“بالتضحية والإخلاص نعيش حياة الألتراس”، عبارة، ومثلها كثير، نجدها منقوشة على الجدران في الأماكن العمومية. قد نظن أنها مجرد عبارات فارغة من المعنى أو مجرد لغو. لكن ليس الأمر كما نتوقع، فكل كلمة من مثل ما يدونه الشباب للحديث عن الألتراس له دلالات وجودية، له تجارب تاريخية، هو موروث ثقافي جديد، إنها ثقافة الشباب الجديدة، عقيدة المستقبل.
كم من أب وأم يحترق كبدهما لحظة هجرة ابنه أو ابنته لمساندة فريقه، ولمصاحبة أقرانه للبلدان البعيدة ولأيام عديدة دون رخصة عائلية، بلا مال ودون خوف...هذا الشباب يجد ذاته هنا، مع الألتراس، هنا فرحته وحزنه، هنا حياته ووجوده...لهذا يبقى موضوع شباب الألتراس موضوعا له أهمية قصوى، رغم أنه لم يحظ بالدرس والتحليل. إنه موضوع غير مفكر فيه أو على الأقل مسكوتا عنه، خاصة في المغرب.
فقبل، أثناء وبعد مباراة لكرة القدم يكثر الحديث عن الأداء التقني للاعبين مع تقويم جودة أو رداءة اللعب, هنا يكثر الهدر، ويتعمق النقاش حول الممارسة الرياضية داخل حلبة الملعب إن على جهة السلب، إن كان الفريق خاسرا، آو على جهة الإيجاب إن كان الفريق رابحا. هذه هي السمة الغالبة على كل التعليقات الرياضية مهما كانت طبيعتها سواء صدرت عن متخصصين أو عن صحفيين أو حتى عن متطفلين. وفي كل مقام للكلام عن رياضة كرة القدم تبقى الألسن مشدودة إلى التداول في ما هو تقني محض، مما ينتج عنه إغفال جانب مهم في هذه الرياضة ألا وهو الجمهور, هذا الذي لا نتذكره إلا بعد حدوث انفلات أمني أو مشادات أو تجاوزات داخل المدرجات. في هذه الحالة يتم تصنيف هذا الجمهور في خانة أعمال العنف وتصنف سلوكياته ضمن أعمال الشغب. وهذا ما يجعل القائمين على الشان الرياضي يبحثون عن حلول لمحاربة كل أشكال عنف الجمهور، ماديا كان أو رمزيا. بحيث تصل هذه المحاربة إلى ذم الجمهور وزجره بل وإصدار قوانين صارمة يعتقد دعاتها أنها الكفيلة بإلجام الجمهور في مدرجات الملاعب.
خلافا لهذه المقاربة الزجرية للجمهور التي تحكم علية انطلاقا من منطق المراقبة والمعاقبة، والتي تصنفه ضمن الرعاع والغوغاء والمشاغبين، تروم هذه الدراسة الانطلاق من تصور مغاير لهذه الأحكام القبلية، تصور يعيد للجمهور اعتباره ويصحح بعض الأحكام المتسرعة والجاهزة والمسبقة التي تشكل عائقا إبستمولوجيا لفهم هذا الأخير باعتباره جزءا ضروريا في لعبة كرة القدم. فمباراة كرة القدم التي تستحق هذا الاسم لا يمكن أن تكون إلا بحضور الجمهور باعتباره اللاعب رقم 12 . فهذا الأخير هو الذي يمنح للمباراة الحيوية ويجعلها مفعمة بالحياة. وحتى في الحالات التي يمنع فيا الجمهور من حضور مباراة، كالإجراءات العقابية التي تتخذ في حق بعض الأندية – ما يعرف بالويكلو –، يكون الملعب باردا والمباراة جامدة والعلاقات بين اللاعبين ميتة. الجمهور إذن، هو العقل الفعال والدينامو المحرك الذي يمنح لهذه اللعبة أشكالا من الفرجة، الجمهور هو الذي يضفي على اللعبة أصنافا من الاحتفالية، ويضخ الدينامية، بل والحياة في شريان الملعب.
جمهور كرة القدم ضروري للمباراة الحية، كما أن الماء ضروري للحياة النامية. وكل اختزال لهذا الجمهور في المقاربات الأمنية والزجرية هو تعسف على الجمهور، بل وعلى كرة القدم نفسها. فالرياضة تزينها جماهيرها، هذه الأخيرة هي التي تجعل المباراة أكثر جمالاً و حماسة. فعند غياب الجمهور و حماسهم عن ارض المعلب “تصبح اللعبة مملة و باردة و لا نشاهد حماسة و لا نشاهد أداء فني !فلعبة بدون جمهور كطعام بلا ملح !!وحتى منظر المدرجات خالي لا يبعث بالتفاؤل والانتعاش فاللاعب يلعب الكرة من اجل أن يراها الجماهير !!”
