حصاد والكيف وبويا عمر
محمد أحداد
السبت 18 يوليوز 2015 - 16:03
كان وزير الداخلية محمد حصاد حاسما جدا في قضية زراعة الكيف: الدولة ماضية في محاربة زراعة نبتة القنب الهندي المحظورة قانونيا ولن تتساهل مع المتاجرين في الحشيش. قد نتفهم حديث أول مسؤول أمني في الحكومة عن الاتجار الوطني والدولي في المخدرات، لكن لا يمكن أبدا أن نستوعب ما قاله عن محاصرة حقول الكيف في الشمال المغرب.
كيف يقنع حصاد الرأي العام وبرلمانيي الأمة أن تلك الحقول المنتشرة في الشاون والحسيمة والجبهة لم تكن يوما حقولا لزراعة"السم المحلي" بل كانت على الدوام حقولا لزراعة الدلاح والمعدنوس؟ وكيف يستطيع حصاد أن يقنعنا أن الدولة حازمة في التعاطي مع هذا الملف، والفلاحون يمارسون نشاطهم الطبيعي كل سنة: يزرعون، يتقاتلون على حصص المياه، يواجهون البارونات الكبيرة، يفاوضون قدرهم الأبدي في التفاوض مع السلطات كي لا تبتزهم وتحرق حقولهم؟ وفوق ذلك كيف يمكن أن يقنعنا حصاد أن ما يقوله صحيح وكل التقارير الدولية تشير إلى المغرب ما يزال يتبوأ مرتبة الصدارة في إنتاج وتصدير الحشيش؟
قبل أيام من هذا التصريح، خاضت أحزاب الأصالة والمعاصرة والاستقلال والعدالة والتنمية ما يشبه حرب استنزاف حول موضوع زراعة القنب الهندي، وهي حرب مفهومة جدا مع اقتراب موعد الانتخابات الجماعية، حيث تسعى هذه الأحزاب لتجد لنفسها موطئ قدم في المناطق المعروفة بزراعة الكيف. لم يسبق أن كانت الحرب السياسية حول الكيف ساخنة كما هي الآن: حزب العدالة والتنمية متوجس من الكتلة الانتخابية الكبيرة التي قد تذهب لصالح حزبي الاستقلال والمعاصرة ولذلك اختار عبد الله بوانو رئيس الفريق البرلماني للبيجيدي أن يوجه رسائله إلى الجميع حول موضوع الكيف من مدينة الحسيمة في خطوة مليئة بالإشارات السياسية، والأصالة المعاصرة يسعى إلى تثبيت أقدامه في هذه المناطق باقتراح العفو عن المبحوث عنهم مقابل التخلي عن كل الكتلة الناخبة المتواجدة بهذه المناطق فيما الاستقلال دعا الدولة إلى التصالح مع مزراعي الكيف موجها مذكرة في الموضوع قبل أيام فقط.
ما لم تفهمه هذه الأحزاب في صراعها الانتخابي أن الدولة لن تسمح لأي أحد أن يشاركها في استثمار مربح أثبت فعاليته طوال عقود، ونقصد بالتحديد الاستثمار في "الخوف" الذي يجثم على صدور المزارعين المقهورين. ربما قد يسعف السياق الذي جاء فيه هذا التصريح في فهم مغزاه ومراميه أيضا، فحصاد يريد أن يضع حدا للجدل الذي استعر مؤخرا بين الكثير من الأحزاب السياسية المغربية حول زراعة الكيف ومعاناة الفلاحين الصغار، ويبتغي أيضا أن يبعث رسالة واضحة لا تحتمل أي تأويل إلى هاته الأحزاب مؤداها أن الدولة لن تسمح لأي أحد أن يستغل هذا الموضوع للتوظيف الانتخابي والسياسي.
قبل أسابيع قليلة، امتلك الحسين الوردي، وزير الصحة، الشجاعة السياسية الكاملة لاقتحام ضريح بويا عمر الذي ظل يستغل في مآسي المرضى النفسانيين، وقلنا يومها إن هذا القرار يعيد نوعا من الثقة إلى العمل الحكومي خاصة وأن الوردي ربط بين إنهاء معاناة المرضى وبين منصبه الوزاري. الدولة ومعها وزارة الداخلية تحتاج اليوم إلى كثير من الشجاعة والجرأة لتعترف أنها فشلت في تدبير هذا الملف الحساس وأنها فشلت أيضا في أن تجد بديلا حقيقيا لهذه الزراعة. فشلت لأن هذا التدبير أفضى إلى تحريك مسطرة المتابعة القانونية ضد آلاف المزارعين الأبرياء الذين قادتهم ظروف الحياة القاسية إلى البحث عن مورد مالي يسدون بها رمق الحياة في تضاريس جغرافية قاسية بالإضافة إلى أن إحساسا عميقا بـ"الحكرة" تولد لدى هؤلاء المزارعين بأن الدولة التي ينتمون إليها تتصرف ضد إرادتهم ومصالح ساكنتهم.
يتوجب على الجميع أن يلتقط الإشارات القادمة من هذه المنطقة، فـ"الخوف الأصيل" الذي كان يحول حياة الناس إلى جحيم حقيقي لم يعد مثلما كان بسبب حراك شبابي قوي ينافس الأحزاب السياسية ويقدم بدائل لم تستطع الدولة نفسها أن تقترحها. بصيغة أخرى، فإن الاعتقاد الذي كان سائدا قبل سنوات من أن هذه المناطق قدرها أن تفاوض الجميع من أجل أن تحافظ على "النبتة العجيبة" لم يعد قائما لأن المتاجرين الكبار بالمخدرات عرفوا كيف يتحكمون في الأسعار وفي رقاب الفلاحين..لنقلها صراحة: كتامة- وهي التعبير المجازي عن زراعة الكيف- لم تصبح تبيض ذهبا أخضر بل تبيضا فقرا ومآس إنسانية عميقة..والكثير من الحكرة.