[rtl][size=32]المجتمع المدني: محاولة تعريف وتحديد[/rtl][/size]
[rtl] عبد الحي أزرقان[/rtl][rtl]يمكن القول إن المجتمع المدني هو ذاك الإطار الاجتماعي الخاضع لنظام معين ينضبط له الأفراد المكونون له، دون أن يتم ذلك نتيجة سلطة قهرية. حيث يلتزم الفرد بمجموعة من الضوابط في سلوكه اليومي بشكل إرادي نظرا للاقتناع الذي يحصل عنده بأهميتها بالنسبة للسير الجيد للحياة الجماعية التي توافق إلى درجة كبيرة مصالح الفرد المنتمي إلى هذا المجتمع وأهدافه وطموحاته. وبثبوت هذا النظام داخل المجتمع المدني يمكننـا القول إنه يتمتع باستقلالية نسبية عن المؤسسات المشكلة للدولة، لأنه لا يتوقف عليها دائما في مواصلة سيره والحفاظ عليه. كما يتمتع باستقلالية أيضا عن الأهواء والميول الفردية، لأنه يتوفر على كامل الحصانة كي لا يتزعزع مع ظهورها ولكي يقف في وجهها لدحضها. قد يقال طبعا إن كل مجتمع يتوفر بالضرورة على هذا النظام الداخلي الذي لا يحتاج إلى تدخل الدولة للحفاظ عليه، كما أنه يتغلب على تلك المبادرات الفردية الـهادفة إلى خلخلته، والناجمة عن النزوات والأهواء. يتوفر كل مجتمع بالضرورة على العنصر الضامن لنظامه يصطلح عليه على العموم، بعد دوركهايم، بالقهر الاجتماعي. فهل المقصود بالمجتمع المدني توفر هذا العنصر، أي القهر الاجتماعي الضامن للسير التلقائي للمجتمع ؟[/rtl]
[rtl]لا يمكن القول بـهذا الترادف لأن ما يميز المجتمع المدني لا ينحصر في حصول عنصر القهر الاجتماعي. وتكمن المسألة الأساسية في المجتمع المدني فيما عبرنا عنه أعلاه باستقلاليته النسبية عن الأفراد وعن مؤسسات الدولة. إنه يعبر عن تطور مجتمعي تصبح فيه العلاقات الرابطة بين العناصر الفردية تراعي مصالح كل هذه العناصر بدون استثناء، بل وتسمح لـها بالمساهمة في فحص هذه العلاقات وتطويرها وتغييرها. إذ يمكن لكل تشكيلة اجتماعية أو فئة أو جهة، المساهمة في تسيير وسطها، فتتعدد بذلك مراكز القول والفكر والفعل. الشيء الذي يسمح بالحديث عن المساواة داخـل المجتمع المدني. وربما كانت هذه المساواة هي العنصر الأساسي المكون له، والمميز له عن المجتمعات القائمة على القهر الاجتماعي وحده. صحيح أن مفهوم المساواة خلق ويخلق أسئلة كثيرة تذهب إلى حدود نفيها، أو على الأقل إلى البرهنة على حمولتها التضليلية أو الإيديولوجية. غير أن التساؤلات والانتقادات التي واجهتها فكرة المساواة عبر التاريخ لا يمكنها أن ترقى إلى مستوى المبرر لتجاوز المفهوم حينما يتعلق الأمر بالمجتمع المدني.[/rtl]
[rtl]حقا إن فكرة المساواة فكرة قديمة في تاريخ البشرية، ويمكن القول بكل سهولة إن أي مجتمع يقر، بالضرورة وبشكل صريح، بمبدأ المساواة بين أفراده أمام هيئة معينة. فالمجتمعات البدائية تقر بمبدأ تساوي أفراد العشيرة أمام آلـهتها، وأمام شيوخها، كما أن المجتمعات المتطورة يتساوى أفرادها أمام مشرعي قوانينها والساهرين على تنفيذ تلك القوانين. وهناك مجتمعات أخرى يتساوى أفرادها أمام خالقها وخالق الكون الذي تقطنه، وأخرى تتساوى أمام القانون، وأخرى تتساوى على المستوى الاقتصادي، لأنه هو المستوى الحق الذي يستدعي المساواة، أو المستوى الحق الذي تصبح فيه المساواة ذات معنى. إن المجتمع الذي لا يقر بالمساواة بين أفراده، في جانب معين في الحياة الإنسانية، مجتمع زائل بدون منازع. إذ يبقى السؤال الخاص بالمساواة التي نتحدث عنها بصدد المجتمع المدني مطروحا ومشروعا.[/rtl]
