محمد بوشيخي - ذواتأكد الباحث المغربي، إبراهيم ونزار، على مكانة "الإنسان" المرموقة في المنظومة الفكرية لأبي علي مسكويه، وذلك "باعتباره محور القيم والمعرفة والوجود"، وباستحضار صفته ك"كيان أخلاقي بالأساس، تنبع عنه القيم من اختياره".
ويضيف الباحث، حسب دراسة له بعنوان "مـكانـة "الإنـسـان" في الفلسفة الأخلاقية الـعربية قراءة في الفكر الأخلاقي لـ "أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب، مسكويه" (325 – 421 هـ)"، نشرها موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، أن هذه الغاية السامية التي يعلو بها "الإنسان" على غيره من الأنواع في الطبيعة، تستند حسب رأيه "إلى قواعد وضوابط منطقية".
المدخل الأساسي إلى فهم المنظومة الأخلاقية في كتابات مسكويه يتجلى في الإجابة عن سؤال المصدر الذي انبثقت عنه هذه الأخلاق التي يرتبها المعلم الثالث في مدونته (تهذيب الأخلاق)
وفي ارتباط بفلسفة مسكويه، يرى الباحث بأن المدخل الأساسي إلى فهم المنظومة الأخلاقية في كتابات مسكويه يتجلى في "الإجابة عن سؤال المصدر الذي انبثقت عنه هذه الأخلاق التي يرتبها المعلم الثالث في مدونته (تهذيب الأخلاق)"، لأن "استعداد الذات لتقبّل الأخلاق عن طريق التهذيب، لا يكتمل إلا إذا كانت النفس الناطقة قد حصّلت لنفسها من الحكمة والمعرفة ما يكفي لتتجنب المدارك السّفلى، وتطمح إلى العليا". كما توقف الباحث عند مرحلة مهمة هي مرحلة "النقد الذّاتي"، باعتبارها "حالة يراجع فيها الإنسان كل سلوك قبل أن يصدر عنه"، وذلك عن طريق "معرفة مصدره".
ويؤكد الباحث أن "الإنسان" عند مسكويه "كائن أخلاقي"، وبالتالي فإن "كل تنظير وضعه المعلم الثالث في كتاب "التهذيب" يخص الأخلاق بالأساس، يُمَوضِعُ "الإنسان" في مركزها بوصفه معيارا أوليا ومطلقا".
استعداد الذات لتقبّل الأخلاق عن طريق التهذيب، لا يكتمل إلا إذا كانت النفس الناطقة قد حصّلت لنفسها من الحكمة والمعرفة، ما يكفي لتتجنب المدارك السّفلى، وتطمح إلى العليا
كما توقفت الدراسة عند تحديد مسكويه للإنسان من خلال مستويين اثنين: الأول ينطلق فيه "من التحديد الفيزيولوجي، حين فصل بين الجانب المحسوس (الجسم) والنفس (المجرّدة)، مبرزا خصائص كل واحد منهما"، والمستوى الثاني الذي "انفرد فيه بالحديث عن النفس (التحديد السيكولوجي) وأحوالها وما يرتبط بها من الأفعال". وكأن الكتاب، يقدر الباحث، صار "في مجمله يولي للنفس من الأهمية ما تصير به هي جوهر "الإنسان"، فيصير الجسد في مواضع كثيرة عائقا أمام تحقيق الفضائل. لذلك، فالنفس أولى أن تـُهَذَّب".
فالمنظومة الأخلاقية عند مسكويه في مدوّنته "تهذيب الأخلاق"، لا ينفصل فيها عنصر الوعي الأخلاقي عن الشرط الواقعي والإبستمولوجي، كما يرى الباحث في السياق ذاته أن أطروحة الوعي الأخلاقي، وواقعية الأخلاق وعلميّتها، تعكس "عمق الفلسفة الأخلاقية عند مسكويه"، وهي "فلسفة تتجاوز الحدود الوهمية"، وتبحث "عن مساحات أرحب للعقل، وتجعل لكل فعل إنساني شرطَ إمكان حدوثه بشكل معقول".
أطروحة الوعي الأخلاقي، وواقعية الأخلاق وعلميّتها، تعكس عمق الفلسفة الأخلاقية عند مسكويه، وهي فلسفة تتجاوز الحدود الوهمية، وتبحث عن مساحات أرحب للعقل، وتجعل لكل فعل إنساني شرطَ إمكان حدوثه بشكل معقول.
ويستنتج الباحث من دراسته أن "إشكالية الحرية والضرورة المتعلقة بالأفعال الإنسانية، قد شكّلت محور الفكر الأخلاقي عند مسكويه"، كما مثلت "خلفية أساسية ينبني عليها كل فعل". ومن جهة أخرى، نظر إلى "العوائق التي اعتبرت حتميات"، وكأنها "مساحات أبعد من الحدود التي رسمها مسكويه لحرية الأفعال"، مضيفاً أنها "لا تختص في مضمونها بالجانب العملي من الأخلاق التي يؤكد عليه في كتاب "التهذيب"، بل هي قرارات لم يكن لـ"الإنسان" فيها رأي"، وبالتالي تكون "نتاج واقعية الفكر الأخلاقي المسكوي الذي لا يقدّم حرية مطلقة، بقدر ما يرسم معالم إرادة حرّ وممكنة في حدود المعقول".