مونولوج 1:
حبّة الفالْيُوم* الملتقطَة بإبهامكِ وسبابتكِ، ملقطٌ يُمْسِكُ الرّياح مِن أذنها، تأديباً لكلّ هذا الصّدى.
حبّة الفالْيُوم ليستْ حكّاءةً جيدةً تُسقطكِ في النّوم بعد أنْ تُودِع القصّةَ نهداً ثالثاً في صدركِ.
حبّة الفالْيُوم ترميها إلى عصفور حلْقكِ ليصْطادها كفراشةٍ أعماها حيادُ الضوءِ الأبيض، متجنبةً أنْ تخرج دمعةً على لسانكِ المتلمظ ريقي كذواقٍ للنّبيذ، فابتسمَ قبوُ قلْبِي حيثُ الكثير من الكلام أعتّقُه.
لستُ حبّة الفالْيُوم… أسبِّح بسيجارتي، أسقطُ الجَمْرَة تلو الجّمْرَة في موقد كفّي وأنا أتلو اسمكِ، درويشٌ صارخٌ بعد أنْ تيبّستْ أل”مدد” في حلْقِهِ.
في الخارج يلمعُ شارعُ الإسفلت، نصلُ خِنْجرٍ لغجريّ يتربصُ بمن أدمى خطوتكِ في رقصتكِ الليلة، أُطْفِئ الأنوار كمن يصمّ سمْعَه، أغمدُ لمعةَ الخنجرِ في دمعة على حديّ.
حبّة الفالْيُوم تتوسط المسْرح
الضوءُ يلقي بثقلِه عليها، فينضحُ ظلّها
رغبة بالصّحو، تمتلئ المقاعد بالجمهور، بالمنكانات
تذرف دمعاً بطعم النّفط، فيما أنا قاطع التذاكر
أُرتبُ في الكواليس معطفكِ الفرو وأقنع الثعلبَ الماكرَ بألاّ يفرَّ
فكلاب الصّيد
رُفعِت من الواقع إلى المتاحف
رغم أنّ نباحها يعلو مع كلّ تصفيق لحبّة الفاليوم.
أشمّ شالكِ، هذا الحشيش الصّافي كرائحة السيلينيات اللائي نافسنَ عطر بنلوبي في إيثاكا، أُمسكُ حذاءكِ وأمسحُ سواده بسواد سترتي، فتلمعُ نجمةٌ تحنّ لأصابعكِ.
حبّة المنوِّم أنتِ وهذا الليل في غيابكِ ازدردَ كلّ النّوم من علبة عينيّ وتَرَكَ مقلتيّ بيضاوين كالقلق.
مونولوج 2:
في الحديقة الخلفية لظلّكِ، أجلسُ كمقعدٍ خشبي، حفر لصٌّ رسمَ وردةً على خشبه الطّاعن في السّهاد. وشمتِ على بطّةِ ساقك المهاجرة، سكِينة جيبٍ تخيفين فيها من يصفّر في إثر مشيتكِ.
الدَهان الأزرق القاني الذي تساقط دون هزِّ، مازال يذكرُ لسان فرشاتكِ وكيف همّزتكِ نفسكِ أنْ تضعيه كطلاء لأظافركِ، يخمشُ زجاجَ لهاثي، ينافسُ ورق الخريف متشرّداً في الربيع.
نافذتكِ المطلّة، على مسرح السّاحة الخلفية، شرفةٌ في مسرح فيكتوري، تراقبني من خلف عدسةٍ مقرّبةٍ، تتقينَ بها عدوى الحبّ التي أشاعها شكسبير جرّاء عطساته المتتالية وهو يكتب روميو وجولييت.
المقعدُ الخشبي كعكاز جون سيلفر، يحلم بقراصنة لا يشبهون قراصنة جوني ديب بل رسوم المانغا اليابانية وجزيرة تُبحر كسفينة إنْ أُرخيتِ القلوعَ على أشجارها، القلوعُ التي قدّتْ من ستائركِ المُسْدلة.
ـــ ـــ
صمت:
في شارع قلْبي
تَحطّ المقاهي كرفّ سنونوات.
بائعة الورد تمرّ
أتركُ لها كرسياً فارغاً
طاولة، فنجاناً، تصاعد بخارُه
وإنْ لَمْ تملَأْه القهوة.
بائعة الورد، صديقتي الخياليّة من أيام الطفولة
التي حميتها من حقائق الكبار،
بائعة الورد حقيقةٌ كفاية، لتجلس على الرصيف
تعقد رباط حذائها
تختفي كالسّنونوات
لمّا تُكمل الشّمس كأس شاي الغروب.
الإثنين سبتمبر 24, 2018 4:30 am من طرف جنون