** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
قراءة في كتاب دين الفطرة  جون جاك روسو: ترجمة عبد الله عروي  الثلاثاء 17 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5   بقلم: محفوظ أبي يعلا    I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 قراءة في كتاب دين الفطرة جون جاك روسو: ترجمة عبد الله عروي الثلاثاء 17 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: محفوظ أبي يعلا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فدوى
فريق العمـــــل *****
فدوى


التوقيع : قراءة في كتاب دين الفطرة  جون جاك روسو: ترجمة عبد الله عروي  الثلاثاء 17 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5   بقلم: محفوظ أبي يعلا    I_icon_gender_male

عدد الرسائل : 1539

الموقع : رئيسة ومنسقة القسم الانكليزي
تاريخ التسجيل : 07/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 7

قراءة في كتاب دين الفطرة  جون جاك روسو: ترجمة عبد الله عروي  الثلاثاء 17 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5   بقلم: محفوظ أبي يعلا    Empty
28042015
مُساهمةقراءة في كتاب دين الفطرة جون جاك روسو: ترجمة عبد الله عروي الثلاثاء 17 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: محفوظ أبي يعلا



قراءة في كتاب دين الفطرة  جون جاك روسو: ترجمة عبد الله عروي  الثلاثاء 17 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5   بقلم: محفوظ أبي يعلا    Arton13906-b208e

 نجد فلسفة الدّين من الفلسفات القليلة الحضور في الأوساط الأكاديميّة العربيّة. فحضور هذه الفلسفة لازال هشاً و ضعيفاً خاصّة من حيث التّأليف والبحث في مواضيعها, وأمّا التّرجمة فقد عرفت بعض الإصدارات المهمة في السنوات الأخيرة, إلا أنّها تبقى ترجمات ضئيلة مقارنة بما كُتب و يُكتب حول فلسفة الدّين. ويعتبر كتاب دين الفطرة لجون جاك روسّو من بين هذه التّرجمات المهمة. وقد قام الأستاذ عبد الله العروي بنقله إلى قرّاء اللّغة العربيّة سنة 2012 .
ويضم الكتاب محتويين رئيسيين, المحتوى الأوّل هو تقديم الأستاذ عبد الله العروي. وأمّا المحتوى الثاني فهو موعظة القس أو موعظة جـون جاك روسّو .


