2014-03-09 كيف تؤثر اللامساواة على الاقتصاد؟
|
| |
حينما يدعو التقدميون لإعادة توزيع الثروة من الاغنياء الى الفقراء او الى ذوي الدخل المتوسط ، يتهمهم السياسيون المحافظون والاقتصاديون بانهم يسعون الى قتل الدجاجة التي تبيض ذهباً. انصار الرأسمالية الحرة يدّعون بان عدم المساواة هي جيدة للاقتصاد لأنها تعزز النمو. التباين في الدخول،حسب قولهم، يوفر الحوافز الضرورية لإتخاذ قرارات الانتاج الاقتصادية الرشيدة من جانب الشركات والافراد. تقليل عدم المساواة، سوف يقوّض النمو. كذلك، يرى المحافظون بان النمو هو حقا يعزز المساواة عبر تحسين وضع الناس الأقل ثروة قياسا بما يحققه للاغنياء. لذا بدلاً من ممارسة لعبة اعتباطية ، فان احسن طريقة لمساعدة الفقراء هي تمكينهم من اللحاق وذلك بتنشيط النمو.
لكن هذه الوصفات المحافظة هي مجردة، و خاطئة بشكل خطير. اتضح ان المساواة هي الدجاجة التي تبيض ذهباً. عدم المساواة تكبح النمو، والمساواة ترفعه. كذلك، ليس بالضرورة ان يؤدي التوسع الاقتصادي الى زيادة المساواة - بل ان ما يهم كثيراً هو انواع الوظائف وقواعد اللعبة الاقتصادية.
نظريات الفريق المؤيد لـ اللامساواة
اولاً:نظرية الحوافز
ان جدال المحافظين مع انه صريح لكنه خاطئ . يقول الاقتصاديون ان عدم المساواة هي جيدة للاقتصاد، لأنها تخلق الحوافز الملائمة للابتكار وللنمو الاقتصادي. اولاً، سوف لن يكون لدى الناس الحافز للعمل الشاق وللابتكار والاستثمار بحكمة الاّ اذا كان النظام الاقتصادي يكافئهم على الخيارات الاقتصادية الجيدة ويعاقب على الخيارات السيئة. سياسات اسلوب (روبن هود) التي تأخذ من الاثرياء وتعطي الاكثر فقراً تنتهك هذا المبدأ. كونها تقلل المدفوعات لأصحاب القرارات الذكية وتخفف من آلام الكسالى. وبالتالي، الناس والشركات سيقومون بعمل قرارات اقل فاعلية."نحن يجب ان نسمح للافراد بالفشل، والنجاح ايضا، ويجب ان نستبدل الدولة الراعية بنظام الاعتماد والاحترام الذاتيين" حسب قول المحامي المحافظ "ستيفن كنسيلا" في (الرجل الحر،افكار حول الحرية). ولكي يثبتوا حجتهم، يشير المحافظون لمجموعة الدول الاشتراكية السابقة، التي اصبح اقتصادها راكداً وغير فعال اثناء فترة سقوط تلك الدول في نهاية الثمانينات.
ثانياً:نظرية الانسياب التدريجي للمنافع trickle-down theory
اذا كنت لا تؤمن بقصة الحوافز هذه، هناك نظرية اخرى مألوفة كثيراً هي نظرية الانسياب التدريجي. لكي ينمو الاقتصاد، يحتاج الى استثمارات منتجة: مكاتب جديدة،مصانع، كومبيوترات، ومكائن. ان تمويل هذه الاستثمارات يحتاج الى احتياطي من الادخارات. الاغنياء يدخرون اكبر حصة من دخلهم قياسا بالفقراء قليلي الدخل. لذا لكي ننعش النمو، يجب ان نعطي المزيد للاغنياء (او على الاقل نأخذ القليل منهم لاغراض الضريبة)، ونعطي القليل لمن هم في ادنى السلم. الاغنياء سوف يدخرون نقودهم ومن ثم يستثمرونها، وبذلك يخلقون النمو الجيد لجميع افراد المجتمع.
لسوء الحظ، نظرية انسياب المنافع هوجمت من جانب الاقتصادي الشهير جون مايرند كنز في كتابه "النظرية العامة للاستخدام، الفائدة،والنقود" عام 1936. كنز الذي كانت تعليماته هي المرشد للاقتصاد الليبرالي الامريكي من عام 1940 وحتى السبعينات، وافق بان الاستثمارات يجب تمويلها من الادخارات. لكنه اوضح ان التغييرات في الاستثمارات هي التي تقود الادخارات، وليس العكس. عندما تكون الشركات متفائلة حول المستقبل وتستثمر في البناء واعادة التجهيز، فان الاقتصاد يزدهر، وجميعنا سيحقق المزيد من النقود وسنضع جزءاً منها في البنوك او في الاسهم او في مجالات اخرى.وبذلك، ستنمو الادخارات لمجاراة الاستثمار. وحينما تكون الشركات متشائمة، ستسير العملية بالعكس، والادخارات تتقلص لتساير الاستثمار. هذا يقود الى "مفارقة التوفير" paradox of thrift: حين يحاول الناس التوفير كثيرا، سوف ترى الشركات قليل من الانفاق الاستهلاكي وسوف تستثمر القليل، والتوفير الكلي سوف يتضائل بدلا من النمو وبذلك يتجه الاقتصاد بشكل متزايد نحو الانكماش. عدد من اتباع كنز اضافوا الخطوة المنطقية التالية: تحويل النقود من الاغنياء ذوي التوفير العالي لبقية الناس الكثيري الانفاق،وليس بالشكل المعاكس، سوف ينعش الاستثمار والنمو.
يُعتبر نقاش الحوافز اكثر وزناً من بين النقاشين المحافظين في تفضيل عدم المساواة. كنز ذاته وافق على ان الناس بحاجة الى مكاسب مالية ترشد سلوكهم، لكنه تسائل ما اذا كان الفرق بالمردود المطلوب سيكون كبير جدا. بالتأكيد محاولات الدول الاشتراكية في استبدال الحوافز المادية بنصائح ومواعظ اخلاقية لم تكن كافية. في عام 1970، ادخلت الحكومة الكوبية برنامج (الحصاد الكبير)، في محاولة لحصاد 10 مليون طن من قصب السكر بعمالة تطوعية (جرى تشجيعها بقوة). الجهود التي انطلقت تحت تأثير افكار جيفارا المستوحاة من "الرجل الاشتراكي الجديد"، انتهت باعتذار فيدل كاسترو الى الشعب الكوبي في خطاب القي عبر الاذاعة الوطنية، معرباً عن الاسف للسماح للتفكير التأملي بتوجيه السياسة الاقتصادية.
ولكن قبل الإقرار بالهزيمة للمحافظين في هذه النقطة ،دعنا ننظر بالدليل حول الارتباط بين المساواة والنمو. الاقتصاديان (وليم ايسترلي) من جامعة نيو يورك و (غاري فيلدس) من جامعة كورنيل لخصا مؤخراً هذا الدليل بالتالي:
- الدول او الاقاليم ضمن الدول، ذات الدخول الاقل تباينا تنمو بشكل أسرع. (ارقام النمو هذه لا تتضمن التحطيم او التحسين البيئي. لو ان هذه الدول خصمت نقاطاً للتحطيم البيئي واضافت نقاطاً اخرى للتحسين البيئي، فسيكون الارتباط بين المساواة والنمو اقوى، لأن اليأس يدفع الناس الفقراء لتبنًي المزيد من الممارسات المدمرة للبيئة مثل (التحطيم السريع لغطاء الغابات).
- الدول التي لديها اراضي موزعة بطريقة اكثر عدالة تنمو عادة بشكل أسرع.
- الدول والاقاليم الأكثر تجانساً من الناحية الاثنية تنمو اسرع من غيرها - بسبب وجود القليل من التباينات القائمة على اساس اثني.
لا بد من الملاحظة ايضا ان المزيد من حقوق العمال ترتبط بأعلى نسبة من النمو الاقتصادي، طبقا لدراسة قام بها الاقتصاديان Josh Bivens and Christian Weller في مركز بحوث معهد السياسة الاقتصادية ومركز التقدم الامريكي.
هذه النماذج تنصح القيام بمراجعة اخرى لسؤال الحوافز. في الحقيقة، المزيد من المساواة تساعد في تقوية الحوافز وفرص الانتاج.
المساواة كأساس للنمو
يمكن للمساواة زيادة النمو بعدة طرق. المزيد من الدراسات المتتالية اوضحت ان الاراضي الزراعية تكون اكثر انتاجية عندما تُزرع ضمن مساحات صغيرة. لذا فان المنظمات التي تدعو الى اشاعة المزيد من التوزيع العادل للاراضي ، مثل حركة العمال البرازليين غير المالكين للاراضي ، لا تساعد فقط الفقراء الذين لا يمتلكون اراضي – وانما هي تساهم في رفع الانتاجية الزراعية.
سبب آخر للارتباط بين المساواة والنمو هو ما يطلق عليه ايسترلي "تأثيرات الانسجام" match effects التي خضعت الى مزيد من البحث من جانب Stanford’s Paul Roemer وآخرين في السنوات الاخيرة. احد الامثلة على تأثير الانسجام هو حقيقة ان الناس المتعلمين جيداً هم الاكثر انتاجية حينما يعملون مع اخرين متعلمين مثلهم.، ونفس الشيء،الناس الذين يعملون في الكومبيوترات هم اكثر انتاجية حينما يكون لدى الاخرين كوميوترات (لأنه في هذه الحالة ستكون اتصالات البريد الالكتروني، والمعرفة التقنية في تصليح الكومبيوتر وخيارات السوفتوير كلها متوفرة بسهولة). في المجتمعات شديدة التباين ، نجد هناك نخب متعلمة جيدا و تستخدم الكومبيوتر تحيط بها اغلبية قليلة التعليم وليس لديها امكانية للوصول للكومبيوتر،بما يجعل انتاجيتها ضعيفة. هذا يقلل كل من حوافز الشباب للحصول على مزيد من التعليم وكذلك حوافز الشركات للاستثمار في الكومبيوتر طالما ان المردود المتوقع سيكون قليلاً.
"تأثيرات الانسجام" تبرز ايضا على مستوى المدن الكبرى. (Larry Ledebur) الاقتصادي المتخصص في الضواحي نظر في الاستخدام والنمو في 85 مدينة امريكية والضواحي المجاورة لها. وجد ان المدن التي تشهد فجوة كبيرة بين من هم في الضواحي ومن في المدن، يكون فيها دخل جميع الافراد قليلاً والنمو في الوظائف بطيء جداً.
"تأثيرات الضغط" pressure effects ايضا تساعد في توضيح لماذا تؤدي المساواة الى تسريع النمو. السياسات التي تمنع استراتيجية استغلال الفقراء والعمال تخلق تأثيرات ضاغطة، دافعةً النخب الاقتصادية للبحث عن فرص استثمار يكون مردودها رفع الانتاجية بدلاً من الضغط المجحف على الفقراء. على سبيل المثال؟ حينما يكون للعمال المزيد من الحقوق، سوف يكثفون مطالبهم امام الشركات. اصحاب الاعمال سوف يستجيبون بمحاولة زيادة الانتاجية، لكي تبقى اعمالهم مربحة حتى بعد دفع الاجور العالية، وايضا لكي يجدوا طرقا للانتاج باقل عدد من العمال. اتحاد الـ CIO في الولايات المتحدة الذي قاد صناعات الانتاج الواسع في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي يوفر المزيد من التوضيح للنمو الكبير في الانتاجية الذي حدث في الخمسينات والستينات. (غياب تاثير الضغوط ربما يوضح لماذا العديد من الدول الاشتراكية السابقة والحالية شهدت نمواً واطئاً، نظراً لأنها تميل لتقديم حمايات هائلة للعمال دون ان يكون لهم الحق في تنظيم نقابات مستقلة). والشيء ذاته، عندما تشتري الحكومة اراضي واسعة بهدف تجزئتها، فان العوائل الغنية التي ربطت مستقبلها بالارض لأجيال عديدة سوف تبحث عن استثمارات انتاجية جديدة. التصنيع في دول "النمور الاسيوية"مثل جنوب كوريا وتايوان الذي أقلع في الخمسينات جرى تمويله بالضبط بمثل هذه الطريقة.
عدم المساواة، الصراع، والنمو
ان عدم المساواة تكبح النمو بطريقة اخرى هامة: انها تغذي الصراعات الاجتماعية. عدم المساواة الحادة في دول مثل بوليفيا وهايتي قادت الى صراعات مزمنة أعاقت عملية النمو الاقتصادي. علاوة على ذلك، اللامساواة توجّه الموارد نحو استخدامات غير منتجة حين تُدفع الى أعداد كبيرة من الجيش والشرطة ومراتب الأمن .
ان التنوع الاثني مرتبط بالنمو الواطئ بسبب، ان الدول ذات التنوع الاثني الواسع هي ايضا الاكثر احتمالاً لتكون منقسمة اثنياً. بكلمة اخرى، المشكلة ليست في التنوع الاثني ذاته، وانما في العنصرية والنزاعات الاثنية التي يمكن ان توجد بين السكان المتنوعين. في دول مثل غوانتيمالا، كونغو ونيجيريا، النزاعات الاثنية شلت النمو – وهي مشكلة غير مألوفة في الدول المتماثلة اثنياً مثل اليابان وجنوب كوريا.الاسباب هي ان الانقسامات الكبيرة تؤذي النمو. حينما تبدو الانقسامات الاثنية التي قد تتخذ شكل قبلي، لغوي، ديني ،عرقي، او مناطقي كبيرة، فان الجماعات الاثنية تسعى لاستخدام سلطة الحكومة لتحسين اوضاعها على حساب الجماعات الاخرى، بدلاً من القيام باستثمارات واسعة في التعليم والبنية التحتية. هذا يستلزم إبقاء المنافسين في موقف ضعيف – النمو الضعيف في جنوب الولايات المتحدة في الشطر الاكبر من تاريخ البلاد ارتبط بنظام هيمنة البيض في الجنوب . او انه يستلزم السيطرة على فائض الموارد لدى الجماعات الاثنية التي يُنظر اليها باعتبارها افضل حالاً – ذلك تجسد بأقصى صوره، بالتأميم للملكيات في المانيا النازية والتطهير العرقي لليهود الذين هم عادة يمسكون بوظائف مهنية وتجارية.
بالطبع، الحل لمثل هذه الانقسامات هو ليس في "تطهير اثني"فيه يبقى في كل بلد جماعة عرقية واحدة – هذا يستحيل في عالم من 191 دولة و 5000 جماعة عرقية. وانما ، الحل هو ان نضعف من حدة التباينات الاثنية. منذ ان اجبر قانون الحقوق المدنية لعام 1964 الجنوب للتخلص من القوانين العرقية، بدأ النمو الاقتصادي للجنوب الجديد بالانتعاش. يقول ايسترلي ان الدول التي يسود فيها حكم قانون قوي وبيروقراطيات مهنية وحماية للعقود وحرية من التاميم – جميع هذه القوانين تجعل من الصعب لجماعة عرقية واحدة قمع الجماعات الاخرى اقتصاديا– التنوع العرقي ليس له تأثير سلبي على النمو.
اذا كان المزيد من المساواة يقود الى نمو اسرع بحيث يستفيد كل شخص،لماذا اذاً يقاوم الاغنياء إعادة التوزيع؟ لكي نعرف السبب لا بد من النظر في الطرق التي تخلق بها المساواة للنمو. اهمية "تاثيرات الضغوط "تقول لنا ان الاثرياء عادة لا يفكرون بطرق اكثر انتاجية في استثمار او اعادة تنظيم شركاتهم الاً اذا اُجبروا على ذلك. لكن حين تصبح عدم المساواة في الدولة حادة ، فان الاخيرة ستجد نفسها عالقةً في "فخ اللامساواة" inequality trap. ان أي إعادة توزيع تتطلب مساومة او صفقة مع الاغنياء. هم يخسرون بالتخلي عن جزء من ثروتهم، لكنهم يحصلون على حصة من النمو الاقتصادي المتزايد. كلما كان التباين بين الاغنياء وباقي الناس كبيراً،كلما كانت خسارة الأغنياء كبيرة، وسيكون من غير المحتمل تعويض خسائرهم بالحصة المتساوية التي يحصلون عليها من زيادة النمو. وحالما تمتد الفجوة الى ما وراء نقطة معينة، فان الاثرياء سيكون لديهم حافزاً قوياً لمقاومة الديمقراطية، وسد طريق الانفاق على التعليم الذي يقود الفقراء لتحدي اللاعدالة الاقتصادية – الامر الذي يجعل الاصلاح اكثر صعوبة.
هل النمو الاقتصادي يقلل عدم المساواة؟
اذا كانت عدم المساواة ليست جيدة للاقتصاد، ماذا عن الشكل الثاني من حجة المحافظين القائلة - بان النمو بذاته يعزز المساواة؟ يرى المحافظون ، ان اولئك الذين يهتمون بالمساواة يجب ان يباشروا النمو وينتظروا المساواة لتلحق به.
الرئيس جون اف كندي أعلن ان "المد العالي يرفع جميع القوارب". لكنه لم يذكر شيئاً عن اي القوارب سترتفع اسرع حين يأتي المد الاقتصادي. النمو فعلاً يقلل الفقر ، وطبقاً لدراسات قام بها الاقتصادي (Gary Fields) ،وجد ان بعض القوارب خاصة العوائل ذات العوائق القوية للمشاركة بقوة العمل- تبقى عالقة في الوحل. ، ولكن لو ان الاغنياء يكسبون اسرع مما يكسب الفقراء فان عدم المساواة يمكن ان تتصاعد بنفس الوقت الذي يهبط فيه الفقر. من الصواب، ان الفترات المستمرة من قلة البطالة ، كتلك التي حصلت في اواخر التسعينات في الولايات المتحدة، تميل فعلاً لرفع الاجور لمن هم في القعر اسرع من الزيادة في رواتب القمة، لكن النمو بعد ركود عام 1991 و 2001 بدأ بسنوات من "تراجع في الوظائف" او ما يسمى Jobless recoveries- أي وجود نمو مترافقاً مع لامساواة(1).
كانت الرؤية السائدة عن النمو وعدم المساواة ضمن الدول ولعدة عقود عبّر عنها الاقتصادي الامريكي (سيمون كوزنيت) الروسي المولد في خطابه لمؤسسة الاقتصاد الامريكي عام 1955. حيث جادل كوزنيت بان الدول حينما تنمو، تزداد عدم المساواة اولا، ثم تنخفض لاحقا. السبب في ذلك هو ان الناس ينتقلون تدريجيا من القطاع الزراعي قليل الدخل الى صناعات ذات وظائف مرتفعة الدخل – مع تفاقم في عدم المساواة حينما تنقسم قوة العمل بالتساوي بين القطاعات المرتفعة الدخل والاخرى المنخفضة الدخل. بالنسبة للاقتصاديات الصناعية الناضجة ينصح كوزنيت بالتركيز على النمو، مفترضا انه يجلب المساواة. في الدول النامية، ذلك يتطلب تحمل عدم المساواة الحالية لأجل المساواة والازدهار في المستقبل.
لكن النمو الاقتصادي لا يغذي اوتوماتيكيا النمو الاقتصادي. في عام 1998، قام الاقتصاديان Klaus Deininger and Lyn Squire بتعقّب عدم المساواة والنمو عبر مراحل زمنية في 48 دولة. خمس منها اتبعت نموذج كوزنيت، اربع منها اتبعت النموذج الارتدادي (انخفاض اللامساواة اعقبه زيادة)، والباقي لم يكن فيها اي نموذج منهجي. اما في الولايات المتحدة كان الشكل التالي:
- الدخل اصبح اكثر مساواة خلال الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي (فترة التعامل الجديد)(2) الفترة التي شهدت هبوط اقتصادي تبعه نمو
- من الخمسينات ومروراً بالسبعينات هبطت فجوة الدخل اثناء الطفرات الاقتصادية بينما اتسعت اثناء فترات الركود
- من اواخر السبعينات فصاعداً، اصبحت عدم المساواة في الدخل اكثر سوءا سواء كان الاقتصاد راكداً ام نامياً.
الاسباب واضحة. التعامل الجديد (The New Deal) أدخل نقابات واسعة النطاق، حد ادنى للاجور، ضمانات اجتماعية، تأمينات البطالة والرفاهية. ولكن منذ اواخر السبعينات، بدأت النقابات بالانكماش، وانخفضت قيمة الحد الادنى للاجور المعدلة لمستوى التضخم ، بينما تدهورت المستويات الضرورية للحماية الاجتماعية. في الولايات المتحدة، كما في اماكن اخرى، النمو يعزز المساواة فقط عندما توجد هناك سياسات ومؤسسات تدعم المساواة عملياً.
فخ اللامساواة
فكرة فخ اللامساواة هي ان الفجوة بين الاغنياء واي شخص اخر كلما ازدادت اتساعا ، كلما اصبح الاغنياء اكثر رغبة بالتخلي عن النمو الكلي مقابل حصة اكبر يحصلون عليها لأنفسهم، حيث تعمل السياسات باتجاه دعم الاثرياء في السيطرة على الناس الاقل ثراءً، بدلاً من تخصيص الموارد الاجتماعية لتعليم الفقراء ليكونوا اكثر انتاجية.
وبعد عقدين من اتساع عدم المساواة، جلبت السنوات الاخيرة الماضية تخفيضات ضريبية هائلة خدمت بالاساس الاثرياء على حساب الاستثمار في التعليم والبنية التحتية ورعاية الطفل والمساعدات الاجتماعية التي تساعد الاطفال الاسوأ حالا ليكونوا بالغين منتجين. الحكومات الفيدرالية والاتحادية وجّهت الإنفاق نحو السجون والشرطة والأمن القومي، والجمهوريون نظّموا حملاتهم الانتخابية بتخصيص موارد هائلة لإبقاء السود والفقراء بعيدين عن التصويت. لو استمرت النماذج الاقتصادية السابقة ، فسوف تدفع الولايات المتحدة ثمن تلك السياسات نمواً بطيئاً وركوداً ما لم تجد لها طريقة للخروج من فخ عدم المساواة هذا