مصر… قانون لمكافحة الإرهاب أم لانتهاك الحقوق؟
رأي القدس
July 1, 2015
اعلن مجلس الوزراء المصري امس اقرار حزمة من مشروعات القرارات بقوانين التي «تحقق العدالة الناجزة والقصاص السريع، والموافقة على مشروع قرار بقانون مكافحة الارهاب والذي يحقق الردع السريع والعادل، وكذلك اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتجفيف منابع تمويل الارهاب»، حسب بيان رسمي ، واضاف «انه سوف يتم اتخاذ الاجراءات القانونية والدبلوماسية بما يردع ويفضح القائمين على تلك الاعمال الارهابية».
وتشمل الاجراءات القانونية الجديدة توفير غطاء قانوني لمراقبة الاشخاص والاتصالات والحسابات المصرفية دون الرجوع إلى النيابة او قاضي التحقيق، وهو ما يشكل انتهاكا مباشرا لمواد معروفة في الدستور، إلى جانب تشديد العقوبات وتسريع المحاكمات بما يخل بالحقوق المقدسة للدفاع (حسب المواثيق الدولية) في جرائم الإرهاب.
وحسب تقارير رسمية سبقت انعقاد اجتماع المجلس امس فقد اشتملت التعديلات على مادة تتعلق بمحكمة النقض بتخصيص دائرة أو اثنتين منعقدتين فى غرفة المشورة لفحص الطعون في الأحكام الصادرة في أي من القضايا الواردة في قانون مكافحة الارهاب، لتفصل بقرار مسبب على وجه السرعة بالقبول أو الرفض أو أن تقرر إحالة الطعن لنظره بالجلسة.
وتتضمن التعديلات ايضا «إلغاء كل نص أو حكم ورد في أي قانون آخر يخالف أحكام نصوص القانون، وتتعلق المادة الثالثة بمرحلة نظر الدعوى الجنائية، حيث تفيد بأنه استثناء من أحكام قانون الإجراءات الجنائية تعد الأحكام الصادرة في قضايا الإرهاب التي يحضر فيها وكيل المتهم ويبدي دفاعه فيها، حضوريًا بحق المتهم، واستثناءً من القانون الخاص بحالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، إذا رأت محكمة النقض أيا من القضايا الواردة إليها فيها أمر يقضي بأن تتصدى بالفصل في موضوع الدعوى دون إحالتها إلى المحكمة مصدرة الحكم».
ولن يمكننا في هذه المساحة المحدودة التعرض بالتحليل لعشرات المواد ، الا ان المواد سالفة الذكر تبقى اكثر من كافية لبيان ما تمثله التعديلات من انتهاكات تاريخية لحقوق قانونية للمتهم استقر عليها القضاء المصري لعشرات السنين.
وبداية يجب التذكير بان تلك التعديلات تأتي في اطار من الغضب الشعبي والرسمي الواسع الذي اثارته الهجمات الارهابية المدانة في مصر مؤخرا، الا ان ذلك لا يمكن ان يبرر ابدا ما تمثله من خطر على حق المواطن في ضمانات كافية لمحكمة عادلة بعد ان تنتهي الاسباب التي أدت إلى تبنيها، وهو ما دفع حتى بعض اشد المدافعين عن النظام إلى انتقادها.
ومن المثير للانتباه ان تلك التعديلات كانت جاهزة عند الأمانة الفنية للجنة العليا للإصلاح التشريعى، وهي لجنة حكومية، ومن الواضح انها استغلت المعطيات السياسية لتمريرها.
اما بعض اهم ما تعنيه هذه التعديلات على الارض فيمكن اجماله فيما يلي:
1 ـ توسيع الاعتقالات بمجرد اقرار القانون الجديد لمكافحة الارهاب، على اساس الاشتباه، طبقا لتحريات امنية مجهولة المصادر غالبا.
2 ـ نهاية عمليا للمواد الدستورية التي تشدد على حماية الحياة الخاصة للمواطنين، عبر اتاحة التنصت والمراقبة دون اذن قضائي.
3 ـ اختصار درجات التقاضي، بمنح محكمة النقض الصلاحية في الفصل في الدعوى من المرة الاولى بدلا من اعادة القضية إلى محكمة الجنايات كما هو متبع حاليا. وبالتالي يمكن توقع تأكيد الاحكام الصادرة بالاعدام ضد قيادات جماعة «الاخوان» خلال شهور قليلة.
4 ـ الغاء الحق التاريخي للمتهم في اعادة محاكمته إذا سلم نفسه او قبض عليه بعد ادانته غيابيا، بمجرد حضور وكيل عنه في المحاكمة. وهكذا تصبح أحكام الإعدام الغيابية على سبيل المثال باتة ونهائية حتى في حال عدم مثول المتهم امام المحكمة.
وهذا قليل من كثير، يمكن قوله في النصوص الكاملة للتعديلات بعد اعتمادها المتوقع قريبا. الا ان الخطورة الحقيقية تكمن في انها لن تنجح في مكافحة الارهاب، لكن ستزيد حتما من الاحتقان الشعبي بسبب الانتهاكات الحقوقية التي تمثل التهديد الحقيقي وربما الوحيد الذي يواجهه النظام نفسه.
انها دائرة جهنمية تحتاج إلى كسرها بمقاربة شاملة لا تخلو حتما من العنصر الأمني، لكن تقدم رؤية سياسية تجمع ولاتفرق.
رأي القدس