1 ـ تقديم عبد الله العروي


 فـي تقديم الكتاب يتساءل الأستاذ عبد الله العروي عن الفائدة من نقل كتاب روسّو إلى العربيّة. ويجيب: إن المفيد هـو القيام بتجـربة ذهنيّة تساعدنا على فهم كتاب روسّـو و كتابات إسلاميّة شبـيهة بـه . 
 بعد هذا يسرد الأستاذ العروي أجزاءً من حياة روسّو, وكيف أنه التقى بفلاسفة التّنوير, وعن رؤيته السياسيّة , و مواقفه من الثقافة والفنّ والإنسان والمجتمع ..إلخ . ليصل إلى نظريّة روسّو في التّربيّة التي صاغها في كتابه الشهير أميل سنة 1762, و هو الكتاب الذي يحتوي على النّص موضوع القراءة . إذ أن عقيدة القس هي الجزء الرابع من كتاب أميل الذي يتكون من خمسة أجزاء .
 ويلاحظ الأستاذ العروي أن مناقشة المسألة الدّينيّة تأتي متأخرة في مسيرة أميل . فلا يكلمه المربي عن الخلق والخالق إلا بعد أن يتجاوز سن الخامسة عشرة من عمره. إنّها عقيدة فطريّة, خاليّة من كلّ لغزّ, منافيّة لكلّ تعصب, ولا يمكن أن تترسّخ إلا في فؤاد من هذب عليها .
 يبين الأستاذ العروي في تقديمه أن نص دين الفطرة لا يمثل عقيدة بمعناها المألوف عندنا . إن هذا النّص هو خطاب يلقيه قس من جبل السافوا على مسامع شاب فقد الإيمان وكاد يتحول إلى صعلوك زنديق بسبب المآسي التي عاشها. يقوم هذا الشاب بتدوين خطاب القس ويرسله لمواطن كان يقوم بتربية أميل. إن الأستاذ العروي يلاحظ أن تجربة الشاب و القس هي تجربة روسّو نفسه .
 ويسجّل الأستاذ العروي أن هذه العظة الجبليّة تكتسي شكل رسالة تناقش بشكل منطقي جل القضايا التي حاول المتكلّمون مناقشتها من كلّ الملل . و هذه الرسالة مجزأة إلى قسمين. الأوّل: يتعلق بالعقليّات, والثاني بالنقليّات .
 وقد أحصى الأستاذ عبد الله في تقديمه ثلاثين موضوعاً تعرّض لها الكاتب . وانتهى إلى أن مقولات روسّو يمكن أن تُلخص في مقولة واحدة هي : الإيمان في خدمة النّفس , الدّين في خدمة المجتمع, المجتمع في خدمة الفرد. وهذه المقولة تصدم الكنيسة والفلاسفة على حد سواء , حسب العروي, إلا أنّها قابلة للتوظيف من الطرفين .
 يشير العروي في تقديمه إلى فردانيّة روسّو المطلقة التي تمثل أهم أركان الحدّاثة, ولكن تعامله مع الدّين كظاهرة اجتماعيّة سياسيّة يمثل أيضاً ركناً أساسياً من الحداثة نفسها. ويسجّل أن هدف روسّو من التّربيّة الدّينيّة للنشء هو تحرير الذّهن من الأفكار المسبقة المتوارثة. أي من تعاليم الكنيسة. ولكن ليس هذا فحسب, بل أيضاً تحرير الذهن من تعاليم الفلاسفة الماديّين. لقد عمل القس, حسب العروي, على تصفية وجدان الشاب من شوائب الاتّباع والتّقليد حتى يظلّ بريئاً, نقياً صافياً كما خرج إلى الوجود, وحتّى ينعكس فيه, مباشرةً وبصدق, خطابُ الصانع الأوّل.
 و أخيراً , يتساءل العروي في تقديمه عن راهنيّة روسّو. فيبدو له أن خصوم جان جاك أقرب إلى روح العصر المادي. إلا أنّه بكلّ تأكيد, وفق العروي , ليس المقصود بالانتقادات التي توجه للحداثة, لأنه ليس في قلبها. ودعواته وكتاباته كانت على خلاف ما وصلت إليه الحداثة اليوم.
 يكتب العروي منهياً تقديمه ومبيناً أهمية الكتاب الذي قام بتعريبه : كلام روسّو في عقيدة القس الجبلي ليس عن الدّين بقدر ما هو عن الهم الدّيني . وهذا الهم عاد بعد أن غاب, وإن قدر له أن يغيب مجدداً فهو لا محالة عائد مادام الإنسان إنساناً .


