ذواتكان الحفر العلمي في ثنائية الحضور والغياب، اللصيقة بالبعد الفلسفي في الفكرة الدينية، محور الدراسة القيمة التي اشتغل عليها الباحث المغربي يوسف هريمة، ونشرت في موقع "مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، تحت عنوان "البعد الفلسفي في الفكرة الدينية ثنائية الحضور والغياب".
توقف الباحث، بداية، عند مُسمّى "الفكرة الدينية "، معتبراً أن هذا التوصيف لا يقصد منه الحطّ من شأن الدين، أو إنزاله مراتب تنزع عنه صفة الحركية أو الفاعلية التاريخية؛ وإنما استعاره من مالك بن نبي، الذي أكد أنّ الفكرة الدينية لها أهميتها في توجيه الحضارة، وذلك ببناء الإنسان، حتى يقوم بدوره في بناء الحضارة.
كما استعار الباحث فكرة الحضور والغياب من الفيلسوف جاك ديريدا، ولو أنها سيقت في مقام آخر؛ لكنّ وجودها هنا للتعبير عن أنّ حضور الفكرة الدينية، في بعض الأنساق الفلسفية والمشاريع الإصلاحية، له أهميته من ناحية تحريك دورة التاريخ أو الحضارة، خاصّة إذا كانت هذه الفكرة تحمل قيماً إيجابية.
ويضيف يوسف هريمة أن الدين استمرّ ولا يزال يكشف في كلّ لحظة من لحظات وجودنا دوره في تشكيل معالم الحياة، وتأطير الإنسان في نظرته إلى نفسه وإلى الآخر، أو المحيط الذي يتفاعل معه سلباً أو إيجاباً. فعلى الرغم من كلّ الفلسفات العدمية والعبثية التي طبعت مسار الإنسانية، وأسهمت في بلورة فكر فلسفي امتدّ بجذوره إلى حدود عالمنا المعاصر، ظلّ الدين حاضراً في عمق التفكير الإنساني، ينهل منه كلّ من يعُدُّ الدين أساساً ومحركاً لدورة الحضارة، مؤكداً أنه لا غرو في أن تلتصق الوجودية في شقها المادي مثلاً بسارتر وألبير كامو فيلسوف الثورة واللا معقول؛ في حين أنّ نصيب سارتر لا يتكافأ مع حجم ما قدّمه بوصفه من أعلام الوجودية.
التوقف عند تشرذم الدين بين المعرفة والتحيز كان أحد أهم محاور الدراسة، حيث اعتبر الباحث أنه على الرغم من الدور الذي يضطلع به الدين في البناء الحضاري والإنساني، فإنّ هناك مجموعة من الإشكاليات والخلافات في فهم النصوص الدينية، وحول الآليات التي يمكن من خلالها مقاربة النصّ الديني، وحدود النسبي والمطلق داخل هذه الجدلية، حتى تستجيب لمطالب العالم المعاصر وطموحاته في ظلّ شبح العولمة المخيف، وفي ظلّ نظريات فكريّة أفرزها نظام القطبيّة الواحدة تهدف إلى إحداث الصدام بين الحضارات والثقافات كما تنبأ صمويل هنتنغتون، أو المتنبئة بنهاية التاريخ المتجسّد في عصر الهيمنة الأمريكية كما روَّج له فوكوياما.
على الرغم من الدور الذي يضطلع به الدين في البناء الحضاري والإنساني، فإنّ هناك مجموعة من الإشكاليات والخلافات في فهم النصوص الدينية، وحول الآليات التي يمكن من خلالها مقاربة النصّ الديني، وحدود النسبي والمطلق داخل هذه الجدلية
كما تساءل هريمة في إطار معرفي عن سؤال الدين وعلاقته بالمعرفة والتحيّز، وما الحدود الفاصلة بينهما؟ وكيف نقرأ هذه الجدلية ضمن تصوّر قرآني رحب وتراث ثقافي مشبع بخلفيات وتحيّزات كان الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي سبباً في ظهورها، وتصديرها إلى عالم معاصر، لكي تعبّر عن أزمتها من خلال انحدار قيمي ومعرفي لم تشهده الأمّة من قبل. فما المقصود بالجانب المعرفي في هذا السياق؟ وما المقصود بالتحيّز؟ وما العوامل المؤسسة له؟
وفي هذا السياق، اشتغلت الدراسة على آفات التحيز، ويقصد له كل ظاهرة تربو كلّ ما كانت القناعات الدينية تؤسس بمعزل عن البحث، وتصطبغ بلون هذا العقل المنشئ لها وتتأثر بالواقع النابتة فيه، حيث يكون هذا المنتوج الفكري معبّراً عن ثقافة المجتمع ودرجة وعيه، وتحصيله المعرفي الذي يمثل عقل الإنسان الذي أنتجه وكان له دور ما في تأسيسه من خلال قضاياه وأولوياته.
ومن أهم العوامل المؤسسة لفكرة التحيّز، كما حصرها الباحث، ما يلي: إطلاقية الفكر الديني؛ انغلاق النسق الديني؛ وأخيراً، ثبات المنهج وجموده.
واختتم الباحث دراسته بالتأكيد على أن التمركز على الذات هو جهل بموازين السُنن المستحكمة في الكون، وجهل بطبيعة الواقع الإنساني وشروطه الموضوعية، مضيفاً أن قيمة الإنسان هي في انفتاحه على الآخر بكلّ تجلياته سلباً أو إيجاباً ومحاولة الاستفادة من كلّ الطاقات. وهذا ما سيضمن لنا تواصلاً كبيراً وفرصة لعرض آرائنا دون حجر أو قسر فكري؛ على اعتبار أن قيمة الإنسان، كما أفهمها، ليس في انتمائه الجغرافي ولا الديني ولا العنصري، وإنما في من امتلأ إيماناً بحقه وحقّ غيره في الحرية الفكرية والثقافية، وعمل صالحاً يصلحه ويصلح مجتمعه القريب والبعيد، ولكنّ الطريق يحتاج إلى هذا التواصي بالحقّ ومحاولة الوصول إليه عبر الصبر على مشاق الطريق.
لقراءة الدراسة كاملة على الموقع الإلكتروني لـ"مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، انقر هنا: