[rtl]ترجمة: محمد العرابي [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]«لا شيء يكون مغلقاً أمام من يُقرُ ببساطة بالشروط المادية للفكر».[/rtl]
|
Andre Masson, Removal |
[rtl] بنفس الحركة الواثقة والعقلانية يستبعدُ الإنسانُ السويُّ، الإنسانُ المثقف دفعةً واحدةً الموتَ والكتابةَ والتصوفَ والحيوانَ غير المدجَّن، والفجورَ. وبشكل عام، يؤسِّس الإنسان الرصينُ والعاقلُ حياته على الوعي بانقطاع يضمن وجوده الخاصَّ داخل مجتمع مدنَّس، تحظى فيه بالمقابل مفاهيمُ الفرد والموضوع بتوصيفات التقديس. من جهاز إلى آخر، ومن شيء إلى آخر، يلحقُ الشَّرخ الهويةَ المنفصلةَ، الإيمانَ بالحرية، امتلاكَ الذَّات، مصادرةَ الشيء غير العضوي، التشظي في إطار العائلة والشخص. لنمعن النظر مثلا، في المشهد الحضري الذي نجد أنفسنا من الآن فصاعدا محاصرين داخله: إنه عبارةٌ عن أكوام منْ علب متراكبة أو متحركة فوق عجلات لا تزيد الانفصال الجسدي إلا تفاقماً، مقدمةً إيَّاه في شكل إخراجيٍّ يمعمِّم العزلة. والمكان الذي سيشهد نهايتنا، أي المقبرةُ، يَصل بهذه المنظومة إلى غايتهاـ ولا شيء يصدمنا أكثرَ من نَبش القبور، وانتهاك الموتى. وهذا ما أدركته الحركات الثورية، حين عمدت من بين أوّل أعمالها، إلى المساس بهذه المحاكاة الساخرة للخلود اللصيقة بهالة الموت: هكذا عرَض الشعب في إسبانيا عظام رجال الدين؛ فيما تمَّت في بكين إعادةُ تعميد وتسمية أكوام البقايا البشرية الغربية، باعتبارها رموزاً للاستعمار. وهذه الأعمال لا يمكنها إلا أن تَصدم وعياً منظماً، ومدجناً، وتقوِّض الاطمئنان الذي اختار الإنسان الغربي أن يتحصَّن داخله. كما أنها تؤدي إلى نوع من التدنيس الجذري الذي يُعيد مساءلة واقعٍ عُدَّ غير قابل للمساءلة، ومن ثم تحويله إلى مشهد وإلى خيال وإلى تميمة تُقدم إذن محرومة من المعنى.[/rtl]
[rtl] إن العبور من المنقطع (الخاص بعالم حامل للدلالة مشكَّل من أفراد وأشياء) إلى المتصل (المتجلي من خلال الموت، والعنف والثورة) يستعيد اللعبة الأساسية للمنع (l’interdit) والانتهاك (la transgression). فتاريخيا اعتبرت كل من الحيوانية والتضحية والنزعات الدينية الباطنية، وما سمي بـ الجنون أو بـ الإيروسية [بيد أن هذه الكلمات لم تعد من قاموسنا]، وأخيراً الاستعمال اللامتناهيَ للغة [الأدب] وإن كان ذلك يحتاج مزيد إيضاح، اعتبرت حتى وقتنا الحالي مؤشرا على الأمكنة المثالية لهذا العبور المتواصل والغامض.[/rtl]
[rtl] ونقر بمساهمة جورج باطاي في إعادة التناول والدراسة المنهجية للروابط الموجودة بين هذه الحركات. بهذا المعنى تختطُّ مؤلفات الإيروسية والنصيب الملعون (الحصاد التطبيقي لمؤلف: التجربة الداخلية) مساراً فكرياً لم يكتمل بَعد، مساراً سريعاً ومُحرقا لاقتصاده نفسه. «ألمح في مجموع هذه الحركات، يكتب باطاي، تشنُّجاً يعرِّض الحركة الشاملة للكائنات للخطر»: نعرف بأنَّا مدعوُّون لأن نصبح هذا التشنُّج الشمولي، ومع ذلك يبقى لنا جانبٌ نتمكن من خلاله ليس من احتوائه أو رؤيته، ولكن من تحديد مداه الحقيقي. ونظراً لوجودنا، من دون شك، في عالم يُحتضر، وباعتبارنا هذا التكرار المُنحطّ الذي يحتضر: فما زال في جُعبة الموت الكثيرَ ليُخبرنا به، هنا، والآن، في هذا الزمن الشائخ، المُتخم والمسدود.[/rtl]
[rtl] يعتبر كتاب الإيروسية كتاباً واضحاً. ولكنه أيضا كتابٌ مِلحاحٌ وتكراري، بحيث لا تعلن أطروحته عن نفسها، على ما يبدو، بسبب بساطته البالغة. ينبغي ألا يُنظر إليه فقط، بكيفية سطحية، على أنه مجرد مرافعة لصالح الانتهاك أو الخرق. ولتشكيل الرؤية العامة المقترحة هنا من طرف باطاي، ينبغي الانطلاق من المعطى الأساسي للعلاقة منع/خرق، بإعطاء الكلمتين نفس القيمة، مع التنويه بكل ما يقتضيه ذلك من وضوح بأن هذا الزوج لا يكتسب دلالته إلا في علاقة أحد طرفيه بالآخر. بيد أن الصعوبة تكمن فيما يلي: مع نزوع كلمة انتهاك لمحو وإقصاء كلمة منع [في مجتمع فقد المنع كل قيمة لديه] يصبح من الواجب البدء بإعادة الاعتبار للمنع، وهذا في مستوى اقتصر على جورج باطاي وحده، لكنه سيغدو منذ اللحظة ـ في وقت يتزامن فيه التراخي والانقباض الذي تتعرض له ثقافتناـ الميدانَ الذي سيجري فيه بالنسبة لنا مصير الفكر اليقظ. وهذا المستوى، في كتابة باطاي، هو مستوى التقابل الظاهري خطاب/صمت ولما يمكن فهمه من الكلمات الملتبسة لـ التجربة الداخلية. نقطة واحدة تظل في حاجة إلى تفصيل.ـ وستبقى ربما كذلك.ـ وكل الجهد ينبغي أن يتوجه صوب هذه النقطة أو بالأحرى نحو هذا «السقف من الهيكل، ومن سيفتح عينيه جيداً من علو هذا السقف، دون أن تكدِّر رؤيته حبّةٌ من الخوف، سوف يرى العلاقة بينها من كل الزوايا المتقابلة». ومفهوم السقف لا تختزله النقطة المثالية التي يحددها بروتون «كنقطة الفكر التي نكفُّ فيها عن النظر إلى الحياة والموت...الخ. في تناقضهما» بالمعنى الذي لا يجعل المسألة متعلقة في هذه اللحظة بفكر أو برؤية، بل وبشكل أكثر مادية، بـ فضاء وبالأخص بعلاقات، لأن الفرق جوهري بين الصيغتين [وهذا ما يمكننا دون شك، من فهم كيف يوجد كل من باطاي وبروتون على النقيض من هيغل]. وبالفعل لن تعود المسألة هي مجرد: ماذا يمكننا أن نراه من موقعنا على السقف؟ ولكن أيضا: ما هذا السقف في حد ذاته؟ واستطراداً: كيف يُعقل أن أحداً من حيث المبدأ لم يشغل نفسه بالتفكير بوجود سقف؟[/rtl]