قضاة لا ساسة
حكيم الوردي
الأحد 26 يوليوز 2015 - 19:48
إذا كان الإنسان بحسب أرسطو حيوان سياسي بطبعه، فإن ممارسة القضاء لا تنسجم بداهة والغوص في أوحال السياسة أو التورط في تموقعاتها المتقلبة. دون أن يعني ذلك الحجر على العقل القضائي للتفكير في السياسة كآلية لتدبير الشأن العام القضائي، والاسهام في النقاش العمومي الرصين حول مساءلة السياسات المرتبطة بقطاع العدالة. مطمح بسيط ، معتدل، يليق بسلطة قضائية في أفق التشكل. إن إقامة تمييز واعي بين التفكير في السياسة واحتراف السياسة هو ما انتهت إليه العديد من الأنظمة المقارنة التي تحظر على القضاة المشاركة في الحياة السياسية بالترشح للمهام الانتخابية، دون أن تصادر حقهم في مناقشة القضايا الكبرى لأمتهم برصانتهم المعهودة ودون أن تكون لعقيدتهم الفكرية امتداد في ممارستهم القضائية داخل المحاكم. أما بالنسبة لجمعيات القضاة لا يتصور دفاعها عن الشأن المهني دون التعبير عن رأي اتجاه ما تنتجه مؤسستين تصنعان الحياة السياسية: الحكومة والبرلمان. فمجال اشتغال الجمعيات هو اقتفاء مدى انسجام السياسة التشريعية للحكومة والبرلمان مع التزامات الدولة حقوقيا، مع صكوك شرعة حقوق الانسان، وتنظاف بالنسبة للجمعيات المهنية في المغرب، ( نظرا لخصوصية الممارسة القضائية المستندة على نظرية النيابة عن الإمام، ) مسألة أساسية هي التنبيه لأي انحراف للسلطتين التشريعية أو التنفيذية عن التوجيهات الملكية في تدبير أمور السلطة القضائية.
إن احتراف القضاة في التطبيق اليومي للقانون يمنحهم سلطة معنوية مفيدة للحكومة والبرلمان لصياغة نص جيد سليم من الأعطاب. لذلك لم يكن من قبيل الممارسة السياسوية أن تدعو وزارة العدل القضاة والجمعيات المهنية للحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، متلما لم يكن من قبيل التأثير على استقلالية القرار التشريعي مرافعة ممتلي الجمعيات في لجنتي العدل والتشريع حول القوانين التنظيمية. إن المجازفة بتهديد مستقبل نتائج العمليات الاستحقاقية بتصريحات منفعلة، نابعة عن إخفاق في تنفيذ أجندة سياسية لاعتبارات سوء تدبير النقاش حول قوانين مصيرية، لا يمس بسمعة السلطة القضائية فقط ولكن يضعف سلطة الحكومة، ويشكك في جهود الدولة، ويمنح لخصوم المملكة في الخارج ما يسعفهم على التشهير بنا في المحافل الدولية، ويهدم كل التراكمات الايجابية التي حققتها ديمقراطيتنا الفتية.
لا يمكن لعاقل أن يصدق ما جاء على لسان الدكتور بوانو من تواطؤ بين نادي قضاة المغرب والبام، ومن احتمال تهديد ذلك للاستحقاقات المقبلة، لأسباب يعرفها الدكتور قبل غيره، فالانتخابات التي كلف صاحب الجلالة رئيس الحكومة السيد بنكيران بالإشراف عليها هي من مهام وزارة الداخلية بدءا بالقوانين، ومرورا بالتقطيع الانتخابي، فالترشيح والتصويت ثم الإعلان عن النتائج، في حين لا دخل للقضاء في هذا المسار، اللهم ما تعلق بتنقيح اللوائح الانتخابية ثم تحريك الدعوى العمومية في شأن الجرائم التي تمارس بمناسبتها، فالبت في الطعون، وهي أدوار هامشية لا تحسم نتائج الاقتراع، مع العلم أن المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب لايضم سوى 11 عضوا أغلبهم لا علاقة له بالانتخابات. فكيف يصدق أن يتحالف مع فصيل سياسي في مواجهة آخر بتسخير سلطة لا يتوفرون عليها؟؟ أكيد أن هناك تقاطبات سياسية حادة، غير مسبوقة في تاريخ الحياة السياسية المغربية، قائمة على التراشق بالاتهامات المجانية، والتصريحات الشعبوية، و السعي إلى كسب مواقع متقدمة في سباق الاستحقاقات المقبلة، ولكن ليس من النضج في شيء أن نقحم القضاة أو جمعياتهم المهنية فيها، طالما لم يثبت بدليل مقبول صدق ما نروج له مجانا.
إن قيادة الأغلبية نحو إصدار بيان بالشكل الذي صيغ به ضد جمعية مهنية للقضاة ، ليس خطأ سياسيا فادحا يضعف خطاب الحكومة وخطاب وزيرها في العدل ويرهن تدبيرها المستقبلي للانتخابات ، ولكن واعتبارا للمغالطات المكشوفة التي يحملها يطرح على محك المساءلة صدقية القول ومصداقية الممارسة لدى فصيل رفع شعار التخليق، والصدق والاخلاص في القول والعمل. هناك سوء فهم كبير من الدكتور بوانو وغيره للحراك الذي يخوضه بشراسة نادي قضاة المغرب في الدفاع عن قانون لن يطبق إلا على أعضائه، فيخيل إليهم أنه استهداف للبرلمان وتحالف مع الشيطان، هناك تجادبات نابعة عن انعدام الرغبة في الانصات للمخالف، وحداثة عهد رجل السياسة بخطاب القضاة الذي خرج فجأة للعلن مجلجلا، فأثار الرعب من كيان وهمي اسمه دولة القضاة، ولكن الذي ينبغي أن يستقر في يقين الجميع أن نادي قضاة المغرب لا يمكن أن يكون لحزب أو جماعه. متلما ليس لتيار شعاراً أو لدكان بضاعه على حد تعبير صاحب اللافتات
-عضو بنادي قضاة المغرب