* قال لي:
إنك إن كتبت الشعر من أجل تحقيق عدالة فقد
جنيت، وإن كتبته لتصعد به على كتفيه
فقد هويت ،
وإن كتبته لإضحاك الآخرين بكيت ، وإن كتبته
لإرشاد فما اهتديت ، وإن كتبته خائفاً
من سطوة فلا نجوت ،
وإن سلكت به مسلكاً دنيئا فقد غويت ،
وإن خفت عليه عَيْلةً واقتطعت له من روحك
ووهبته وقتك كي يضاف إلى عمره
فإنك إن مت به حييت..
فاكتبه من أجله هو ودع ما سواه
فقد يضطرك هذا السوى للمثول بين يديه
مادحاً أو قادحاً ..
وما المدح والقدح إلا سيئتان لا يغفرهما الشعر إلا بعد
براءة وندم مطلق.
* قال لي:
لا تجعل الزمان يقعد في خواطرك فيقف في
قصائدك، ولا بأس أن يبقى ضيفاً خفيفاً
بين موائدك
واجعل للمكان فماً ينطق به ومسنداً يتكئ عليه
وقوّله ما لم يقل.. وحاول جاهداً أن تجعل النهر يغير
مجراه.. واجعل البحر يتأفف من ملوحته ، ولا بأس أن يشرب ماءه لنتمكن من
رؤية أسراره جلية ..
واجعل الشمس خصماً للعتمة.. والقمر كفاً تصافح
كل عاشق ، وقل إن الفجر أمشاج في رحم الليل يولد يتيماً ..
فإذا لم تقنع المنازل بتغيير ملابسها المتسخة ، ولم تستطع
التصنُّت للأحجار وهي تغني، فدع ما يضنيك إلى مالا يضنيك وعِشْ كما شاء لك
الفراغ.
* قال لي:
اتحد مع المعاني كي تصبح بليغاً ..
ولا تكن عاشقاً للكلام فتصبح فصيحاً،
ويكون حالك كحال الديكة التي توقظ الناس بفصاحتها
إذا حان وقت نومها.
* قال لي:
لا تقسم لسانك إلى نصفين،
فإنك إن قسمت لسانك قسمت وجهك،
وإن قسمت وجهك سال منه ماء
تعذر عليك شربه وصعب عليك إرجاعه، فإن
أصاب نصف
لسانك خطّأه النصف الآخر،
ولن
تستطيع أن تقف حائلاً بينهما ..
وإن استطعت فما جدوى أن تكون شاهد زور ؟
* قال لي:
إغمس قلمك في دواة الروح .. وتماهَ في
قصائدك..
وتوغل إلى أعماق المعنى،
وتجلَّ حتى تتمكن من رؤية أحلام طفلتك النائمة في الغرفة
الأخرى،
ولا تهتم بالقارئ إذا أعاقه قصر نظره عن الإدراك، فلست
المسؤول عن ذلك،
فالشاعر لا
يمكن أن يفرش ثقافته لينام عليها من لا ثقافة له.
ولا تجعل
القصيدة باباً يلج منه الخاصة
والعامة
على حد سواء ، ولا أعني بذلك أن
تغلق باب
القصيدة،
فإذا استطعت أن
تجعله موارباً فافعل،
فإن أغلق هذا
الباب في وجه الخاصة فسيفتحونه بثقافتهم وإن أغلق في وجه العامة سيكسرونه
بجهلهم.
* قال لي:
إنه لمن
العبث أن يعتصر الشاعر روحه
ويجتر
ماضيه ويتصور مستقبله قابعاً إلى
ساعة
متأخرة من الحـزن – بعيـداً عن
عالمه- لكتابة
قصيدة تخاطب العقل والروح بلغة راقية ..
ومن ثم
يأتي أحد العامة ليقرأها في عدة ثوانٍ
وإذا تعذر
عليه رؤية الصورة -مع أنه مغمض قلبه - وغُمَّ عليه الهدف فما عليه إلا
إكمال عدة الغباء ليتهم الشاعر بالغموض .
فلماذا لا يمنحها بضع دقائق يعيش معها،
مع أن
الشاعر قد منحها ليلة كاملة،
وهذا هو
القاسم الذي يأبى «المتفقعسون»
أن يجعلوه
قاسماً مشتركاً بينهم
نظراً لضيق
الوقت الذي يعانون منه عند
قراءة قصيدة ، واتساعه
عند مشاهدة كرة القدم.
السبت يوليو 24, 2010 10:24 am من طرف نابغة