[rtl]ترجمة: محمد العرابي
[/rtl]
[rtl]»يمكنه أن يمضي قدُما لأنه يسير في السرّ«[/rtl]
[rtl]إيجيتور[/rtl]
[rtl]القطيعة[/rtl]
|
A.Renoire: Portrait of Stephane Mallarme |
[rtl]مرآوية مالارميه لو ساءلنا تاريخ الأدب على مدى مائة عام تقريباً، فإن ما يصدمنا أولاً، هو التعقيد واللبس المميزين لتجربة بعينها، تمتاز فضلاً عن حقيقة كونها تشكل فضاء أدبياً جديداً، وخبرة مكتسبة، وتواصلاً يعرف تحولات عميقة، فهي أيضاً تفكيرٌ يأخذ مكانته داخل مجموعة من النصوص، يدفعها إلى انفتاح لا نهاية له انطلاقاً منها ذاتها.[/rtl]
[rtl]فكيف نحدد هذه الوضعية؟ وهل يقتضي ذلك إيجاد "بلاغة جديدة"؟ أم هل يقتضي الأمر- إذا كانت البلاغة تحمل رواسب ثقافية تمتد إلى ألفي سنة تعود إلى العالم الإغريقي اللاتيني-من كلام مشترك، قانوني وإقطاعي- ظهور شيء مختلف في جذريته، شيء يكون مرتبطاً بتأمل تزداد إلحاحيته مع توالي الأيام منصب حول الكتابة يقترح فيلسوف كـ جاك دريدا، في نص حديث وعمدة، تسميته بعلم النحو(grammatologie)؟[/rtl]
[rtl]وفي كل الأحوال فالغالب أن النشوء الواعي لمفهوم الأدب [الذي يمكن موقعته تحديداً في النصف الثاني من القرن19 بدورانه في فلك الحركة الرومنسية، وحول أسماء كـ فلوبير،بُّو، بودلير] لا يزال بالنسبة لنا في جزء كبير منه غير مفهوم.[/rtl]
[rtl]في كوكبة من الأسماء تضم لوتريامون، رامبو، رايمون روسل، بروست، جويس، كافكا، السوريالية وما تولد عنها أو في علاقة معها، يحتل مالارميه، في رأينا، مكانة محورية ويحتفظ في آن بمسافة متساوية تبعده عن كلّ الآخرين. هذه الكوكبة لا يعوزها الانسجام كما يسود الاعتقاد للوهلة الأولى: إنها تمتدّ على خلفية فلسفية وجمالية مقوّضة من لدن كل من ماركس، كيركيغور، نيتشه، وفرويد [ولاحقاً من طرف اللسانيات]، ومن لدن ماني، سيزان، فاغنر، دوبوسيه -خلفية تحيل هي ذاتها على تحول علمي، اقتصادي، وتقني لا سابق له. نقول بأن مالارميه يحتل داخل هذه الحركة موقعاً مضيئاً، لأننا نعتقد بأن تجربته تعدّ الأكثر وضوحاً وتميزاً من بين التجارب الأخرى التي تناولت اللغة والأدب، وطرحهما المتبادل للنقاش والنتائج المترتبة عن ذلك.[/rtl]
[rtl]وسنحاول هنا أن نقارب القصدية المترتبة عن هذا النقاش: القصدية التي تعطي فعل كتبَ بحسب صيغةرولان بارث، وظيفته غير المتعدية، والكشف من خلال القراءة عن معنى في غاية الحَرفية، وأن نحدد على وجه الإجمال، من خلال سلسلة من الإشارات التطبيقية والنظرية، أسطورة متماسكة تعدّ مرآة لواقعنا في مجموعه.[/rtl]
[rtl]إن تجربة مالارميه المتماثلة والمختلفة في آن عن تجربة دانتي [«الهدم كان رديفاً لبياتريسيا محبوبتي»كما كتب في إحدى رسائله]، يمكن اختصاراً تحديدها كفعل منتج ونقدي يدور في فلك رمزية الكتاب [حول نهاية الكتاب وغيابه] والكتابة: هذه النزعة الرمزية التي طالما أُهملت، يبدو أنها تنبثق معه بشكل مختلف وجديد. وهذا لا يعني أن صفة "رمزي" التي أعطيت عموماً لفئة من الشعراء الفرنسيين الصغار تنطبق عليه أقلّ مما تنطبق على أي شاعر في العالم، وإن أصبحت صفة "رمزي" صفة قدحية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأدب، بمعناه الضيق، وتحيل لاحقاً على مفهوم بالٍ، منغلق، مثالي، وأدبي بأسوأ معاني الكلمة، وتجلياً لنزعة الانحطاط الجمالي، باختصار، فهي ما ينبري كثيرون بدافع سوء نية مقصود ليجدوه عند مالارميه، باجتزاء مقاطع من أشعاره تكون فيها عيوبه ظاهرة للعيان. من البديهي أن هذه الوضعية لا تستقيم بغير سوء النية، أي سوء نية يشترك فيها عن قصد، إذا أمكننا القول، كل الذين يريدون بشكل موضوعي اختزال مالارميه في وضعية شعرية، بأن يجعلوا منه شاعراً، متصنعاً بدون شك ولكنه شاعر. وفي رأينا فـ مالارميه يصعب اختزاله في نمط من الثقافة لا يزال سائداً في مجتمعنا، يؤمن بجدوى التصنيفات المتآكلة. على العكس فهو يعتبر بالنسبة لنا أحد التجريبيين لـ «هذه الحركة الأدبية الجموحة التي لا تعاني من التمايز بين الأجناس و تريد كسر الحدود» [بلانشو]، حركة يتوجب علينا فهم مدلولها وغايتها، وسائلها وأهدافها الغامضة، إنها الشرخ والامتلاء اللذان يخاطباننا شرط أن نتخلى عن تحنيطهما في فكر هو الآن منسوخ و منبوذ.[/rtl]
[rtl]و فيما يرى فيه البعض" إخفاقاً"، نهاية، جانباً مستنفذاً، نادراً و آفلا نحسّ نحن على العكس بداية متجددة، نداء، شيئاً صلباً، المجهول و الخطر نفسه.[/rtl]
[rtl]إن "مسألة مالارميه" تشير اليوم إلى ماض و مستقبل، أو بالأحرى إلى هذه اللحظة من الزمن حيث لا يتميز الماضي من المستقبل، حيث يسهل بلوغ الماضي من كل النواحي ويبدو المستقبل مرتداً نحونا؛ هذه النقطة وهذا المنعطف التاريخي الذي يوحي بنهاية التاريخ؛ بداية العودة هذه، تنتظر منا فقط فكَّ رموز آثارها غير المتوقعة، وإنْعاشها العضوي، وإعادة تجميع وتوزيع عناصرها الأخيرة والجوهرية: بما يوحي بلمس الجوهر وإدراك الحدّ، مما يضعنا لاحقاً أمام غياب للزمن، وأمام فضاء متمنع على القبض، وكلية لا نهاية لها وإن كانت منتهية، ومنطق آخر، ووظيفة أخرى للضمير الذي لا يزال ربما فارغاً والذي استعملناه للتو: نحن.[/rtl]