عندما شاهدت الفيلم الوثاثقي عن شهود يهوه، ازدادت ثقتي في أنَّ الأديان والمذاهب التي تنبثق عنها ما هي إلا مجرد حماقاتٍ وخزعبلاتٍ تصيب البشر بمرضٍ عضالٍ في أدمغتهم، وتنشّط جينات الانتهازية والطمع في نفوسهم، لم أكن أصدّق أنَّ هناك بشرًا يريدون الخلود وحدهم في هذه الأرض، وينتظرون موت الآخرين بسعادةٍ كي ينعموا هم وحدهم بالجنّة على الأرض وإلى الأبد، عندما تقرأ عن هذه الجماعة من منشوراتهم الكثيرة في جميع أنحاء العالم وبكل اللغات الحيّة وغير الحيّة، ستندهش من كم التمويل الذي يُنفق على نشر هذه الترّهات، وقد فعلتها وقرأت وشاهدت عددًا من الوثائقيات التي تشرح أدبيات هذه الجماعة الغريبة، وازدات ثقتي في ما توصلت إليه منذ سنواتٍ، وهو أنّ الأديان تحوّل الإنسان إلى مسخٍ شريرٍ بمنتهى السهولة! شهود يهوه هي إحدى الطوائف المسيحية، ولكنها لا تعترف بالطوائف المسيحية الأخرى، فهي تحتكر الحقيقة المطلقة، وهُم يفضلون أن يُدعوا بشهود يهوه تمييزًا لهم عن باقي الطوائف المسيحية.
نشأت هذه الجماعة في أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر في ولاية بنسلفانيا الأمريكية على يد تشارلز تيز راسل Charles Taze Russlle، حيث بدأت بمجموعةٍ صغيرةٍ لدراسة الكتاب المقدس، وكبرت هذه المجموعة فيما بعد لتصبح “تلاميذ الكتاب المقدس”، يتميز الشهود بالترابط فيما بينهم، بعيدًا عن الحواجز العرقية والقومية، وهم مخلصون لدعوتهم حيث يعتمدون في نشرها على التبشير الدؤوب بالذهاب إلي أصحاب البيوت وعرض دروسٍ بيتيةٍ مجانيّةٍ في الكتاب المقدس، وتمارس إحدى الجماعات الدينية الإسلامية في مصر وهي جماعة “التبيلغ والدعوه” نفس أسلوب شهود يهوه التبشيري.
تشارلز تيز راسلالطريف في هذه الجماعة أنَّ زعيمها وقائدها تشارلز راسل تنبأ بنهاية العالم في عام 1914، وعندما مرَّ العام والعالم مازال موجودًا، مدد الأمر إلى العام التالي، ثم إلى عام 1918، ثم مدد خليفته النبوءة إلى عام 1925، ورغم الفشل المتتالي لهذه النبوءات، إلا أنَّ الجماعة حافظت على تماسكها بفضل الطاقات المالية الضخمة التي تملكها، والتي طوّعتها لنشر أفكارها على المهووسين بالدين والقوى الغيبية.
ويرفض شهود يهوه كل مظاهر الاحتفالات التي يزاولها أغلب – إن لم يكن كل- المسيحيين بميلاد المسيح، ولا يحتفل الشهود بأعياد الميلاد الفردية، ولا يخدمون في الجيش، وهم محايدون سياسيًا، إذ لا يتدخلون بأيِّ شكلٍ من أشكال السياسة، كما أنهم لا يؤمنون بالثالوث ولا بشفاعة القديسين ولا بنار الهاوية كوسيلةٍ لتعذيب الأشرار، والأطرف من كل ما سبق أنهم يؤمنون بأن 144 الف مسيحي ممّن يدعونهم “ممسوحين بالروح” سيملكون مع المسيح في الملكوت (الملكوت بحسب مفهومهم هو حكومةٌ سماويةٌ برئاسة المسيح)، وبأن بقية الأشخاص الصالحين سيعيشون في فردوسٍ أرضيّ، إذ سيرثون الأرض ويتمتعون بالعيش إلى الأبد بفضل تلك الحكومة السماوية.
يؤكد شهود يهوه أن اسم يهوه هو اسم الله وهو يرد في المخطوطات الأصلية للكتاب المقدس أكثر من 7200 مرة، ولكن المترجمين قاموا باستبداله بكلمة “الرب”، ويكنّ الشهود مقدارًا كبيرًا من الالتزام تجاه عقيدتهم وحرصًا أشدّ على حضور الإجتماعات التي تُعقد مرتين في الأسبوع في القاعات العامّة، وعلى حضور المحافل التي تعقد ثلاث مراتٍ في السنة في قاعات أكبر أو ملاعب رياضية، وقام الشهود باتّخاذ اللقب “شهود يهوه” بشكل رسمي في العام 1931.
