اللون الأحمر يهيج الثيران الـمهـدي الـكــرّاوي -
guerraoui@gmail.com «التاريخ هو رواق به لوحات
تشكيلية.. فيه القليل من الأصلي والكثير من الزيف»، المفكر السياسي والمؤرخ
الفرنسي أليكسي دوطوكفيل، القرن 19.
للمغاربة علاقة غريبة بالتاريخ،.. يعتقد الكثير من العامة وحتى الساسة
أن التاريخ هو حكايات «حديدان الحرامي» ومقالب جُحا، ولا يرون أن المقالب
الحقيقية هي التي تمر على ظهر الشعوب وهي فاتحة أفواهها في الفراغ وعقولها
ملأى بالجهل،.. الجهل نفسه الذي جعل المغاربة يضيعون سبتة ومليلية في منعطف
تاريخي لا أحد اليوم من الجيل الحالي يعرف ملابساته وحقيقته ولا مدرسة
مغربية واحدة تدرس أنباء هذا الشعب كيف ضيع أجدادهم مدينتين، توجدان على
الساحل المتوسطي وفي القارة الإفريقية ومع ذلك تحسبان، سياديا وترابيا، ليس
فقط على العرش الإسباني بل أيضا على التراب الأوربي.
أتذكر مرة في سنة 1997 وأنا أتدرب في قسم العلاقات الدولية بصالة التحرير
في صحيفة «الأهرام» بالقاهرة، كيف كان الصحافيون المصريون يجهلون موقع سبتة
ومليلية، ويرون أن مطالب المغرب باسترجاعهما باهتة إلى أبعد الحدود، وكم
ذهلوا لما وضعنا الخريطة بيننا واكتشفوا أن المدينتين المحتلتين لا تقعان
فوق التراب الإسباني وليستا جزيرتين متنازع عليهما بين مياهنا والمياه
الإسبانية، كما يعتقد الكثير من العرب، بل هما جزء من التراب المغربي ولا
تحتاجان مشقة سياسية في الإقناع بمغربيتهما لأن الجغرافية، على عكس
السياسة، لا تخطئها لا العين ولا العقل. اليوم فقط نكتشف بالصدفة ضعف
وهشاشة الأعصاب الإسبانية من رؤية العلم المغربي، وكم كنا أغبياء قبل اليوم
في البحث عن أسلحة غير نارية نحارب بها الإسبان، والحال أن ثوبا أحمر
تتوسطه نجمة خماسية خضراء ترمز إلى خاتم النبي سليمان، كما جاء في ظهير
إحداث العلم الوطني المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 17 نونبر 1915 وبه
الطابع الشريف للسلطان مولاي يوسف، هذا الثوب، الذي هو نفسه رايتنا
الوطنية، أصبح يخيف البذلات العسكرية الإسبانية على الحدود وتضيق به أنفسهم
كما لو أنه غاز كيماوي يشبه كثيرا الغاز الذي مشطوا به أجساد المجاهدين
الريفيين زمن ثورة عبد الكريم
الخطابي.
يحزنني شخصيا كيف أن هذا العلم الوطني، الذي تحول إلى شوكة في حلق الإسبان،
نبهدله نحن المغاربة فوق مؤسساتنا الرسمية ونتركه منتصبا حتى تبهت ألوانه
وتتمزق أطرافه، ولا نعتني به كما يعتني الأتراك والأمريكان بأعلامهم التي
ينصبونها في شرفات ونوافذ وأسطح بيوتهم، في حين يمنع علينا نحن المغاربة
نصب العلم الوطني في منازلنا ويقوم «المقدمين» وأعوان السلطة بإجبار التجار
على ذلك.. لكن فقط في الأعياد الوطنية، فيما أصبح من الموضة أن تلتحف به
الشيخات في المهرجانات الغنائية والتلفزيونية.
في سنة 1994 كنت برفقة عبد الصمد بلكبير، البرلماني والقيادي السابق في
المرحومة «منظمة العمل الديمقراطي الشعبي»،.. ونحن في باب دكالة، قام
بلكبير بنصب العلم الوطني على واجهة مقر الحزب آنذاك، فأتى مقدم الحومة
وطالب بإنزال الراية المغربية لأن الحزب ليس إدارة رسمية، فأجابه بلكبير
بأن الحزب أكثر من إدارة رسمية، إنه مؤسسة دستورية،.. هكذا نفهم اليوم كيف
يتجرأ الإسبان على إشهار «الدصارة» في وجه علمنا الوطني في الوقت الذي
لازالت فيه رايتنا الوطنية «غير مرغوب فيها» على واجهة مقرات الأحزاب
المغربية وبنوافذ بيوت عموم المغاربة.
العلم يا سادة رمز ومِلـْك للشعوب والأمم وليس للوزارات والمقاطعات،..
والثوب الأحمر الذي يميزنا عن باقي الشعوب وحده قادر على تهييج الثيران
وإسقاطها بضربة سيف مميتة تحت وابل من التصفيقات!!