** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 ساركوزي و الحجاب و العلمانيّة -

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
وصال
مرحبا بك
مرحبا بك
وصال


عدد الرسائل : 162

تاريخ التسجيل : 13/09/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

ساركوزي و الحجاب و العلمانيّة - Empty
15092010
مُساهمةساركوزي و الحجاب و العلمانيّة -

ليست مقاربة موضوع الحجاب (و نتحدّث عن الحجاب الإسلامي المُجمع عليه, أي تغطية الرأس, لا أتكلّم عن النقاب) سهلة و لا بسيطة, خصوصاً أنها تمس رمزاً دينياً لعلّه الأكثر حضوراً في الشأن الإسلامي, و يحاول هذا النص إلقاء نظرة شخصية علمانية بخصوص مسألة الحجاب في فرنسا و الصراع بشأنه, جذوره و أبعاده.

فكرة هذا النص ليست جديدة, و قد كتبت بعض فقراته منذ فترة لا بأس بها, و لم يكن سهلاً التطرّق لجزئية الحجاب دون الدخول في شؤون أخرى تجعل من النص طويلاً و متشعباً. لم يكن سهلاً أن أبقى ضمن سياق محدّد نوعاً ما و لا أعلم إن كنت نجحت في ذلك, فربما لن تكون النظرة مكتملة و شاملة, لكنني أعتقد أنها تنفع لتصوير الواقع بحد أدنى نافع.

خلال بحثي في الفترة الماضية عن نصوص معنيّة بشأن أزمة الحجاب وجدت أن أغلبها, للأسف و كما هو متوقع, لا تدخل في قراءة موضوعية بل أنها فقط تبحث عن تجييش العواطف و المشاعر و اللعب على وتر دور الضحية الذي أدمنّا عليه, و المغالطات و الشتائم للعلمانية و تحميلها مسئولية هذه القضية هي ما دعاني لكتابة هذا النص الذي ربما لن يغيّر شيئاً بالنسبة لأصحاب الموقف المعادي للعلمانيّة, و ليس هذا هو قصد النص على كل حال بل هو محاولة لطرح وجهة نظر مختلفة حول الموضوع.

ما هي طبيعة "صراع الحجاب" في فرنسا؟

لا نستطيع الخروج بأي نتيجة موضوعية من مقاربتنا لموضوع الحجاب دون البحث في أساس هذا الصراع و أصله بهدوء, و لا يحتاج إيجاد أصل صراع الحجاب في فرنسا إلى جهدٍ كبير بل هو واضحٌ باعتقادي لأي مطّلع على أسس السياسة الأوربية و التيارات الفكرية السياسية السائدة.

يخطئ من يعتقد (و يسوّق) أن إشكالية الحجاب هي صراعٌ ما بين الإسلاميين و العلمانيين, و الخطأ هنا مزدوج حيث أنه يخطئ من يريد الدفاع عن حقّ الحجاب بهجومه على العلمانية و اعتبارها مسئولة عن هذه النزعة شبه العنصرية, كما يخطئ بعض العلمانيون العرب في اتخاذ موقف دفاع عن هذا الإجراء و كأنه دوغما علمانية, و نريد أن نؤكد أننا نتحدّث الآن عن خصوصية الحجاب و ليس عن مطالب إسلاموية أخرى.

إن أصل الصراع على الحجاب هو نزعة قومية يمينية لا تخلو من شوفينية, و هي نزعة رجعية لا علاقة لها بمبادئ الثورة الفرنسية و لا بـ"روح الجمهورية الفرنسية" الرومانسية التحررية, و نجد في ساركوزي و فكره السياسي رمزاً لهذه النزعة التي تتبنّى تعصّباً للهويّة القومية في وجه "الغزو المهاجر" الذي يريد إذابتها و إحلال عاداته و تقاليده المستوردة محلّها "دون أيّ احترام لهويّة هذه البلاد التي أعطتهم المأوى و العمل و العون الاجتماعي".