صحيح أنه تقع هنا أو هناك بعض التجاوزات من طرف بعض مكونات الجمهور، خاصة المراهقون. لكن تعميم الحكم على كل الجمهور ليس موضوعيا، لان داخل الجمهور هناك أشياء تستحق النظر ويتطلب فهمها كثيرا من الصبر والأناة، وتنويع المقاربات وأساليب البحث للكشف عن المستور والمغمور في ما يجري ما بين الجمهور وداخل المدرجات من أمور.
عندما نستحضر الجمهور الرياضي لكرة القدم، وبالأخص جماعات الألتراس، يتطفل الجميع ليحلل و ينتقد ، بل و يصدر أحكاماً بالجملة قبل أن يفكر و يبحث في ماهية الألتراس، ففي ملاعب كرة القدم بجميع أنحاء العالم نعرف أن الألتراس هم جماعات المشجعين الشباب، هاته الجماعات التي لا يستطيع أحد التشكيك في حبها و ولائها لفريقها الرياضي، تشجيعه في السراء و الضراء. يجمعهم الحب و الإحساس للمجموعة. وكلمة “الألتراس” تعد إحدى نماذج الانتماء و الولاء و العمل الجاد من أجل تحقيق النجاح.
فماذا يقصد بالجمهور الرياضي؟ وما علاقاته بالأندية الرياضية ؟ وماذا نقصد بالألتراس عامة والمغربي خاصة ؟ وما هي مكوناته؟ وكيف تحدث الدينامية المجتمعية داخل هذه الجماعات؟ وما هي تأثيرات هذه الجماعات على المجتمع وعلى الاقتصاد وعلى السياسة ؟ ما هي ثقافة جيل الالتراس وفلسفته؟
لمقاربة هذه التساؤلات، سنحاول أن ننظر في ظاهرة الالتراس بالمغرب، هذه الجماعات التي بدأت في الانتشار على امتداد التراب المغربي انطلاقا من سنة 2005، لتلازم الكثير من الأندية الرياضية المشهورة. ورغم أن ظاهرة روابط المشجعين “الألتراس” قد انتشرت في مدرجات الملاعب المغربية وبدأت تعرف طريقها إلى مدرجات البطولة المغربية حديثا، فإنها أضحت المحرك الأساسي للمتعة والفرجة الكروية، بفضل ما تقدمه من صور إبداعية، عبر “التيفوات” و“الفلام”، والتي تتفنن في إنجازها لدرجة
أوصلتها إلى العالمية، حيث احتلت مثلا ألتراس “وينرز” المرتبة السابعة في الترتيب العالمي، فيما جاء ألتراس “غرين بويز” في المرتبة الحادية عشر عالميًا بل وأصبح أصبح للأتراس عامة قوة
تخوّل لهم التحكم في زمام الأمور، حيث أضحت قوة ضاربة، يصل مداها إلى أبعد ما يمكن تصوره، وبإمكانها تغيير رئيس الفريق، إذا لم يرقهم أدائه.
ولذا فإن تناولنا لهذه الظاهرة سيتم انطلاقا من العناصر التالية :
1 – الألتراس: تعريفها، مبادئها وخصائصها:ظهرت في العقود الأخيرة من القرن العشرين ثقافة جديدة في مجال كرة القدم، هدفها الفرجة والتشجيع، إنها مجموعة (الالتراس). إنها جماعات تشجيعية تحرص على تشجيع الفريق أو الكيان الذي تتبعه والتنقل معه أينما حل وارتحل، عن طريق شعارات وأغان وألوان خاصة بها. وتقوم فلسفتها أو تصوراتها على التشجيع المجنون للفريق، فريقها. هذه المساندة التي تقترب من درجة التعصب.
فماذا نقصد بالألتراس عامة والمغربي خاصة ؟ وما هي مكوناته وخصائصه؟
“الألتراس” Ultras كلمة لاتينية تعني حرفيا “الفائق” أو “الزائد عن الحد”، أما المعني الشائع لها فهو التعبير عن المجموعات التي تعرف بانتمائها وولائها الشديد لفرقها الرياضية، وكان المفهوم يستخدم سابقا لوصف مناصري قضية معينة بشكل يفوق ولاء أصحاب القضية الأصليين لها، ثم انتقل المفهوم إلى مجال الرياضة، حيث استخدم لوصف مشجعي ناد معين.
وإذا صح أن الاهتمام بكرة القدم، كواحدة من أهم الألعاب شعبية في العالم لزم عنه وجود عدد من المشجعين المخلصين للعبة أو لنواد معينة، وإذا كانت طاهرة المشجعين هي قديمة قدم اللعبة نفسها، حيث أن خبراء كرة القدم والمهتمون بها، عادة ما كانوا يرصدون عددا من المشجعين الذين ارتبطت أسماؤهم بفرق أو بلاعبين معينين، أو الذين عملوا على تشجيع فرقهم بشكل دائم ومستمر، بل وحتى السفر معهم إلى أماكن إقامة المباريات الخاصة بهم، فإن ظاهرة الالتراس هي ظاهرة حديثة في المجتمع العربي، وحتى الغربي.
ما نعرفه عن مجموعات “الألتراس” أنها تستخدم مصطلحات خاصة بها، مفاهيم لا يفهمها إلا أعضاء الألتراس، وبها يتواصلون ويتفاهمون.من بينها مكونات جهازها المفاهيمي نذكر:
مصطلح “الباتش” Batch أي “اللوجو”- العلامة المميزة - الخاص بالألتراس، وهو عبارة عن لافتة يصل كبيرة طولها إلى 10 أمتار أحيانا، وتحمل شعار المجموعة وألوان الفريق. علما أن الشعاريتم اختياره بعناية من قبل الأعضاء، ويعلق بالمدرجات للتعريف بهم.
علامة “التيفو” Tifo، وهي كلمة إيطالية تعني “المشجع”، وهي عبارة عن دخلة أو طلعة تقوم بها مجموعة الألتراس لتعبر عن رأي أو فكر وغالبا تكون في بداية المباراة.
مصطلح “روح الالتراس”Ultras Spirit ، حيث تعتقد مجموعات الألتراس عالميا في وجود ما يسمى بروح الالتراس، وهي روح يولد بها أعضاء الالتراس، ولا يفقدونها مهما حدث. يصفونها بأنها “تلك الروح المقدامة المثابرة العاملة في صمت وجهد لتحقيق أهداف عظيمة لا يتم إنجازها، إلا إذا انصهرت أرواح أفراد المجموعة في كيان واحد تحت علم ناديها”. وكل ذلك ضد الجميع من وسائل الإعلام التي تهاجمهم باستمرار، وضد الفرق المنافسة وأحيانا ضد المخربين من أبناء النادي أنفسهم. ولذا تطلق مجموعات الألتراس على نفسها “خط الدفاع الأخير” الذي يدافع عن كرامة واسم النادي الذي ينتمون إليه ، ويحملون علي عاتقهم الحفاظ علي الصورة المشرفة لجماهير ذلك النادي الذي عشقوه وترجموا هذا العشق بأفعال يشهد الجميع بها.
الكابو capo : لا يوجد لجماعة لألتراس رئيس، فالمجموعة تتكون من مجموعة من المؤسسين الذين سرعان ما يتراجع دورهم بعد أن تصبح المجموعة قادرة علي الوقوف علي أرض صلبة. ويدير العمل داخل الألتراس مجموعات عمل صغيرةTop Boys ، تختص كل منها بتنظيم أنشطة المجموعة من تصميم وتنفيذ اللوحات الفنية وقيادة التشجيع داخل المدرجات وتنظيم الرحلات والإشراف علي مصادر تمويل المجموعة. لكن داخل الملعب يوجد شخص يتميز بنوع من الكاريزمية له يعود الدور في تحريك الجماهير: تنظيم الهتاف، الأغاني، الرقص...فالكابو يعتبرمسئولا عن اختيار الأغاني والهتافات وتوقيتها وحركات الأيدي والتشكيلات
البوجا : وتعني أن أعضاء الألتراس، خاصة الشباب منهم، ملزمون بالغناء والرقص على طول المباراة. كما ترتبط بسلوكيات معينة ترتبط بالتشجيع الدائم والمستمر للفريق طوال مدة المباراة، دون الاهتمام بالمشاهدة الفعلية لأحداث المباراة. فالألتراس يتميز بالتركيز على روح المجموعة باعتبارها كيان واحد لا يتجزأ، ومن ثم تغيب أي نزعات أو تطلعات فردية، فقيمة عضو الألتراس بما يقدمه للمجموعة من جهد وعطاء. ولذا يظهر أفراد الألتراس عادة ملثمي الوجوه، بعيدين عن الظهور الإعلامي. فالأضواء المسموح لهم أن يكونوا تحتها فقط أضواء الملاعب خلف المرمي مشجعين فريقهم طوال الـ 90 دقيقة من عمر المباراة.
