سبينوزا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1432
الموقع : العقل ولاشئ غير العقل تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..
من اقوالي تاريخ التسجيل : 18/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5
| | هل الماضي كالحاضر و المستقبل؟ | |
نعد ثانية إلى نتائج النظرية النسبية, ولنحاول معالجتها هذه المرة بالحساب الرياضي, لعل أفضل ما يوضح نتائج هذه النظرية بما يخص تمدد الزمن, قصة التوأمين الشهيرة, عندما قرر أحدهما العيش و الاستقرار على الأرض, بينما فضل الآخر أن يصبح رائد فضاء, وانطلق في بعثة إلى الكوكب (س) في عيد ميلاده الثلاثين بسرعة تبلغ (90%) من سرعة الضوء, ثم عاد بعد خمس سنوات من رحلته ليجد أن توأمه على الأرض وقد بلغ من العمر ثمانية وستين عاماً. لا عجب, كل ما في الأمر أن الزمن قد مر مختلفاً عليهما لاختلاف مرجع القياس بالنسبة لكل منهما, فالأول مرجعه الأرض, والثاني مرجعه سفينة الفضاء المنطلقة بسرعة (90%) من سرعة الضوء. تعتمد التركيبة الرياضية للنظرية النسبية بكاملها على طبيعة الضوء التي ما تزال مجهولة. عندما كان آينشتاين لا يزال طفلاً, قام العالمان الأمير كيان (ألبرت نكلسون – وإدوارد مورلي) بسلسة من التجارب أثبتا من خلالها أن أشعة الضوء تنتقل في الفضاء بسرعة ثابتة مقدارها (300) ألف كيلومتر في الثانية, أو (1080000000) كيلو متر في الساعة, دون أن تكون لسرعته علاقة بسرعة المصدر الذي ينبعث منه, فلو افترضنا أن نجماً اندفع في اتجاه نجم آخر, فإن حسابات الميكانيك التقليدي تؤدي إلى أن محصلة السرعة, أو السرعة الإجمالية للأشعة الملتقطة لمراقب يقف بين النجمين يجب أن تساوي في هذه الحالة ضعف سرعة الضوء. لكن تجارب العالمين المذكورين بينت أن قوانين الميكانيك التقليدي لا تنطبق على الضوء, فمحصلة السرعة لشعاعين ضوئيين يتحركان في اتجاهين متعاكسين تبقى دوماً ثابتة, ولا يمكنها تجاوز سرعة الضوء التي تعتبر سقفاً لجميع السرعات في العالم المادي. هذه الحقيقة هي أغرب وأهم ما اعتمدت عليه النظرية النسبية في بنائها. إن فهم النظرية النسبية الخاصة لابد منه لاستيعاب النظرية النسبية العامة الأكثر تعقيداً, والتي تلتها في عام (1916), هذه النظرية كانت إيذاناً بميلاد علم جديد يتناول هندسة الحركة في الفضاء (Geometrodynamics)، لقد كانت أولى نبوءات هذا العلم الجديد هي وجود ممرات خفية في الفضاء الكوني, يمكن للجسم المادي أن يلج فيها ليظهر آنياً من نقطة أخرى تبعد عن الأولى ملايين السنين الضوئية, الأمر الذي يبدو حالياً للبعض ضرباً من الخرافة أو الخيال, تماماً كما كان إنسان العصر الحجري سيظن بالمذياع الذي ينقل الأخبار آنياً عبر ألوف الكيلومترات. إن عبور هذه المسالك يؤدي إلى اختصار المسافات الكونية الهائلة ليصبح الانتقال عبرها آنياً, دون اختراق سرعة الضوء. لقد أدت المداخلات العلمية على النظرية النسبية العامة مؤخراً إلى أن مثل هذه الرحلات المدهشة, تحدث لبعض الأجسام المادية فعلاً بصفة مستمرة في كوننا الطبيعي.