لا أريد إطالة الحديث عن مهارات ساركوزي كثعلب سياسي قدير, و لا عن توجهاته القومية الفرنسية المزاوجة مع سياسات نيوليبرالية اقتصادية تجعله إلى درجة كبيرة مرادفاً أوربياً للمحافظين الجدد الأمريكيين (و ربما يوجد اختلاف ليس إيديولوجياً بل إجرائياً حول التدخل العسكري و السياسي الشرس), لكن للتدليل على مدى تمكّنه من غرس هذه النزعة القومية و هذه الغيرة على الهويّة يكفي أن نشير إلى أنه يوجد اليوم في فرنسا وزارة اسمها "وزارة الهويّة القومية", الأمر الذي كان سيُفهم في عقود سابقة على أنه ضرب من ضروب الفاشيّة (و هو كذلك فعلاً).

لا أستطيع أن أشرح وجهة نظري حول السياسة القومية الفرنسية المتشددة اليوم دون أن أذكر أنني أرى فيها بشكل واضح شكلاً من أشكال صراع الطبقات, و هو صراعٌ ما بين طبقة عاملة دنيا تزداد حالتها سوءاً في ظل الأزمة الاقتصادية ( و خصوصاً المهاجرين منهم, حتى لو كانوا من الجيل الثالث, لأننا يجب أن نضيف مشاكل الاندماج و التأقلم إلى المشاكل الاقتصادية في قراءتنا لهذه الصعوبات) و بين طبقة برجوازية (من الوسطى فما فوق) مرتاحة و مقتنعة إلى حدّ كبير بالسياسات الاقتصادية النيوليبرالية و تعتبر الحقوق العماليّة و التحرّكات النقابية أحجاراً في هذا الطريق الاقتصادي المربح لهم, و بالتالي يجب التخلّص منها, و بما أن أغلب هؤلاء العمّال الذين يجب أن تُهدر حقوقهم من المهاجرين فمن الجائز أن نستخدم الهويّة الوطنية لنؤكد أننا أصحاب البلد (و من لم يعجبه فليرحل عنّا.. ببساطة). و ربما لا نستطيع أن نلوم و لا أن نجرّم الفرنسيين الذين يمكن أن يتأثروا بهذا الخطاب إن وضع أمامهم بشكل معيّن لأننا قبل أن نقوم بذلك علينا أن نتذكر أننا نراهم من منظورنا كمتضررين "عقائديين" بشكل ما, و لكن ألا نجد نفس هذا المبدأ في النظر نحو "الغريب" في بلادنا في كثيرٍ من الحالات؟ و الأمثلة كثيرة و واضحة لدرجة أنه لا داعٍ لذكرها.