ويمكن تحديد عدد من السمات الرئيسية التي تميز جماعات الألتراس عن غيرهم من المشجعين العاديين. ومن بين تلك المميزات:
الارتباط المطلق، بل والولاء غير المشروط للنادي، بغض النظر عن نتائج الفريق أو أدائه. هذا الميول الذي يتخذ شكل عصبية قبلية بمعناها السوسيولوجي.
الاستقلالية الكاملة للالتراس، في الأمور التنظيمية والمالية، عن مجالس إدارات النوادي وروابط التشجيع التقليدية، والتي كانت تخضع لعدد من التوازنات الاقتصادية والسياسية داخل النوادي لصالح لاعب أو عضو مجلس إدارة. كما أن جماعات الألتراس تعتمد على تبرعات أعضائها لتغطية المصروفات المطلوبة.
تشبيب أعضاء الجماعة ؛ فالتشكيل العمري لهذه الجماعات يبين أن معظم أعمار أفراد الألتراس تقع فيما بين 16و25 عاما، خلافا لجمهور المشجعين التقليدي spectateurs الذي يتسع ليضم فئات عمرية تصل إلى الستين، وخلافا لمجموعات التشجيع النشطة supporters التي قد يصل متوسط أعمار أفرادها إلى الأربعين.
أما السمة الرابعة فتتمثل في أن حركة الألتراس ترتبط بشكل عام بموقع جغرافي محدد داخل الملاعب الرياضية، كأن تكون خلف المرمي، نتيجة انخفاض أسعار التذاكر في هذا الموقع بالمقارنة بغيرها من المواقع في الملعب. curva
تتعلق السمة الخامسة بأنه لا يمكن فهم تطور حركة الألتراس دون فهم السياق السياسي المصاحب. فعلى سبيل المثال، لا يمكن فهم تطور الألتراس في أوروبا دون فهم التطورات السياسية التي سادت فيها، بدءا من الستينيات، والتي ارتبطت بما أطلق عليه البعض موت السياسة، أو التطورات السياسية التي ارتبطت بانهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينات، وهو ما عرف بموت الأيديولوجيا. فهذه التطورات خلفت قطاعات عريضة من الشباب خارج الأطر التقليدية للمشاركة، كالأحزاب، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني، وذلك في الوقت نفسه الذي شهد تصاعد السياسات الرأسمالية وأزمات المجتمعات الحداثية.
السمة الغالبة لجماعات الألتراس هي أنها جماعات لا سياسية. فمن ناحية، لا تتبني هذه الجماعات أيديولوجية حزبية معينة، كأن تنتمي لأحزاب بعينها. ومن ناحية أخري، تصور جماعات الألتراس كلا من أجهزة الأمن ووسائل الإعلام على أنهما العدو الأول لها. فخبرة التفاعل مع أفراد الأمن حملت دائما ذكريات عنيفة ومحاولات من جانب الأمن للسيطرة على تحركات الألتراس وتجمعاتهم.
تنظر جماعات الألتراس إلى وسائل الإعلام على أنها الحليف التقليدي والطبيعي لرموز صناعة لعبة كرة القدم، وتغليب الأفكار الرأسمالية في إدارتها، وهو ما يراه الألتراس من أهم المثالب التي ظهرت وأثرت في اللعبة الشعبية الأولي في العالم. كذلك، تتعامل وسائل الإعلام مع أعضاء الألتراس على اعتبار أنهم فوضويون، وأنهم السبب في كثير من حالات العنف في الملاعب بين المشجعين، وفي الوقت نفسه ترى في تغطية أخبارهم وتحركاتهم مادة صحفية وإعلامية دسمة.
2 – جينالوجيا بعض نماذج “الألتراس” المغربي: يقصد بجينالوجيا “الالتراس” في المغرب النظر في التشكل التاريخي للجماعات المشجعة والمساندة لفرق كرة القدم المغربية، فالجينالوجيا هي البحث عن الأصل ، أصل الولادة والتكاثر.
أما عن نشأة هذه الجماعات عامة، فيختلف الدارسون في تحديد تاريخ ظهور حركات الألترا أو الألتراس في أوروبا، باعتبارها المهد الأول لها. فبينما يرد البعض تاريخ الظاهرة إلى العقود الأولي من القرن العشرين في المجر، يرى آخرون أنها ترتبط بالستينيات من القرن الماضي مع تبلور الحركة في إيطاليا، والتي يؤكد البعض محورية دورها في تبلور حركة الألتراس، وتصاعد الاهتمام بها. فالبعض يرجعها إلى إيطاليا عندما نشأ أول ألتراس رسمي عام 1963، والبعض الآخر يرجعها إلى البرازيل، حيث شهدت ظهور مجموعات الألتراس المسماة بـ“التورسيدا” في أربعينيات القرن الماضي. وهناك من يرجع نشأة الألتراس إلى المجر عام 1929، حينما أسس أنصار نادي “فرنسفاروش” الشهير رابطة للمشجعين. ثم انتقلت الفكرة بعد ذلك إلى دول أمريكا الجنوبية. وكانت البرازيل أولى الدول التي شهدت نشأة الألتراس،حيث تم تأسيس أول “ألتراس” باسم “تورسيدا” في أربعينيات القرن الماضي. وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلى أوروبا عبر جماهير نادي “هايدوك سبليت” الكرواتي - اليوغوسلافي في ذلك الحين عام 1950، ثم في فرنسا في بداية الثمانينيات على يد نادي مارسيليا عبر “ألتراس كوماندو”، ثم انتقلت الفكرة إلى بريطانيا وباقي البلدان الأوروبية. وتعد إيطاليا من أبرز الدول الأوروبية التي تشهد مجموعات “ألتراس”. أما بداية الظاهرة عربيا، فقد بدأت فكرة الألتراس في الدول العربية من خلال دول المغرب العربي، بداية من نادي الأفريقي التونسي الذي شهد تأسيس أول ألتراس تحت مسمى “الأفريكان وينرز” في عام 1995، ثم انتقل الأمر إلى باقي الأندية التونسية مثل نادي الترجي التونسي الذي يضم ثلاث مجموعات ألتراس هي “المكشخين – السوبراس- والبلود آند جولدي”- ، وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلى المغرب، حيث يضم أكثر من 50 مجموعة ألتراس.
المشروعية التاريخية لتأسيس كل “التراس” مغربي تعتبر ذات أهمية قصوى، فذكر تاريخ النشأة و التأسيس يعتبر لازما ضروريا لكل التراس، بحيث لا يمكن مهما كانت الأحوال إغفال ذكر التاريخ الذي تأسست فيه هذه الجماعة أو تلك. هكذا فان ذكر جماعة التراس دون ذكر تاريخ نشأتها هو تنقيص من قيمتها وتعسف في حقها. هكذا نجد في المغرب قاعدة وعرفا متداولا ومعروفا بين جمهور كرة القدم ألا وهو التشبث بالتاريخ، تاريخ ولادة الالتراس، عقد الميلاد. للتدليل على هذه الملاحظة نشير إلى بعض جماعات – لا يمكن ذكرها كلها - الالتراس بالمغرب كما يلي:
اسم الالتراس فريقه اسمه المختصر
GREEN BOYS 2005 الرجاء البيضاوي 2005UGB
ULTRAS EAGLES 2006 الرجاء البيضاوي UE2006
2006 Green Gladiators الرجاء البيضاوي 2006UGG
2005ULTRA WINNERS الوداد اليضاوي 2005UW
FATAL TIGERS 2006 المغرب الفاسي 2006UFT
ULTRAS ASKARY2005 الجيش الملكي UA2005
CRAZY BOYS 2006 الكوكب المراكشي UCR2006
SIEMPRE PALOMA2006 المغرب التطواني USP2006
GREEN GHOST2007 أولمبيك خريبكة UGG07
ULTRAS IMAZIGHEN2006 حسنية أكادير UI2006
يظهر جليا أن كل جماعة ألتراس مغربية تتشبث بتاريخ ولادتها، ولا يمكن أن نجد في المغرب كتابة اسم الألتراس دون اقترانه بالتاريخ. هذا التاريخ الذي يضفي على الجماعة نوع من المشروعية التاريخية، إذ كلما تقادم تاريخ تأسيسها، كان ذلك دليلا على تجدرها في الزمن، وأعطاها الشرعية والأسبقية لتمثيل الفريق في المدرجات بكل الوسائل المتعارفة في ثقافة الالتراس.
3 – دينامية جماعة الالتراس المغربي:تعرف الالتراس بأنها جماعات، وحد الجماعة أنها مجموعة من الأفراد – ثلاثة فما فوق - تربطهم علاقات معينة، ولهم أهداف محددة. ومهما اختلفت أسماء الجماعة كالعصبة، والعصابة والزمرة والتنظيم . فأفراد الجماعة يتفاعلون فيما بينهم، بحيث أن غياب التفاعل يفقد الجماعة بنيتها ويجعلها أشبه بكومة أحجار، وليست بنيانا متراصا. لكن إذا كانت الالتراس جماعة، فما الذي يميزها عن الأندية الرياضية، وعن المكاتب المسيرة لهذه الأندية، وعن الجمهور العادي؟
لفهم دينامية جماعة الالتراس لابد من التمييز بين نوعين من الجماعات : الجماعة النظامية والجماعة التلقائية. فالجماعة النظامية محكومة بقواعد وقوانين مقعدة، وهذا شأن النوادي الرياضية في المغرب. فالنوادي هي جمعيات رياضية لها قوانينها الأساسية والداخلية. هذه القوانين هي التي تحدد هيكلة المكتب المسير للنادي ، وأهدافه والعضوية ومدا خيله ومصاريفه المادية، وكذا الجموع العامة والاستثنائية لانتخاب هياكله... بمعنى أن تأسيس النادي الرياضي يستند، في المغرب، إلى القانون الذي تضعه الدولة لجمعيات المجتمع المدني. ففي المغرب تتأسس الأندية الرياضية كباقي الجمعيات بمقتضى ظهير الحريات العامة لسنة 1958 مع ما لحقه من تعديلات لسنة 1973 و2003 . أما الجماعة التلقائية فهي جماعة يغلب عليها الطابع الوجداني العاطفي اكثر من الجانب المؤسساتي. فخلافا للنادي الذي يخضع لمساطر إدارية تحدد التزاماته، حقوقه وواجباته، تعتبر الالتراس جماعة تلقائية غير خاضعة لقانون مصرح به. لكن لا يعني ذلك أنها جماعة عشوائية، بل بالعكس إنها جماعة اكثر تماسكا من جماعة النادي الرياضي، ولحمتها أقوى من الجمعية التقليدية والأحزاب السياسية. فرغم أن جماعة الالتراس تفتقد إلى الإمكانات المادية التي تتوفر عليها الأندية الرياضية، فان هذه الجماعة تعتبر أقوى تماسكا من الجمعيات التقليدية فما يميزها هو الحب لفريقها الرياضي، بل والولاء غير المشروط له.
تتجلى دينامية جماعة التراس كرة القدم في حيويتها وحركيتها وتفاعل أعضائها بشكل إيجابي. وبصفة عامة، تشترك مجموعات الألتراس حول العالم، ومنه “الالتراس المغربي” في أربعة مبادئ رئيسية على أساسها يتم الحكم على المجموعة إن كانت “ألتراس” حقيقية من عدمه وهي:
1- عدم التوقف عن التشجيع والغناء طوال المباراة أيا كانت النتيجة، فللألتراس أسلوب فريد في التشجيع يتشكل حسب شخصية النادي وثقافة البلد.فكما في الأرجنتين والبرازيل، ينتشر في المغرب استخدام أعداد كبيرة من الطبول وآلات. كما تعتمد هذه المجموعات على الأداء القوي للأغاني، أداء تتخلله حركات مميزة لإرهاب الخصوم. ويقود التشجيع عادة قائد تشجيع يسمى “كابو” Capo، والذي يكون مسئولا عن اختيار الأغاني والهتافات وتوقيتها وحركات الأيدي والتشكيلات، وعادة ما يخصص بالملاعب مكان مرتفع للكابو ليتمكن المشجعون من متابعته والالتزام بتعليماته أثناء سير المباراة.
2- عدم الجلوس أثناء المباريات نهائيا، فالألتراس لا يحضرون مباريات فريقهم بغرض المتابعة والمتعة، فهما من أفعال المشجع العادي، وإنما يحضرون بهدف واحد هو التشجيع والمؤازرة المتواصلة حتى إعلان الحكم لنهاية المباراة.
3- حضور جميع المباريات الداخلية والخارجية أيا كانت التكلفة والمسافة، حيث تقوم مجموعات الألتراس بتنظيم وحشد الجماهير لحضور المباريات خارج مدينة الفريق، مستخدمة أرخص وسائل النقل، وتقوم أيضا بعمل موكب أو مسيرة Cortege تضم أفراد المجموعة في المدينة التي يلعب بها فريقهم، لتظهر لوسائل الإعلام أن لفريقهم مشجعين أقوياء يسافرون خلف فريقهم في أي مكان وأيا كانت التكلفة.
4- الولاء والانتماء لمكان الجلوس في الملعب، فتختار مجموعات الألتراس منطقة مميزة داخل المدرجات يبتعد عنها المشجع العادي وتنخفض فيها أسعار التذاكر، وتسمى المنطقة العمياء أو الكورفاCurva بالإيطالية. وتكون تلك المنطقة مكانا خاصًا للتشجيع والمؤازرة وتعليق “اللوجو” الذي يحمل اسم وشعار المجموعة وكذلك يحمل “شرف المجموعة نفسها.
كل هذه الخصائص تعتبر بمثابة المبادئ التي تميز جماعة الألتراس، لكنها مبادئ غير مقننة وليست مقعدة، إنها مجرد قواعد أخلاقية منقوشة في قلب كل عضو، قواعد تلقائية يجب احترامه والانضباط لها. فهي مبادئ تجري في دم كل عضو من الالتراس. فالحضور الدائم مع الفريق ومع الجماعة مع استحضار المهمة الأساسية لكل عضو، والدعم والمساندة غير المشروطة, والتضامن بين أعضاء الجماعة في الفرح والقرح وفي السراء والضراء, و حب العضو وعشقه لفريقه، هو ما يجعل الجماعة متماسكة ومفعمة بالحياة.
5 - سيميولوجية” الالتراس “المغربي :
يتحدد موضوع السيميولوجيا، كعلم للعلامات، كنظر في الدال، بمعناه الموسع، أي الرمز والعلامة، سواء كان لسانيا، أو عقليا، أو طبيعيا. فالسميولوجيا تتدخل لفك ما يعقده الدال أثناء عملية التواصل، اللفظي وغير اللفظي. فكل شيء في المجال السميولوجي له أهميته. ودور المحلل هو أن بفكك بنية العلامة في علاقتها مع الذات المستعملة، عليه أن يكشف المعاني ويميط اللثام عما تستلزمه عند المتلقي المفترض. فالصوت، الصورة، علامات الجسد، الرقص... وكل أشكال التعبير تقتضي من الدرس السميولوجي أن يسبر أغوارها، أن يطلع على مدلولاتها.
ولما كان لجماعة الالتراس وسائلها الخاصة في التواصل والتعبير، بحيث تضمن لها هذه الوسائل التمايز عن باقي الجماعات، وبما أن لكل جماعة من الألتراس هويتها الخاصة، نعتقد أن الاستفادة من مقتضيات الدرس السميولوجي، ستمكن من كشف عدة جوانب مغمورة في تجربة جماعات الالتراس بالمغرب. والحق أن توسلنا بهذا الوسيط مكننا من استقراء مجموعة من الخصائص التواصلية لجماعة لالتراس المغربي. ومن ذلك مثلا :
اختيار اسم جماعة الالتراس : نستفيد من القراءة الأولية أن جماعات الألتراس بالمغرب تختلف نسبيا عن مثيلاتها ببعض الدول العربية كمصر مثلا– الأهلاوي المصري–. فالملاحظ أن اختيار الاسم لجماعة التراس مغربي معين يتم باستعارة أسماء غربية، أكثرها إنجليزية، ولا يتم توظيف أسماء عربية فصيحة مطلقا. وفي حالات قليلة يتم استخدام أسماء محلية،ك” حلالة “بالنسبة للنادي القنيطري، حيث أن كلمة”حلالة“هي إشارة إلي نبات يميز منطقة الغرب، وهي معروفة به.كذلك الأمر بالنسبة ل” إيمازيغن“، المساند لحسنية أكادير الذي اختار الاسم للتميز اللغوي لمنطقة سوس الأمازيغية. ونفس الأمر ينطبق على” ولاد الواد “التي اختارها مشجعو شباب تادلة. أما باقي الأسماء فلا تكون إلا باللفظ الإنجليزي، مثلا: بويز، كرين، شارك، كرايزي، وينرز...- كما في الجدول أعلاه.
كما أن اختيار الاسم ليس تلقائيا ولا مجانيا ؛ فثمة خلفيات توجهه – ولو بطريقة غير قصدية وغير شعورية -، فأغلب أسماء جماعات الالتراس المغربي، تفضل علامات اسمية تدل على الرجولة، الفحولة،القوة، الحرب، الانتصار والمواجهة...هكذا نجد من الأسماء على سبيل التمثيل : القرش، الفائز، الفدائي، النمر، النسر، الحربي أو العسكري أو هيركوليس...وقليلة هي الجماعات التي تفضل السلم والسلام، كاسم الحمامة البيضاء عند التراس المغرب التطواني. ويمكن أن نجد أسماء غريبة وأحيانا مضحكة، مثلا” المجانين “للالتراس المشجع للكوكب المراكشي. لكن لا ينبغي أن تسند معنى قدحيا لهذا الاسم لأنه يحيل إلى الروح المرحة التي تميز الإنسان المراكشي، إنسان البهجة في المدينة البهيجة.
لوغو- العلامة المميزة – الالتراس : تتخذ كل جماعة التراس مغربي لنفسها علامات مادية تضمن تميزها وتشكل هويتها. ومن تلك العلامات نجد : اللوغو بأشكاله، التيفو بأنواعه... وهذا النوع أشبه بالطوطم الذي كانت تعتمده التجمعات البدائية. فلكل التراس علم يخصه، لوغو يعرف بهويته. إنه”الباتش“Batch أي”اللوجو“- العلامة المميزة - الخاص بالألتراس. لكن اختيار الصورة المميزة، والألوان المعتمدة، والشعارات التي تحمل اسم الفريق، يتم بعناية فائقة، من قبل أعضاء الجماعة. كل شيء له ما يبرره، وكل اختيار له ضوابط تتحكم فيه. ويتضح أن رموز اللوغو غالبا ما تكون لها دلالة تسير في نفس الاتجاه الذي يتوجه نحوه الاسم. فنجد صور : الفدائي، النمر، والشبح، أسنان القرش، قوة العضلات، القهقهة، هيركوليس.. كما أن اللون هو الوسيلة التي تخلق التناغم بين اسم الالتراس و شعاره وصورة اللغو أو الباش. فنحن تلاحظ استخدام اللون الأحمر كتعبير عن الفدائي، والأبيض عن الداعي لسلم الحمامة، والأزرق الدال على القراصنة، والأخضر على الوطني...
إبداع الألتراس : رقص وغناء
المعروف أن جمهور كرة القدم يصنف إلى مراتب وفئات ؛ فهاك الجمهور العادي الذي يؤدي تذكرته بحثا عن الفرجة، يبحث عن السكينة وعن المكان الهادئ، هذا الجمهور لا يهمه الخاسر ولا الرابح، فرغم أن المباراة قد تستهويه، فإنه يبقى محايدا لا مع الغالب ولا مع المغلوب. أما الصنف الثاني فهو المشجع التقليدي، بمن فيهم الأعضاء الرسميون للنادي. هؤلاء لديهم ميول نحو فريقهم، يساندونه ويشجعونه، يفرحون بفوزه، ويحزنون لخسارته. لكنهم يؤمنون بالروح الرياضية، يحتكمون إلى العقل والتعقل، يحبون النظام ويحافظون عليه. إنهم ورثة” أبولون “– إله العقل والنظام في الأساطير اليونانية. شعار هذا الجمهور هو : خذ تذكرتك، اجلس باحترام و شجع بنظام...ربما نتفهم هذه السيكولوجية الجماهيرية مادمنا تعلم أن الفئة العمرية لهذين النوعين من الجمهور تتجاوز 30 سنة.
خلافا للجمهور أبولون، تصنف جماعات الالتراس على الطرف النقيض. فأعضاءها شباب في مقتبل العمر، أكثرهم مراهقون، كلهم قوة، قوة البدن وروح المغامرة، لديهم الفائض من القوة. وبوعي أو بدونه نجد لديهم الرقبة في تصريف قوتهم – هذا سلوك طبيعي عند المراهق -. نجد أعضاء هذا الجمهور يبحث عن إثبات ذاته، يجد ذاته في النصر وفي التحدي. فكل شيء على هذا الشباب يهون. لهذا، وبحكم هذا المعطى، نجد أن لجمهور الألتراس طبيعة خاصة، إنه يبحث عن الفرجة، عن المتعة على المدرجات، إنه”ديونيزوس" اليوناني أو باخوس الروماني – إله المرح والرقص وتقيض أبولون في الأساطير القديمة -. ما يدل على ذلك هو التحرك في المدرج على امتداد المباراة – هذه هي البوجا -، مجموعات الالتراس تمارس الأداء القوي للأغاني، أداء تتخلله حركات مميزة لإرهاب الخصوم. كما أنها لا تعرف للراحة سبيلا، فأعضاءها ملزمون بعدم الجلوس أثناء المباريات نهائيا. ولتحقيق هذه الغاية يتم نظم أناشيد وأغاني من معاجم متعددة، من العربية، الأمازيغية، الإيطالية، الإنجليزية، الدارجة المغربية...وبهذه الطريقة تولد أغاني الالتراس، علما أن لكل جماعة أغانيها. وإذا أن كان التقويم الأدبي التقليدي يمكن أن يصنف هذا النظم كإنتاج هجين لكونه لا ينضبط لبحر ولا ينتمي لأي اتجاه أدبي، فإن الملاحظ أن أشعار الالتراس يخلق أسباب المتعة لأعضائها، فلها طرقها في التلحين، ولها وسائلها في الأداء الصوتي. وبفضل الآلات المستعملة تصاحب هذه الأغاني بالرقص والقفز الجماعي وكل أشكال الحركة، حركة الجسد، حياته.
هذه بعض الملاحظات التي تضفي على موضوع الالتراس عامة، والمغربي خاصة، أهميته مما يتطلب مزيدا من تدقيق النظر، النظر الموضوعي وليس الأحكام المتسرعة. أليست ثقافة الألتراس هي جزء من ثقافتنا اليوم ؟!