لم يقتنع آينشتاين صاحب النسبية نفسه, بالرغم من كثرة معجبيه, بأن نظريته قد حلت جميع ألغاز العالم الطبيعي, ولا حتى تلك الألغاز المتعلقة بتجربة (مكلسون- مورلي). فأمضى بقية عمره في البحث عن نظرية تنظم العلاقة بين جميع أحداث الكون، نظرية يمكنها أن تفسر في آن واحد ما يجري في أدق الأجزاء المادية, كالذرة مثلاً, وفي أكبر الكتل المادية كالنجوم العملاقة. لقد بحث عن نظرية توحد قوانين الكون المادي: (Unified Field Theory). تذكرنا أمنية آينشتاين بما اعتقده المركيز (لابلاس) الرياضي الفرنسي الشهير في المئة الميلادية الثامنة عشر, من أن جميع حوادث الكون تقع وفق عقلانية مدبرة تعلم آنياً بكل ما يجري, ولا يحجب علمها الزمن, فالماضي كالحاضر كالمستقبل, كل ما جرى, وما يجري, وما سوف يجري مكشوف لها علماً يقينياً آنياً لا يشوبه شك. لقد اعتقد آينشتاين بهذا التدبير المحكم لحوادث الطبيعة, وتمنى لو استطاع أن يعكس هذا التدبير الشامل في علاقة رياضية تفسر كل ما يجري في العالم الطبيعي. مثلاً: لماذا يتخذ الضوء طبيعة مميزة بين كل ما نعرفه من ظواهر الطبيعة؟ لماذا تتناقص أبعاد الجسم المتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء وتزداد كتلته بشكل طردي يتناسب مع السرعة, ولماذا.. ولماذا..؟ من الممكن القول أن الجاذبية مسؤولة عن جميع هذه الظواهر, إنها القوة الخفية التي أدارت رأس الفلكيين و العلماء عبر السنين دون أن تكشف عن سرها وطريقة عملها, فما هي الجاذبية؟ نعود إلى السؤال الذي بدأنا معه حيرتنا من جديد. انتقد البعض قصة التوأمين الخيالية, بحجة أن التوأم الأرضي لا يمكن أن يعمِّر أكثر من شقيقه رائد الفضاء. السبب في ذلك أن الأرض تبتعد عن مركبة الفضاء كما تبتعد المركبة عن الأرض, فيمكننا والأمر كذلك اعتبار التوأم الأرضي مسافراً على سفينة فضاء أيضاً هي الأرض, يبتعد عن شقيقه بالسرعة نفسها (أي 90% من سرعة الضوء), أو بمعنى آخر, لا يوجد مبرر لاعتبار الأرض مرجعاً ثابتاً تنسب إليه حركة الأجسام. لقد أجاب آينشتاين على مثل هذه الانتقادات بشكل قاطع عندما قال أن الأرض تنتظم حركتها مع حركة الكون كله, فهو (أي الكون) جميعه بنيان واحد مرصوص بفعل جاذبيته الذاتية, أما مركبة الفضاء فتتحرك بفعل التسارع الذي تكتسبه من دفع محركاتها, وبلغة أخرى نقول: أنها تنفذ من أقطار الكون بقوة الدفع النفاث, ولو توقفت محركاتها عن الدفع, لعادت وهوت في بؤر حقول الجاذبية التي تلف الكون, لتنتظم في حركتها معه ثانية. إن السبب في تمدد الزمن بالنسبة للمركبة ليس سرعتها, بل التسارع الناتج عن قوة الدفع التي بذلتها حتى وصلت إلى هذه السرعة, إنه ليس القوة فقط بل ما أدت إليه هذه القوة من ازدياد السرعة المتكرر خلال انطلاقها, فلكل جسم عطالة ذاتية لابد من التأثير فيها بقوة خارجية حتى يتسارع. هذه العطالة تشبه الجاذبية في السلوك الذي تمارسه على الأجسام المادية, ولكن بطريقة معاكسة. لقد عبر نيوتن عن هذه الظاهرة من خلال قانونه الأول في التحريك, الذي ينص على أن كل جسم يبقى ساكناً أو في حركة منتظمة, ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تؤدي إلى تحريكه أو تسريعه. (لا يسعنا هنا كي نكون منصفين إلا أن نورد حقيقة تجاهلها الكثيرون, فقد كتب العالم (ابن سينا) في مخطوطة محفوظة في المكتبة المركزية في أسبانيا – مدريد تبحث في العلوم الطبيعية, رأيه الواضح في الحركة و السكون بما معناه: "يبقى الجسم ساكناً أو يتحرك حركة مستقيمة منتظمة شرط ألا يؤثر عليه أي عامل خارجي." كتب هذه العبارة في أوائل المئة الحادية عشرة للميلاد بينما لم ينشر (غاليله) أبحاثه ولم يأت (نيوتن) بمبادئه في التحريك إلا في غضون المئة السابعة عشرة. من هنا يبدو جلياً التقدم العلمي المدهش الذي شهدته حضارتنا العربية الإسلامية)*. أما آينشتاين فقد استوقفه مفهوم العطالة طويلاً, ثم خرج بنتيجة محيرة هي أن العطالة و الجاذبية ما هما إلا تسميتان لحقيقة واحدة, لذلك نجد سلوك الاثنتين متماثلاً, فلو تركنا كرتين إحداهما من حديد و الأخرى من خشب تسقطان سقوطاً حراً تحت تأثير جاذبية الأرض, لارتطمتا بالسطح في الوقت نفسه بعد أن تجتازا المسافة نفسها** ما السبب إذاً في أن الجاذبية تؤثر في الأجسام الخفيفة و الثقيلة بالطريقة نفسها؟ الواقع أن الكرة المعدنية, وفقاً لمفهوم آينشتاين, تسعى للسقوط إلى الأرض بسرعة أكبر من سرعة الكرة الخشبية, لكن عطالتها (الأكبر) تعيق تسارعها, في الوقت الذي تخف فيه الإعاقة بالنسبة للكرة الخشبية لقلة عطالتها, فتصل الاثنتان إلى سطح الأرض معاً. عموماً فإن كلا من الجاذبية و العطالة, تعملان بشكل متعاكس, بحيث تكون قوة الجاذبية مساوية تماماً لقوة العطالة, ومعاكسة لها في الاتجاه. لو أسقطنا الكرتين في مثالنا السابق من ارتفاع شاهق عن سطح الأرض, لنقل من ارتفاع (500) كيلومتراً مثلاً, فإنهما لن ترتطما بسطح الأرض, بل ستدخلان في مدار حولها كما يحدث للأقمار الصناعية, كذلك فإن جميع الأجسام تتخذ مساراً أحدباً أو أعرجا عندما تدخل في حقول الجاذبية, هذا التحدب يظهر جلياً أحياناً عندما يكون المسار طويلاً (كمسار الأقمار الصناعية, والقذائف..) ولا يكاد يبين أحياناً أخرى إذا كان المسار قصيراً, كما في سقوط الكرة الخشبية و المعدنية مباشرة إلى الأرض، هذه المسارات الحدباء أو العرجاء التي تتخذها الأجسام التي تهوي بتأثير الجاذبية, أو الأجرام السماوية في مداراتها هي الرسم الهندسي لحقول الجاذبية الكونية. إن المعراج هو الشكل الهندسي الذي يستلزم الحد الأدنى من الطاقة لتشكيله, فالحوادث الطبيعية تجري دائماً في اتجاه المقاومة الأدنى: الكهرباء تسري في السلك ذي المقاومة الأدنى, الماء تجري في الأنبوب ذي الاحتكاك الأقل, الإلكترونيات تتخذ مواقعها حول النواة في الذرة بدءاً من مستويات الطاقة الأدنى, فالأعلى, وهكذا... [size=32]يتبع ________ * الدكتور مرسيل داغر: النسبية من نيوتن إلى آينشتاين. من منشورات وزارة الثقافة و الإرشاد القومي في الجمهورية العربية السورية – الصفحة (44). ** أجريت التجربة على سطح القمر (حيث لاغلاف غازي يعيق الحركة) من قبل طاقم (أبولو 15) في آب 1971. عندما أسقطت ريشة طائر, ومطرقة جيولوجية معاً من نقطة واحدة فارتطمتا بسطح القمر في الوقت نفسه[/size] | |
|