[rtl]ترجمة : سعيـد بوخليـط[/rtl]
[rtl]
أخبروني، بأنه متواجد في هافانا، لكنه غير راغب كي يلتقي أي شخص، نتيجة معاناته الصحية. أعلم، المكان الذي يلتجئ إليه، غالباً: بيت ريفي منزوي، بعيداً عن مركز المدينة. اتصلت بزوجته السيدةمرسيدس، فأنهت حيرتي، حين أجابتني بحرارة:[/rtl]
[rtl]- «لا، فقط كي يبتعد عن الضجيج. مرحباً بك، سيسعد غابو لرؤيتك».[/rtl]
[rtl]تحت كنف حرارة ممزوجة بالرطوبة، ولجت مسلكاً محاطاً بالنخيل، فألفيت نفسي، عند مدخل منزله الاستوائي. لا أجهل، بأنه يعاني من مضاعفات داء السرطان الليمفاوي، وخضوعه لعلاج كيميائي منهك. قيل عنه بهذا الخصوص، أن مرضه بلغ مرحلة حرجة جداً، فنُسبت إليه رسالة مؤلمة، ودع بها أصدقاءه والحياة. هكذا، خشيت أن أجدني أمام رجل يحتضر. فتحت مرسيدس الباب، اندهشت حين أخبرتني مبتسمة:[/rtl]
[rtl]- «تفضل، سيحضر غابو…، لقد انتهى للتو من لعب كرة المضرب».[/rtl]
[rtl]جلست على أريكة بيضاء، في زاوية من قاعة الضيوف، تسودها إنارة دافئة. رأيته يقترب قليلاً، وقد ظهر حقيقة في كامل لياقته البدنية. لازال، شَعره المتجعد مبللاً، وشارب متشعث، كان يرتدي قميصاً كوبياً بلون ذهبي، وسروال فضفاض جداً وحذاء من نسيج الكتان. إنه نموذج فعلي، للسينمائي الايطاليلوسينو فيسكونتي.[/rtl]
[rtl]وهو يحتسي قهوة بالحليب، أفصح إلي عن شعوره، كأنه: «مثل طائر وحشي، غادر قفصه. في جميع الأحوال، أنا أكثر شباباً قياساً مع مظهري»، ثم أضاف: «مع توالي العمر، أدركت أن الجسد، لم يتهيأ كي يستمر على قدر السنوات التي نتمنى أن نحياها». على الفور، اقترح علي: «محاكاة الأنجليز، الذين لايتطرقون قط إلى المشاكل الصحية. إنه، نقاش فظ».[/rtl]
[rtl]يرفع هبوب النسيم، ستائر النوافذ الشاسعة عالياً جداً، ثم أضحت القاعة شبيهة بسفينة عائمة. أفضيت له، بكل ما اعتقدته شكل تميزاً، لجزئه الأول من سيرته الذاتية المعنونة: "عاش كي يحكي": «إنها أفضل رواياتك». ابتسم، وهو يضبط وضع نظارته ذات الهيكل السميك، ثم قال: «بدون قليل من الخيال، يستحيل إعادة بناء التاريخ الرائع لحب والداي أو ذكرياتي كرضيع…، لا ننسى أن الخيال وحده مستبصر. أحياناً، هو أكثر صدقاً من الحقيقة. أنظر إلى كافكا أو فولكنر أو ببساطة سيرفانتس».[/rtl]
[rtl] من أقصى جانب في القاعة، تنبعث بشكل مدوي نوتات سيمفونيات "العالم الجديد" لـ أنطوان دفوراك(Dvorak)، فأضفت مناخاً مبهجاً وحزيناً، في الآن ذاته.
[/rtl]
[rtl]تعود معرفتي الأولى بـ غابو إلى سنة 1979، بمدينة باريس، عندما استضافته اليونسكو، حيث مثّل بجانب أوبير بوف ميري مؤسس جريدة لوموند ديبلوماتيك، لجنة ترأسها سيان ماكبريد الفائز بنوبل للسلام، هدفها إنجاز تقرير حول الاختلال بين الشمال والجنوب، فيما يتعلق بمختلف تقنيات منظومات التواصل العمومية. خلال تلك الحقبة، توقف عن كتابة الرواية، بمقتضى امتناع التزم به اختيارياً، مادامأوغستو بينوشي ماسكاً بالسلطة في الشيلي. لم يحصل بعد وقتها على نوبل للآداب، لكنه يحظى بشهرة واسعة، فنجاح "مائة عام من العزلة"(1967) ، ارتقى به إلى كاتب اللغة الاسبانية، الأكثر كونية بعد سيرفانتس. أذكر، أني تفاجأت لقصر قامته وانذهلت لرصانته وجديته. كان يعيش مثل ناسك، لا يغادر غرفته التي جعل منها خلية للعمل، إلا لحظة توجهه صوب مقر اليونسكو.[/rtl]
مزيد من المعلومات »