سميح القاسم المد يــر العـام *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 3177
تعاليق : شخصيا أختلف مع من يدعي أن البشر على عقل واحد وقدرة واحدة ..
أعتقد أن هناك تمايز أوجدته الطبيعة ، وكرسه الفعل البشري اليومي , والا ما معنى أن يكون الواحد منا متفوقا لدرجة الخيال في حين أن الآخر يكافح لينجو ..
هناك تمايز لابد من اقراره أحببنا ذلك أم كرهنا ، وبفضل هذا التمايز وصلنا الى ما وصلنا اليه والا لكنا كباقي الحيونات لازلنا نعتمد الصيد والالتقاط ونحفر كهوف ومغارات للاختباء تاريخ التسجيل : 05/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10
| | من قانون الدول إلى قانون الشعوب، جون رولز نموذجا | |
من قانون الدول إلى قانون الشعوب، جون رولز نموذجا
هناك مشهد جديد يرسّخ لدينا الإحساس بالكارثة و ربما الغثيان الذي يحمل في طياته توجّسا و صرخة كئيبة و قلقة تجاه الوضع الذي ألمّ بعقلنا العربي الذي قارب على الانطمار. عقلنا الذي انزلق و تورّط في مغامرة الانغلاق و التطرف و الإيماءات المحرّضة ، فاحتبس الاندهاش و التعجّب فانعطفت تاريخية حداثتنا وراء نقطة جوفاء: الميلاد و الموت، بعد أن كنا قد شرعنا في التأسيس الأنطولوجي لها على خطى هيدغر و جون رولز و هابرماس ... إن هذا التقهقر صار ذا طبيعة لا شخصية ، فهو يجتذب مفاعيل اجتماعية و ثقافية تتخطى حدود جغرافيتنا السياسية بتركيبة أخّاذة ، ينصهر فيها الانجليزي و الأمريكي و الإيطالي و الفلبيني.... لتومئ بتجمّع شمولي يظهر نفسه كتجسيد إبداعي لالتقاء الشعوب . التقاء يندفع بقوة في اتجاهنا نحن ليطوي جغرافيتنا و يؤسس لخارطة جديدة : دولة داعش . و ما يضاعف من حدة القلق الناشئ ،أن تشكل هذا النسيج الشمولي ، يتم وفق مقاييس لا تستجيب إلى الخيارات التقليدية في المواجهة . فهو يتغلغل بمنطق الهوية المتحولة التي تنسف التناسبات الاجتماعية و التاريخية ( الأسرة ، الدولة الوطنية ، القومية ...) . إنه إطار مطابق لوظيفته الجهادية ؛ لذلك فهو لا يتوان في تركيز شرعية مغايرة للتاريخ و لقانون الشعوب. فمأزقنا هو طبيعة هذا الفكر الذي يجرف نحونا جنسيات مختلفة تصارعنا في أحلامنا و حداثتنا بلغة الدم ، لنكون عرضة للتهديد الانطولوجي و الانتهاك المندفع صوب نسيان الحضارة و الثقافة صوب الفناء و العدم. إننا بحاجة أن نفكر في حقبتنا المعاصرة بوصفها حقبة أزمة عميقة تعصف بقناعة حكيمة تظهر جليا في فكر جون رولز ، وهو يشرح بتصميم تصوّره عن قانون الشعوب بما يعنيه من التزام الشعوب في علاقاتها البينية بالمثل العليا و مبدأ التسامح. و قد وجدنا أن هذه الإشكالية هي أحد وجوه أزمتنا الذاتية ، فالصورة النمطية للجامعة العربية التي لم تكوّن مواقف مشرّفة على مدى تاريخها ( إذا ما استثنينا حرب 6 أكتوبر) في مواجهة همجية الكيان الصهيوني الذي استباح عرضنا و حرمة أرضنا ، لتخرج اليوم من رمادها و تشعل حروبا لا تنغّص العلاقة بين أبناء الشعب العربي الواحد ، التي تدحرجت إلى مرتبة دونية، بل لتعمل على مسخ هويتنا و تقوّي خشيتنا من أن يأتلف على شفير هاويةـــ ما يسمى زورا " عاصفة الحزم" ( اقتباس أمريكي لعاصفة الصحراء)ــ محور ينظّر للقبلي و المذهبي و العرقي ضمن أفق مرسوم يعبر جغرافيتنا طولا ، تبعا لولاءات تاريخية متماهية مع الخط الصهيوـــ أمريكي المسلّط على مصير أمتنا العربية. و