استعدوا للأمطار كما تستعدون للحرب عبد الله الدامون -
damounus@yahoo.com هذا العام انتهى الصيف على عجل لأن رمضان خنق أنفاسه قبل الأوان، وصار الناس يستعدون مبكرا لموسم أمطار ينتظر أن يكون شديدا، كما هو الشأن في كل المواسم الأخيرة التي أصبحت تعطي الانطباع بأن الطوفان يمكن أن يحدث في أي وقت.
طوال فصل الصيف، رمى الناس مئات الآلاف من الأكياس البلاستيكية وما شابهها داخل قنوات تصريف المياه، وتحولت القنوات التي يفترض أن تحمل المياه بعيدا إلى مزابل تحت الأرض، وهو شيء يعرفه الجميع، لكن الجميع ينتظرون أن تتحول المدن والقرى المغربية إلى بحيرات اصطناعية حتى يبدؤوا العمل. وقبل سنتين كانت واحدة من أكبر المناطق الصناعية في المغرب، وهي منطقة «مغوغة» بطنجة، على وشك أن تشهد كارثة من مستوى عالمي بعد أن حاصرتها المياه من كل جانب، وبدأ آلاف العمال يتلون الشهادتين لأن الموت كان أقرب إليهم من حبل الوريد. وسبب ذلك بسيط للغاية، وهو أن القنوات التي تصرف المياه بالمنطقة امتلأت عن آخرها بآلاف الأكياس البلاستيكية وبالأزبال من كل نوع، من دون أن يأبه لها أحد.
ومن الغريب حقا أن الأكياس البلاستيكية التي نرميها كيفما اتفق تعود إلينا بوسائل مختلفة، فإما أنها تخنق قنوات المياه وتعود إلينا على شكل فيضانات مهولة، أو أننا نجدها داخل أمعاء الأكباش في عيد الأضحى.
لكن لا يجب أن نلقي اللوم كله على الأزبال والأكياس البلاستيكية في القنوات، لأن هناك عملا جبارا قام به رجال السلطة، بمن فيهم آلاف المقدمين والقواد والشيوخ، والذين كانوا ولا زالوا يقبضون الرشاوى صباح مساء لإغماض العين عن بناء أحياء أو مدن عشوائية بكاملها في ممرات الأودية والأنهار، وحولوا كل شيء إلى سوق للبيع والشراء، بما فيه الأراضي المعرضة للفيضانات والانجرافات. وعندما تأتي السيول، يتحدث الناس عن المياه وكأنها المسؤولة الوحيدة عن ذلك.
هناك أيضا شركات عقارية عملاقة مارست جرائم حقيقية ضد الإنسانية وبنت مجمعاتها السكنية فوق أراض معرضة دوما للفيضانات، ومع ذلك لم يحاسبها أحد، لأننا نحاسب الأمطار فقط، مع أن الأمطار لا تعتدي على أحد، لأنها تسلك ممراتها الطبيعية التي ظلت تسلكها لآلاف السنين، والبشر هم الذين اعتدوا عليها لأنهم سكنوا في طرقها وممراتها، لذلك حين يجد أحد نفسه غارقا في الماء في غرفة نومه، فليفكر جيدا هل الأمطار هي التي اقتحمت عليه خلوته أم إنه هو الذي سكن في طريقها.
هناك حقيقة قاسية يجب أن يتقبلها المغاربة من الآن صاعدا بسبب التغيرات المناخية الغريبة، وهي أنهم يجب أن يستعدوا لمواسم الأمطار والبرد كما يستعدون للحرب. نفس الاستعداد يجب أن يقوموا به في مواجهة الحر صيفا، والذي أصبح رهيبا أكثر من أي وقت. وكل هذه الحروب الطبيعية يجب أن تنضاف إلى حروب حياتية أخرى، مثل حرب مداخيل الدخول المدرسي، وحرب الأعياد ورمضان، وحروب أخرى مستمرة طوال العام.
كثيرون ربما قد لا يفهمون معنى الحرب والبرد، وهؤلاء يمكنهم أن يسألوا أطفال «أنفكو» أو ضواحي شفشاون، الذين تفارقهم أرواحهم لمجرد أنهم لا يجدون معاطف ثقيلة أو «بطانيات» لحماية أجسادهم الصغيرة من وحشية برد قارس.
عندما يتوقف أطفال المناطق النائية عن الموت بسبب البرد والأوبئة، وعندما تتحول الأمطار إلى شيء طبيعي وتمر في قنواتها وممراتها وأوديتها كما كانت تمر دائما، من دون أن تجد أحياء ومدنا عشوائية تقف في طريقها، وعندما تتوقف الشركات العقارية العملاقة عن اعتبار المغاربة مجرد آلات لإنتاج أرباحها المهولة، وعندما يبدأ المسؤولون في كل المدن والقرى في الاستعداد لمواسم الأمطار في قلب الصيف، عند ذلك فقط يمكن أن نقول إننا بلد بدأ خطواته الأولى نحو التقدم.
وبما أن كل ذلك لا يحدث، فإننا بطبيعة الحال نعيش في بلد متخلف... متخلف جدا.