يؤمن شهود يهوه بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله، ويعتبرون أسفاره الـ 66 موحىً بها ودقيقةً تاريخيًا، ويفضّلون الإشارة إلى العهد الجديد بعبارة “الأسفار اليونانية المسيحية”، والعهد القديم بعبارة “الأسفار العبرانية”، وفي حين يقولون أنّ المسيحيين غير ملزمين بحفظ شرائع التوراة الواردة في “الأسفار العبرانية” وإنما يخضعون لتعاليم “الأسفار اليونانية”، يقتبس شهود يهوه من الأسفار اليونانية والعبرانية على حدٍ سواء ويفهمون نصوصها حرفيًا، إلا حيث تدلُّ التعابير أو سياق الكلام بوضوحٍ إلى أنّ المعنى مجازي أو رمزي. وهم يقولون أنه فيما تنتظر بعض نبوءات الكتاب المقدس الإتمام، فإن الكثير من النبوءات قد تمت بالفعل، أو أنها قيد الإتمام، والهدف الأهم لكل واحدٍ من شهود يهوه هو التبشير بملكوت الله باعتباره الحل الوحيد والسريع لمشاكل العالم المتفاقمة، وكذلك تعريف الناس باسم الله الفريد – يهوه – كما يذكر الكتاب المقدس.
كما أنهم يمنعون أتباعهم من التدخين باعتباره مؤذيًا للجسم ويخالف كلمات القديس بولس: «لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح»، ويمنعوهم أيضًا من خدمة العلم لأنهم يعتبرون أنّ ولاءهم هو لملكوت يهوه، وجميع حكومات العالم في نظرهم هي موجودة بسماحٍ من يهوه القادر على كلِّ شيء، لكنها تخضع لسلطة الشيطان الشرير، ويقولون إنّ تحية العَلَم هي نوعٌ من عبادة الأصنام، فيمتنعون عن أداء تلك التحية باعتبارها طقسًا دينيًا، غير أنهم يشددون على احترام قوانين الدولة ما دام ذلك لا يتعارض مع الولاء المطلق ليهوه ولملكوته.
هذا الطقس الديني يذكرني بتصرفات الجماعات الدينية الإسلامية (السلفيين) الذين يرفضون تحيّة العَلَم في مجلس الشعب المصري، كما يرفضون الوقوف احترامًا للنشيد الوطني!
أيضًا شهود يهوه يحرِّمون عملية التبرِّع بالدّم بسبب قدسيّته، فبحسب اعتقادهم كلُّ إنسانٍ تتمثل حياته في دمه، ولا يجوز أن تنتقل تلك الحياة لإنسانٍ آخر، حتى لو كان مشرفًا على الموت ويحتاج لمتبرعٍ بالدم، وأنَّ الدم الوحيد القادر على الإنقاذ هو دم المسيح الكريم، غير أنهم يقبلون بالبدائل الطبية للدم، نفس هذا المنطق استخدمه عددٌ من شيوخ الدين الإسلامي – مثل الشعراوي- في تبرير رفضهم لعمليات نقل الأعضاء باعتبار جسم الإنسان ليس ملكه بل هو ملك الله، وأنَّ الإنسان مستخلفٌ عليه ولايجوز له التصرف في جزءٍ منه لأنه لايملكه، حتى لو كان في هذا التصرّف إنقاذٌ لحياة إنسانٍ آخر.
ويقولون أنَّ المسيح لم يمت على صليبٍ كما تعتقد طوائف العالم المسيحي، وإنّما على عمودٍ أو خشبةٍ (الكلمة الاصلية اليونانية staurós)، كما هو موجود في أسفار الكتاب المقدس، لذلك فهم لا يضعون الصليب على الصدور وفي البيوت، كما أنهم لا يستعملون الصور والتماثيل في عبادتهم، وفي حين يؤمنون بأنَّ مريم وَلدت المسيح وهي عذراء، يفسّرون نصوص الإنجيل التي تتحدث عن “إخوة يسوع” بالقول إنَّ مريم أنجبت أولادًا آخرين من زوجها يوسف بعد ولادة المسيح، وقد خصصت مجلتهم “برج المراقبة” عدد 1 يناير 2009 مقالات حول الاستفادة من مثال مريم والاقتداء بها، لكل هذه الأسباب تعتقد طوائف العالم المسيحي أنَّ شهود يهوه هي بدعةٌ أتباعها ليسوا بمسيحيين.
