الكبت (repression) تبعاً لفرويد (Sigmund Freud) هو أوالية دفاعية لاواعية ، يحمي من خلالها الفرد أناه (ego) عبر كبت الأمور التي يشكلها الهو (id) لكنها ممنوعة بمعيار الأنا الأعلى (superego) ! وهو خاصيّة فرويدية ، مرتبطة حصراً بالبنية النفسية التي إخترعها وقسّمها إلى : وهي كما أثبتت الكثير من الدراسات السيكولوجية الحديثة (المنضبطة علمياً) عدم توفر أدلة على وجودها ! لذا نشأت مقاربات سلوكية (behavioral) ومعرفية (cognitive) وإنسانية (humanistic) لها شواهد علمية أوضح بكثير !
السؤال الآن : لماذا ما زلنا (في لبنان بالتأكيد – وربما في العالم العربي -) نستخدم المقاربة الفرويدية كمدخل وحيد في فهم النفس ؟! وهذا شاهده في المقررات التي يدرسها الطلاب في إختصاصي السيكولوجيا والسوسيولوجيا !
من المؤكد أن فرويد أحدث صدمة على صعيد التفكير الأوروبي ،[1] فبعد أن أزال كوبرينيكوس نظرية مركزية الأرض ، إنتزع داروين الإنسان من مركزيته بإعتباره يمتلك جداً مشتركاً مع الرئيسات العليا ! ثم أتى فرويد ، ليخبرنا ببساطة (وبلاعلمية) أن الأصل في الطفل “الشر” ! وأن لديه رغبات جنسية متقدة يحركها الليبيدو (libido) ! وكل مراحل النمو التي يتشكل فيها الفرد ، خاضعة له ، من : مفصّلاً بعقدتي أوديب وإلكترا – ضمن المرحلة القضيبية – ، التي يعاني فيها الطفل (3 – 5 سنوات) أولى درجات الحرمان الجنسي فالكبت ، ليقدر على التماهي بالأنا الأعلى عبر إجتياف مثاله من الأهل !
هذه الصدمة أوروبية ، ولا شأن لنا فيها !
وقد وصلت “الفرويدية” إلى ذروة شهرتها في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم مع ما أطلق عليه الثورة الجنسية !
ومن ثم إنتقلت أفكار “فرويد” إلى بلادنا عبر الطلبة العرب الذين درسوا في أوروبا ! وتم إستخدام مقاربته لتحليل كافة مظاهر الحياة ، وكافة الكتابات ، وكامل الأحلام (وحتى اليقِظَة منها)!!! وكله يصب في خانة واحدة فقط : الشعب العربي/الإسلامي : مكبوت … ولحل هذا الكبت ، لا بد له أن يتخلص من تراثه ويلحق بركب “الحضارة الغربية” ! – ربما لم يحلم فرويد بأتباع خلّص لفكره كهؤلاء –
يتناسى الجمع أن الحضارة الإسلامية بكل أطيافها ومكوناتها ، لم تكن حضارة مكبوتة (بالمعنى الفرويدي) ، وفهمنا الحالي لتفاصيل الكبت (العربي) هو مجرد إسقاط لمفهوم على واقع يمكن تفسيره بأشكال مختلفة !
وما نعيشه اليوم ، لنغيّره ، نحتاج إلى فهمه أولاً ، عبر توصيفٍ ينبع منه ! فالمعرفة الإسقاطية ، التي ننتهجها ، هي ذاتها التي إعتمدها (بعض التنويريين العرب) في بدايات القرن الماضي ! وهي معرفة إستهلاكية لا إنتاجية ، تمنعنا من فهم الواقع !
الشاهد الأخير – مقارنة مع التنويريين العرب – هو “علي شريعتي” ، الذي قدر في عمره القصير على جذب الأجيال الشابة نحو مزيج غير رافض للتراث ، وغير متوتر من الحداثة !
الثلاثاء مارس 29, 2016 3:45 pm من طرف نابغة