ليس مستغربا بعد ذلك أن تموّل بعض هذه الأنظمة، التي تتغنّى بالأمن العربي القومي، الإرهاب لتقويض سوريا المقاومة و الصمود و تتقافز في الآن نفسه لتخوض حرب بالوكالة على أهلنا في اليمن . إن هذه الازدواجية تشكّل منحدرا مخيفا هو ما دفعنا إلى الانكباب على دراسة البناء السياسي و الأخلاقي الذي سعى رولز جاهدا لبلورته عن طريق مفهوم نواتي ألا وهو " قانون الشعوب" كترجمة مدهشة ذات طابع كوني لعلاقة جديدة معقولة و متسامحة فيما بين الشعوب . علينا أن نبدأ بالنظر في قانون الشعوب ، فنحن ملزمون باستخراج معياريته من ذاته أولا ، لكي نحدد موقفنا منه لاحقا. يحدد رولز المبادئ التالية التي يستند إليها قانون الشعوب: ـــ الشعوب حرة مستقلة ـــ يتحتّم على الشعوب أن تحترم المعاهدات و التعهدات. ـــ التساوي بين الشعوب ، و لا يجوز استثناء البعض في الاتفاقيات التي تلتزم بها. ـــ لا يجوز لشعب أن يتدخّل في شؤون شعب آخر. ـــ كل شعب له الحق في الدفاع عن النفس و لكن ليس له الحق في التحريض على الحرب لغير الدفاع عن النفس. ــــ تحترم الشعوب حقوق الإنسان. ـــ تلتزم الشعوب بقيود محددة في ممارسة الحرب. ـــ يجب على الشعوب مساعدة الشعوب المغلوبة على أمرها ، أي تلك التي تعيش ظروف غير مواتية تمنعها من أن يكون لها نظام سياسي عادل أو سمح 1 قبل مناقشة هذه المبادئ ، و مهما يكن من أمر وجاهتها، لنعد بتفكيرنا إلى الأساس المنهجي الذي بنا عليه رولز قانون الشعوب. إن هذا التأسيس يلفّه الغموض، فمن جهة نسلّم بوجود شعوب غير متجانسة و من جهة ثانية نوحّد بينها بقانون كلي هو قانون الشعوب. إن هذا الهمّ الفلسفي ينطوي منذ البداية على مفارقة وقائعية ، فالانقذاف وراء " قانون الشعوب" يظل شعارا غير قابل للتحقق .إنه يعيد لنا نفس المسلك الكانطي الذي عرض في " مشروع للسلام الدائم". في الواقع إن هذا التأسيس الرولزي كان مدعوما منذ البدء باعتماد واع لمفهوم اليوطوبيا؛ لذلك نجده يوضّح التعالق بين اليوطوبيا و الواقعية.يقول :" تكون الفلسفة السياسية يوطوبيا واقعية عندما توسّع آفاق ما نعتبره عادة حدودا للإمكانية السياسية العملية"2 . بمعنى آخر إن الظروف التاريخية التي تخبرنا بتعددية المجتمعات و الشعوب لا تلغي إمكانية خلق مشاريع تمتّن التعاون فيما بينها. " إن التعددية المعقولة أمر لا يستدعي أسفا ، لأن وجود تعددية معقولة هو الذي يسمح للمجتمع بقدر أكبر من العدالة السياسية و من الحرية السياسية . و يؤدي بنا طرح هذه القضية للنقاش الجدّي إلى التوافق مع الظروف السياسية و الاجتماعية المعاصرة"3 . سنبدأ إذن من تأويلية وقائعية حول قانون الشعوب تستبطن في داخلها شيء معطى يحيل باستمرار إلى التعددية المعقولة؛ فالحديث عن قانون الشعوب هو إدراك عملي تبلغه شعوبا معقولة تتجه نحو مزيد من الأمل في الحرية و السلم العالمي. ولكن المعنى المفخخ الذي يحمله السؤال: و هل كل الشعوب معقولة ؟ هو الذي يجلب الخلل في الأساس المرجعي لقانون الشعوب. نحن هنا نتحدث عن وعي تاريخي متأصّل في الخبرة العملية للشعوب و تفاوتها في التجربة الديمقراطية . بمعنى آخر بمقدار ما يتأتّى لشعب ما ممارسة الديمقراطية بقدر ما يكشف عن معقوليته. و لأن الديمقراطية لا تزال جنينية حتى لا نقول لم تولد بعد في عالمنا العربي ، فان السؤال الذي يواجهنا: أي منزلة أنطولوجية لنا في قانون الشعوب ؟ إن التجربة الاستعمارية كما حدثت على أرضنا تروي لنا عبث التاريخ ، فقد نهبت ثرواتنا و قتّل الإنسان العربي و قسّمت جغرافيتنا وفق شريعة الغالب ( سايكس بيكو) . إن من يقرأ تاريخنا يجده متخاصما مع قانون الشعوب . إنه ينمّي كراهيتنا للعقلانية الأداتية الغربية . إن هذا المعطى غير مفاجئ في فلسفة رولز ، فهو يقرّ بوجود شعوب معقولة "جيدة التنظيم" و أخرى لا معقولة مثقلة بظروف قاسية . و لكن محاولة رولز المبتكرة تكمن في توضيح كيف تتغلّب الشعوب على هذا المشهد الخطر الذي يجذّر وتيرة الحروب. إن الحل الرولزي يدفع في اتجاه الاستعاضة بمفهوم قانون الشعوب بدل قانون الدول. يقول:" لا تزال السمة الغالبة على السياسة العالمية هي نضال الدول من أجل القوة و المكانة و الثروة في ظل حالة من الفوضى العالمية" 4 . إن الدولة وهي تصارع غيرها من الدول لنيل القوة و بسط السيطرة تستبعد عقلانيتها. إنها تنظر لسائر الدول كغنيمة .أليست الحرب العالمية الأولى و الثانية و حرب الخليج و عاصفة الحزم مظاهر مرعبة لانهيار العقلانية داخل التاريخ.إن حرص رولز لاستخدام قانون الشعوب هو ضرب من الاستباق المقاوم لمثل هذا المصير المحتوم، مصير ضدي ينغمس في جدل القوة بوصفها تبعثر معقوليتنا و تسحقها.يقول:" المقصود باصطلاح قانون الشعوب هو أن أؤكد هذه السمات المهمة التي تميّز الشعوب عن الدول وفقا للتصور التقليدي ، و أن ألقي الضوء على الصفة الأخلاقية للشعوب و الطبيعة العادلة أو السمحة لنظمها. النقطة ذات الأهمية هنا أن الشعوب تستمد ما لها من حقوق و ما عليها من واجبات فيما يتعلق بما يسمى سيادتها من قانون الشعوب ذاته. و هو القانون الذي تقرّه جنبا إلى جنب شعوب أخرى" 5 . تبيّن الملاحظة التالية أن قانون الشعوب يرمز إلى جملة من المبادئ و المعايير القيمية التي يستند إليها شعب عادل و سمح في علاقته بشعوب أخرى عادلة و سمحة. و لكن ماذا عن الشعوب غير العادلة و غير السمحة؟ ما الأساس الذي نحتكم إليه لنقول عن هذا الشعب بكونه عادل و سمح و عن ذاك بكونه غير عادل و غير سمح خصوصا و أننا نسلّم بوجود تقاليد فكرية و ثقافات مختلفة دينية و غير دينية تميّز الشعوب عن بعضها البعض؟ من وجهة نظر معاكسة ، و بغية توضيح الضرورة المحايثة لللامعقولية، يمارس جورج لوكاتش تحليلا عيانيا و منهجيا لرؤية العالم اللامعقولة منطلقا من واقعة لا عقلانية انتهت بألمانيا إلى الهتلرية،" فليس ثمة فلسفة بريئة خصوصا في علاقتها بمشكلاتنا"6 . إن هذه المقاربة تحفّزنا على مساءلة العقل الذي يتعقّل ذاته كخطاب غير منفصل عن التوظيف الإيديولوجي لـ " أن العقل نفسه لا يمكن أن يكون شيئا ما حياديا يحلّق فوق الأحزاب و التطوّر الاجتماعي"7 . ما أردنا قوله هو أن نبدأ بدراسة "قانون الشعوب " على نحو ما يخبرنا رولز ، بوصفه يوطوبيا واقعية بين شعوب متعددة و معقولة . إن هكذا انفتاح يستلزم رفض تسليط الانتقام المحض كاستراتيجيا عقلانية ضد الشعوب اللامعقولة، لأن " اللاعقلانية بدورها تتماسك بشكل وثيق و تقدم طابع وحدة عميقة و ملفتة للنظر " 8 . أليست داعش ضرب من ضروب اللاعقلانية المتماسكة؟ إن ما ذهب إليه لوكاتش هو ذاته ما يشكل أحد المنطلقات لانتصار اللاعقلانية في نظر نيد ليبو الذي بيّن أن المعالم المحورية للمنازعات و الحروب كانت و لا تزال تقوم على دوافع لا عقلانية . إن مراجعتنا لهذه الدوافع من الناحية التاريخية تضعنا إزاء ثلاث تحولات مهمة للتفكير: ـــ الثروة و انعكاساتها على العلاقات الدولية التي كانت تستند إلى اعتقاد مضلل مفاده أن زيادة الثروة لدولة ما يكون دوما على حساب دولة أخرى. ــــ السعي للحفاظ على المكانة و حب التنافس. ـــ السعي الجمعي مقابل الذاتي من قبل المنتصرين في الحروب النابليونية إلى العمل بشكل جماعي للحفاظ على الوضع القائم بعد الحرب. 9 . و المشكلة هنا أن منطق تعددية الشعوب المتمايزة ( شعوب جيدة التنظيم ، شعوب سمحة ، ، شعوب تعيش في ظروف غير مواتية، شعوب خارجة عن القانون...) تنتج تحيّزات راسخة ضد قانون الشعوب الذي قد يتحوّل إلى مضلّة لتبرير ما يناقضه. فكيف نجمع بين معيار تعددية الشعوب و صياغة قانون كلي يتوسطها لحل النزاعات بينها؟ ليس ثمة إجابة سهلة ، رغم أن رولز يطرح مسلمات أولية حول كيفية بدء المناقشة: إن مسألة قانون الشعوب تدور حول جوهر أو محتوى واحد ، يتعلّق بشعب محلي عادل بدرجة معقولة؛ أي أنه من المهم أن نوضّح معنى أن يكون شعبا ما معقولا لنصل بعد ذلك إلى تفسير نسقي محكم لقانون الشعوب كيوطوبيا مستهدفة مرغوبة و قابلة للتحقق. و سوف يكون من السابق لأوانه أن نقبل بهكذا تناسب و لا زلنا لم نعرف بعد ما إذا كانت اليوطوبيا الواقعية تظهر لتوجّه تجربة المجتمع المحلي أم أنها ممنوحة لكل الشعوب لما تحتويه من مضامين و مقاييس موجّهة. و سواء كان هذا الخيار واقعي أم خيالي ، دعنا نفترض أننا نستطيع التوافق على ناموس يقودنا إلى هذه الإستراتيجية الجذابة لدعم الأمن الجغرافي و السياسي فيما بين الشعوب. ينبغي علينا حينئذ أن نفسّر اليوطوبيا الواقعية في تسلسلها من المحلّي إلى الكلي . فما المقصود باليوطوبيا الواقعية؟ اليوطوبيا الواقعية عند رولز ليست سوى تلك الشروط المطلوبة لما يمكن أن نعتبره ديمقراطية دستورية عادلة بدرجة معقولة. فبقدر ما نعزّز العدالة داخل مجتمع محلي ديمقراطي بالقدر ما يصح القول بأنه مجتمع معقول. من المحتمل أن نسوّق شعار الديمقراطية داخل مجتمع ما و لكنها تظل ممارسة خاوية و شكلانية ما لم يصاحبها تطبيقات لنظام اجتماعي عادل، بمعنى آخر إن الديمقراطية عند رولز هي أسلوب تطبيق العدالة التوزيعية أي أنها الشرط المسبق و الأساسي لتبني نظام ديمقراطي. و لكي نوضّح هذه الفكرة يضبط رولز شرطين أساسيين لكي يكون تصورنا عن العدالة تصورا واقعيا: ـــ الاعتماد على قوانين طبيعية فعلية تحقق الاستقرار وفق أسباب صحيحة تتعامل مع البشر كما هم بمعزل عن أي خلفيات أو رواسب طبقية أو دينية... غير أن الاستقرار وفق أسباب صحيحة يستلزم هو أيضا خمسة متطلبات و هي كالتالي: * التكافؤ في الفرص . * التوزيع العادل للثروة. * احترام الذات و تأمين شروط حياتية لا تؤدي إلى تدمير احترامها لذاتها و احترام الآخر لها. * تأمين الرعاية الصحية الأساسية لجميع المواطنين. * تمويل الانتخابات و دعم بنية المجتمع المدني. ــــ أن تكتسب المبادئ و القواعد الأساسية في تصورنا للعدالة بعدا عمليا ممارساتيا قابل للتطبيق و يتناغم مع فكرة الإنصاف. و بالتوازي مع هذين الشرطين يحدد رولز ثلاثة مبادئ لكي يكون تصورنا للعدالة معقــولا و هي : ـــ تحديد الحريات و الحقوق الأساسية التي تنصص عليها النظم الدستورية. ـــ أن تمنح تلك الحقوق و الحريات أولوية خاصة. ـــ أن تضمن لجميع المواطنين " المنافع و الخيرات الأساسية الضرورية لإعطائهم القدرة على أن يستخدموا حرياتهم استخداما فعالا ذكيا" 10 . يجزم رولز أنه مثلما اعتبرنا المجتمع المحلي بوصفه يحيل إلى شعب عادل بدرجة معقولة ، يمكننا أيضا أن نقرّ بوجود مجتمع عادل لشعوب جيدة التنظيم . فهو " بدوره مجتمع واقعي"؛ و بالتالي فإن التسرّع و المجازفة بتسفيه هذا الرهان بوصفه مجرد افتراض خيالي يظل انطباعا متعسّفا . صحيح أن قانون الشعوب يجسّم أملا للما يجب و لكن واقعيته تكمن في قابليته للتطبيق.هذه القابلية تتأتّى من إمكانية موضعة و تنظيم العلاقات الإنسانية التعاونية بين الشعوب . مشروع رولز إذن يهدف إلى خلق صياغة جذرية لأفق رمزي و قانوني فيما بين الشعوب. و تكتسب هذه المقاربة أهميتها من حيث تقويضها لدعائم قانون الدول و العمل على إعادة خلق الدلالة العريقة للقانون بوصفه قانونا للشعوب. كان مدار كلامنا ، أنه ما من تواصل ممكن بين الشعوب بمعزل عن قانون الشعوب؛ و أنه يتوجّب على الشعوب الجيّدة التنظيم ، بنوع خاص ، أن تدرك أن الاستراتيجيات الصراعيّة التي تقوم على الحرب و القوة لا تؤول سوى إلى تفتيت مجتمع الشعوب . و أن التحليل المعياري الذي بلوره رولز بوصفه يرتكز على فكرة العدالة ، ينبغي فهمه فهما جيدا . فما من ديمقراطية تكون محطّ إعجاب بدون إجراءات تنسجم مع متطلّبات العدالة الاجتماعية. و من الملائم أن نؤكد في هذا السياق أن الإطار الذي يدافع عنه رولز لا يفي بتوجّهات اليوطوبيا الواقعية التي يطرحها، فهو يفكر بمنطق الإطاحة بالتفاوتات الاجتماعية من داخل النسق الليبرالي الذي له أصول توحيدية بظاهرة الاستغلال. يقول:" على الشعوب اليبرالية أن تتعاون مع جميع الشعوب التي لها مكانة جيدة و أن تساعد هذه الشعوب و لو كان من المطلوب من جميع الشعوب أن تكون ليبرالية ( عبر قانون الدول) عندئذ تفشل فكرة الليبرالية السياسية في التعبير عن واجب التسامح" 11 . إن ما لم ينتبه إليه رولز ، يمكن في كون السيطرة الليبرالية في معيشنا المعاصر تفرض بوسائط جديدة ، أهمها القهر الدعائي و الاقتصاد المعولم الذي تطأطئ له الدول . إن هذا التحمّس للفكر الليبرالي ، و إن أمكن تبريره ذرائعيا ، فلا يمكن تبريره إيتيقيا كما لو أن لبّ مسألة العدالة يشترط براديغما جديدة بتعبير آلان تورين12 تخالف هذا التوجه. أو يمكن الكلام ، و الحال هذه، على تدخّل عسكري عربي /عربي يستهدف شعب عربي / عربي، إلا باعتباره ممارسة خارجية تظهر انحطاط مستوى السياسة الدولية العربية التي تتخطى شعوبها في حروب المصالح البالغة الضخامة ؟ مشاريع كسر محور المقاومة بعيدا عن شمّاعة الاصطفاف المذهبي الواهي ( خطر شيعي ) هل تدركون لماذا؟ لأننا ببساطة هوية مؤلفة من فسيفساء عرقية و مذهبية لطالما تساكنت و تعايشت في تاريخها و ستظل هي هي في مستقبلها، و أن ما يتهددنا فعليا هو وجود بني صهيون على أرض عروبتنا، أرض قبلة القبلتين: قدسنا الحبيبة. هناك تطون الشهادة و هناك تدار الحروب. إننا ما زلنا نعتبر أن الصراعات التي تجتذب ساستنا ، إنما هي صراعات مصنّعة تتعارض مع صيغ التحديث لنحرز وجودا مجتمعيا كما نظّر له رولز : مجتمع سمح و عادل بدرجة معقولة. إن هذه المنزلة المحورية التي تشغلها فكرة التسامح تجعلنا نؤمن "أن المعيار الأخلاقي ( هو معطى ) ضروري للمقصد الإيتيقي حتى لا تتحوّل وظيفته النقدية إلى نزوة و عنف"13 | |
|