ياسمينة والحشرة رشيد نيني -
raninyster@gmail.com البعض رد انفجار وزيرة الصحة
ياسمينة بادو من الضحك بعد سؤال نائب الأصالة والمعاصرة في البرلمان حول
الحشرة المسببة لداء «الليشمانيوز» بمنطقة تافيلالت والراشيدية، إلى كون
سعادة الوزيرة لا تعرف جيدا عالم الحشرات لكونها منحدرة من أسرة عريقة كان
فيها أحد أجدادها وزيرا للعدل.
والحق يقال، فالوزيرة الضاحكة تعرف عالم الحشرات جيدا، وبالخصوص الرخويات
منها. ولذلك فضحكها ليس نابعا من جهل مفترض بعالم الحشرات، وإنما من رغبة
دفينة في الضحك على هؤلاء «المزاليط» الذين صعدت على أكتافهم إلى رئاسة
مقاطعة أنفا بالدار البيضاء.
وإذا كان من حشرة تدين لها ياسمينة بادو بفوزها بمقعد الرئاسة في المقاطعة
فهي «البابوش». ولعل قلة قليلة تعرف أن مدام ياسمينة بادو لجأت، خلال
حملتها الانتخابية، إلى خدمات بائعات «غلالة» اللواتي تنحدر غالبيتهن من
أحياء الصفيح المجاورة لمنطقة سيدي عبد الرحمان. ومقابل هذه الخدمات، تعهدت
«المحامية» ياسمينة بادو بحماية عربات بائعات «غلالة» من «الحملات
التكشيطية»، التي تسميها السلطات خطأ «الحملات التمشيطية»، والتي تستهدف
الباعة المتجولين.
أما إذا كانت وزيرة الصحة قد انفجرت ضاحكة في البرلمان بسبب ذكر اسم الفأر،
فإن لدى سعادتها في مقاطعة أنفا، التي ترأسها، «طوبات» بحجم الأرانب تخرج
لكي تتسكع ليلا في الشوارع إلى درجة أن هذه المقاطعة، وبسبب القمامة
والأزبال المنتشرة في نواحيها، أصبحت تستوطنها جرذان يخشى الإنسان على نفسه
من المرور بالقرب منها بسبب ضخامة حجمها.
وبما أن سعادة الوزيرة كانت تقطع جوابها بضحكات سخيفة لا معنى لها وهي
تشرح للنائب أعراض مرض «الليشمانيوز»، فلتسمح لنا أن نقول لها إن أعراض هذا
المرض الخطير والمدمر لا تبعث على الضحك وإنما على البكاء. ففي الوقت الذي
كانت تضحك فيه سعادة الوزيرة، التي تنفق ميزانية بأكملها على ماكياجها
ورسم حاجبيها، كانت مئات النساء والفتيات في الراشيدية وتافيلالت وتنغير
والريصاني وزاكورة يبكين بحرقة لأنهن لا يستطعن النظر إلى وجوههن في المرآة
بسبب البثور البشعة التي تتسبب لهن فيها لسعات «ذبابة الرمال» المسببة
لمرض «الليشمانيوز»، مشوهة وجوههن بلا رحمة.
عندما كانت الوزيرة الضاحكة ضيفة على جلسة من جلسات المجتمع المخملي في
الرباط، سألها أحدهم عن هذه الضوضاء المثارة في الإعلام حول مرض
«الليشمانيوز»، فأجابته الوزيرة الضاحكة بأن هذا المرض يوجد حتى في فرنسا،
وليس فقط عندنا.
والواقع أن وزيرة الصحة معها حق، فمرض «الليشمانيوز» يوجد أيضا في فرنسا.
ووزارة الصحة الفرنسية تحمل المرض على محمل الجد، لأنه يهدد سلامة وصحة...
الكلاب. نعم أيها السادة، في فرنسا يصيب مرض «الليشمانيوز» الكلاب فقط، لأن
وزارة الصحة الفرنسية قضت على هذا الداء في صفوف البشر منذ عشرات السنين.
عندنا في المغرب، يعرف المرض عودة مظفرة، شأنه شأن مرض السل الذي بدأ يكتسح
المغرب من جديد بـ26 ألف إصابة جديدة كل سنة، بعد أن انقرض في أغلب دول
العالم.
وكل عام تشهد منطقة جديدة في المغرب انتشارا لمرض «الليشمانيوز». ففي سنة
1989 ضرب المرض وسط المغرب، وفي سنة 1995 ضرب منطقة تازة، وفي سنة 1996 ضرب
منطقة جبالة بالشمال، واليوم يضرب المرض منطقة تافيلالت، مهد الدولة
العلوية التي تحكم المغرب منذ أربعة قرون.
والدواء الوحيد المتوفر لعلاج هذا المرض هو عقار «غليكانتين». المصيبة
العظمى مع هذا العقار هي أنه لا يباع في الصيدليات ولا يمكن العثور عليه في
المصحات الخاصة. وكل من لسعته «ذبابة الرمال» ونقلت إليه العدوى من
حيوانات «الجبروع»، التي تسكن جذوع الأشجار في المناطق التي ينتشر فيها
المرض، يصبح مضطرا إلى الخضوع للعلاج داخل مستشفيات ياسمينة بادو التي تملك
لوحدها حق التصرف في الدواء السحري.
المشكلة أن مستشفيات الوزيرة الضاحكة لا تقدم إلى ضحايا هذا المرض الخطير
سوى «البيطادين» و«الدوا لحمر»، فمستوصفات وزارة الصحة في إقليم تافيلالت
تفتقر إلى الأطباء المتخصصين الذين يستطيعون تشخيص المرض بدقة، خصوصا وأن
أعراضه الأولية يمكن خلطها بسهولة بتقرح عادي وبسيط لا يتطلب علاجا مكثفا.
وهكذا فالمواطنون المصابون بالمرض يعودون إلى بيوتهم مطمئنين إلى أن التقرح
الجلدي الذي يعانون منه سيزول بعد أيام، قبل أن يكتشفوا أن أماكن اللدغات
تعفنت وأصبحت مغطاة بطبقة من القيح والدم. عذرا سعادة الوزيرة على هذا
الشرح الذي يسد الشهية، لكن تأكدي أن هذه هي الحقيقة المرة التي يعيشها
آلاف المواطنين في إقليم تافيلالت والراشيدية.
ولذلك، فعوض أن تضحكي في البرلمان بسبب هذا المرض الذي يقض مضاجع مواطنين
مغاربة معروفين بأنفتهم وشهامتهم وترفعهم عن طلب الصدقات، يجب أن تأتي إلى
البرلمان وتشرحي لهم وللمغاربة أجمعين أين ذهب مبلغ 100 مليار سنتيم الذي
تسلمته وزارتك من صندوق التعاون الأوربي ما بين 2007 و2010، وتوضحي أيضا
مصير الـ50 مليار سنتيم التي استفادت منها وزارة الصحة من طرف صندوق دولي
موجه إلى الخدمات الصحية ما بين 2008 و2012.
إن مكافحة مرض «الليشمانيوز» توجد ضمن النقط التي حددتها منظمة الصحة
العالمية لوزارة الصحة المغربية من أجل الاستفادة من كل هذه الملايير. كما
أن دواء «غليكانتين» الذي يحتاجه مرضى «الليشمانيوز» توزعه منظمة الصحة
العالمية مجانا على كل الدول التي تطلبه. لماذا، إذن، يعاني المرضى
المغاربة في سبيل الحصول على هذا الدواء الذي لا يمكن العثور عليه سوى داخل
مستشفيات وزارة الصحة؟
وإذا عرفنا أن علاج كل مصاب بمرض «الليشمانيوز» يكلف ميزانية الوزارة حوالي
30 دولارا في الحالات العادية، وحوالي 150 دولارا بالنسبة إلى الحالات
المستعصية، فإننا نتساءل عن مصير كل هذه الملايير التي تسلمتها الوزارة من
منظمات الصحة الدولية لمكافحة الأمراض، وعلى رأسها مرض «الليشمانيوز»،
خصوصا وأن أعداد المصابين بهذا المرض -حسب إحصاء لمديرية الأوبئة بوزارة
الصحة- يتوزعون ما بين 793 مصابا في المنطقة الشرقية، و850 مصابا في منطقة
سوس، و440 مصابا في منطقة الحوز، و70 مصابا في منطقة الغرب، وتقريبا العدد
نفسه في الصحراء.
مشكلة وزارة الصحة الكبرى هي أنها تفتقر إلى الموارد البشرية واللوجستيكية
التي تسمح بنقل دواء «غليكانتين» واستعماله، نظرا إلى بعد المسافة وغياب
مستوصفات وعدم وجود أطباء متخصصين في تشخيص ومعالجة هذا المرض في مراحله
الأولى، الشيء الذي ينتج عنه تعقد واستفحال حالات المصابين، مما يرفع كلفة
العلاج من 150 دولارا للمريض إلى حوالي 1500 دولار.
عندما يتعلق الأمر بجمع إحصائيات حول نسبة المصابين بالأمراض والأوبئة،
تسارع مصالح وزارة الصحة إلى إعداد اللوائح والإحصائيات من أجل الحصول على
ميزانيات الدعم. وبمجرد ما تصل الشيكات السمينة، يخفت الحديث عن هذه
الأمراض بشكل غريب، وكأنهم يستعملون مرضانا فقط من أجل «السعاية» بهم في
الخارج وجمع الصدقات على حساب مآسيهم.
لذلك، فعوض أن تتحدث إلينا ياسمينة بادو ضاحكة عن الحشرات والأعراض المسببة
لمرض «الليشمانيوز» في البرلمان، الأجدر بها أن تجمع ضحكتها وتتحدث إلينا
عن الميزانيات التي تتلقاها وزارتها من منظمات الصحة العالمية للتصدي لمرض
«الليشمانيوز». ما هي أوجه صرفها، ولماذا لا تبني بهذه الميزانيات مستشفيات
عمومية ومستوصفات في المناطق النائية التي يغزوها هذا المرض، وأين هي
الأدوية المضادة لهذا المرض والتي تتوصل بها الوزارة مجانا من منظمة الصحة
العالمية، لماذا لا تسلم إلى المرضى من أجل التداوي بها عوض أن يعالجوا
بلطخات «الدوا لحمر» و«الداجينا»؟
عندما طلبت منظمة الصحة العالمية من الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2006
التصويت لصالح اعتبار مرض «الليشمانيوز» أحد أكثر الأمراض إهمالا في
العالم، صوت المغرب لصالح هذا القرار، لأنه كان يريد الاستفادة من الدعم
المالي الذي تقدمه منظمة الصحة العالمية للدول التي تعاني من انتشار هذا
المرض. وقد استطاع المغرب أن يحصل على الدعم المالي المعتمد لمكافحة هذا
المرض الصامت والخطير، لكن المدهش في الأمر أن المرض عوض أن ينقرض بدأ
يعرف، في السنين الأخيرة، عودة مظفرة. مما يطرح سؤالا عريضا حول نية وزارة
الصحة الإبقاء على المرض من أجل الحصول على المزيد من الميزانيات السخية من
المنظمات الدولية.
عندما تقول وزيرة الصحة في البرلمان إن ضميرها مرتاح لأن المواطنين
المغاربة استعادوا ثقتهم في وزارة الصحة، فإننا نطرح على سعادتها سؤالا
واحدا وبسيطا: هل سكان مناطق تافيلالت والراشيدية سيثقون في وزارتها وهم
يرون كيف أن سعادتها تنفجر ضاحكة وهي تتحدث عن أعراض مرض خطير يأكل جلودهم
كل يوم؟ أشك في ذلك.
على ياسمينة بادو، إذا أرادت أن يستعيد سكان هذه المناطق ثقتهم في وزارتها،
أن تأخذ الطائرة وتقوم بزيارتهم في مداشرهم وقراهم، وستكتشف واحدة من أنظف
مناطق المغرب، ليس بسبب وعي متقدم بالبيئة، ولكن بسبب الفقر المدقع الذي
يضرب المنطقة، إلى درجة أنهم لا يرمون شيئا في القمامة. ستكتشف سعادة
الوزيرة أنه حتى عظام التمر لا يتم رميها هناك، بل يتم طحنها وعجنها بالماء
لإعطائها علفا للبهائم، فبسبب الفقر يعجز الفلاحون هناك عن اقتناء العلف
لبهائمهم.
«باقي فيك ما يضحك مزال»؟
التعليقات
عندما يختلط التبحليط بالتحليلات المختبرية نشره rachidoc1 يوم جمعة, 07/16/2010 - 00:40.
ربما يكون المغرب من بين الدول الوحيدة على وجه هذه البسيطة التي
تسند وزارة الصحة لمحامية تعرف التبحليط في قاعات المحاكم أكثر مما تعرف
أسباب بوصفير فما بالك باللشمانيا و أفلونزا الخنازير.
عندما تسند الأمور الطبية لمحامية فانتظر من العدول أن يصبحوا مساعدين
لجراحي القلوب المفتوحة.
لم يسبق لي أن سمعت بطبيب تولى وزارة العدل أو الأوقاف. لكني رأيت بأم عيني
محامية ضاحكة تحفظ فصولا متناثرة تتولى أمور المرضى.
ياسمينة و الحشرة نشره amal boumaaza يوم جمعة, 07/16/2010 - 04:02.
صراحة لتوي أنشأت حسابا في هذه الجريدة,ولاول مرة وانا أملا خانة
البلد توقفت أفكر وإستغربت لنفسي هل اختار المغرب الذي أصرح به دائما في كل
الاختيارات ام الولايات الامريكية التي أسكن فيها لمدة خمس سنوات,قررت
اختيار أمريكا والفضل لهذا العمود والمعلومات القيمة والثمينة التي يزودنا
بها.في الحقيقة لا أعرف لماذا هذه اللامبالات من الحكومة ,وهل المطلوب منا
كمواطنين البحث عن منافذ او سلطة أجنبية للوقوف على مايحصل في البلاد
وإجبارهم على تطبيق أقل ما يمكن ان يطبق والذى يعتبر من البديهيات في كل
بلاد العالم.
شكرا جزيلا على عملكم
فاقد الشيء لا يعطيه نشره سعد يوم جمعة, 07/16/2010 - 07:01.
أخي الكريم رشيد , تحاسب المسكينة على كل صغيرة وكبيرة في مجال
الصحة , و المحامية '' المتجملة'' لا تعرف من الطب إلا اسمه فكيف لا تريد
منها أن تضحك وهي تسمع أسماء أمراض قدي يخيل لها أنها أسماء شخصيات كرتونية
للصغار.
إن الداء الذي أصاب ياسمينة بادو لهو داء عضال إسمه الجهل بالعلم والحال
, فحتى تشفى منه فلا رجاء في شفاء أهل تافيلالت و غيرها من مناطق المغرب
الغير النافع.
والله المستعان