم فيها؟.فهناك اكثر من بلد اسلامي استطاع استيعاب الظاهرة الاسلامية فاصبحت قيمة مضافة حقيقية وأميل هنا الى تجربتي تركيا وماليزيا.ولا افهم لماذا تشجع كل دول العالم ،ولا أقول الاسلامي فقط" المتطرفين الاسلاميين"على القيام بمراجعات ويفتحون معهم الحوارات ويستوعبون من قام منهم بالتراجع عن افكاره وابتعد عن العنف ويدمجونهم داخل المجتمع بما يضمن لهم الكرامة والعيش في طمأنينة...الا المغرب وربما تونس؟ !
نعم قد تنطلق بين الفينة والأخرى محاولات خجولة للحوار لكنها سرعان ما تتوقف بذريعة اكتشاف خلية نائمة أو اخرى في قيلولة كانت ستنوي القيام بأعمال ارهابية....الخ.ويبدو كأن الأمر يتعلق بقرار ونقيضه أي ان هناك توجهات متضاربة صادرة عن جهات متصارعة في مصادرالقراروالأجهزة الأمنية وان كنا نرصد في الأيام الأخيرة انتصارا للمقاربة الاستئصالية التي لا يخفي اصحابها نيتهم في اقصاء الاسلاميين ورفض القبول بهم كشركاء كاملي الشراكة في المواطنة.
استراتيجية الرعب..
ان سليل الأوليغارشيا المغربية السيد الطيب الفاسي الفهري قد لخص في رده على "نيويورك تايمز"كل استراتيجية الطبقة التي يمثلها.يقول في رده:
"نعلم جيدا اين تكمن المخاطر المحدقة بنا وباستقرار بلادنا،ونعني خطر تلك الخطابات الاسلامية المتطرفة على اطفالنا الذين يستمعون اليها..وبناء عليه علينا الرد باقصى سرعة ممكنة".
الخطرعلى الأوليغارشيا ومن ولاها وعلى مغربها هو الخطاب الاسلامي الذي يجب اسكات صوته وهذا دليل، لمن يريد،أن الجهة التي يتكلم باسمها السيد الطيب الفاسي الفهري ليس في نيتها ولا في حسابها اشراك الاسلاميين اشراكا حقيقيا في الحياة السياسية المغربية.
مغربنا مغرب السواد الأعظم من شعبنا،يشعر ان الأخطار المحدقة به هي:الفقر والهشاشة والبطالة والأمية والأمراض القاتلة والفساد واحتكار السلطة والثروة والريع والمحسوبية واحتكار المناصب والامتيازات وتفشي الغلاء وتزايد الاحتقان الاجتماعي ورداءة الحكام وتواضعهم وافتقارهم للخيال والابداع لحل المشاكل وافلاس المؤسسة التشريعية وفساد القضاء وتراجع القيم والاحساس بالانتماء وضمور الحس الوطني...
كل هذه الموبقات والأخطار المحدقة بمغربنا لا تعني شيئا لآل الفاسي واصدقاء آل الفاسي وحلفاء آل الفاسي ومصالح آل الفاسي.الخطر الوحيد على الأوليغارشيا المغربية هم الاسلاميون.ولكن لماذا؟
لاأعتقد أن عند آل الفاسي ومن ولاهم مشكل مع المرجعية الاسلامية.كل ما في الأمرأن النافذين في القرار السياسي والاقتصادي والمستفيدين من نظام الريع والامتيازات يرون في الاسلاميين قوة متنامية قد تهدد مصالحهم وفسادهم تماما كما كانوا يرون في الستينيات والسبعينيات في اليسار قوة مهددة لهم فحاربوها باستعمال ثنائية القمع والدين..
ومن توهم ان المشكل أو الصراع في المغرب هو بين حملة مشروع ديمقراطي حداثي وآخر ماضوي محافظ فهو مخطئ.
ان الاسلاميين في المغرب هم اكثر استيعابا للحداثة والديمقراطية من القوى التي ترفع اليوم هذا الشعار وتستعين بمجموعة من المعارين من السياسيين من اليسار (des politiciens pretes de la gauche) لاعطاء بعض المصداقية لأطروحتها.
الاسلاميون يذهبون أبعد من الحداثة فهم يطرحون حداثة مبدعة وليست مقلدة تعيش على ايقاع احداث تاريخية طبعت التجربة التاريخية الفرنسية (الصراع بين العلمانية والدين...) وعلى الأقل هذا الكلام يصدق على التجربة التي أطلقها حزب البديل الحضاري والمتمثلة في انشاء تيار سياسي للاسلاميين الديمقراطيين على غرار الاشتراكيين الديمقراطيين أو المسيحيين الديمقراطيين بالغرب.
الاسلاميون بالنسبة للأوليغارشيا ومن ولاها هم الداء العضال والتخلص منهم بكل سرعة هو الدواء ولو باستعمال العنف والحكامة بالمآمرة واستغلال بساطة وسطحية بعض المنتسبين الى التيارات السلفية وضحالة تفكيرهم لتوريط الاسلاميين كل الاسلاميين في المثالب الأمنية. ومن لم يتم توريطه مباشرة يحمل المسؤولية الأخلاقية لتصرفات"المتطرفين والارهابين" كما حدث لحزب العدالة والتنمية بعد الانفجارات الارهابية في الدار البيضاء يوم 16 ماي 2003.
ان ايديولوجية الرعب والتخويف من الاسلاميين وادعاء حماية المغرب من الخطر الأصولي عبر خوض حروب استباقية ضد التطرف والارهاب..حيلة لم تعد تنطلي على احد..
ان الغربيين عموما والأمريكيين خصوصا واعون اليوم أن الحرب على الارهاب في الأوطان الاسلامية والعربية،ليست سوى أقنعة لتغطية تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين الاسلاميين خصوصا الديمقراطيين الذين يحظون اليوم بدعم جماهيري كبير.
وأتوجه الى الحاكمين ببلادنا لأقول أن ادارة أوباما تنتظر أن تنجحوا في استيعاب التطرف والارهاب عبر اقناع المتطرفين والارهابيين بالتراجع عن افكارهم المتشددة ومواقفهم العنيفة وتريد أن تسمع منكم انكم قد استطعتم اعادة ادماج هؤلاء بنجاح في المجتمع.
غياب الارادة السياسية هي من عرقل الانتقال الى الديمقراطية
انه من المؤسف الاستمرار في استعمال ورقة الارهاب كمشجب لتعليق اخفاقات وفشل خيارات الحاكمين وكوسيلة للتسول أو التملق للغرب.وصدقا لو لم يكن هناك ارهاب بالعنوان الاسلامي لأنشأته قلاع الفساد والمقاومة لتبرير عرقلة مسلسل الاصلاحات ولالهاء الناس عن مناقشة القضايا الأساسية للأمة المغربية ولتغطية الصراعات الأنانية والشخصية الدائرة في اعلى هرم السلطة حيث يسعى كل قرش كبير الى التهام خصومه ومنافسيه للحصول على المزيد من السلطة والمزيد من الثروة وطبيعي أن ينتهي هكذا صراع بالاستبداد حتى ولو حاول رموزه الأساسيين تبني اشكالا تمويهية أو التركيز على الأبعاد الاقتصادية كحلول للأزمة الخانقة والانسداد العام.
ولكن اليس من بؤس السياسة أن يدعي البعض ان التطرف والارهاب قد اوقف التحولات الديمقراطية ببلادنا أو على الأقل قد عطل وثيرتها؟
هكذا ادعاء هو ضحك على ذقون الناس.فلمذا لم يوقف الارهاب الباسكي أو النزعة الانفصالية الكاتالانية والباسكية الانتقال الى الديمقراطية في اسبانيا بعد رحيل الجنرال فرانكو؟
ولماذا لم يمنع ارهاب الجيش الجمهوري الايرلنديI.R.A. التوصل الى حل ديمقراطي في ايرلندا الشمالية ضمن التاج البريطاني؟
ولماذا لم يوقف الارهاب الديني والارهاب العرقي (الكردي) في تركيا الاصلاحات السياسية بهذا البلد الذي تقوده اليوم حكومة أغلبية يترأسها حزب العدالة والتنمية الاسلامي التركي؟
الخ...الخ...
الجواب على هذه الأسئلة بسيط جدا.فلقد كانت عند شعوب وحكام والقوى السياسية بهذه الدول رغبة وارادة لتحقيق الانتقال الى الديمقراطية.ليس يعني هذا ان في هذه الدول لم تكن هناك قلاع مقاومة وفساد ومنتهكين لحقوق الانسان المتوجسين من المساءلة وعدم الافلات من العقاب...بل كانت هناك في بعض الأحيان محاولات جادة للانقلاب على الديمقراطية كما حدث في اسبانيا عندما قام جزء من الجيش باحتلال مقر الكورتيس/البرلمان الاسباني وأخذ نوابه كرهائن للحيلولة دون تنصيب الحكومة الاشتراكية برآسة فليبي كونزاليس.لكن هذه المحاولة باءت بالفشل أمام ارادة الملك خوان كارلوس.
يتضح اليوم ان كثيرا من القوى ببلادنا لم تكن لها بالفعل تلك الارادة الحقيقية لانجاح الانتقال الى الديمقراطية.هذه القوى بقيت تتربص الدوائر بكل المحاولات التي بذلت في هذا الصدد وخصوصا تلك التي صدرت من القصر فلما رات أن الفرصة مناسبة انقضت على تلك المحاولات وأوقفت سيرورة التحولات متبنية اديولوجية الخوف والتخويف من استغلال الاسلاميين لقواعد اللعبة الديمقراطية فيصبحوا لاعبين اساسيين فيها.هذه القوى المحافظة لم تكن تمانع ولا تعارض بعض الاصلاحات الصورية لتحسين صورة المغرب من دون المساس بجوهر وطبيعة الوضع السياسي.ويمكن القول ان هؤلاء قد استفادوا الى حد كبير من تواطؤ وتهافت بعض النخب على الامتيازات لتحقيق مآربهم واعطاء انطباع خاطئ لما يجري حقيقة بالبلاد.
وبكل صراحة نقول:لو اراد الفاعلون السياسيون الأساسيون والمؤثرون في القرار السياسي المغربي تحقيق الانتقال الى الديمقراطية لأعدوا له العدة.بل لكان ظهور التطرف والارهاب بكل عناوينه حافزا على الاسراع بتحقيق الاصلاحات الضرورية تحصينا للمجتمع من الردة نحو الشمولية والاستبداد.