النظرية والنموذج
أولاً: ماهية النظرية:
النظرية الاجتماعية هي مجموعة من القضايا التي تشكل فيما بينها نسقًا معرفيًّا، يقود إلى بناء عدد من الاستنتاجات، تَدعمها معطيات الملاحظة والمشاهدة، ويمكن القول بناءً على ذلك:
إن النظرية تشتمل على بُعدين أساسين؛ هما:
1- البعد المعرفي ويتمثل في القضايا المعرفية المترابطة التي تطرحها النظرية.
2- البعد المنهجي، ويتمثل في الطرق التي يتعين توظيفها في تحليل القضايا التي تتناولها النظرية.
وهناك عدد من الشروط التي يجب أن تتوفر في القضايا التي تطرجها النظرية:
1- تحديد ووضوح وتبلور مفاهيم النظرية.
2- تساند وترابط واتساق القضايا التي تطرحها النظرية مع قابليتها للتحقيق.
3- صدق قضايا النظرية مالم تظهر معطيات تناقضها.
4- تدرج القضايا على نحو يمكن التوصل به إلى تعميمات أو الخروج ببعض الاستنباطات.
ثانيًا: حقيقة النظرية:
على باحثينا أن يضعوا في اعتبارهم عند التعامل مع النظريات الغربية، ما جاء على لسان "إيان كريب" في كتابه: "النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس" الآتي:
أ- أن الكثير من النظريات عصية على الفهم أو مبتذلة، ولا تشعر القارئ بأنه يتعلم شيئًا جديدًا، أو بأنه يتعلم شيئًا على الإطلاق.
ب- أن الكثير من الباحثين والمتخصصين والأساتذة، يحتاجون إلى جهد مضن للحصول على فهم متواضع للنظرية.
ج- أنه قل من يوجد من المتخصصين من هو قادر على فهم النظرية بطريقة مثمرة.
د- لا يبدو أن للنظرية الاجتماعية نتائج عملية، كما أن الكثيرين لا يثقون فيها.
هـ - تتناول النظرية موضوعات يعرفها الناس في حياتهم الاجتماعية معرفة وثيقة، وتحولها إلى هراء لا يفهم، ويجد من يقرأها صفحات طوال لا نهاية لها، تخبر في حقيقتها بما هو بديهي لدى الناس، ومن ثم لا تضيف إلا القليل، أو لا تضيف شيئًا إلى معرفتناهم على الإطلاق.
و- أن دراسة وتدريس النظرية الاجتماعية يجري في جو يلفه الغموض، وقد يشعر المنظر بأن زملاءه ينظرون إليه نظرة أدنى، فيتحصن بالكبرياء، ويغالى في غموضه وصعوبته.
ز- يكتسب طالب الدراسات العليا المهتم بالنظرية هالة تفصله عن الآخرين؛ إذ ينظر إليه على أنه أذكى وألمع وأقدر على فَهم ما لا يفهمه الآخرون من النظرية بسبب صعوبتها، وهو يباهي بذلك بشكل مقصود؛ سعيًا وراء طرق ملتوية من التعبير عن النفس.
ح- النظريات الاجتماعية مكررة وسطحية، تطرح قضايا هي في الواقع رداءات جديدة لأفكار قديمة، مليئة بالتناقضات والزيف، والمصطلحات والمقولات المأخوذة من أطر مرجعية شديدة التباين، لا تدعمها الحقائق، تعكس أصلاً عواطف ومشاعر وخبرات، وتجارب المنظر الشخصية، ونظرته إلى الكون والإنسان والحياة، وتنطلق من فكرة محورية هي أن الإنسان هو محور الكون، يبدأ منه وينتهي إليه، وليس أن الله هو محور الوجود يبدأ كل شيء به وينتهى إليه.
ثالثًا: النموذج:
1- كلمة «نموذج» كما يراها "المسيرى" معرَّبة، من كلمة «نموذه» الفارسية، وجمعها «نموذجات» و«نماذج»، ونموذج البناء نسخة مُبسَّطة مجردة من بناء، ومن ثم فهو يحتوي على العناصر الأساسية للبناء، ولكنه يختلف عن الأصل، وقد استُعيرت هذه الكلمة في اللغة العربية وتُستخدَم للإشارة إلى «النموذج»، بوصفه أداة تحليلية ونسقًا كامنًا، يدرك الناس من خلاله واقعهم، ويتعاملون معه ويصوغونه.
2- النموذج بنية فكرية تصورية، يُجرِّدها العقل الإنساني من كمٍّ هائل من العلاقات والتفاصيل، فيختار بعضها ثم يُرتبها ترتيبًا خاصًّا، أو يُنسقها تنسيقًا خاصًّا؛ بحيث تصبح مترابطة بعضها ببعض، ترابطًا يتميَّز بالاعتماد المتبادل وتشكل وَحدة متماسكة يُقال لها أحيانًا: «عضوية».
3- طريقة التنسيق والترتيب هي التي تعطي النموذج هويته المحددة، وفرديته وتفرُّده، ويتصور صاحب النموذج أن العلاقة بين عناصره تُماثل العلاقة الموجودة بين عناصر الواقع؛ ولذا فهو يرى أنه يشكل الإطار الكلي الذي يُفسِّر تفاصيل الواقع وعلاقاته، وقد يتصوَّر البعض أن النموذج يُشاكل الواقع، ولكنه في حقيقة الأمر لا يتطابق معه، فهناك فرق بين النموذج من ناحية والمعلومات والحقائق من ناحية أخرى.
4- عن علاقة النموذج بالنظرية يرى بعض الباحثين أن النموذج إطار ذهني مجرد يتكون من مجموعة مفاهيم متشابكة ومتفاعلة، له القدرة على تفسير اتجاهات يمكن تعميمها، وعلاقات متبادلة تسود في العالم الواقعي، ومن هنا يرون أن النموذج مرادف للنظرية، فهو إطار تصوري، وخطة نظرية؛ حيث يبدأ بناء النموذج بجمع المفاهيم المرتبطة ذات الأهمية في الموقف المراد بحثه، وينتهي عندما ينتج نظامًا أو نموذجًا ذا أفكار متصلة، يحسن فهم الموقف.