والآن نأتي لقصّةٍ مختلفةٍ قليلاً وننتقل إلى شمال أوروبا، وتحديدًا إلى شرق ألمانيا حيث وافانا صديق المجلّة ملاك الكفر بالقصة التالية مرفقةً بمنشورٍ مكونٍ من أكثر من ثلاثين صفحة.
[size=44][size=44]حدث[/size] [size=44]في[/size] [size=44]مثل[/size] [size=44]هذا[/size] [size=44]اليوم[/size][size=44]![/size][/size]
في صباح أحد الأيام، وبينما كنت انتظر طردًا بريديًا، فاجأني على الباب شابٌ إفريقيٌّ مهندمٌ يحمل حقيبةً رسميةً سوداء كالباعة المتجولين، يسأل عن اسمي بلهجةٍ افريقيةٍ ثقيلة، فأدركت أنّه من شهود يهوه، فكما هو معروف في اوروبا، شهود يهوه يستهدفون الأجانب الغرباء لتغريرهم بالمساعدات المالية والسكنية، وما أن أجبته حتي استهلني بأولي منشوراته والذي عنون بالسؤال: “ماذا بعد هذه الحياة؟”، وبدأ في سرد قصته التي حضّرها وحفظها عن ظهر قلبٍ حول تركه للإسلام واكتشافه للمخلص العظيم يسوع منقذ الأرواح واسترسل في كلامٍ غير مفهومٍ ومبهمٍ حول المسيحية وحكمة الإنجيل، قاطعته بالقول بأنّي ملحدٌ ولست مسلمًا، مما قطع سلسة أفكاره وموضوعاته الإنشائية التي كان قد حضّرها مسبقًا، إلا أنّه وبالرّغم من ذلك انتقل ليفتح كتابه المقدّس ويتلو بعضًا من كلام الإنجيل بلهجته العصيّة على الفهم والمتابعة، عدت وقاطعته مرةً أخرى قائلاً: «قلت لك أنّي مُلحدٌ، هذا الكتاب ليس له أيَّ قيمةٍ أو مصداقيةٍ لدي!» فقال لي: «هذا كلام الرب!»، عندها شعرت أنني أتحدث مع سلفيٍّ مسيحيٍّ يعاني من مشكلةٍ عويصةٍ في الإدراك والفهم، وبنفس تسلسل الحوار المعتاد مع المسلمين، وصلنا لموضوع التطور، حيث أكّدت على أنَّ التطور يُثبت خطأ قصة الخلق الإنجيلية، مرة أخرى ولسذاجتي اعتقدت أنّه سيقدم تبريرًا عصريًا لتعارض نظرية التطور مع الإنجيل، لكنه قال: «نظرية التطور هي مجرد نظرية، أنا أحمل شهادة الدكتوراه وأقول لك بأنها مجرد نظرية!»، طبعًا لم يوضح دكتوراه في ماذا، فأدركت أنني أمام دجّالٍ دينيٍّ آخر كالذين يعيثون فسادًا في بلداننا، فقلت له: «بما أنّك درست الدكتوراه، فلا بد أنك تعرف الفرق بين الفرضية Hypothesis والنظرية Theory»، فعاد مرةً أخرى إلى المواضيع الإنشائيّة والعاطفيّة المملّة، فبدت عليَّ علامات التذمر والملل، فما كان منه إلا أن استلَّ واحدًا من كتيباتهم التي تتحدث عن التصميم الذكي والتطور، مدَّعيًا أنَّ فيها أجوبةً عن كل تساؤلاتي، ورحل، فما كان مني بعد تصفحي للعبث الموجود في هذا المنشور إلا أن أرسلته لأصدقائي في مجلة الملحدين العرب.
لقد قمنا في مجلة الملحدين العرب بأخذ هذا الكتيِّب على محمل الجد، لكي نكشفُ أساليب الدجل والشعوذة التي يتَّبعها شهود يهوه في نشر خرافاتهم، وقمنا بترجمة الكتيِّب الذي يحمل العنوان:
أصل الحياة، خمسة أسئلةٍ تستحق السؤال – The Origin of Life: Five Questions Worth Asking
وهو مكوّنٌ من خمسة فصولٍ، وفيما يلي الجزء الأول من العمل الذي يحتوي الفصلان الأول والثاني من كتيِّب شهود يهوه مع ردِّنا المبين عليه.
[size=36]لقراءة المقال كاملاً حمل عدد المجلة
[/size]