2 ـ عقيدة جان ـ جاك روسّو

 يناقش القس في بداية موعظته مسألة الضمير , فيقول : إن الضمير يطيع أوامر الطبيعة ويعاكس قوانين البشر . فإذا رفض المجتمع مسألة ما تبيحها الطبيعة فلا يوبخنا الضمير إلا توبيخاً خفيفاً .
 يتحدّث القس عن التّجارب التي مر بها, و التي جعلت تصوراته عن الفضائل الإنسانيّة يفندها الواقع تفنيداً. لقد فقدت الفضائل في نظر القس بداهتها, فوصل للمرحلة التي وصل إليها الشاب. أصبح في حالة من الشكّ. و ظل يتأمّل وضع الإنسان البئيس ويتساءل: لماذا يحتجب الحقّ عن قلب متشوق إليه متحمس لعبادته؟ يحكي القس أنه كان يبحث عن سرّ الوجود ونظام الحياة. يتساءل: كيف يمكن للإنسان أن يتخذ الشكّ عقيدة ويلتزم بها عن حسن نيّة؟ يقول إن هذا الأمر لا يستطيع فهمه. لذا فالفلاسفة الشكاكون عنده إمّا لا وجود لهم أو أنّهم أشقى سكان الأرض. يقول القس: الارتياب في أمور تهمّنا معرفتها وضع شاق بالنّسبة للعقل البشري. لا يتحمله طويلاً, يلزمه الاختيار, فيفضل أن يخطئ على أن لا يؤمن.
 وأمام هذه الحيرة والشكّ استشار القس الفلاسفة الماديّين الطبيعيّين فوجد أن قاسمهم المشترك هو الجدل و لم يجد عندهم ما ينقذه من حيرته. إنهم حسب نظره عاجزون ومتكبرون , فالعجز والتكبر طبيعة إنسانيّة. إن الإنسان يرغب في معرفة كلّ شيء رغم استحالة ذلك. يقول القس: نحن جزء حقير من كل لا نقف على حدوده , و شاء الخالق أن نجادل في شأنه جدالاً عقيماً. يذهب بنا الغرور إلى حدّ أننا نتطلع إلى معرفة حقيقة ذلك الكلّ والعلاقة التي تربطنا به.
 وأمام هذه الشكوك التي أصابت القس قرر أن يحصر البحث فيما يهمه و ينتفع بمعرفته في الحين. وقد أدرك أن الفلاسفة يزيدون في حيرته, لذا قرر أن يستشير وجدانه. فحتّى و إن ضل بسببه فهو أفضل من أن ينصاع لتمويهات الفلاسفة.
 فاستعرض كل الآراء التي استهوته, واكتشف أنّها قابلة للترجيح. ووصل لقناعة وهي أن أولى الأفكار وأعمها هي أبسطها وأقربها إلى العقل . بعد هذا لم تعد له فلسفة سوى حبّ الحقيقة. واختزل منهاجه في قاعدة بسيطة أعفته من الجدل الدّقيق. فأصبح يرى الحقيقة البديهيّة في كل ما يطمئن إليه قلبه . وكل ما يترتب عن هذه الحقيقة حكم عليه بصحته. وأما غيره فوضعه بين المنزلتين, بل ولا يعنيه توضيحه إن كان لا يؤدي إلى منفعة .
 لكن القس يتساءل مجدداً: من أنا؟ هل يحق لي أن أحكم على الكائنات إن كانت أحكامي متولدة من الأحاسيس التي أتلّقاها من الخارج؟ فيقرر الالتفات إلى ذاته ليعرف الآلة التي ينوي استخدامها وجدوى اعتماده عليها .
 وهكذا نجد القس يناقش موضوع الحواس التي تؤثر فيه . ويفكر: كيف أعرف أن الوعي بالذّات هو غير تلك المحسوسات؟ وهل يمكن أن يستقلّ عنها؟ بالنسبة له المحسوسات داخليّة إذ تشعره بأنه موجود لكن أسبابها خارجة تؤثر فيه رغماً عنه . لكنه يستخلص بوضوح أن المحسوس الموجود داخله وسببه الخارجي شيئان مختلفان.
 فيستنتج أنه موجود لكن مضمون المحسوسات موجود أيضاً وهي ليست أفكاره. إن كلّ ما يشعر به خارجاً عن نفسه ومؤثراً فيها يسميه مادّة. و أما الجدال بين الفلاسفة المثاليّين والماديّين فلا يفيده في شيء. هنا يجد نفسه مقتنعاً بوجود الكون اقتناعه بوجود ذاته. و يرى أنه قادر على مقارنة مضامين أحاسيسه. يقول القس: الرؤية إحساس, المقارنة حكم.الإحساس والحكم شيئان مختلفان.
 و بعد أن يتحقق القس من أمر نفسه يلتفت إلى ما يحيط به, فيرى نفسه تائهاً ضائعاً في الكون الشاسع. إن كل ما يدركه بحواسه في هذا الكون هو مادّة. فيعمل القس على تبين الحركة والسكون فيها... ثم يناقش نفس الموضوع بشكل أوسع فيتحدّث في موعظته عن حركة السوائل و الحيوان..إلخ. أهي عفويّة أم إراديّة؟ إنه يكتشف قوانين الحركة بالتّأمّل والاختيار إلا أن هذه القوانين تدله على النتائج لا على الأسباب. إن المادّة لا تبدع الحركة وإنّما تتلقاها وتوصلها. هناك محرك أول. والأجسام الجامدة لا تؤثر إلا بواسطة الحركة ولا تأثير حقيقي دون إرادة. وهكذا يبني القس أول مبدأ في عقيدته وهو : وراء حركة الكون ونشاط الطبيعة توجد إرادة. إن أول مبدأ في عقيدة القس مرتبط أو يبنى على مفهوم الحركة. يقول القس إن كل ما يدركه بحواسه فهو مادّة. ويرى أن حركة المادة فعل, فلا بد لها من سبب, وإذا ارتفع هذا السبب حلّ السكون. أي أن الأصل هو السكون لا الحركة. يقول: أمّا أنا فإني مقتنع بأن طبيعة المادة هي السكون, وأنّها عاجزة من ذاتها عن أدنى حركة, إلى حد أنّي عندما أصادف جسماً متحركاً, أحكم على الفور إمّا أنه حيّ و إمّا أنه مدفوع بقوّة خارجيّة عنه. عقلي يرفض رفضاً باتاً أن تكون المادّة غير المنتظمة تتحرك من ذاتها أو تقوم بأي فعل مهما يكن. يرَى القس أن الأجسام تخضع لنوعين من الحركة, إحداهما مستعارة والأخرى أصليّة أو إراديّة. ويذكرنا روسّو هنا بمفهوم الحركة عند أرسطو, و الذي يعد مفهوماً رئيسيّاً في فلسفة هذا الأخير. فأرسطو كان يرى أن الحركة في عالم ما تحت القمر حركة قسريّة, بمعنّى أنّها لا تحدث إلا بفعل فاعل. وأن الأصل في هذا العالم هو السكون وليس الحركة, ولذلك فكلّ حركة فيه تنتهي إلى سكون. ويفسر ويحلل القس مفهوم الحركة ليصل إلى الفكرة التّالية: “هذا الكون متحرك, حركاته متناسقة, متواترة, خاضعة لقوانين قارّة. فلا يملك إذن تلك الحريّة ـ العفوية ـ التي نشاهدها في حركات الإنسان والحيوان أي باعث الحركة إرادي, داخلي. بالتالي ليس حيواناً ضخماً يتحرك من ذاته. حركاته ناجمة إذن عن عامل خارجي. لا أستطيع أن أراه , لكني مقتنع في قرارة قلبي أنه موجود إلى حدّ أني لا أكاد أرى الشمس تسير من دون أن أتخيّل قوّة تدفعها, أو الأرض تدور من دون أن أشعر أن يداً تديرها. وعلى هذه الفكرة ينتهي القس إلى نتيجة يعبر عنها بقوله: كلما تأمّلت الطبيعة, ما فيها من فعل وفعل مضاد, كيف يؤثر بعضها في بعض, وجدتُ نفسي مرغماً على الرجوع القهقرى من نتائج إلى نتائج, ولزمني اللّجوء إلى مشيئة هي المحرك الأوّل. ويقول أيضاً: أمّا القول إن المادّة تبدع الحركة, فيعني أننا نتخيل فعلاً بلا فاعل, أي نتخيل قطعاً لا شيء. الحركة إذن دائماً تابعة لمحرك, أو الفعل يحتاج لفاعل, وتقف الحركة في النهاية عند المحرك الأوّل الذي يرى أرسطو أنه محرك لا يتحرك, ويرى روسّو أنه إرادة أو مشيئة .
 وثاني مبدأ من عقيدة القس وهو العقل يبنى على المبدأ الأوّل. لذا فهو متضمن في الفكرة التالية: إن كانت حركة المادة تدل على وجود إرادة, فإن المادة المتحركة حسب قوانين ثابتة تدلّ على عقل.
 ثم يناقش القس مجموعة من الأفكار إلى أن يصل إلى المبدأ الثالث من عقيدته وهو مبدأ الحريّة. فالإنسان في نظره حرّ في أفعاله. وحريته أمر ضروري.
 يتوقف القس في الصفحة السادسة و الثمانون عن سرد موعظته. ويحل صوت الشاب كراو. فيتحدّث عن أن هناك اعتراضات ظهرت له على أقوال القس. إلا أن ضميره كان يؤكد له كل ما تقوله الموعظة. ثم يطلب الشاب من القس أن يكمل حديثه خاصة عن الوحي والكتب المنزلة. فيبدأ القس في السرد بعد أن يعانق الشاب. و نذكر أن الموعظة هنا تنتقل لقسمها الثاني, أي للنقليات, بعد أن ناقشت العقليات في قسمها الأوّل.
 يخبر القس الشاب بأنه سيكمل حديثه وسيطلعه على الكلّ لا على الجزء مما يؤمن به. لكنه ينبهه إلى أن العقيدة المهمة والنّافعة هي التي قالها. أمّا ما سيقوله الآن ففيه اختلاف كبير. و لذا لا يعده سوى بأن يكون صادقاً معه. يقول القس: الحقيقة ابحث عنها أنت أما أنا فلا أعدك إلا بالصدق وحسن النيّة .
 يقول القس إنه ما إن أراد البشر أن ينطقوا الخالق من خلال الوحي حتى أنطقه كل واحد على هواه. ويتمنى: لو اكتفوا بما أملاه الخالق على قلب كل فرد لما وجد على الأرض سوى دين واحد.
 ويرى القس أن بنود دين الفطرة هي العناصر التي تكونت منها كل نحلة. وأن أي إنسان من حقه أن يتأمّل ويفكر وفق وجدانه, وأن لا ينخدع بأقوال غيره الذين لا يعرفون أكثر مما يستطيع معرفته من خلال عقله. ولذا فهو يشكك في الوحي وفي فائدته. ويشكك في الخوارق بحجج متنوعة .
 ولهذا نجده يعرض محاورة جميلة وعميقة بين شخصيتين . الأولى تحمل اسم الملهم, ويقصد بها رجل الدّين المجادل بالوحي . والثانية تحمل اسم المتعاقل, و يقصد بها الفيلسوف الذي لا يصدق كل ما يقال ويجادل بالعقل .
 بعد هذا يناقش القس موضوع الديانات وكثرتها وتنوع لغة وحيها, الأمر الذي يجعل البحث عن الدّين الصائب والصحيح صعباً.
 ثم يتحدّث عن الاضطهاد الذي مارسه النّصارى على اليهود. و يعدُ موقف روسّو من اليهود في هذا النّص موقفاً مميزاً و استثنائياً, إذ إنه أبدى تعاطفه مع اليهود, فأشفق عليهم لأنهم تحت رحمة المسيحيّين الذين أذاقوهم الاضطهاد والعذاب. فقال: لو تجرأ أحدنا وبادر بنشر كتب تحابي صراحة ديانة اليهود, لعوقب في الحين المؤلف والنّاشر والكتبي . القمع يريح ضميرنا ويجعلنا نشعر أننا دائماً على حقّ. يسرّنا أن نفحم أناساً لا يجرؤون على رفع صوتهم. وأورد في هامش النّص نازلة افتاء متكلمي الكاثوليكية بإحراق كلّ كتب اليهود بلا استثناء, فاستشير في هذا الأمر أحد الشخصيات الشهيرة واسمه روشلين , فأجاز عدم إحراق المؤلفات التي لا تهاجم المسيحيّة, وتتعلق بأشياء بعيدة عن الدّين. فماذا حدث؟ لقد قامت القيامة ضدّه وأوشك على الهلاك بسبب قوله ذاك .
 إن موقف روسّو من اليهود يعبر عن مبدأ التعايش الدّيني الذي غاب عن أحد معاصريه, وأحد أهم فلاسفة تلك الفترة التي عاش فيها جان جاك, وأعني فولتير. فقد انتقد فولتير اليهوديّة بشكل ساخر. ولم يكن وحده من باشر هذا الانتقاد و السب لليهود, بل كثير من مفكري ذلك العصر أمثال ديدرو وهولباخ وآخرون ممن اعتبروا اليهود ماديين, وجشعين , ومرابين. ويقول فولتير, على سبيل المثال, في ذمه لليهود:” لن أكون مندهشاً إن أصبح هؤلاء النّاس ( اليهود ) يوماً ما مدمرين للجنس البشري ... لقد فقتم ( أي اليهود ) كلّ الأمم في صنوف الكذب, وفي السلوك السيء, وفي الهمجيّة ,إنكم تستحقون العقاب لأن هذا هو مصيركم ".
 فأن يتخذ روسّو هذا الموقف الأخلاقي من اليهود لهو دليلٌ على روحه المتسامحة, وعلى أنه ساهم بشكل كبير في ترسيخ قيم التّسامح والتعايش وقبول الآخر في الفكر الغربي .
 وينهي القس موعظته بإعطاء بعض النصائح للشاب. وآخر كلمة يقولها القس هي كلمة: آمين. وهي كلمة محذوفة في بعض الطبعات كما يشير الأستاذ العروي في الهامش.
 ختاماً, من الصعب تحديد ما يمكن التعليق عليه في هذا الكتاب, فأغلب مواضيعه يمكن أن تكون محل مناقشة وتعليق, بيد أننا اقتصرنا على مناقشة مسألتين: الأولى, مفهوم الحركة, والثانية موقف روسّو من اليهود. بقي أن نقول إننا خرجنا من قراءتنا لهذا الكتاب بعدة فوائد يصعب حصرها. ولكن يمكن أن نذكر أهم فائدة في نظرنا وهي: إن دين الفطرة لا يعني الخروج عن دين الجماعة وبالتّالي الإلحاد, وإنّما يعني إشاعة روح التّسامح وقبول الآخر ورفض التّعصب بكلّ أشكاله. فالقس ظلّ يقيم طقوسه الدّينيّة . غير أنه لا يبث في أتباعه روح التعصب وبغض إخوانهم . إن هذا الكتاب يخاطب القلوب والعقول, وهو بالفعل, كما قال الأستاذ العروي, إجابة عن سؤال التّعبد المناسب لمجتمع يعتقد أنه وجد في علم الماديات بديلاً كافياً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

قراءة في كتاب دين الفطرة جون جاك روسو: ترجمة عبد الله عروي الثلاثاء 17 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: محفوظ أبي يعلا :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

قراءة في كتاب دين الفطرة جون جاك روسو: ترجمة عبد الله عروي الثلاثاء 17 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: محفوظ أبي يعلا

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» قراءة في كتاب دين الفطرة لجون جاك روسو الأربعاء 13 أيار (مايو) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: إبراهيم أيت إزي
» لماذا استدعى “ايزيا برلين” الأموات وهو بصدد صنع ليبراليته؟ الثلاثاء 24 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: مناف الحمد شارك اصدقاءك هذا المقال
» لماذا استدعى “ايزيا برلين” الأموات وهو بصدد صنع ليبراليته؟ الثلاثاء 24 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: مناف الحمد
» في نقد الروحانية الرثّة السبت 28 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: حميد زناز شارك اصدقاءك هذا المقال
» الحبّ كمفهوم حداثي (2) الخميس 11 حزيران (يونيو) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: محفوظ أبي يعلا

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: