2014-04-11 الديمقراطية وسفينة الأغبياء
|
| |
لو كنت تبحر في قارب جميل يتمايل صعوداً ونزولاً مندفعاً يميناً وشمالاً، فربما تشعر بمتعة المغامرة خاصة حين تكون الرحلة ايام الصيف. ولكن هل انت حقا ترغب في ان تمضي كل حياتك على هذه الصورة؟ حسناً، يقول افلاطون ان هذا النمط من الحياة يسود حين يعيش الناس في اجواء الديمقراطية. لكن ماهي مشكلة افلاطون مع الديمقراطية؟ في الواقع؟ هناك اكثر من مشكلة. افلاطون لديه معارضة قوية وعلنية للديمقراطية،سنناقشها هنا، لكننا سنجد هناك ما هو اكثر خطورة حين نصل الى الكارثة التي تجسدت بمحاكمة سقراط. الأخير يبدو كافلاطون لا يحب الديمقراطية كثيراً. كذلك، ديمقراطية اثينا لا تحب سقراط ، هذا يوضّح لماذا أنزل الحكام الديمقراطيون عقوبة الموت بالمفكر العظيم سقراط.
لماذا حدث ذلك؟ ان ديمقراطية اثينا- وهي ديمقراطية محدودة، اقتصرت فقط على 20% من السكان – كانت لها سمعة عظيمة في حينها، نالت الدعم الواسع من ذلك الإعلان الحماسي لـ "المواطن الاول"بيركلس pericles (1): "مؤسساتنا لا تستنسخ قوانين الدول المجاورة، نحن نموذج للآخرين ولسنا مقلدين لهم. ادارة مؤسساتنا تفضل الاكثرية بدلاً من القلة، وهذا سبب تسميتها بالديمقراطية. لو ننظر للقوانين،نراها تقدم عدالة متساوية للجميع، اذا لم تكن المكانة الاجتماعية هي الاساس، فان التقدم في الحياة العامة يصبح منوطاً فقط بالمقدرة، الأعتبارات الطبقية لن يُسمح لها تتدخل في الاستحقاق، ولا الفقر يستطيع اغلاق الطريق امام الناس،اذا كان الانسان قادراً على خدمة الدولة فسوف لن يُعاق بصعوبة الظروف. الحرية التي نتمتع بها في حكومتنا تمتد ايضا لحياتنا العادية. هناك، نحن لا ننظر بعين الحسد لبعضنا البعض ،ولن نستسلم لمشاعر الغضب تجاه جارنا لكي نحقق له ما يحب". هذا ليس مجرد شيئا عظيما، الاثنيون كانوا الاكثر تحرراً ومجتمعهم الاكثر انفتاحا في زمانهم – المجتمع الذي نتوقع فيه ان ينال شخص ما مثل سقراط مجداً عظيماً. وكما نعلم، ان سقراط كان يحرض علناً على الحقيقة، وعلى الصدق الغير قابل للمساومة والالتزام بالسلوك الفاضل. لماذا رجل بهذه الدرجة من الاستقامة يُعاقب بعقوبة الموت من جانب الاغلبية الديمقراطية لمجتمعه؟
في الوقت الذي اُعدم فيه سقراط عام 399 قبل الميلاد،كان بيركلس قد مات عن 30 عاماً، كما ان أحداثاً اخرى وقعت دون ان يكون لها ارتباطاً كبيراً بالحرية السياسية والتسامح. حرب الـ البيلوبونيس، ذلك الصراع المرهق الذي نشب بين سبارطة واثينا استمر لثلاثين عاما وانتهى بهزيمة اثينا عام 404 قبل الميلاد وتأسيس حكم اوليغارتي موالي لسبارطة، وهو حكم "الثلاثين طاغية"(2). ان حكم هؤلاء الطغاة اتسم باعدامات وتصفيات واسعة ونفي للمعارضين السياسيين. وبعد سنة واحدة فقط، تمت الاطاحة بحكم الطغاة الثلاثين وإعادة النظام الديمقراطي للبلاد. وبعد مرور ثلاث سنوات،حوكم سقراط من قبل ثلاثة من الرجال وهم (ميلتيوس)،و (انايتوس)،و (ليكون)، وجميعهم كانوا جزءاً من الحركة الديمقراطية المقاومة لاسبارطة.
ان هشاشة الديمقراطية كانت واضحة للعيان. وليس من باب الصدفة ان محاكمة سقراط حدثت بعد الاذلال العسكري والانهيار السياسي وحركة المقاومة. سقراط اتُهم بافساد الشباب واختراع آلهة جديدة، وبكلمة اخرى،هو جعل شباب المدينة ينتقدون عادات ومؤسسات الدولة ويتجاهلون القيم الاساسية لمجتمع اثينا. افلاطون ذاته يعترف بالأهمية الجوهرية للالتزامات السياسية والقانونية في حواراته (Crito) (3). فهل يمكن لأي ديمقراطية، خاصة ديمقراطية اثينا الهشة،ان تجيز العصيان المدني؟
يجادل سقراط اثناء محاكمته ان الديمقراطية كتلك القائمة في اثينا هي بالذات بحاجة الى شخص ما انتقادي مثير للجدل: "وبهذا يا رجال اثينا، انا الآن ادافع ليس لأجلي، كما يتصور البعض، وانما لأجلكم انتم، ذلك انكم ربما لا تدينوني بالاثم حين تتعاملون بالموهبة (العقل) الذي منحه الله لكم. لانكم اذا قتلتموني، سوف لن تجدوا بسهولة شخصا آخر، يلصق نفسه بالمدينة كذبابة الحصان،الذي مع انه كبير ، لكنه كسول بسبب ضخامة حجمه، فهو بحاجة للاثارة باللدغ"(4) . فهل ان المحاكمة هنا لسقراط ام لديمقراطية اثينا ذاتها؟
في الكتاب الثامن من الجمهورية، يصف افلاطون كيف ان الديمقراطية لا يمكن ان تكون حلا سياسيا مستقراً، طالما انها تقدم الحرية لكنها تتجاهل الحاجة الى الكفاءة السياسية الملائمة. لهذا السبب يتنبا افلاطون بانهيار مؤكد للديمقراطية وانحدارها نحو الاستبداد، وهي الخسارة الكلية للحرية. لماذا اذاً تستلزم الديمقراطية تجاهلاً للكفاءة؟ يجادل افلاطون ان النظام السياسي سوف لن تكون له ضمانات حين تكمن السلطة السياسية (cratos) بايدي عامة الناس (demos)، في الحقيقة انه من غير المحتمل ان اولئك الذين يمتلكون المؤهلات المناسبة للحكم سيحصلون على فرصة ادارة الشؤون العامة. وبدلاً من ذلك، ستكون الاصوات المرتفعة هي المسيطرة، وستُتخذ قرارات سيئة النوايا وغير رشيدة، وسيتحول الميدان المعقد للسياسة الذي هو بحاجة للادارة والتنظيم الجيد الى سيرك مجنون.
ولكي يجعل هذا قابلا للتصديق، يوضح افلاطون فكرته بتشبيهه الشهير"سفينة الاغبياء": فيها تصوّر رحلة في البحر وحيث جميع المسافرين في السفينة يشعرون بحقهم واهليتهم للمطالبة بقيادة دفة السفينة. ومع ان كابتن السفينة هو ملاح جيد لكنه غير جيد في اقناع الاخرين بذلك، الركاب الذين يصرخون بصوت عالي ويطالبون بثقة عالية، مع انهم لا يعرفون شيئا عن الملاحة البحرية، لكنهم سيتولون ناصية السفينة. الاضطراب والشغب سيسود السفينة والنتيجة ستكون متعة العربدة والفوضى بدلا من ان تكون سفرة عقلانية ومنظمة.
Jonathan Wolff في كتابه "مدخل للفلسفة السياسية" يلخص نقاش افلاطون بالتالي: الحكم هو مهارة، كالطب او الملاحة. من المنطقي ترك هذه الممارسة لمهارة الخبراء. في الديمقراطية، الناس يحكمون وهم ليسوا خبراء. ولذلك،الديمقراطية هي غير رشيدة.
لكن هل ان الناس حقا غير كفوئين في صنع القرارات السياسية كما يؤكد ذلك افلاطون؟ موت سقراط يؤكد ذلك، ولكن من غير الواضح ما يعنيه "الشيء الخير"في السياسة. ربما تشبيه افلاطون بالسفينة ايضا له عيوبه:هل الكفاءة السياسية هي حقا مهارة مثل الملاحة والطب والنجارة، مهارة تتطلب خبرة في مجال تطبيقها؟
ربما روسو على صواب عندما يقول لنا ان الديمقراطية فكرة جيدة لكنها واقعيا يستحيل تحقيقها:"حيثما يوجد هناك اناس متعالين لا يعتريهم اي نقص، فان حكومتهم ستكون ديمقراطية. لذا فان الحكومة التامة غير الناقصة هي ليست للناس العاديين"(