28 أكتوبر 2013 بقلم
هاشم صالح قسم:
الفلسفة والعلوم الإنسانية حجم الخط
-18
+ للنشر:عندما كان يقع لوثر على العبارة التالية "بعدالتك خلّْصني" كان يمتقع وجهه ويرتعب. وعندما كان يطلع على "رسالة القديس بولس إلى أهل روما"، ويقرأ فيها أن "عدالة الله موحى بها في الإنجيل" كان يرتجف خوفا ورعبا أيضا؛ فللوهلة الأولى كان يفهم كلمة العدالة هذه بالمعنى الحرفي: أي بمعنى القصاص والعقاب. ولكن، وبعد بضعة أيام وليال من الاجترار والتكرار وتقليب الكلام على كافة وجوهه، راح لوثر يتفرغ للمشكلة من جديد. وفجأة لمعت في رأسه فكرة الإلهام الساطع والخاطف. وذهل عن نفسه. لنستمع إليه يتحدث عن هذا الحدث الصاعق الذي غير ليس فقط حياة لوثر، وإنما أيضا وبالدرجة الأولى وجه ألمانيا والمسيحية الأوروبية بأسرها. يقول راوياً القصة بحذافيرها: "كنت قد شرعت بتفسير المزامير للمرة الثانية، وكنت أعتقد بأني أصبحت مهيأ لذلك بشكل أفضل بعد أن شرحت للطلاب رسالة بولس إلى أهل روما، ثم إلى أهل غلاطية، ثم إلى العبرانيين. وكنت أتحرق رغبة لمعرفة معنى كلمة واردة في رسالته إلى أهل روما، حيث يقول: "عدالة الله موحى بها في الإنجيل". وكنت أرتجف رعباً عندما أقرأ هذه العبارة أو أفكر فيها. كنت أكره هذه الكلمة، لأن معناها الشائع بحسب تفسير فقهاء المسيحية هو العدالة التي يحاكم الله بواسطتها المذنبين. وعلى الرغم من أن حياتي كراهب كانت لا غبار عليها، إلا أني كنت أشعر دائما بأني مذنب أمام الله. وكان وعيي قلقاً إلى أقصى الحدود. كنت أخرج عن طوري ما إن أقع عليها. وهكذا رحت أحفر في رأسي وأحفر عبارة القديس بولس هذه، أملاً في التوصل إلى معناها يوماً ما.
وأخيراً حنَّ الله عليّ وشملني برعايته؛ فأثناء تأملي فيها ليلاً ونهاراً رحت أفهم العبارة بشكل مختلف، بل ومعاكس، تماماً. مرة أخرى رحت أقرأ: "إن عدالة الله موحى بها في الإنجيل كما هو مكتوب: البارّ بالإيمان يحيا". رحت أفهم العبارة على النحو التالي: إن الإنجيل يكشف لنا عن عدالة الله؛ أي عن رحمته وغفرانه وليس عن قصاصه وعقابه. وإذا كنا مؤمنين حقا، فإن الله يشملنا بعدالته ومغفرته، ويصبح وجودنا مبرراً كلياً ويغسل عنا الذنوب. ولا يعود الخوف من ارتكاب الخطيئة يؤرقنا أو يكدر عيشنا. عندما فهمت العبارة على هذا النحو، شعرت وكأني أولد من جديد. وزال عني الغمّ والهمّ. شعرت وكأني أدخل الجنة من أوسع أبوابها. وفجأة راح الكتاب المقدس يتخذ بالنسبة لي وجهاً آخر مختلفاً كلياً..."
[1]لاحظ هذا التعبير: انفتحت لي الجنة من أوسع أبوابها. هكذا ذاق لوثر لحظة الكشف والتجلي، وشعر وكأنه ولد مرة أخرى بعد أن تحرر من نفسه، من تراكماته، من انسداداته. روسو سيقول بعده بمائتي سنة: شعرت وكأني أصبحت رجلا آخر. نفس المعنى. هنا يكمن الكشف اللاهوتي الكبير لمارتن لوثر. ولكن قد يقول قائل: وهل الفهم المعاكس لعبارة إنجيلية واحدة يشكل كشفاً كبيراً؟ لماذا كل هذه الضجة والفرقعة حول مسألة عادية من هذا النوع؟ ونقول له نعم. إن المسألة التي تبدو عادية أو حتى صغيرة في مظهرها، كانت ذات أبعاد وانعكاسات لا تحصى. لقد جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير أو القطرة التي جعلت الكأس يفيض، في موعدها. وذلكلأنها قلبت مفهوم العصور الوسطى عن الإيمان وعلاقة الإنسان بالله قلباً كاملاً. فبدلاً من أن كانت علاقة الإنسان المسيحي بالله علاقة رعب وقصاص وعقاب، أصبحت علاقة ثقة ومحبة، وعفو وغفران. بدلاً من أن كان التديّن إكراهياً وقسرياً، أصبح شخصياً وحراً. بدلاً من أن كان خارجياً شكلانياً يتم عن طريق الطقوس الامتثالية والعبادات المرهقة، أصبح داخلياًاستبطانيا جوهرانيا. هنا تكمن البذرة الأساسية للثورة اللوثرية. هنا يكمن الانقلاب الكبير الذي دشن العصور الحديثة في أوروبا والغرب كله. وهذا التحرير اللاهوتي أدى فيما بعد إلى تحرير أرضي: أي سياسي واجتماعي واقتصادي وأخلاقي، ذلك أنه لا معنى لتحرير الأرض قبل تحرير السماء! والإصلاح السياسي بدون إصلاح ديني لا معنى له. هذا ما فهمه مارتن لوثر قبل غيره، وهنا تكمن عظمته وأهميته.
من أين كان يجيء المأزق الذي يتخبط فيه لوثر؟ من عدم قدرته لفترة طويلة على التمييز بين الشريعة اليهودية/ والإنجيل.كان يعتبرهما شيئاً واحداً. يقول لوثر: ولكن عندما اكتشفت الفرق الحقيقي بينهما؛ بمعنى أن الشريعة والإنجيل ليسا من نفس الطبيعة، عندئذ انهار الجدار العازل، وانفتح أمامي الطريق. عندئذ فهمت عن أية عدالة يتحدث بولس الرسول، وأصبحت واثقاً من نفسي. ورحت أتعلم التمييز بين عدالة الشريعة اليهودية القائمة على الحدود والقصاص والعقاب المخيف، وعدالة الإنجيل القائمة على المحبة والغفران والإيمان المجاني الحر. فالإيمان هو الأساس وليس التقيّد بالتطبيق الحرفي للشريعة. من يستطيع أن يطبق الشريعة حرفيا؟ ينتهي عمرك ولا تنتهي بنود الشريعة. ألف حد وحد، وألف قيد وقيد، وألف فتوى وفتوى، ومحظورات وممنوعات، وحلال وحرام، ونجس وطاهر، إلخ...وبالتالي فهناك إيمان خارجي شكلاني، وهناك إيمان داخلي روحاني، وشتان ما بينهما. هذا القلب للعلاقة بين السماء والأرض؛ أي تحويلها من علاقة إرهاب ورعب إلى علاقة محبة وغفران وثقة، هو الذي دشَّن الحداثة الأوروبية في بداياتها الأولى، وهو الذي نستشعر ضرورته حاليا بعد اندلاع كل حركات التطرف والتزمت في شتى أنحاء عالمنا العربي والإسلامي. هكذا نجد أن التغيير ابتدأ باللاهوت، ولم يبتدئ بالسياسة أو حتى بالاقتصاد. لماذا؟ لأن اللاهوت يمثل السقف الأعلى الذي يظلّل المجتمع بظله، لأنه يمثل الذروة العليا التي تعلو ولا يعلى عليها. الدين هو قمة القمم وغاية الغايات، وإذا ما فسد فهمه فسد كل شيء. ولذا فإذا ما صُحِّحت الذروة العليا، إذا ما نُظّفت من الشوائب التي لحقتها أو الصدأ الذي علاها، صُحِّح كل شيء. هنا تكمن العلاقة الوطيدة بين اللاهوت والسياسة، بين الدين والدنيا، بين السماء والأرض.
أقام بعض المؤرخين توازياً بين أب لوثر (هانز لوثر) الذي كان قاسياً جداً مع ابنه، وبين صورة الأب في السماء لدىالمسيحيين؛ (أي الله). وقالوا بأنه ما إن استطاع لوثر أن يتحرر من الصورة المرعبة لهذا حتى تحرر من الصورة المرعبة لذاك. هذه هي خلاصة الأطروحة التي قدمها أحد كبار علماء التحليل النفسي في أمريكا: البروفيسور اريك اريكسون
[2]. وهي أطروحة وجيهة سأعالجها مفصلا في دراسة قادمة. نقول ذلك وبخاصة أن كلمة الأب عند المسيحيين تحمل كلا المعنيين: أي الأب السماوي أو الله، والأب الارضي الذي أنجبك.
ولكن هناك نقطة اأخرى ينبغي ألا تغيب عن بالنا، وهي أنه إذا كان لوثر قد تحرر من الصورة المخيفة للتألّه (أو من الصورة القروسطية المظلمة للدين)، وهي الصورة المسيطرة على تنظيم "القاعدة" والعالم الاسلامي بمجمله حاليا، فإن ذلك لا يعني أن كل شيء قد أصبح مباحاً، أو أنه لم تعد هناك من قيود أو حدود. فإذا كان قد تحرر من صورة العدالة على أساس أنها عقاب وقصاص فقط، فإن ذلك لا يعني أنه يدعو للتحلُّل من كل شيء، أو أنه لا داع للقصاص والعقاب! فالواقع أن معاقبة المذنب ضرورية، وكذلك مكافأة المحسن والخيّْر. وإلا فإن أمور البشر لا تستقيم في المجتمع. كل ما يريد لوثر أن يقوله هو أن الخوف من العدالة –أو القصاص-قد يتضخَّم لدى بعض ذوي النفوس الحساسة إلى درجة أنه يشلّها عن الطاقة والحركة. وهذا الخوف المرضي أو المبالغ فيه هو الذي ينبغي التحرر منه، وليس الخوف من العدالة في المطلق. ذلك أن إحدى السمات الأساسية للعقلية البروتستانتية هي بالضبط محاسبة الذات، وهي سمة ذات علاقة مباشرة بشخصية لوثر كما رأينا. فقد كان يحاسب نفسه أكثر مما يجب. وبالتالي، فلا ينبغي أن نفهم لوثر على عكس ما هو عليه. فإذا كان قد أطلق الشعار الشهير التالي: الإيمان أولاً، أو الإيمان فقط يكفي، فإن ذلك لا يعني أنه يكفي أن أقول: "أنا مؤمن"، وانتهى الأمر... فهو لا يدعو إلى الإيمان السلبي المتقاعس، الإيمان الذي يخدّر العقول كما يدعي خصومه. وإنما يدعو إلى الإيمان الإيجابي الذي يملأ القلب بالأمل، ويكون أساس العمل والانطلاقة الجديدة البناءة في الحياة. يضاف إلى ذلك أنه أسَّس مفهوم العدالة بالمعنى الصحيح للكلمة؛ فهو يقول بما معناه: في كل مرة تحاكم نفسك، أو تتهم نفسك أو تعترف بأنك مذنب، فإنك تشارك في العدالة الإلهية. وعندئذ يغفر الله لك ذنوبك وخطاياك التي سوف تقترفها حتماً ما دمت عائشاً في الشرط البشري. ولكنك لن ترتكب الموبقات الكبار أو الجرائم لأن ضميرك يردعك عنها. هكذا نجد أنه أسَّس محاسبة الذات كقيمة أساسية لا بد منها لخير الإنسان والمجتمع. ولكن لا ينبغي أن تتحول هذه المحاسبة إلى إرهاب للذات أو شلل لها كما حصل له هو طيلة الفترة الأولى من شبابه. هذا كل ما في الأمر لا أكثر ولا أقل. كان يقول ما معناه: خلاص الروح هو هبة حرة ومجانية من الله يتلقاها الإنسان عن طريق التوبة الصادقة والإيمان العميق. بعدئذ تجيء الأعمال الصالحة بشكل تلقائي. وبالتالي، فالاولوية هي للايمان الحر والمجاني.
أخيرا، سوف أقول ما يلي لكي يفهم القارئ العربي أو المسلم معنى الكشف اللوثري بالضبط. ينبغي العلم بأن تدين القرون الوسطى كان قائما في أوروبا ولا يزال في العالم الاسلامي حتى الآن على الخوف والرعب أو على الطمع والجشع أو الاثنين معا. نقصد الخوف من عقاب الله أو الطمع في ثوابه؛ بمعنى أنه كان عبارة عن علاقة مصلحة مع الله لا علاقة ثقة ومحبة خالية من الأغراض والمصالح. وكان الناس يعتقدون بأن رجال الدين يمثلون الله على الأرض وكل ما يقولونه معصوم لا يرقى إليه الشك. وبالتالي فكلما تقربنا إليهم وقدمنا لهم العطايا والهبات والفلوس نجونا بأرواحنا في الدار الآخرة. وكان رجال الدين يستغلون هذا الوضع أفضل استغلال، كما سنرى فيما بعد، ويغتنون بسببه. كل صكوك الغفران التي كانت شرارة انطلاق الثورة اللوثرية ناتجة عن ذلك. وكان الإيمان قائما أيضا على تأدية الطقوس والشعائر بشكل حرفي أو حتى ميكانيكي آلي. فما أن نؤدي هذه الطقوس من صلاة وصيام إلخ، حتى نشعر وكأننا قدأعذرنا أنفسنا أمام الله وانتهى الأمر، ونجينا من العقاب والعذابوربما أمنّا لأنفسنا مقعدا مناسبا في الجنة. وهكذا نكتسب طمأنينة زائدة عن اللزوم، طمأنينة تدفع الكثيرين إلى ارتكاب أبشع الأعمال بعدئذ لأنهم ظنوا بأنهم نجوا بأنفسهم وانتهى الامر . وهذا ما يحصل لبعض الحجاج الذين يعتقدون أنه قد غسلت عنهم كل ذنوبهم دفعة واحدة بعد الحج، فتصبح جرأتهم أكبر على ارتكاب الموبقات والآثام. و في بعض الأحيان يتخذ هذا التدين طابع النفاق والمراءات، وقد يصل في أحيان أخرى الى مرحلة التعجرف والافتخار على الآخرين بالتقى والورع الزائف.. وفي أحيان كثيرة يتخذ لدى بعض رجال الدين طابعا منتفخا مزعجا متعجرفا، بل ويستخدم للضغط على الآخرين، وأحيانا كثيرة للتكسب والاحتيال ونيل الأموال كما ذكرنا. ومعلوم أن البابا وكبار الكهنة المسيحيين كانوا مليارديريين في عصر لوثر. وهذا ما أثار تقززه وغضبه الشديد، بل وأشعل ثورته كما سنرى لاحقا، لأن المسيح كان فقيرا ومات فقيرا. وهذا اللاهوت المتعجرف الذي كانوا متمسكين به هو الذي أدانه لوثر، وأحل محله لاهوت التواضع والعذاب، لاهوت الأنين والحنين، لاهوت الصدق المطلق مع الله والذات، لاهوت التعاطف مع المهانين والمعذبين في الأرض. بالنسبة للوثر هذا الجانب الظاهري ليس هو الشيء المهم، بل إنه أكره شيء في الدين. الشيء المهم هو الإيمان الداخلي، الإيمان النابع من الأعماق الإيمانالخالص لوجه الله، والذي لا تشوبه شائبة. ولذلك فرق لوثر بين الكنيسة المرئية الظاهرية، والكنيسة اللامرئية المخفية: أي بعبارتنا نحن بين الإيمان الداخلي الجواني والإيمان الخارجي البراني الاستعراضي. فالمؤمن الحقيقي لا يظهر إيمانه ولا يتبجح به، وإنما يعيشه بشكل داخلي في علاقة حميمية مع الله. وبالتالي، فكنيسة البابا والفاتيكان والكرادلة والمطارنة الذين تمتلئ جيوبهم ذهبا ليست هي الشيء المهم بالنسبة للوثر. هذا تدين ظاهري سطحي، إنه تدين كاذب في نظره، بل وحتى وثني بمعنى من المعاني. لقد انحرفوا عن الإنجيل ورسالة المسيح الحقيقية الذي مات فقيرا لا يملك شيئا. المسيح لم يكن يقف في صف الأغنياء والأقوياء، وإنما في صف الفقراء المحرومين والمهمشين المنبوذين.
عندما توصل لوثر إلى عقيدة تبرير الذات عن طريق الإيمان النابع من الأعماق فقط، وليس عن طريق الطقوس والشعائر الاستعراضية كان قد وصل إلى الميناء والمصب واستراح. ولم يعد يخشى شيئا أو ذنبا، بل أصبح يعتبر الذنب شيئا إجباريا في الحياة، ولا ينبغي أن يخيفنا إلى مثل هذه الدرجة لأنك ما دمت حيا، فسوف تذنب وتخطيء حتما كما تتنفس الهواء أو تشرب الماء. الخطأ جزء من الحياة والذنوب الصغيرة ملح الحياة. هذا ليس خطرا. الخطر هو أن تقمع نفسك إلى حد القتل، فتنشل عن الحركة والحرية. الخطر هو أن تئد ذاتك وأنت في عز الشباب أو أن تتقصد الشر تقصدا وأنت قادر على تحاشيه.
عندما توصل لوثر إلى هذا الإيمان الجديد، عندما وصل إلى بر الأمان والشاطيء الفسيح، عندما توصل الى الطمأنينة وبرد اليقين، تحول إلى قوة جبروتية تهز العروش الامبراطورية والبابوية. من سيقف في وجه مارتن لوثر بعد الآن من سيواجهه بعد أن أعطته الحقيقة نفسها، بعد أن حلت فيه جسدا وروحا؟ عندما توصل إلى حقيقته بعد طول حيرة وعذاب وبعد أن أشرف على الهلاك مرات ومرات أخذ يتمسك بها بكل قوة ويضمها إلى صدره، وكأنها أغلى عليه من روحه. فقد أصبحت مبرر وجوده على هذه الأرض، أصبحت كنزه الذي لا كنز بعده. وشعر وكأن شيئا قد حل به فأصبح مسكونا. لم يعد وحده مارتن لوثر؛ فاللهب القدسي يملأ جوانحه . وعرف عندئذ أنه اختير من بين كل البشر لكي يكون نبيا للألمان. هل بكى فرحا عندئذ؟ هل خاف و ارتعش؟ هل خر خاشعا على الأرض شاكرا ربه؟ من يعرف ما الذي دار في خلده في تلك اللحظة؟ لا أحد. بلى، نعرف. هو يقول لنا ذلك: شعرت وكأن أبواب الجنة فتحت لي على مصراعيها! أبواب الجنة، لا أكثر ولا أقل..هذه هي لحظة الكشف والتجلي، لحظة الخطف الأعظم لحظة انعتاق الروح...وكل سنوات العذاب السابقة تبخرت في لمح البصر...ولذلك يمكن أن نقول عنه ما قاله أحد كبار المؤرخين المعاصرين مع بعض التصرف في التعبير: لا تزعلوا عليه كثيرا مهما عانى من عذابات وآلام؛ فقد عانق الحقيقة يوميا وتراءت له شخصيا، وعشيقته أغلى من الذهب!..
على هذا النحو راح ينهض رجل من أعماق وحدته، رجل واحد من أعماق وحشته، لكي يقوّم اعوجاجالمسيحية، وينفخ الروح في الأمة الألماني