[rtl]سنعمل على ذكر مجموعة من النقاط التي تجعل في نظرنا فكرة المساواة التي يدافع عنها منظرو المجتمع المدني أكثر مصداقية وأكثر مشروعية من تلك التي نجدها في المجتمعات الأخرى ذات الطابع العشائري أو الديني أو الاقتصادي. وربما كانت المفارقة التي تطبع المساواة السائدة داخل المجتمع المدني هي أساس مصداقيتها ونجاعتها. ونتحدث هنا عن المفارقة لأن الأمر يتعلق فعلا بمساواة صورية (تساوي الأفراد أمام القانـون) ما دام الأفراد يتساوون أمام مجموعة من القواعد والمسطرات.(1) غير أن هذه الصورية قادرة على إعطاء نتائج ملموسة وإيجابية لا تتمكن غيرها من المساواة من تحقيقها حتى ولو تعلـق الأمر بالمساواة الاقتصادية.[/rtl]
[rtl]إن أهم خاصية تميز المساواة داخل المجتمع المدني من غيرها هي قيامها على علاقات تنسج بالدرجة الأولى على مستوى أفقي، كما أن تطورها يرتبط بالدرجـة الأولى بإحلال العلاقات الأفقية محل العلاقات العمومية، قصد وضع نـهاية لـهذه الأخيرة أو على الأقل تقليصها إلى أقصى حد. وهذا يعني أن المجتمع يوجد في مستوى واحد، ولا يمكن لأي فرد من أفراد المجتمع أن يدعي تفوقا معينا في مجال معين يسمح له بالانفراد بامتيازات معينة، وباحتلال مراتب خاصة به دون غيره. كما لا يمكن لفرد من الأفراد الشعور بتدن ما لا يسمح له سوى بالخضوع لمن يفوقه مكانة، وبتلبية أوامر من نشأ مؤهلا لذلك، وبخدمة حاجيات وطموحات من جعلته الطبيعة أو القدر أو التاريخ الخ… أهلا للسيادة . لا نقصد هنا طبعا غياب مثل هذه المفاهيم كليا ، أي الأوامر و الامتثال والسيادة . إنها تظل قائمة في إطار المجتمع المدني بشكل لا يثير أدنى شك . غير أن هذه المفاهيم نجدها هنا تقوم على أسس مغايرة لتلك التي نجدها في المجتمعات التي لا ترقى إلى مستوى المدنية. ما هي إذن نتائج سيادة المستوى الواحد، أو المستوى الأفقي، في تنظيم العلاقات داخل المجتمع ؟[/rtl]
[rtl]ـ أولهما يكمن في القضاء على عنصر القرابة كأساس للتنظيم المجتمعي ، و بالضبط كأساس لتصرفات الفرد إزاء الآخرين وإزاء المؤسسات المكونة لمجتمعه . حيث لا يسمح الانتماء العائلي ، من حيث المبدأ ، بتوجيه حاجيات الفرد و أهدافه وطموحاته. فالعائلة لا تؤهل أفرادها لامتيازات معينة أمام ما يعتبر داخل المجتمع مجموعة من الضوابط تلعب دور الأسس اللازمة لضمان النظام و التوازن . و بقدر ما أن العائلة لا تؤهل فإنها أيضا لا تحرم أفرادها من الاستفادة بكل ما تسمح به هيآت المجتمع من خدمات وضمانات و امتيازات . هكذا تتميز إذن المساواة التي يقوم عليها المجتمع المدني عن تلك التي تنادي بها المجتمعات التي تبقي على التمييز العائلي . فنحن نعلم ، والتاريخ مرجعنا في هذا الباب ، أن كثيرا من المجتمعات تقر فعلا بتساوي أفرادها أمام مؤسساتها، و لكنها تحرص كل الحرص على أن تكون عائلات معينة هي التي تتحكم في الاقتصاد ، و أن تكون أخرى هي وحدها التي تنفرد بما يخص الحكم . كما أنها تذهب إلى جعل العنصر العائلي أساسا في مجال الحصول على المعرفة . و يطلعنا التاريخ أيضا على مجتمعات كانت تنادي بالمساواة أمام الإله ، و لكنها تحرص في الوقت ذاته على إدراج العنصر العائلي كأساس للتمييز في هذا الإطار أيضا لتجعل عائلات معينة تحتل مرتبة أفضل من غيرها فتمنحها امتيازات في علاقتها بالكائن الإلهي ، و من ثمة في علاقتها بباقي العائلات المكونة للمجتمع . و إذا كان التاريخ القديم هو الذي يمدنا بهذه النماذج من المجتمعات ، فإن التاريخ المعاصر يقدم لنا أمثلة من المساواة التي هي مجرد شعارات يكشف الواقع المادي عن زيفها . و خير مثال في هذا الصدد هو ما عبرنا عنه أعلاه بالمساواة الاقتصادية . فكم من مجتمع بلغ فيه التنظير للمساواة الاقتصادية أوجه ، و عرف فيه التنظيم تطورا هائلا ، و لكنه ظل مع ذلك بعيدا عن طموحاته لأنه أعطى و يعطي مكانة لأفراد (ثم عائلات) جعلتهم يتمتعون بظروف مادية خلقت بينهم وبين من يمثلون من المجتمع هوة يمنع عمقها حصول أدنى درجات المساواة بينهم في مختلف مجالات الحياة . هكذا ينقلب هذا النظام بدوره من مستوى أفقي إلى مستوى عمودي ينتفي فيه المستوى الواحد لأفراد المجتمع. لهذا ركزنا أعلاه على مسألتين أساسيتين في المجتمع المدني : التوصل إلى إرساء المستوى الواحد (المستوى الأفقي) ، ثم إنجاز التطور دائما في إطار هذا المستوى الواحد ، أو الحفاظ على التطور في إطار المستوى الأفقي .[/rtl]
[rtl]ـ و تكمن ثاني نتائج سيادة المستوى الواحد داخل المجتمع المدني فيما يمكن تسميته بإعادة الاعتبار للفرد و من ثمة للإنسانية كقيمة أخلاقية . إن الطعن في العلاقات العائلية كأساس للتنظيم المجتمعي يؤدي إلى إعطاء الأهمية لكل الأفراد المكونين للمجتمع، إذ ننتقل من التمييز بين الناس من عنصري الأصل و الدم المنحصرين في العائلة إلى عناصر أخرى ذات طابع شمولي ، لأنها تتجاوز العائلة نحو الطبيعة (كالقدرات ، و المؤهلات الطبيعية عند الفرد ، و مدى ترجمته لهذه المؤهلات على مستوى الواقع المادي ، أي على مستوى العمل). و بهذا يكون المجتمع المدني أكثر خصوبة و أكثر غنى من غيره من المجتمعات لأنه يسمح لكل طاقاته بالمساهمة في الفعل والفكر و ذلك في مختلف المجالات . فلا يمكن حرمان فرد ما من ممارسة نشاط إبداعي معين ، كما لا يمكن حرمانه من ولوج مجال معين إن هو برهن على امتلاكه لما يقتضيه المجال من تجربة و معرفة . إننا نتجاوز هنا النقاش السائد بصدد هذه النقطة و الذي يساهم في عرقلة تطور المجتمع المدني أكثر مما يفتح آفاقا جديدة . صحيح أن المؤهلات الفردية لا تتوقف عند حدود الطبيعة لأنها سرعان ما تنمو أو تنطفئ كليا ، و ذلك حسب المحيط الذي يترعرع فيه هذا الفرد . فإذا كان الفرد ينتمي إلى وسط ميسور مثلا فإن مؤهلاته ستعرف تطورا مرموقا، و من ثمة ستسمح له بالتسلق في السلم الاجتماعي للاستمرار في الانتماء إلى العائلات الغنية . و إن كان ينتمي إلى عائلة فقيرة فإن هذه المؤهلات تتحول إلى مصدر إحباط لأن صاحبها لا يتوفر على الشروط المناسبة للذهاب بعيدا فيما هو مؤهل إليه طبيعيا ، فيستقر بذلك في إطار طبقته كي يكرس وضعا لا مجال للحديث فيه عن المساواة . لقد كانت هذه الملاحظة أساس التوجه المنادي بالمساواة على المستوى الاقتصادي و الطعن كليا في فكرة التفاوت الطبيعي . إننا لا ننكر فعلا أهمية هذه الملاحظة ، و لكن لا ينبغي التسليم بصحة النتائج عند صحة كل ملاحظة . كما أنه لا ينبغي أن تمنعنا صحة ملاحظة معينة من إمعان النظر و تعميقه في الموضوع الملاحظ . هناك عنصر إيجابي في نظرنا لا يجب إغفاله حينما نتحدث عن المجتمع المدني ، و عن تركيزه على المؤهلات الطبيعية ، و عن إعادة الاعتبار للفرد ، ألا و هو إقصاء عنصر القرابة بشكل واضح كأساس للتنظيم الاجتماعي ، و بهذا يكون في استطاعة الفرد ، رغم كل ما يمكن قوله عن الظروف المادية ، التحرك من فئة لأخرى ، و من وضعية لأخرى . و نعتقد أن الغافل لأهمية هذه النقطة لا يدرك عمق مبدأ التحريم الدموي، أي منع مجموعة من المجالات داخل المجتمع ، على من ينتمي إلى مجموعة من السلالات ، و من ثمة فهو لا يقدر الخلل الذي يعاني منه المجتمع نتيجة هذا التمييز.[/rtl]
[rtl]إن المجتمع الذي حصل فيه التطور إلى مستوى المدنية هو أيضا مجتمع المسئولية. و إذا كان الاستحقاق هو أساس التسيير في إطار المجتمع المدني فإن المسئولية تشكل بدورها إحدى القواعد المتينة لضبط التسيير ، و هي في الحقيقة عبارة عن نتيجة عكسية للاعتراف بالاستحقاقات الفردية . ثم إذا كان من حق الفرد مزاولة كل نشاط تخوله له مؤهلاته فإن من واجبه أيضا التزام الحدود التي يرسمها له الإطار الذي يتم فيه النشاط . فسواء أتعلق الأمر بالاقتصاد أو بالسياسة يكون الفرد مجبرا على الامتثال إلى كل القواعد المنظمة لهذين النشاطين . و تأتي هنا مسألة إيجابية و ثمينة جدا لا ينتبه إليها منتقدو المساواة ، الذين لخصنا فكرتهم أعلاه ، و هي تساوي كل الأفراد و كل الجهات في امتثالها إلى القواعد التنظيمية . فلا يمكن للانتماء العائلي و لا الفئوي أن يخول لصاحبه المس بالقواعد المنظمة . فالتوصل إلى هذا المستوى من التنظيم داخل المجتمع يعبر عن تطور فائق في مختلف بنياته . و لا يقر المجتمع في هذه الحالة بتساوي الأفراد في الفضيلة فحسب ، و إنما يقر كذلك بتساويهم في الرذيلة أيضا . و إذا كان يعتبر أن الانتماء العائلي أو الطبقي لا يعفي من الامتثال للقواعد العامة المنظمة للمجتمع فذلك معناه أن الإنسان المنتمي إلى ما يسمى بالعائلات الراقية يميل بدوره إلى اللامسئولية و الفوضى و الظلم و الشر . بمعنى آخر إن الحصانة فردية و اجتماعية ، و حتى إن كانت لديها مصادر أخرى فإن المجتمع لا يعتمد عليها في سيره . و تفيد الحصانة الفردية انحصارها في المسئولية التي يحملها الفرد على عاتقه ، و توقفها عند حدود ما لديه من وعي و ثقافة و أخلاق . و يفيد طابعها الاجتماعي سهر المجتمع ، من خلال القوانين التي يسنها ، على ضمان الاستقرار و الاطمئنان و السير العادي لبنياته . و ما دام هناك تساو في المسئولية فلابد أن يكون هناك تساو في المتابعة الخاصة بالتخلي عن المسئولية أو تجاوزها . إن مصير المستهتر بالقانون و المتلاعب به واحد ، سوء أتعلق الأمر بالغني أو بالفقير ، بالمدني أو البدوي ، بالعالم أو بغير العالم .[/rtl]
[rtl] نسجل مرة أخرى تجاوز المجتمع المدني لعنصر القرابة في تصديه لمن استخف بنظامه ، و من هنا يأتي الطابع الدائري لمراكز المراقبة بداخله . فكل مراقب يخضع لمراقب آخر بجواره . و يعمل المجتمع المدني على الإكثار من مراكز المراقبة و لكن هذه المراقبة تكون دائما في مستوى أفقي و ليس عموديا . إن الناظر من فوق يمكنه دائما خلق امتياز لنفسه و تستير جوانب من مركزه تتسع مع مرور الوقت لتطمح بذلك إلى الانفالات من المراقبة ، و الانفراد من ثمة بالتسيير . أما المراقبة التي تتم على المستوى الأفقي فإنها تتنافى مع هذا المنحنى لأن المراقب يظل دائما واضحا بالنسبة للمراقب الآخر، وهكذا دواليك . هذا بالإضافة إلى أن المراقبة تظل ، حينما تكون أفقية ، ذات طابع جماعي . إنها لا توكل لفرد بعينه وإنما لمجموعة بأكملها . فبقدر ما تؤدي المراقبة التي تتم عموديا إلى القهر و الاستبداد و الدكتاتورية بقدر ما تؤدي المراقبة التي تتم أفقيا إلى التعاضد و الالتحام و الديمقراطية .[/rtl]
[rtl]يبقى أن نشير إلى نقطة أخرى بالغة الأهمية تتحقق داخل المجتمع المدني و هي التطور العرفي . فإذا كان التنظيم داخل المجتمع المدني يعتمد على تعميق المستوى الأفقي فإن هذا الأمر يجعله يعطي أهمية بالغة للجانب المعرفي . و إعطاء الأهمية للمستوى الأفقي لا ينفصل عما يسميه الفلاسفة بمبدأ المحايثة . لقد كان الفلاسفة منقسمين دائما عبر التاريخ إلى صنفين : صنف يبحث في تفسيره للوجود و الإنسان عن مبادئ متعالية ، و صنف يبحث عن معنى الكون انطلاقا من مبادئ محايثة؛ بمعنى أن هناك صنفا يستمد قوانين التسيير من خارج الكون ، وصنفا آخر يستمدها من داخل الكون. و ما دام أن التأمل الفلسفي لم ينفصل أبدا عن الفعل الإنساني فإن القوانين المتوخاة كانت تعني كذلك هذا الفعل الذي يشكل التنظيم الاجتماعي محوره الأساسي . إن الاعتماد على مبدأ المحايثة يجعل الدارس لقوانين المجتمع يعمق نظرته باستمرار عبر تمسكه بالجزئيات المكونة لهذا المجتمع ، دون تفضيل مستوى على سواه ، و دون تفضيل جانب على غيره . إنها تجعله يتتبع السير الفعلي للأحداث و الظواهر ليرصد ما لعب أو ما يمكن أن يلعب الدور الحقيقي في التسيير و التوجيه . و لا أحد يمكن أن ينكر الطابع التجديدي و التطوري لهذا النوع من النهج المعرفي ، لأن ارتباط صاحبه بما هو كائن يجعله يتتبع باستمرار التغيرات الطارئة على المستوى الواقعي للأحداث . ثم إن الدارس و الفاعل معا يقتنعان بكون المعرفة الملازمة للتطور الحقيقي للأشياء مسألة أساسية للتمكن من مسايرة هذا التطور .[/rtl]
الأربعاء فبراير 10, 2016 7:20 pm من طرف عزيزة