تابط شرا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1314
الموقع : صعلوك يكره الاستبداد تاريخ التسجيل : 26/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | ادونيس الجزء الثالث | |
دائمًا
كان
بيننا
مسافة قلنا
يمحوها اللهب الذي نسميه الحبَّ
والتصقَ النهار بالنهار الليلُ بالليل
وبقيت بيننا مسافة
أطفأنا ما لا ينطفىء
أشعلنا ما لا يشتعل
وبقيت بيننا مسافة
وفي ساعات التحام الشهيق بالشَّهيق والنطفة بالنطفة
بقيت بيننا مسافة
أيّها الحب, أيها النسل المنطفىء
تَقدّمْ واجلس على ركبتيَّ - ركبتيها
خُذْ إبرَ الدمع وانسُجِ الماء
تحيّينا أجراس الرَّغبات
نبتكر موتًا يطيل الحياة
نبتكر خداعًا بعلوِّ الطفولة
رياءً بصدق الشمس
من نحن?
يجمعنا جسرٌ لا نقدر أن نعبره
يوحّدنا جدارٌ يفصلنا أدخل فيكِ أخرج منّي
أخرج منكِ أدخل فيَّ
ما أبنيه يَهدِمني
تشبّهتِ لي أَنَّك الفضاء
وأَضْغَثْتُ الرؤيا
أمسكتُ بوردةٍ هبطتُ واديك انتظرت
بيننا نهرٌ والجسر بيننا نهر آخر
سمعتكِ تسألين: أيّنا الكبدُ
أيّنا النواح?
اختلطتِ بالجَزَعِ وأعشاشه
صرختِ اتّحدنا كرةً من النار
انْطفئي الآن أَنطفىء الآن
لِنعرفَ نعمة الجمر
نمحو وجهينا نكتشف وجهينا
هواجس
أصدافًا
مرايا
ننفذ عِبرَها إلى شخوصنا الثانية
نفتح صدرينا للأكثر علوّاً
ينفتح لنا الأكثر انخفاضًا
ويدخل كلانا في برج الوحْدنة
في عزلة عصفورٍ يُحتضر
ويتذوَّق كلانا طعم الآخر
وتسكر أعضاؤه بالحياة لحظةَ يسكر الآخر
بالموت
وكلانا يُسِرّ نعم لحظةَ يجهر لا
ويُسرّ لا لحظةَ يجهر نعم
كيف تغسلين جسدك ويزول ماؤك الثاني?
كيف أغسل جسدي ويعود لي مائي الأول?
أنا سؤالكِ
ولستِ أنتِ جوابي
عرَّفتكِ بحنيني
بشرَّتك بِه وربطتك بنفسي
لكي يتحرَّك جسدكِ حركة الحكيم
وأتحرّك به
بما فوقه
بما تحته
وبالذي بين يديه
لكي أحيطَ بكِ إحاطةً تخلَّصني من كل قاطعٍ
يقطعني عنكِ
أقرأَ كتاب كنهكِ
أتطوّرَ في أصولكِ
أذوقَ موجوداتها
وأشخَّصَهَا في أوهامي
لكي تكوني النقطة
وأكون الخطّ والشكل
لكي تكوني مِنْ وما يتلوها
عَنْ وما عندها
حيث لا تسعني الكلمات
حيث لا يسعني غير التخييل والرمز
لم أقصدكِ
لستُ بحركِ
لست البجع الذي تنتظرينه
وليس لي غير أطرافٍ
أطراف تتيهُ
تتوه في حُمَّى لم أكتشف حدودها بعد.
محوتكِ - اكتشفتكِ
بسطت على الورق أجنحتي واستدعيتكِ
قلتُ: الموت شيخ
من أين له بعد أن يلحق بنا?
قلتُ: جسدي شمالٌ والزمن جنوب
كيف لهما أن يلتقيا?
ولكِ أَماميَ الذي لا يهرم
ولك أبديّة الجهات الباقية من أعضائي
ولكِ منحتُ عينيَّ الأرقَ ويأسيَ النوم
ولك ساويتُ بين الصحراء والبحر
العينِ والشّوك
ولكِ استثنيتُ المعنى من حشود الكلمات
وسمّيته الصورة
ووفاءً لأسمائك التي أنزلتها سلطانًا
قلت للأبجدية: تشهَّيتِ ووحَّمْتكِ
ولكِ غيْرتُ وأقنعت سنواتي أن تكون جمرة التغير ولكِ استوهَبْتُ اللهبَ أخطائي وأقنعت الجسد
أن يكون مجدَ الصفات
ألتهمكِ خليّةً خليَّةً لا تروينني
أَحتويكِ نبضةً نبضةً لا راحةَ لي فيكِ
لا الغيرة تفصلني عنك لا الكراهية
يفصلني شعور لا اسْمَ له
وأنتِ الآن الزّمنُ والموت:
من أين لي أن أَسترجعكِ?
تُحتضرينَ أندفع نحوكِ
أجسُّ بقاياكِ
وألمس كيف ترحلين
لم
أكن
لستُ إلا رذاذًا يُشهيَّ
كنت البطيءَ وسبقتْني ثيابي
موتي سُلَّمٌ لجسدي وجسدي بلا قرار أين أثبت?
أثبتّ السّحاب قلتُ للزبد أن يكون
مفتاحَ الموج أين أثبت?
ليس الاسم جذرًا ليس الجذر امرأةً ليس أين أثبت?
القشُّ يأتزر بالورد والكلمات تكسر صلبانها أين أثبت?
وجاءني الأفق سَمَّى نفسه بِاسْمي
ليس الاسم حضنًا
ليس الحضن امرأةً
آخذ شفتيَّ منكِ هذه الليلة
أيتها الأرض الوَحْمى ولا حَبَل,
لأعرفَ كيف تهطلين أيتها الصحراء
كيف تزدادين اتساعًا
لأعرفَ حَتْمَ اليأس
لأعرفَ كيف نحبّ دون أن نحبّ
كيف يذبل ما تسمَّى بأسمائنا الأولى
وارتوى بما حسبناه لا يعرف الذبول
الجرح دلتا
البلسم ألف
والجسد حروفٌ بلا نقاط
أيّة هاوية تَتّسع لأعضائي
ليس للمكان قصبةٌ لأتوكّأ
ليس في مناخهِ غيومٌ لأتوسّمَ المطر
وها أسمع في جسدي
جذوعًا تَنْبتر
وأشلاءَ تَتطاير
وها أنسكب في شظايايَ
وأَسترخي
أيّها الحبّ - الرأسُ الذي يَشجُّه الجَسد عرقًا عرقًا
أيها الحب, يا أرومةَ الماء
اتّسعْ
كن الهباءَ والشمس
وأثْبِتِ الغُبار بالغبار.
تمرحَلْ, أيها الجسد, من الآن إلى الموت
- متى وُلدتَ, ما عمرك?
تَمدَّدْ, أيها البخار, يا دمي ورافق استطالاتي
ثمة أمواجٌ تقبل من شواطىء غير مرئية
تقول إنّها استطالاتي
ثَمَّة صلصالٌ غيَّر اسمه
حَرْفٌ خرج من صوته
أُفقٌ على شَفَا الأفق
تقول إنها استطالاتي
وبين العصب والعصب صَحَارى
تقول إنها استطالاتي
وأنتِ, يا زهرة الآلام امْنحينيَ احتمالاتٍ أخرى
كوني أمومةً زهرةً بآلاف الأَسْدية والمِدَقَّات,
الكؤوس والتّويجات
امْنحيني - اذْكري وجهي
كنتِ تَنْحنين عليه كلّما جمعنا ماءٌ أو هواءٌ
لِنقرأ الموت
تمتزج رائحتانا
تنمو أطرافُنا توائمَ توائمَ
أقول لكِ: تَموتينَ مأخوذةً بالماء
تقولين لي: تموت مأخوذًا بالشمس لكن,
لحظةَ تذبلين بين عينيَّ
يفصلنا لَهَبٌ لَهَبٌ لَهَبٌ
ومتاهاتُ الأحد السبت الجمعة الخميس
أصِلُ فيك الشهوة بطعم التراب
والفرحَ بنكهة الموت
وها هو جسدي
موشومًا ببقع الحسرة
يزحف بين كلماتي
تتكاثفُ أدغال الأرق
تعلو أمامي الجبالُ
الشجر ينام
ولكلِّ حصاةٍ أذنان تُصغيان إليَّ.
توهَّمتُ أنَّ اليدَ يَدٌ وأنَّ الوجهَ هو الوجه
وكان هذا تعاطفًا مع الرمل.
الجسدُ يتذكّر الحبّ ينسى
الحبّ أن نذهب الجسدُ أن نجيء
الحبّ أن نستوهم الجسدُ أن نتَبلبل
الحبّ - هذا الهَزْل الكوني
من أجل أن يظلَّ الأبد مشقوقًا
من أجل أن نُهَسْهِسَ الشّكّ.
| |
|
الأحد أكتوبر 17, 2010 11:50 am من طرف هذا الكتاب