لماذا المسلمين؟ و لماذا الحجاب؟

اختيار المسلمين (كإديولوجيا دينية) كهدف للهجوم له سببان, أو لنقل أنه سبب مركّب: الجاليات المسلمة المهاجرة هي الأكبر ضمن طيف المهاجرين في فرنسا, و لأنها الأبرز في بنيانها الإيديولوجي و صاحبة هويّة (لأن الدين الإسلامي يتميّز بملامح انتمائية واضحة و مميّزة) فهي أسهل هدف للهجوم, فالصورة النمطية السلبية للمهاجر المسلم هي هدف سهل لكلّ خطاب قومي أوربي متعصّب (ليس لديه أي رابط انتماء في هذه الأرض أو في هذا الشعب, الهويّة الفرنسية لا تعنيه في شيء, عاداته تتناقض مع عاداتنا, لا يعرف التكيّف, لا يحترم أنه أقليّة و لا يكف عن المطالبة بفرض عاداته و تقاليده, ليست لديهم ثقافة ديمقراطية في بلادهم و لا يحترمون الأقليات و لذلك لا يعرفون العيش كأقلية,عنيفون, أمام عاداتهم و تقاليدهم و شرائعهم لا يحترمون قانوناً و لا يقفون أمام أي حدّ, يحتقرون المرأة, يحتقرون الطفل... الخ). و هناك حوادث معيّنة تتلقّفها الصحافة اليمينية بسعادة بالغة و تضخّمها و تضعها في سياق ملائم لتقوية هذه الصورة النمطية السلبية مثل بعض أحداث العنف في الأحياء ذات الأغلبية المهاجرة, أو أخبار سوء معاملة النساء, أو حوادث "مهينة" للرموز القومية الفرنسية مثل مقاطعة الجمهور المهاجر بأغلبيته عزف النشيد الفرنسي بالتصفير و الصياح (مع كلّ ما يعنيه النشيد بالنسبة للفرنسيين) قبل مباراة بين منتخبي فرنسا و إحدى الدول المغاربية, أعتقد أنها كانت تونس.. أو حتّى ترجمة بعض أدبيات الحركات الإسلامية المتحرّكة ضمن الجاليات في فرنسا, خصوصاً تلك التي تعبّر عن تشوّقها لأن يصبح عدد المسلمين في فرنسا أكثر من النصف كي تتحوّل إلى دولة إسلامية, و هذه بالذات مؤثّرة للفرنسي, فحين يأتي السياسي اليميني و يقول له: "أنظر.. هؤلاء لا يريدون المجيء و العمل و الاندماج و التعايش, يريدون التكاثر كي يصبحوا أغلبية.. صوّت لي و سأحافظ على بلادك و هويّتها و تاريخها و مكانتها كدولة عظمى.. الخ" أليس هذا ما يدعونه أحياناً بالـ "الخطاب الوطني" ؟

هذه أمور موجودة فعلاً و تحدث, و نستطيع أن نؤكد أنه يتم تضخيمها و وضعها في سياق ملائم لهذا الخطاب الشوفيني, لكن لا نستطيع أن نقول أنهم قد اخترعوها من العدم.

إن كنا نريد الآن أن نشرح سبب اختيار الحجاب كهدف محدد ضمن هدف أكبر (و هم المسلمون الإسلاميون) فالسبب سهل التوضيح, الحجاب هو الرمز الديني الوحيد ربما الذي لا يمكن التخلّص منه و لا يمكن تجنّب الصدام بشأنه, قد يسمح الدين بلبس الزي الأوربي إلى حد معيّن, و قد يسمح بالدخول في أنماط الحياة الأوربية, كل هذه الأمور قد يتأقلم المهاجر المسلم معها, لكنه (أو بالأحرى "لكنها") اعتباراً من حد أدنى من التديّن لن تستطيع خلع حجابها, فيصبح هناك صدام بين اتجاه الاندماج في مجتمع غريب و المحافظة على الهوية الانتمائية التي يشكّل الدين أحد أركانها الأساسية, إن لم نقل أنه الركن الوحيد!

فائدة أخرى لهذا "التهجّم" هو تحشيد المسلمين.. هذا التهجّم يؤدي إلى تعاطف انتمائي ما بينهم و بالتالي يحوّلهم إلى جهة واحدة تُحارب بطريقة واحدة, كما أننا نستطيع أن نلاحظ نشوء ما يشبه الحلقة المفرّغة في هذا الصراع حيث يلجأ كثيرٌ من المسلمين عندما يرون أنفسهم مهدّدين في هويتهم و كيانهم الديني إلى تبنّي كلّ الصورة النمطية السلبية الموجودة عن المسلم (أو جزء منها) لا لرغبته و لا لقناعته و إنما لمجرد النكاية بمن يراها مصدر تهديد (و يمكن أن تجد مثلاً رجلاً يلبس البنطلون و القميص عندما يزور بلده الأصلي, لكنه في فرنسا يلبس الجلباب.. فقط نكايةً بمن لا يعجبه), و بنمو هذه الصورة النمطية تنمو مشاعر العداء لها, و هكذا دواليك.. و علينا للنزاهة أن نشير إلى أن هذا التحشيد مربح مادّياً للكثيرين ممن عرفوا أن يستثمر فيه, فتجارة المواد الغذائية "الحلال" و كلّ ما يتعلّق بالممارسة الدينية و الأزياء "الإسلامية" و تجهيزات المساجد و المراكز الدينية و المدارس القرآنية مربحة جداً للبعض, و التحشيد يساهم على ازدياد الطلب على هذه الأمور كما أنه يسوّق لبضائع معيّنة ربما لم تكن رائجة بهذا الشكل في فترة أخرى أقل "توتراً".

إن إقحام العلمانية في هذا الصراع القومي –الطبقي هو تشويه متعمّد لها, إن كان من قبل ما يستخدمها كحجّة لتسويق سياساته باعتبارها من مبادئ الجمهورية الفرنسية (و هي مبادئ ربما لم يخرج عنها اليمين الفرنسي حرفياً, لكنه خرج عنها أخلاقياً و خنق روحها و أنهاها, و الدليل على ذلك هجوم ساركوزي المتكرر على حركة أيار 1968 الشبابية التي مثّلت خلاصة الفكر التحرري الفرنسي), أو إن كان من قبل من حوّلها إلى عدو باعتبارها مصدر خطر, و في هذا المجال لا أستطيع أن أرى مجرد موقف دفاعي بل أرى أيضاً أجندة أخرى تخص محاربة العلمانية في العالم العربي و الإسلامي بالحجّة الشعبوية التالية: "انظروا ماذا فعلت العلمانية بنا في فرنسا.. و تريدونها في بلادنا؟". على كل حال سنعود إلى هذا الموضوع فيما بعد.

إن الجزء الأكبر من "المعركة" الدائرة اليوم هي خارج أي حرب يمكن أن تخوضها العلمانية, و إن أخذنا جزئية الحجاب تحديداً فإنني, كعلماني يساري, لا أستطيع شخصياً أن أفهم كيف يمكن أن يبرر أحدٌ منع الحجاب في الأماكن العامّة من منطلق علماني, لأن أي طريق سيمشي به لبناء منطق دعم الرفض سيكون مقطوعاً حتماً بتناقض صارخ مع مبادئ العلمانية (كمنهج تفكير).

بدايةً.. لا أعتقد أنني أظلم أحداً إن قلت أن محاولة منع الحجاب في المناطق العامة هي حكماً خطوة معادية للدين الإسلامي, و العلمانية لا تعادي الدين, أيّ دينٍ يكن, بل أنها تقف على الحياد و على مسافة واحدة من جميع الأديان و الطوائف.. و منع الحجاب كممارسة دينية شخصية هو جريمة بحق حرّية الممارسة العقائدية لا تقل بشاعةً عن الإجبار على لبس الحجاب (أي أن من يحاول منع الحجاب يقع في خطأ تحويل اللادينية إلى فكرة شمولية لا تقل ظلماً عن أي فرض آخر معاكس).

ثانياً: يمكن أن نفهم من العلمانية أن الدين يجب أن يكون جزءاً من الإطار الخاص للإنسان و ليس مكوّناً من الحياة العامة للمجتمع (في الإطار الحكومي و القانوني و الإداري), و هذا أمر صحيح.. لكن في حالة الحجاب يأخذ البعض هذا المعنى لتبرير منع الحجاب في الأماكن العامة (المدارس, الدوائر الحكومية, الشركات و مراكز العمل.. الخ) و يقولون أن من حقّ المرأة أن تتحجّب في حياتها الخاصة و في نزهاتها و تحرّكاتها الشخصية, لكن في عملها و دراستها و غيرها لا يجب أن ترتدي رمزاً دينياً... هذا غوغاء! اللباس هو جزء من الإطار الشخصي للحياة البشرية بغض النظر عن أيّ مكانٍ يكون فيه. الحجاب, بشكل أو بآخر, هو قطعة لباس.. و لا يحق لأحدٍ أن يقيّم قطعة ثياب يلبسها أحدٌ دون أن يقتحم خصوصيته و يحاكم نواياه من لبسها, أنا حرّ في أن أرتدي ما أشاء دون أن يتدخّل أحدٌ ليفسّر ماذا أرتدي و لماذا, فما بالك إن كانت الدولة هي من تنوي التدخّل؟!.. هذه حرّية شخصية لا يمكن أن يتم تقييدها باسم العلمانية, و بالعودة إلى مقارنة شبيهة بتلك الموجودة في النقطة السابقة.. ماذا عن فرض الحجاب في الأماكن العامة في الدول الإسلامية؟ أليس مشابهاً لمنعه؟ ألم تأت العلمانية لتضمن حرّية الفرد من فرض عقيدة على الحياة العامة؟ هل نستبدل عقيدة دينية مفروضة و إجبارية بعقيدة لا دينية مفروضة و إجبارية .. باسم العلمانية؟! هذا مستحيل..

أمرٌ آخر.. يجب شرح و تفسير الحدّ الواضح و الصريح بين الإطار العام و الإطار الخاص أو الشخصي و عدم الاعتماد على ضياع الحد بينهما من أجل تفسير إجراءات شمولية و مقيّدة للحرّيات, و لذلك سأستخدم مثالاً أسهل و هو الصليب: نفس المبدأ القانوني الذي ينوي منع الحجاب يمنع الصليب أيضاً في المدارس.. و هنا يجب الإشارة إلى أن الصليب حسب مكانه قد يتعارض مع العلمانية أو قد لا يتعارض: الصليب المعلّق على حائط قاعة صفّية أو مدرج جامعي يتعارض مع العلمانية لأنه يفرض صبغة دينية على المكان العام, لكن الصليب المعلّق على سلسلة بعنق طالب لا يتعارض مع العلمانية لأنه جزء من حرّيته و كيانه الشخصي الذي يحقّ له أن يعبّر عنه كما يشاء.

النقطة الأخيرة, و هي مسألة مهمة جداً, تخص حالة المنع في المدارس و الجامعات.. يقع المنادون بمنع الحجاب (أو لنقل بشكل أوضح: منع المحجبات) في تناقض شديد جداً مع العلمانية و مع أي فكر تحرري إنساني.. التعلّم هو سبيل الإنسان للارتقاء و تشكيل الوعي.. و الوعي و المعرفة تعني الحرّية, و أليس الوعي المحرّر لبّ العلمانية في نظرتها لبناء الإنسان و نموّه؟ كيف إذن يمكن أن يمنعوا فتاةً محجّبة من الحصول على هذه المعارف التي يمكن أن تحرّرها من هذه القيود الافتراضية التي تُربط جدلاً بالحجاب؟ ما هو أساس إرادتكم يا سادة؟ ملاحقة رموز حتى لو سببت هذه الملاحقة بقتل جزء من روح العلمانية عن طريق إغلاق طريق إنسان إلى المعرفة التي تحرّره و تجعل منه فرداً واعياً و مسئولاً؟!

هناك من سيقول أن العائلة التي ستمنع ابنتها من التعلّم لأنها ترفض خلعها للحجاب في المدرسة هي المتعصّبة و المخطئة بحق ابنتها, و على الدولة أن تقابل هذا التحدّي و هذا الابتزاز بحزم و ألا تظهر ضعفاً.. و الحقيقة أن الدولة هنا أكثر خطأً من أي عائلة أو أي مجموعة... لا يجب أن تصل الدولة, أيّ دولة, إلى درجة الصدام مع جزءٍ من سكّانها (بغض النظر إن كانوا من مواطنيها أم من المهاجرين) لأيّ سبب كان, لأن هذا الصدام سيولّد في هذا الجزء من الشعب مشاعراً بعدم الأمان و بأنه أُخرِج من المنظومة التي يفترض أن تشمل الجميع, و هذه المشاعر مشابهة لتلك التي تولّد النزعات الانفصالية.. و وجود هذه المشاعر بالحرمان هي من علامات فشل الحاكم.. أيّاً كان سببها. دائماً هناك حلول يمكن الوصول إليها, ربما ليست سهلة, لكنها دوماً موجودة.

العلمانية يجب أن تمنع إنشاء أي نوع من أنواع الغيتو, إن كان مادّياً أو نفسياً, و التسامح مع الحجاب (الذي هو أكثر من رمز ديني) و التعامل معه بشكل طبيعي ليس تساهلاً مع إنشاء غيتو بل العكس تماماً: لا يوجد أي سبب موضوعي للتفكير في أنه لا يمكن لامرأة محجّبة أن تمارس حياةً طبيعية ضمن مجتمع غربي و أن تعمل و تتعلّم و تنشط داخل المجتمع. لكن من المؤكد أن فرض أي قانون مضاد للحجاب سيؤدي إلى تهميش المحجّبات, إن كان كواقع ملموس أو بشكل نفساني.

كلّ ما سبق ليس جديداً.. إن هذا هو رأي السواد الأعظم من العلمانية الأكاديمية الأوربية, كما أنه موقف أغلب الحركات اليسارية و التقدمية في القارّة العجوز, لكن هذا لا يقال في وسطنا العربي بل يجب أن يتم تسويق أنهم "كلّهم ضدّنا". لا يخفى على أحد أنّ "جبهة الحجاب" مربحة للكثيرين من الوسط السياسي ذو الخطاب الإسلامي في هجومهم على أيّ نظرية فكرية سياسية أو اجتماعية غير إسلامية, و لا شك أن لديهم في بعض "العلمانيين" العرب (و خصوصاً من بعض الذين يسمّون أنفسهم بالليبراليين) أفضل حليف.. نعم تخرج عشرات الأخبار و المقالات و هي تتباكى و تندب على الهجمة على الحجاب, لكن قلّة منهم يعترف بنزاهة أن العلمانية الأكاديمية الفرنسية و الأوربية تقف ضد هذا المنع, و أن هناك الكثير من البيانات و التصريحات الجماعية الموقّعة من قبل عشرات الأكاديميين الفرنسيين ضد هذا الاتجاه, و لا نجد خبراّ واضحاً عن ترشيح أحد الأحزاب اليسارية لسيّدة محجّبة على رأس قائمته في الانتخابات القادمة كتحدٍّ لهذا التيّار... لا أحد يقول ذلك لأنه ليس مربحاً لما يريدون تسويقه, يجب أن نشتم العلمانية و نشتم جميع ما ليس "نحن" لأنهم جميعاً يكرهوننا و يتآمرون ضدنا.. الخ.

بالنسبة لي شخصياً أرى أن هذه القضية هي دليلٌ جديد على أن العلمانية هي الإطار الوحيد الذي يمكن أن يحتوي الجميع باختلاف الأديان و المعتقدات و الانتماءات بحقوقٍ متساوية و حرّيات مترادفة.. لأنها هي الوحيدة التي تضمن للجميع ممارسة حياتهم كما يرغبون و بناءً على معتقداتهم و تضمن الحرّية و الحق الكافيين لأن يكونوا جزءاً من مجتمع متعدد دون أي تمييز من أي نوع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

ساركوزي و الحجاب و العلمانيّة - :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

ساركوزي و الحجاب و العلمانيّة -

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» مستقبلُ القيم العلمانيّة
» العلمانيّة كإشكاليّة غير تونسيّة!
» رجع صدى في العلمانيّة و"البراكسيس"
» مهنيّو الصحّة أو الوقاية العلمانيّة المعلّقة
» العلمانيّة كإشكاليّة غير تونسيّة!

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: