** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 عندما اضطر كارل ماركس أن يقول... بأنه ليس ماركسياً!!

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
متوكل
" ثــــــائـــــــــر منضبــــــــط"
عندما اضطر كارل ماركس أن يقول... بأنه ليس ماركسياً!! Biere3
متوكل


عدد الرسائل : 425

الموقع : صراع من اجل الاشتراكية
تاريخ التسجيل : 05/11/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

عندما اضطر كارل ماركس أن يقول... بأنه ليس ماركسياً!! Empty
17072010
مُساهمةعندما اضطر كارل ماركس أن يقول... بأنه ليس ماركسياً!!

عندما اضطر كارل ماركس أن يقول... بأنه ليس ماركسياً!! Marx-karl
* تراث كارل
ماركس الفكري ليس مجموعة من النصوص المنتهية والمكتملة والمغلقة التي يمكن
الإسترشاد بها كـ"وصفات" قابلة للتطبيق، ولا هي "خارطة طريق" تقود إلى
"الجنة الإشتراكية" الآتية حتماً، بل هو بالأساس تحليل لواقع كان قائماً في
زمن ماركس وقبله
* قدم كارل ماركس في كتاباته الرئيسية تحليلاً
تفصيلياً لآليات عمل النظام الرأسمالي وتناقضاته وطابعه الإستغلالي
والمولّد للأزمات المتلاحقة، و ما زال تحليلاً صائباً، وهو ما أعادت مؤخراً
تأكيده هذه الأزمة الإقتصادية العالمية الكبرى الجديدة المستمرة منذ
العامين 2007-2008
*هناك إسهامات فكرية هامة تضيف إلى ما قدمه ماركس
وإنجلز ومن لحقهما من كبار المفكرين والثوريين الماركسيين لا زالت تُنتج
باستمرار في أنحاء العالم أفكاراً ورؤى متجددة لعملية الإنتقال من النظام
الرأسمالي إلى النظام البديل
* فكر ماركس ساهم بشكل كبير في تغيير العالم، و
تثبت التطورات التي نشهدها راهنيتها ، إذا ما تم تناوله بالمنظار الذي
أراده ماركس كفكر حيوي دائم الإغتناء والتطوير والإلتصاق بتاريخ البشر
الفعلي، والسعي من أجل أن يكون مستقبلهم أفضل كثيراً من ماضيهم وحاضرهم
هي
قصة شهيرة إلى حد ما. في مطلع ثمانينيات القرن التاسع عشر، وقبل فترة
وجيزة من وفاة كارل ماركس (في العام 1883)، برز خلاف في الرأي بينه وبين
اثنين من مؤسسي الحركة اليسارية العمالية في فرنسا، هما جول غيد وبول
لافارغ. والأخير، أي لافارغ، كان أيضاً زوج إحدى بنات ماركس. وكان كلا
الرجلين الفرنسيين يعتبران نفسيهما "ماركسيين".
وكان
جول غيد قد قام في أيار/مايو 1880 بزيارة للندن، حيث كان يقيم ماركس،
واستعان به في إعداد برنامج "الحزب العمالي" الذي كان غيد يعمل على تأسيسه
في فرنسا. وتمت بالفعل صياغة هذا البرنامج بمشاركة ماركس، وبمساهمة لاحقة
من فريدريش إنغلز، رفيق درب ماركس الفكري والنضالي، وبول لافارغ، شريك جول
غيد في تأسيس الحزب الجديد. وتم تأسيس الحزب المذكور في مدينة لوهافر
الفرنسية في تشرين الثاني/نوفمبر من العام ذاته 1880.
وحول
هذا البرنامج، قال كارل ماركس: "إن هذه الوثيقة القصيرة جداً تتضمن في
قسمها الإقتصادي مطالب انطلقت حصراً، في الواقع، من صفوف الحركة العمالية
نفسها بشكل عفوي. بالإضافة الى ذلك، هناك فقرة تقديمية تحدد الهدف الشيوعي
في أسطر قليلة."
بعد
إقرار البرنامج مع بعض التعديلات في مؤتمر الحزب الجديد، نشأ خلاف بين
ماركس وقادة هذا الحزب حول الغرض من القسم الخاص بالجانب الاقتصادي في
الوثيقة. فبينما كان ماركس يرى أن المطالب المتضمنة في هذا القسم يمكن أن
تشكل مادة تعبئة في الوسط العمالي باعتبار أن المطالب قابلة للتحقيق في أمد
زمني غير بعيد وفي إطار النظام الرأسمالي نفسه، كانت لجول غيد وجهة نظر
أخرى. فقد رأى الزعيم العمالي الفرنسي في هذه المطالب الاقتصادية المباشرة
وسيلة لفضح التيار السياسي المسيطر في فرنسا بحيث يقود الرفض الذي يتوقعه
لهذه المطالب من قبل هذا التيار إلى "تحرير البروليتاريا من آخر أوهامها
الإصلاحية وإقناعها باستحالة تفادي 89, عمالية"، على حد تعبيره. والمقصود
بـ 89 هو ثورة على غرار الثورة الفرنسية الكبرى، تلك الثورة التي فتحت
الباب، قبل زهاء القرن من ذلك، أي في العام 1789، أمام انتصار البورجوازية
الصاعدة على التحالف الحاكم في مرحلة الهيمنة الإقطاعية.
أي
أن جول غيد كان يرى الثورة العمالية مسألة مطروحة في أمد قريب ومرئي. وقد
أثار هذا الفهم لغرض الوثيقة حفيظة كارل ماركس الذي اتهم جول غيد وبول
لافارغ بـ"اللفظية الثورية" وبإنكار أهمية النضالات من أجل تحقيق إنجازات
مباشرة للعمال حتى في إطار النظام الرأسمالي. وفي هذا السياق، نقل فريدريش
إنغلز عن ماركس عبارته الشهيرة التي قال فيها انه إذا كانت هذه هي
الماركسية..."فمن المؤكد أنني، أنا، لست ماركسياً"!!
أهمية
هذه الملاحظة، الساخرة، لمؤسس المدرسة الفكرية والنضالية الإشتراكية
الرئيسية المعاصرة تنبع من كونها تؤشر لمسألة هامة: إن تراث كارل ماركس
الفكري ليس مجموعة من النصوص المنتهية والمكتملة والمغلقة يمكن الاسترشاد
بها كـ"وصفات" قابلة للتطبيق، كما هو حال الوصفات الطبية، ولا هي "خارطة
طريق" تقود إلى "الجنة الإشتراكية" الآتية حتماً، بل هو بالأساس تحليل
لواقع كان قائماً في زمن ماركس وقبله، وخاصة تحليل للنظام الرأسمالي الذي
كان في القرن التاسع عشر يشهد مرحلة صعود وازدهار واسعين، وأفكار يمكن
الانطلاق منها للتعامل مع هذا الواقع والعمل على تغييره. فليس هناك في هذا
التراث الفكري "كتب مقدسة"، كما ليس هناك "دين جديد" أو حزمة عقيدية يكفي
الإيمان بها لتحقيق الأهداف المرجوة. بل هناك قوانين عامة واستخلاصات عميقة
لدراسة جادة لواقع وتناقضات النظام الرأسمالي بأبعاده المختلفة،
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإنسانية، أو بالأحرى اللا إنسانية،
ودعوة للتدقيق في كل وضع وفي كل زمن بالواقع المعني ورسم الطرق الملائمة،
على الأمد المباشر والقريب وفي سياق الرؤية الأوسع والهدف الإستراتيجي، أي
الخلاص من النظام الرأسمالي ومن استغلال قلة من البشر المتحكمين بهذا
النظام والمستثمرين لجهد الغالبية الكبرى من المواطنين المنتجين بعرقهم
ودمائهم. ولا مجال هنا لاستبدال القراءة العميقة للواقع المعني بمقولات
وقوالب جاهزة أو بإرادوية متسرعة ورغبات وتمنيات ذاتية.
ومن
خلال هذه الواقعة، يتضح أن ماركس لم يكن يستهين بأهمية الإنجازات المباشرة
والمحدودة لصالح الشغيلة والمنتجين، أي غالبية المجتمع الساحقة، طالما هي
تأتي في سياق الرؤية الإستراتيجية وفي إطار المراكمة الضرورية التي تساهم
في تعبئة الجمهور المعني بهذه العملية النضالية وفي تعميق وعيه وقناعته
بإمكانية الوصول إلى الهدف الأبعد المتوخى. ومعروف أن ماركس لم يخض كثيراً
في كتاباته في مجال التنبؤ بكيفية إنجاز هذه المهمة وآلياتها العملية، إلا
من خلال استخلاص بعض الدروس من التاريخ البشري السابق للعمليات الثورية ومن
التجارب العملية التي عايشها، ومنها تجربة كومونة باريس الشهيرة،
والقصيرة، في العام 1871.
مطالب ماركس الاقتصادية والاجتماعية
ولغرض
التوضيح، نورد في ما يلي بعض المطالب "الاقتصادية" التي تضمنها برنامج
الحزب العمالي الفرنسي، الذي ساهم كارل ماركس، كما ذكرنا، في صياغته:
* تخصيص
يوم واحد في الأسبوع للراحة، وتحريم العمل أكثر من ستة أيام أسبوعياً.
*تحديد
ساعات العمل اليومية للبالغين بثماني ساعات فقط.
*تحريم
تشغيل الأطفال والفتيان الذين تقل أعمارهم عن 14 عاماً، وتحديد ساعات
العمل بالنسبة للفتيان بين 14 و16 عاماً بست ساعات يومياً فقط.
* وضع
حد أدنى للأجور كل عام يأخذ بعين الاعتبار أسعار المواد الغذائية، كما
تحددها لجنة إحصائية عمالية.
*منع
أرباب العمل من تشغيل العمال الأجانب بأجور أقل من العمال الفرنسيين.
*
توفير الأجر نفسه للعمل ذاته للعمال من الذكور والإناث.
* تأمين
التربية العلمية والمهنية لكل الأطفال.
* تحمُّل
المجتمع لمسؤوليته عن كبار السن وعن المعاقين.
* منع
تدخل أرباب العمل في شؤون الجمعيات العمالية.
*مسؤولية
أرباب العمل عن حوادث العمل التي يتعرض لها العمال.
* منع
الإجراءات العقابية التعسفية التي يمارسها أرباب العمل بحق العمال لديهم،
كالخصم أو تجميد الأجور.
*إلغاء
كل العقود التي تنال من مرافق القطاع العام، وإحالة إدارة المؤسسات
المملوكة للدولة إلى الشغيلة الذين يعملون فيها.
* إلغاء
كل الضرائب غير المباشرة، وتحويل الضرائب المباشرة الى ضرائب متصاعدة مع
حجم الدخول، ابتداء من حد أدنى هو 3000 فرنك.
هذه
المطالب يبدو بعضها بسيطاً وبديهياً في أيامنا، وقد تحقق، بالفعل، منذ
عقود طويلة، بفعل نضالات العمال والشغيلة وضغوط حركاتهم النقابية
والسياسية. ولكن بعضها إما انه لم يتحقق بعد أو انه يتعرض للإنتقاص والنهش
المتواصلين، خاصةً مع تطبيقات الليبرالية الجديدة في العقود الثلاثة
الأخيرة، بما في ذلك مؤخراً، في أوروبا مثلاً، من خلال إجراءات التقشف وشد
الأحزمة بحجة مواجهة الأزمة الاقتصادية وضبط العجز في الموازنة الحكومية
والحد من حجم الدين العام للدولة.
ولكن
من الواضح انها مطالب مهمة وملموسة بالنسبة للعمال، والشغيلة عامة، ويمكن
أن تكون، وكانت بالفعل، مدخلاً مهماً لتعبئتهم وكسبهم للحركة الاشتراكية
المنظمة. وهو ما حدث فعلاً في العديد من البلدان الأوروبية، كما في بلدان
أخرى في أنحاء العالم، في العقود التالية على صدور هذا البرنامج وخلال معظم
القرن العشرين. أما بالنسبة للبلدان الفقيرة ومناطق "العالم الثالث"، بما
فيها مناطقنا العربية والشرق أوسطية، فمن الواضح أن هذه المطالب، في
غالبيتها، ما زالت راهنة، بعد مضي زهاء القرن وربع القرن على طرحها في
البرنامج الذي شارك ماركس في صياغته.
وكان
فريدريش إنغلز قد أوصى، في العام 1891، الحزب العمالي الألماني الرئيسي،
وكان يحمل اسم الحزب الاجتماعي الديمقراطي، في سياق نقده، أي نقد إنجلز،
لبرنامج إيرفورت الشهير للحزب، بتبني المطالب الاقتصادية الواردة في برنامج
الحزب العمالي الفرنسي. ومعروف أن إنجلز ركز في نقده لبرنامج إيرفورت على
الطابع التصالحي – الانتهازي لهذا البرنامج في التعاطي مع مؤسسات الدولة
الألمانية آنذاك، حيث كان يعتبر أن السياق العام للبرنامج يشير إلى نزعة
يمينية في مواقف قادة الحزب الرئيسيين. وتحليل إنجلز لهذا البرنامج كان
ينطلق من الطابع الاستبدادي السلطوي للنظام الإمبراطوري الألماني في تلك
الحقبة، وهو طابع يميزه عن أنظمة أوروبية، وغير أوروبية، أخرى كانت قد
تحققت فيها إنجازات ذات طابع ديمقراطي. ولكن ذلك لم يدفعه إلى الدعوة إلى
مواقف متشددة مغامرة ومتطرفة، كما يتضح من خلال دعوته لتبني المطالب
الاقتصادية في برنامج الحزب العمالي الفرنسي.
راهنية ملاحظة ماركس
وبإمكاننا
أن نستطرد، انطلاقا من حادثة ماركس مع قادة الحزب العمالي الفرنسي، لتناول
الإشكالات التي شهدتها المدارس الماركسية المختلفة التي ازدهرت بعد وفاة
كارل ماركس، ثم رحيل رفيق دربه فريدريك إنجلز في العام 1896. ويمكن، الى حد
ما، وبدون أي ادعاء تعميمي، استخلاص أحد أهم الدروس المتعلقة بتجارب تجاوز
النظام الرأسمالي في القرن الذي تلى رحيل ماركس وإنجلز: وهو يتمثل في كون
كتابات كارل ماركس وفريدريك إنجلز، التي شكلت إسهامات بارزة ومهمة في إغناء
الفكر البشري والتراث التقدمي والثوري العالمي، لم تكن، في رأيهما،
"وصفات" جاهزة ومنتهية وصالحة بتفاصيلها لكل زمان ومكان، لتحقيق الأهداف
المتوخاة من قبل أتباع هذا الفكر، بحيث يتحقق النجاح حين يتم الالتزام بها
والفشل حين تجري مخالفتها أو تجاهلها. وهنا نستذكر النقاش الذي جرى بعد
انهيار التجربة السوفييتية حول السبب في هذا الفشل، وهل يكمن في النظرية أم
في التطبيق، كما كان يقال في حينه. وهو سؤال يفترض ضمناً أن النظرية هي
"وصفات" يتم تطبيقها أو تجاهلها والامتناع عن الالتزام بها.
بينما
في واقع الحال، وهذا ما أوحت به الحادثة التي أوردناها، كما ومجمل روحية
أعمال ماركس، تبقى الماركسية مجموعة من التحليلات والقوانين والأفكار
المفتوحة على التطوير والإغناء المتواصلين، سواء من خلال الأحداث المستجدة
والتجارب العملية الجديدة للحركات العمالية والثورية في أنحاء العالم ومجمل
التاريخ البشري، أو من خلال الجهد العلمي والمعرفي المتواصل لاستخلاص دروس
وأفكار إضافية تغني الفكر التقدمي الذي وضع كارل ماركس بنيانه الأساسي. أي
أنها فكر مفتوح يغتني كل يوم، وفكر قابل للتصويب والتدقيق حين تثبت تجارب
جديدة أو تظهر اكتشافات حديثة ضرورة إجراء مثل هذا التصويب أو التدقيق. وهو
ما فعله ماركس نفسه أثناء حياته وفي نتاجاته المتلاحقة. وإن كان من المهم
أن نؤكد أن القوانين والخلاصات الرئيسية الواردة في أعمال ماركس ما زالت
تحتفظ براهنية كبيرة، خاصة وأن النظام الرأسمالي لا زال النظام السائد
والمسيطر في عالم اليوم.
ولسنا
هنا بصدد العودة للحديث عن التجربة السوفييتية تحديداً. فقد تناولنا بعض
جوانبها في كتابات سابقة. كما كُتب وما زال وسيبقى يُكتب عنها الكثير،
نظراً لأهميتها الاستثنائية. ولكن من الواضح، إزاء تعدد المدارس والتجارب
التي تنسب نفسها إلى فكر ماركس، أن المحك في الحكم على أي فكر أو حركة أو
أية تجربة عملية هو درجة تحقيقها لأي تقدم فعلي على صعيد الفعل العملي وعلى
صعيد الفكر، ونجاحها في مراكمة إنجازات ملموسة تؤدي، بالمراكمة وفي نهاية
المطاف، إلى توفير شروط التغيير الكبير، تجاوز النظام الرأسمالي وقيام نظام
بديل.
وجدير
بالإشارة هنا أن كارل ماركس الذي قدم في كتاباته الرئيسية، وخاصة مؤلفه
الأشهر "رأس المال"، تحليلاً تفصيلياً لآليات عمل النظام الرأسمالي
وتناقضاته وطابعه الاستغلالي والمولّد للأزمات المتلاحقة، وهو تحليل من
الواضح أنه ما زال، في جوهره وخطوطه الأساسية، تحليلاً صائباً، وهو ما
أعادت مؤخراً تأكيده هذه الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى الجديدة
المستمرة منذ العامين 2007-2008، كما أسهم، مع إنجلز، في العديد من
الإضافات الهامة الأخرى إلى الفكر البشري، لم يكن يفكّر، للحظة واحدة، أنه
يضع في كتاباته، أو كتاباتهما، خاتمة العلم والمعرفة في المجال الفكري
والعملي الذي تناولاه وساهما في إرساء قوانينه وركائزه الأساسية. كما انه
لم يكن يفكر أن الاستناد إلى هذه الكتابات، بحد ذاته، وبدون القراءة
الدقيقة للواقع المعني، في كل مكان وفي كل مرحلة محددة، ولتطورات التاريخ
والتقدير العميق لكيفية التعاطي مع تعقيدات هذا الواقع، إلى جانب القدرة
الخلاقة على شق طريق الفعل الملموس، بالاستناد الضروري إلى القاعدة الشعبية
الحيوية لهذا الفعل، سيقود إلى التحقيق السريع للأهداف المتوخاة، وتحديداً
تجاوز النظام الرأسمالي في أمد زمني قصير. وهو ما يبدو أن الزعيم
الاشتراكي الفرنسي جول غيد كان يعتقده.
وللتاريخ،
وبالرغم من الدور الكبير الذي لعبه جول غيد في تأسيس الحركة العمالية
والاشتراكية الفرنسية المعاصرة، بما في ذلك تأسيس الحزب الاشتراكي الموحد
في مطلع القرن العشرين، والذي حمل اسم "الفرع الفرنسي للأممية العمالية"،
فقد انتهى، أي غيد، مع اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام 1914، إلى
الاصطفاف مع البورجوازية الفرنسية المسيطرة عبر المشاركة في الحكومة التي
تشكلت في بدايات الحرب، كوزير بلا حقيبة. أي انه اختار الانحياز الشوفيني
في "حرب الضواري" الإمبريالية، كما أسماها القائد والمفكر الثوري الروسي
فلاديمير لينين، الذي عارض هو وعدد من كبار القادة الثوريين الأوروبيين
الآخرين، مثل «البولونية - الألمانية روزا لوكسمبورغ»، هذه الحرب، ورفضا
المنطق الشوفيني للجناح اليميني في الحركة العمالية الأوروبية، وهو الجناح
الذي سيشكل لاحقاً تياراً خاصاً به، ينفصل عنه التيار اليساري الجذري.
اليسارية الجذرية
ويمكن
أن نستخلص أيضاً من الحادثة المشار إليها أن اليسارية الجذرية ليست،
بمفهوم ماركس وإنجلز، رديفاً للتطرف والتشدد والنزعة الإرادوية والعمل وفق
مبدأ "كل شيء أو لا شيء". بل العكس هو الصحيح. فالجذرية مرتبطة طبعاً
بالرؤية الدائمة للهدف الإستراتيجي للنضال، وهو تجاوز النظام الرأسمالي
والعمل على بناء نظام جديد خالٍ من الاستغلال، مجتمع المنتجين الأحرار،
المجتمع المتعارف على تسميته بالاشتراكي. ولكن الوصول إلى هذا الهدف لا
يستبعد العمل على تحقيق إنجازات جزئية ومباشرة لصالح المنتجين ، الغالبية
الساحقة من المواطنين في أي بلد، ولصالح تطوير أوضاع العمال والشغيلة
ومراكمة الشروط التي تفتح المجال في النهاية أمام إنجاز الانتقال المطلوب
إلى المجتمع الأرقى. لا بل هو يتطلب ذلك بالضرورة.
وبالطبع،
خاصةً بعد انهيار التجربة السوفييتية وتجارب أوروبا الشرقية الشبيهة
الأخرى، في أواخر القرن المنصرم، ليس بمقدور أحد أن يزعم الآن أن لديه
"خارطة طريق" مفصلة ودقيقة لعملية الإنتقال هذه من النظام الرأسمالي إلى
النظام البديل. مع العلم بأن هناك محاولات عملية جارية ومستمرة في بلدان
آسيوية وأميركية لاتينية لا زالت ترفع هذه الراية، من جهة، كما أن هناك
إسهامات فكرية هامة تضيف إلى ما قدمه ماركس وإنجلز ومن لحقهما من كبار
المفكرين والثوريين الماركسيين لا زالت تُنتج باستمرار في أنحاء العالم
أفكاراً ورؤى متجددة لعملية الانتقال هذه. ومرة أخرى، ما سيحسم في صحتها
وصوابيتها هو قدرتها على التحول إلى فعل ملموس وإنجاز عملي على الأرض.
***
وأخيراً،
وبمعزل عن الاهتمام المتجدد الذي أثارته الأزمة الاقتصادية العالمية
الجديدة بأعمال كارل ماركس الرئيسية، بما في ذلك في بلد نشأته، ألمانيا،
وبمعزل عن الإسهامات الفكرية الهامة اللاحقة المستندة إلى فكر ماركس ورفاق
دربه وأتباع مدرسته، وهي كثيرة، فإن أهمية دور ماركس التاريخي لم تعد تحتاج
إلى تأكيد. وربما كانت الحادثة المشار إليها مع مؤسسي الحركة العمالية
الفرنسية مؤشراً إضافياً إلى الحجم التاريخي لهذا المفكر والقائد الكبير.
وقد
لا تروق ماركس، لو كان حياً، أن تكون نتيجة استفتاء أجرته إذاعة بي بي سي
الإنكليزية الرابعة في أواسط العام 2005 لاختيار أهم فيلسوف في تاريخ
البشرية قد أشّرت إليه، حيث اختار المصوتون ماركس كأهم فيلسوف في التاريخ
البشري بنسبة من الأصوات تقترب من 28 بالمئة، بمسافة كبيرة عن الثاني في
القائمة وهو الاسكتلندي ديفيد هيوم، الذي عاش في القرن الثامن عشر، والذي
حصل على نسبة تقترب من الـ 13 بالمئة، وأمام فلاسفة آخرين مثل نيتشه
وأفلاطون وكانط وسقراط وأرسطو، جاءوا على التوالي في المراتب الرابعة
والخامسة والسادسة والثامنة والتاسعة.
فماركس
لم يكن يحب أن يصنّف كفيلسوف وأن يعتبر إسهامه الرئيسي في مجال الفلسفة،
التي تناولها، أو بالأحرى تناول بعضها، في بعض كتاباته بالنقد والسخرية. في
حين تناولت أعماله مجالات واسعة من المعرفة البشرية، من الاقتصاد إلى
السياسة والعلوم الاجتماعية والتاريخ الإنساني عامةً، هذا الى جانب الدور
العملي الذي قام به في تنظيم الحركة العمالية الأوروبية. وهو فعل تماماً ما
كان قد قاله، وهو لم يكن قد وصل الثلاثين من عمره، في أطروحاته الشهيرة
حول الفيلسوف الألماني فويورباخ، الذي عاش في القرن التاسع عشر ذاته وكان
يكبر ماركس بسنوات قليلة، من أن "الفلاسفة قاموا حتى الآن بتفسير العالم
بأشكال شتى، بينما المسألة هي كيفية تغييره".
ولا
شك أن فكر ماركس قد ساهم بشكل كبير في تغيير العالم، وأن راهنيته تثبتها
التطورات التي نشهدها في أيامنا، إذا ما تم تناوله بالمنظار الذي أراده
ماركس كفكر حيوي دائم الاغتناء والتطوير والالتصاق بتاريخ البشر الفعلي،
والسعي من أجل أن يكون مستقبلهم أفضل كثيراً من ماضيهم وحاضرهم. أما
التجارب التي فشلت، بعد أن عمّرت سنوات طويلة وأكثر كثيراً من كومونة
باريس، فهي خاضعة للتشريح والتحليل بنفس الأدوات التي أنشأها فكر ماركس.
وبشيء من التأمل في حادثة ماركس مع جول غيد، يمكن أن نقول، بدون تردد، بأن
ماركسية ماركس لا علاقة لها بهذا الفشل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

عندما اضطر كارل ماركس أن يقول... بأنه ليس ماركسياً!! :: تعاليق

سميح القاسم
رد: عندما اضطر كارل ماركس أن يقول... بأنه ليس ماركسياً!!
مُساهمة السبت يوليو 17, 2010 10:03 am من طرف سميح القاسم
هناك
إسهامات فكرية هامة تضيف إلى ما قدمه ماركس
وإنجلز ومن لحقهما من كبار
المفكرين والثوريين الماركسيين لا زالت تُنتج
باستمرار في أنحاء
العالم أفكاراً ورؤى متجددة لعملية الإنتقال من النظام
الرأسمالي إلى
النظام البديل

*
فكر ماركس ساهم بشكل كبير في تغيير العالم، و
تثبت التطورات التي
نشهدها راهنيتها ، إذا ما تم تناوله بالمنظار الذي
أراده ماركس كفكر
حيوي دائم الإغتناء والتطوير والإلتصاق بتاريخ البشر
الفعلي، والسعي من
أجل أن يكون مستقبلهم أفضل كثيراً من ماضيهم وحاضرهم

هي
قصة شهيرة إلى حد ما. في مطلع
ثمانينيات القرن التاسع عشر، وقبل فترة
وجيزة من وفاة كارل ماركس
 

عندما اضطر كارل ماركس أن يقول... بأنه ليس ماركسياً!!

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» الحنين إلى كارل ماركس
» الحنين إلى كارل ماركس
» كارل ماركس وترسانته المفاهيمية
» كارل ماركس (1818-1883) والماركسية
» كارل ماركس فيلسوف القرن العشرين

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: