[size=35] الدستور الأخلاقي للعالِم٭[/size] يقضي العالِم قسطًا كبيرًا من وقته في دراسات يحاول أن يستبعد منها الأحكام الأخلاقية، لكن هذه الحقيقة لا تعني أن العالِم ونشاطه سوف لن يكون خاضعًا للحكم الأخلاقي. هكذا يشير كاتب هذا المقال.
يحتوي هذا المقال على أصداء عديدة من الجدال حول طبيعة العلم. لقد ناضل الجيل الأبكر للإجابة عن السؤال التالي: "هل يخبرنا البحث العلمي أي شيء حول القيم والإلزامات الأخلاقية؟ ووصل إلى نتيجة مشكِّكة جدًا. فمنذ خمسة عشر عامًا[1] بدا لكثير من العلماء والفلاسفة أن الدراسات حول اللغة ومنطق العلم قد حسمت السؤال: فأنت لا تستطيع أن تقفز منطقيًا من التوكيدات حول ما هو كائن أو ممكن إلى توكيدات حول ما يجب أن يكون. ثم حدثت الحرب العالمية الثانية ومشروع مانهاتن[2]، والكثيرون ممن قبلوا الطلاق بين العلم والأخلاق أصبحوا مكرهين على إعادة النظر في القضية. فإذا لم يكن للعلم ما يقوله حول القيم والواجبات فإن ذلك سيء جدًا له يجب أن يكون ثمة ارتباط بين العلم والأخلاق. ومهما تكن المعضلات الدلالية، فإن شيئًا ما مطلوب فعله كي نمنع الاستخدام الانتحاري للعلم. فمنذ العام 1945 عقدت مؤتمرات وندوات كثيرة تعيد النظر في العلاقة بين الحقيقة والقيمة، أي العلاقة بين العلم والأخلاق. وعلى الرغم من براعة تلك المناقشات فإنني رأيتها، وعلى العموم، مخيبة للآمال وغير حاسمة. العلم لا يصنع خيارات، أمَّا العلماء فلديهم خيارات. وبدلاً من محاولة إعادة تعريف العلم بطريقة تبرر الاهتمام العلمي بغايات الحياة، لماذا لا نتأمل في الخيارات التي تم اختبارها فعليًا من قبل رجل المعرفة؟ في هذا البحث، سوف نعامل العلماء كأعضاء في فئة مهنية طورت معايير خاصة بها، وهي فئة تعول مجموعات أخرى عليها أيضًا بخصوص بعض المطالب. وستكون المشكلة التي نبحثها هي في تعارض الواجبات لدى العالم، ومن ثم تقرير إن كانت الأنساق التقليدية في الأخلاق تساعد في الوصول إلى حل لهذه التعارضات. وبكلمة واحدة نقول: إنه بدلاً من محاولة تعليم الأخلاق انطلاقًا من تعريف العلم، فإننا سوف نحاول إظهار صلة المثل الأخلاقية بالخيارات العملية للعالِم.
تنظم كل مجموعة مهنية نفسها بواسطة معايير مشتركة ربما تكون أو لا تكون مصاغة في دستور أخلاقي. وهذه القواعد حول الحقوق والواجبات تعكس إلى حد ما توقعات بقية المجتمع، فهي تفسر مهام العمل ضمن المهنة وتحظر الممارسات التي ينجم عنها نزاع ضمن عمل المجموعة. إن رجال الدين، خلال عصور مختلفة، أمروا بالتقيُّد بشعائر التقوى والالتزام بالزهد والتبتل والطاعة. وكان ملاك الأراضي ومديروها في أحد العصور ممنوعون من القيام بأي عمل يدوي. وحديثًا يضع عمال المصانع حدودًا لسرعة العمل ويعاقبون أولئك الذين يتجاوزون تلك الحدود ويعاملونهم كـ "مخادعين" أو "غُلمان السرعة".
إن علماء النفس والبيولوجيا والكيمياء لديهم دساتيرهم الأخلاقية أيضًا. وتحتوي هذه الدساتير على معايير أداء تطورت في سياق عقود أو أجيال، لكنها ما إن تترسخ حتى يصبح لها سمات الأوامر الأخلاقية. وهي تقدم في شكلها الأكثر عمومية الأوامر التالية:
1. ابحث عن المعرفة الحقة. نالت هذه القاعدة الشهرة في نصائح متنوعة تقول في حقيقتها: "لا تتوقف عن البحث".
2. انشر الحقيقة. فمنذ أيام باراسيلوس كان الإثم الشائن بين العلماء يتمثل في تلفيق الأدلة. وغالبًا ما يكون من الشائن أيضًا أية رقابة تمنع تبادل الأفكار والفحص النقدي لما ينشر.
3. افعل ما تستطيع كي ترى المعرفة الحقة تستخدم من أجل خير الجنس البشري.
ربما تبدو هذه المقاربة لأخلاقيات العلماء وكأنها تعد بتسوية حاسمة وسريعة لكل المجادلات. والسؤال الذي نطرحه هو: "ما هي الإلزامات التي يعترف بها العلماء أنفسهم؟". يجب، بمساعدة طرائق الاستطلاع الحديثة، أن يتمكن علماء النفس والاجتماع من تأسيس الجواب. وبذلك ستتحول المشكلة الأخلاقية إلى مشكلة علمية.
لسوء الحظ فإن المشكلة الأخلاقية ليست سهلة جدًا على الحسم. لقد دافع ديفيد هيوم، فيلسوف القرن الثامن عشر، عن استخدام طريقة الاستبيان في حسم القضايا الأخلاقية. وقد أظهر نقاد هيوم أنه مهما تكن طريقة الاستبيان مفيدة ومهمة فإنها لا تحل جميع المشكلات الأخلاقية. إن القضية القائلة: "معظم الكيمائيين يعتقدون بأن تقييد البحث أمر خاطئ" لا تكافئ منطقيًا التوكيد القائل: "إن تقييد البحث أمر خاطئ"، تمامًا كما أن القول: "معظم الكيمائيين الذين عاشوا في عام 1850 يعتقدون بأن العناصر لا يمكن أن تتحول"، لا يكافئ القول: "إن العناصر لا يمكن أن تتحول".
والسبب الثاني لعدم حسم الجدال الأخلاقي من خلال أصوات الاستبيان هو أن العلماء لايشكلون مجتمعًا معزولاً. ربما تحمي الدساتير الأخلاقية للعلماء مصالح المجموعة التي لا يعترف بقية المجتمع بشرعيتها، فمثلاً، إن فئات أخرى اعتبرت أن الدستور الطبي هو مجرد قيد على المتاجرة بالمهنة. أعطى إيرفين. س. كوب تعبيرًا عن هذا الانتقاد عندما قال:
إن أي شيء يقوم به الأطباء بمجملهم هو أخلاقي. وغالبًا ما يكون أي شيء يقومون به إفراديًا وعلى مسؤوليتهم الشخصية غير أخلاقي. فأن تكون أخلاقيًا بين الأطباء يشبه من الناحية العملية أن تكون ديمقراطيًا في تكساس أو بروتستانتيا في اسكتلندا.
وثمة سبب آخر يتصل بعدم استطاعتنا إثبات واجبات العلماء بواسطة استبيان آراء الخبراء. وذلك السبب نجده في طبيعة العمل المتعارضة مع طبيعة النظر. يمكنك أن تفكر بشكل مجرد وعام، لكنك لا تستطيع العمل بشكل مجرد أو عام. إن السلوك الذي يخضع للأحكام الأخلاقية يحدث دومًا في زمان ومكان محددين، كما أن واجباتنا يجب تحديدها بالاستناد إلى ظروف معقدة. فعلى سبيل المثال، تكون جميع أنواع الشروط مفترضة مسبقًا عندما يعلن الفيزيائي أن من واجبه البحث عن الحقيقة ونشرها. لكنه لا يعني أن كل لحظة من حياته يجب أن تكرس للعمل العلمي، بل يفترض كمية "معقولة" من الزمن للحياة العائلية وللمجاملات الاجتماعية وللمهام "الضرورية" غير العلمية. ويوافق على تولي الفيزيائيين مناصب إدارية وترؤس الجامعات ومكاتب البحوث وحتى الشركات الصناعية، على الرغم من أن العالم – المدير يضحي غالبًا بجزء من إنتاجيته النظرية. يعطي العالم موافقة متحفظة على حالات غير ملائمة وغير دقيقة "لا يمكن تجنبها" في التقارير العامة عن البحث العلمي. وهو يعترف بأنه ثمة ظروف يكون فيها من الحكمة نوعًا ما أن لا يتسرع في الطباعة وأن لا يلتمس الشجار مع الناس الجهلاء سواء كانوا من رجال الكهنوت أو المشرِّعين.
لا توكيدات عامة، بل مقاربات متعددة
لا تستطيع أية توكيدات عامة حول واجبات العلماء، مهما كانت موقرة، أن تحل جميع المشكلات الأخلاقية التي تجابه العلماء. إن الأخلاقيات، بمعنى وجود دستور أخلاقي، ليست دليلاً كاملاً في صناعة القرار، لأن خياراتنا الأكثر عسرًا تكون بين بدائل تنبثق عندما لا نستطيع التصرف على نحو صارم وفق دستورنا المهني أو عندما لا نكون على يقين من كيفية تطبيق الدستور على حالة مباشرة. ومع التسليم بأن على العلماء أن يكونوا علميين ما نزال في حيرة من التضارب بين الحياة المثالية للنشاط الفكري ومتطلبات واقع غير مثالي جدًا. إننا بحاجة إلى ما هو أكثر من دستور للأخلاق، نحن بحاجة إلى أخلاق بمعنى النهج الفلسفي في التفكير حول الخيارات العملية.
سوف أوضح كيف يمكن أن نحتكم إلى أربعة أو خمسة أنماط من الأخلاق الفلسفية لمساعدتنا في التعامل مع هذه الخيارات العسيرة. سوف أعرض لأسلوب الإفتاء المرجعي authoritarian casuistry الذي يستخدم طرائق قانونية في تطبيق القواعد، ومذهب المنفعة utilitarianism الذي يلتمس الفعالية في الحصول على نتائج مرغوبة، والأخلاق المجردة عند كانط التي تتفحص الدوافع، وضروب أخرى متنوعة من الأخلاق الفلسفية.
ربما يبدو من الحماقة الاقتراح بأن العلماء يميلون إلى السلطوية في أخلاقهم الفلسفية. ومع ذلك فإن هذا صحيح. يقرأ الطلاب تاريخ العلم ويطلعون على عدد كبير من السوابق التي ترسخت بواسطة علماء من أمثال غالين وهمفري ديفي وباستور والعظماء الآخرين. لقد أصبحت أفعال هؤلاء سوابق لتفسير واجبات العلماء.
يندر إلى حد ما في أية قضية أن يكون ثمة خيار واضح قاطع سواء حول التماس الحقيقة أو التحدث عنها أو استعمالها، وجميع القيم الأخرى سواء. قد يحدث مرة أو مرتين طوال حياة بعض العلماء أن يضعوا على المحك دستورهم الأخلاقي بالبساطة والوضوح اللذان كانا في قضية غاليليو قبل استجوابه، أو في محاكمة سكوب بموجب قانون تينسي المعادي لنظرية التطور. إن الامتحان الأكثر شيوعًا لأخلاقيات العلماء يكون في قضية مشوشة أو في وجود تحدٍ للأمانة أو في مشكلة معقدة يصعب الحكم فيها. وحتى عندما يظن العالم أن القضية تتصل بالمصداقية truthfulness، وهذا مجال عمله الرئيسي، فإن الرجل العادي ربما يقول إن العالم يسيء تفسير الحالة.
كي أبين كيف أن القضايا الفعلية لا تندرج على نحو صرف تحت حكم قواعد عامة، سوف أذكر معضلة حول العالم الذي يحاول تأمين مخصصات مالية كافية لمختبره. لنفترض أن الرجال الذين يتحكمون بالميزانية مهتمون بنوع من البحث الذي لا يعتبره العالم مهمًا. فهل ستكون لديه الفرصة كي يتحدث عما يعتبره حقيقة؟ هل سيقول بفظاظة أن هذا المشروع الذي يفضلونه ليس واعدًا؟ أم هل يتجرأ على الخداع أملاً في تمويل العمل الجيد إلى جانب رغبة المشرِّع؟ ربما يتم اتخاذ قرار في هذا الخيار الصعب بدون أية مداولات انتقادية، لكن إحدى الطرق في استنتاج الفكرة الصحيحة حول القضية تتمثل في البحث عن سوابق في تاريخ العلم. هل الباحث عن التمويل يشبه كبلر غير القادر على ضمان معيشته من أجور عمله في علم الفلك، والذي كان يدعم عمله المهم من خلال التساهل غير المؤذي مع خرافات زمنه، أي من خلال إجراء الحسابات وفق خريطة بروج المنجمين؟ أو هل هذا العالم يشبه باستور الذي استجاب لرغبات صناع النبيد واقتنص فرصة تطوير عمله النظري الذي لم يكن يمثل بالنسبة لغير العلماء سوى مسألة تتعلق بالصناعة؟ أم هل يخون هذا العالم قضية العلم على غرار أولئك الأساتذة الألمان الذين وافقوا على البحوث النازية المجنونة حول العِرْق؟
إن المقاربة القانونية وتنظيم السوابق وتمييز الحالات هي جميعًا نمط واحد من الأخلاق. فهي توافق قواعد دستور العلماء وتُذكِّر على نحو متكرر بأن العمل الرئيسي للعالم هو البحث عن الحقيقة والمعرفة المنظمة، وأن هذا المشروع يجب حمايته من المتطفلين الجهلة، لكنها لا تفترض مسبقًا أن هذه القواعد المهنية سوف تطبق تلقائيًا. إن المشرِّع أو الحَكَم الأخلاقي يرى الحاجة إلى حسن التمييز الدقيق. ومن خلال معرفته بتاريخ العلم يذكر العلماء بالقيم العديدة التي تتأثر بالقرارات التي كانت تشبه إلى هذا الحد أو ذاك قرارتهم، هذه القيم التي لولا ذلك التذكير لربما غفلوا عنها.
إن تعريف عمل العالم لا يمنحه توجيهًا كافيًا في جميع الخيارات، كما هو الحال تمامًا لدى الميكانيكي أو الأم أو الصناعي الذي لا يستغني أي منهم عن ضرورة المشاورة لمجرد أنهم يصلحون الآليات أو يرعون الطفل الرضيع أو يصنعون الأشياء النافعة. إن العضوية في جماعة مهنية تفرض بعض المهام والمثل على الشخص، لكنها لا تعني تلقائيًا تسوية كل المسائل المتعلقة بالحق والخير. فلا تكمن المشكلة في كيف يصبح المرء عالمًا في الجيولوجيا أو الجراثيم بل كيف يواصل هذه السيرة المهنية في عالم واقعي غير مثالي يضم جهلة ومعتوهين، ثم كيف يطور معرفته المنظمة في ظروف تتطلب إنفاق قسط كبير من الوقت في أعمال غير علمية، كالملبس والمأكل والتدفئة والتسلية والأشياء الأخرى من الشؤون البشرية.
لقد أوضحت كيف أن طرائق فحص السوابق في الأخلاق المرجعية ربما تساعد العالم في تفكيره حول واجباته. تدعو الأخلاق المرجعية إلى بحث جميع القواعد والسوابق القابلة للتطبيق ومن ثم حذف تلك الآراء المرجعية التي لا تكون ذات صلة، وذلك بتمييز الظروف المختلفة للقضايا المختلفة.
الأخلاق ذات النظرة الأمامية
على عكس هذه الأخلاق ذات النظرة إلى الماضي ثمة أنساق أخلاقية تنظر إلى الأمام وتصف نتائج مرجوة ثم تتساءل إن كانت أفعالنا مصممة بحيث تحقق هذه النتائج. دعونا نفحص سلسلة من المواقف يكون من المحتمل فيها أن نشر اكتشافات معينة يلحق الضرر ببعض المصالح. لننظر أولاً في مأزق أحد مندوبي الصحة الذي يكتشف وجود آفة خطيرة. فإذا أطلق إنذارات من طبيعة تحذيرية أو قام بإغلاق المسارح والكنائس والمدارس والمخازن فربما لا يلائم ذلك بعض الأشخاص أو يتعرضون لانهيار مالي. وإذا لم يفعل شيئًا فإن عشرات أو ربما مئات من الأشخاص قد يموتون بلا طائل وقبل أوانهم. في مثل هذا المأزق يدعم الحس العام الأخلاقيات النفعية التي تتساءل عما هي عواقب الأفعال البديلة وما هو سياق الفعل الذي سوف يخدم بشكل أكثر فعالية السعادة الأكبر للعدد الأكبر من الناس. ربما يكون ذلك بنشر تحذير طبي موجه من خلال حساب النتائج المرغوبة أو غير المرغوبة. يبدو مثل هذا التفكير مبررًا أخلاقيًا أكثر من التواطؤ الذي يحصل من قبل رجال الأعمال والسياسيين أو سماسرة نزوات الباحثين عن المتع الطائشة. إن القاعدة الأخلاقية تحدد كيف يمكن للمعرفة المضبوطة أن تخدم الخير الإنساني الأكبر. انشر اكتشافاتك تبعًا لذلك وليحدث ما يحدث. هذا خيار أخلاقي بسيط وواضح بالرغم من أن المشكلة التكنيكية ربما تكون صعبة جدًا.
إن النوع نفسه من التفويض الشرعي يفترضه التفكير النفعي في مشكلة العالم الذي يقدم شهادة خبرة في الدعاوى القضائية أو أمام الوكالات واللجان القانونية والاشتراعية. إننا لا نوافق المهندسين وعلماء الاقتصاد والفيزياء الذين على نحو متكرر يشهدون لطرف في قضية معينة ويتدبرون دومًا وبطريقة ما إيجاد أدلة لصالح الشركات ذات النفوذ أو المستهلكين المتضررين أو أية فئة من الزبائن الذين يقدمون لهم الرشوة. ومهما تكن الظروف كثيرة فيجب تمييز الخبير الخلوق عن غير الخلوق من خلال ملاحظة إن كان على نزاهة ونفاذ بصيرة في استخدام معرفته كما يفعل في بحثه العلمي.
أرغب الآن في لفت الانتباه إلى فشل شائع في تقدير جميع العواقب الممكنة وذلك بالإشارة إلى سلسلة من النزاعات التي ربما يكون انخراط الخبراء فيها لا داع له. وقد ذكر العديد من هذه النزاعات برنامج التبادل بين الجامعات:
1. النزاع بين علماء الاقتصاد في هيئة الإنتاج الحربي وبين إدارة الحرب حول معقولية أهداف الإنتاج في عامي 1943 و1944.
2. الهجوم من قبل اتحادات العمل على مؤشر كلفة المعيشة الذي يحدده مكتب إحصائيات العمل، والدفاع عن المؤشر من قبل علماء الإحصاء.
3. الجدال حول مزايا الإسمنت الطبيعي مقبل الإسمنت البورتلاندي في ولاية مينيسوتا، ذلك الجدال الذي بدا وكأنه تحول إلى صدام لا داعٍ له بين آراء شخصية.
في الحالة الأولى كان علماء الاقتصاد على صواب تمامًا، لأن أهداف الإنتاج التي وضعت تفوق قدرة التصنيع في عامي 1943 و1944. لكني ألفت الانتباه إلى الأسلوب غير اللبق الذي كان يتم به إبلاغ الجنرالات بخطئهم. ها هنا بعض العبارات من إحدى المذكرات التي أرسلها عالم في الاقتصاد إلى جنرال:
"بالنظر إلى خطورة المشكلة التي تناقشها في هذه الوثائق، فإنني متردد في تناول مذكرتك بجدية...".
"إن حقيقة كوننا قد ألححنا ذات مرة في إبداء الآراء، إلا أنه لا سبب يدعونا للتصرف مثل النعامة عندما تكون الأهداف الموضوعة تفوق طاقة إنجازها...".
"إنني آسف لأن المذكرة... لم تكن موجزة بحيث تستطيع استيعاب ما فيها...".
"من الواضح أنك قد بدلت رأيك منذ 14 أيار 1942...".
"إنَّ استنتاجاتك حول حجب هذه الآراء بحذر عن أعين الرجال عميقي التفكير لا تتفق مع المقدمات...".
"لقد تم تجاوز نتائج البحث الأساسية في التقرير وذلك لصالح التفاصيل الضئيلة...".
في ذلك الهياج الحاد والخلافات بين الوكالات عام 1942 كانت العبارات السابقة ساخطة دون طائل. فهي توحي بأن علماء الاقتصاد لم يفكروا بعناية فيما يخص علاقاتهم الإنسانية والتعبير عن آرائهم ومعلوماتهم كما يفعلون بالنسبة للحقائق التي كانت موضع نقاش. كان الأمر كما لو أن معلم المدرسة الذي يصحح لتلميذ قال إن جداء 7 × 9 يساوي 54 لم يذكر له الجواب الصحيح أو يقترح عليه إعادة المحاولة بل قال له: "أيها الغبي إنك لا تستطيع التفكير على نحو صائب". لم يكن تبادل الأفكار مجرد توكيد لنتائج البحث بل تعبير انفعالي عن ازدراء شخص لا يعرف مباشرة دقة النتائج.
يمكن لأخلاقيات المنفعة أن تتحدى التعبيرات الانفعالية عند الخبراء وذلك من خلال تذكيرهم بضرورة اعتبار عواقب أسلوبهم في النشر بالإضافة إلى الأفكار المتضمنة في النشر. ويمكن للأخلاق ذات الحصيلة النفعية أن تتعامل مع نتائج الاستياء والانفعالات الشخصية، لكن العالم، مثله مثل الناس الآخرين، من المحتمل أن يكتشف أن أخلاقيات الدوافع أكثر ملاءمة لهذه المشكلة. ويحتاج رجل البحث العلمي إلى حد ما لأن يسأل نفسه إن كان يتصرف لمجرد السخط أو الفخر أو أي انفعال آخر.
العلماء كمفكرين
غالبًا ما يحس العلماء باعتبارهم مفكرين، بنفور شديد تجاه الناس غير المفكرين، ليس فقط لأن لدى هؤلاء مقدرة بطيئة ومحدودة على النقاش وتبادل الأفكار، بل أيضًا بسبب ولع غير المفكرين بالمتع المادية. لذلك يحدث أحيانًا أن بعض الناس المتعلمين الذين يعملون كمستشارين في الشؤون العملية لا يكتفون بإخبار الناس غير العلميين أنهم يحملون اعتقادات عظيمة بل ويفعلون ذلك بأسلوب تعبيري يوحي بفكرة أن غير المتعلمين هم أشخاص أدنى مرتبة. يمكن التحدث وثائقيًا عن هذه الحالة من خلال تقارير حول علاقات عمل مؤسفة حيث الخبراء لا يراعون مشاعر العاملين واحترامهم لذاتهم، كذلك من خلال علاقات مؤسفة مع الزبائن حيث المستشارون تناسوا أن الزبون ليس مجرد إنسان له عندهم مشكلة تكنيكية غير محلولة، بل هو أيضًا إنسان يتوقع بعض اللطف والكياسة في المعاملة. إن المعلمين، مثلهم مثل أي شخص آخر، يحتاجون لأن يطرحوا على أنفسهم السؤال التالي الذي طرحه كانط وفحواه: "هل أعامل الأشخاص الآخرين كغايات أم كمجرد وسائل؟".
إن المعيار النقدي الكانطي حول التعامل مع الكائنات البشرية كغايات بحد ذاتهم يمثل معيارًا مقلقًا للاختصاصين المعاصرين. لقد تسارع إضفاء النفعية على المكتشفات العلمية. وفي كثير من الميادين يتم تخطيط التطورات المعرفية وفق المتطلبات العملية للمؤسسات. فلم يعد الباحث يضمن لنفسه أن جهوده سوف ترضي وحسب فضوله وشغفه بكيفية عمل الطبيعة.
إن العالم النووي مبتلى في ضميره إذ يعي أن الإنجاز التالي له ربما يؤدي إلى أن يضاعف عشرات المرات عدد البشر الذين سوف يموتون من جراء قنبلة واحدة. وربما يعي عالم البيولوجيا والكيمياء الحيوية بألم أن من يوظفه قد يستخدم اكتشافه التالي ليس في تعميم الفائدة على أكبر قدر ممكن من المواطنين بل في تعظيم المنفعة قصيرة الأمد من خلال الاحتكار والابتزاز. وربما يدرك عالم النفس الاجتماعي أن نتائج بحوثه سوف تستخدم لحماية خطط بعض السياسيين أو البيروقراطيين. ذكر أحد علماء الاجتماع لألكسندر لايتون خلال الحرب
يمكنك دومًا أن تحصل على أحد مطلبين: أن تبين أن السياسة التي قررت السلطة التنفيذية بشأنها لا ضرورة لها، أو أن تبين أن السياسة التي تتبعها السلطة التنفيذية حاليًا تعمل على نحو جيد.
إن العالِم الذي يعرف أن عمله سوف تنجم عنه عواقب عملية يكون عرضة للقلق خشية أن يقدم أسلحة في حرب غير عادلة، أو وسائل لكسب منافع غير عادلة، أو المواد اللازمة في الدعاية الترويجية المضللة. فكيف يمكن حماية العلم من الاستخدام في القضايا السيئة؟
لم يكن النقاش حول واجبات العلماء بمثل الإرباك الذي عليه اليوم. تتراوح الآراء من الإنكار البسيط للمسؤولية إلى الاقتراح بأن العلماء المحترفين يضطلعون بالحكم الكامل للجنس البشري. إن العالِم الذي يرتاب في كونه يخدم أغراضًا شريرة ليس في ورطة فريدة من نوعها. فأي رجل عادي يمكن أن يعاني المعضلة نفسها. ففي العادة لا يتوقع من الميكانيكي الذي يصلح سيارة أن يخمن غرض السائق من رحلته. لكن، عندما يرى الميكانيكي أثناء إصلاح السيارة بعض البنادق ضمنها فسوف يتساءل إن كان عليه إلزام أخلاقي باستدعاء الشرطة أو اتخاذ تدابير أخرى لمنع حدوث جريمة.
عندما يستدعي الميكانيكي الشرطة فإنه يتوقف عن عمله كميكانيكي. وكذلك أيضًا، إن العالِم الذي يقرر أنه لن يخدم أسياد الحرب أو المحتكرين المبتزين أو أصحاب الدعاية الترويجية، فإنه يتوقف عن السعي إلى المعرفة العلمية ويدخل إلى عمل آخر. والقضية تتمثل فيما إذا كان على العالم، باعتباره مواطنًا، أن يتصرف وفق ذخيرته الحالية من المعلومات السياسية وفيما إذا كان سيوافق على المخاطرة بتلقي المكافأة أو العقاب.
من خلال الحكم على النشاط السياسي من وجهة النظر النفعية حول فعالية ومرغوبية النتائج يمكننا ملاحظة أن بعض العلماء قد قفزوا بلا مبالاة إلى استخلاصات معينة. لقد سببت الاهتياجات الانفعالية من قبيل التعاطف أو الغضب قيام بعض العلماء بالاستجابة للوعود البراقة التي أطلقها الشيوعيون والفاشيون وأصحاب الدعاية الترويجية الآخرون. فكانت النتيجة الخيانة العظمى من قبل رجال سذج سياسيًا، والتحزب الضيق من جانب علماء لم يكن لديهم الحس النقدي للانفعالات الوطنية المفرطة.
ومن وجهة نظر الأخلاق الكانطية حول الدوافع أو الأخلاق السقراطية المتناغمة فإن ما هو أكبر تعارضًا مع الذوق السليم يتمثل في خداع الذات لدى العلماء الذين يعتقدون أن من واجبهم استدعاء الشرطة لكنهم لا يقررون في النهاية القيام بواجبهم السياسي ويفكرون باضطراب أنهم إذا ما اقتصروا على البحث العلمي فإن الظروف سوف تتضافر بطريقة ما غامضة كي تضمن الاستخدام الأخلاقي لنتائج التهام الكعكة والاحتفاظ بها أيضًا. إنهم يستجيبون عاطفيًا للظلم أو للحالات الطارئة لكنهم يصابون بالذعر تجاه أي احتمال بفقدان امتيازاتهم كعلماء باحثين. إنهم يطالبون بالإصلاح لكنهم يظنون بأنهم يستطيعون الانضمام إلى الإصلاح مع ضمان بقائهم على وضعهم.
عندما يعتقد أحدهم بإخلاص أن البنية السياسية الكاملة للسلطة في المجتمع متعفنة على نحو مفرط، فيجب على هذا المرء أن يكون مستعدًا – مثل لينين أو تروتسكي أو غاندي – للنفي والسجن وفقدان الامتيازات وحتى للاغتيال. وعندما يعتقد أحدهم بإخلاص أن سياسات حكومته ليست شرًا بكاملها بل تحتاج إلى إصلاحات معتدلة، فيجب أن يكون مستعدًا لبعض الخصومات وبعض الإساءة وبعض الإعاقات للنشاطات البحثية، فيجب أن يكون المرء مستعدًا "لتبديد الوقت" والصبر على المنازعات السخفية. ومن جهة أخرى، عندما لا يرغب المرء في إضاعة الوقت أو تحمل الإساءة أو اتخاذ أية اختيارات عندها يجب أن يقول: "إنني أعمل هنا وحسب" ويتلقى أية أوامر تصدر عن أولئك الذين في السلطة.
إنني مقتنع بأن الحديث حول العلم والقيم غالبًا ما تعكره التعارضات غير المحلولة بين الآراء، كالتعارضات بين التصميم على عدم خدمة غرض شرير والرغبة في الفوز بجائزة نوبل. إن الميكانيكي الذي يستدعي الشرطة عندما يجد في السيارة أسلحة لعضو في عصابة لا يتوقع بالطبع أن يدفع له هذا العضو في العصابة أجور إصلاح السيارة. والميكانيكي الذي يغمض عينيه عن أعضاء العصابة يجب ألا يخدع نفسه بأنه بطريقة ما يمنع وقوع جريمة.
ففي أسوأ الأنظمة السياسية التي يتوفر لدينا الآن سجلات عنها، أي النظام النازي، يبدو واضحًا أن بعض العلماء، مثلهم مثل بعض الجنرالات، توقفوا عن العمل أو على الأقل حولوا قسطًا من استطاعتهم لتصحيح بعض الإساءات. لقد تعرضوا إلى مخاطرة إرسالهم إلى معسكرات الاعتقال. ومن الجلي أيضًا أن بعض العلماء، مثلهم مثل بعض الجنرالات، أغمضوا أعينهم عن السياسات الإجرامية وانخرطوا بشكل انتهازي في الارتقاء المهني ضمن نظام بغيض وفاسد أخلاقيًا.
في المجتمع ذي الغايات المختلطة، مثل مجتمعنا، تكون القرارات السياسية للعالم أقل مأساوية. ومع ذلك، ثمة خيارات قليلة متطرفة لا يمكن تجنبها. فليس ثمة إيمان أعمى بالتقدم أو بالتدبير الحس يمكن أن يرغب في وجود خيار غير متاح. إن الأخلاق النقدية لدى كانط وسقراط تحسم ضبابية التفكير الرغائبي من خلال سؤال العالم إن كان يتعهد جديًا بالتطبيق الخير للمعرفة أو مستعد للمساعدة في ارتكاب المظالم أو التدمير البشرية أو أية سياسات يتم تبنيها من قبل رجال السلطة.
مواجهة البدائل
لقد شرحنا فيما سبق بعض الخيارات العملية التي تواجه العالِم. إن حقيقة كونه عالِمًا لا تمنعه من ضرورة اتخاذ قرارات. كما أن حقيقة كونه عالِمًا لا تكفل أنه بعيدًا عن دراساته وأجهزته التجريبية أو إحصاءاته سوف يكون عميق التفكير أو يتخذ الخيارات الحكيمة. فمثله مثل الميكانيكي أو رجل الأعمال يواجه بدائل في كل من مهنته أو حياته العادية خارج مهنته.
إن لدى العالِم في العادة إلزامًا وظيفيًا يوجهه كي يبحث عن المعرفة وينشرها ويستخدم المعرفة المنظمة ويخدم هذا الإلزام الوظيفي كدستور أخلاقي، أي كمجموعة من القواعد والتوجيهات. لكن هذا الدستور لا يحرره من الحاجة إلى التشاور والتروي في التفكير حول المدى الذي يجب أن تسرقه الاهتمامات الأخرى من بحوثه. ليس ثمة دستور يقرر بشكل قاطع ما الذي يعرض للشبهة قبول تأمين الدعم المالي. ومهما تعهد بتحسين وتطوير المعرفة يظل العالم يواجه خيارات عسيرة في نشر واستخدام نتائج بحوثه. يجب عليه أن يتخذ القرار حول دوره في الدعاوى القضائية والمنازعات. وربما يكون أو لا يكون حكيمًا في تعاملاته مع الناس غير العلميين. أخيرًا، ليس ثمة دستور سوف يحسم بشكل نهائي كل القضايا المستقبلية المتعلقة بالحاجة إلى إصلاح سياسي.
إن الطرائق الفلسفية في التحليل الأخلاقي لها الصلة ذاتها بخيارات العالم كما هو الحال مع قرارات أي شخص آخر. إنها لا تضمن أنه سوف لن يتخذ قرارًا يؤسف عليه، لكنها تجلو وترتب التفكير الذي يربط المعلومات والأفعال بغايات الحياة، أي بتلك الموضوعات التي يمتلك تجاهها مشاعر وإحساسات وولاءات.
لقد ركزت الانتباه في هذه المقالة على بضعة أنماط من الأخلاق الفلسفية: الطرائق القانونية في الأخلاق المرجعية – أي عندما يوظف العالم هذه الطرائق لربط معضلاته الحالية مع القضايا السابقة التي ترسخت من قبل علماء الماضي، ثم الطرائق الحسابية للأخلاق النفعية – أي عندما يتوجه العالم بموجب هذه الطرائق متسائلاً إن كانت عواقب ممارساته ستكون مرغوبة، ثم الأخلاق السقراطية والكانطية – أي عندما يوظف العالم هذه الطرائق متسائلاً إن كانت دوافعه مضبوطة أو متسقة أو عندما يتساءل إن كان يحاول التهام الكعكة والإبقاء عليها في الوقت نفسه.
بإعادة صوغ كلمات شهيرة، سوف أقول إنه ليس ثمة أخلاق نوعية للعلماء، لأن العلماء بشر ويخضعون للمخاوف وللإكراهات نفسها التي تقلق البشر الآخرين عند إصدار أحكامهم.
ألا يملك العالِم عينين؟ ألا يملك العالِم يدين وأعضاء وأبعاد وإحساسات وعواطف وأشواق؟ يأكل الطعام ذاته وتؤذيه الأسلحة ذاتها، ويتعرض للأمراض ذاتها ويشفى بالوسائل ذاتها، ويدفأ ويبرد بالصيف والشتاء ذاته...؟ إذا جرحتنا أفلا ننزف دمًا؟ إذا دغدغتنا أفلا نضحك؟ إذا سممتنا أفلا نموت؟ وإذا أسأت لنا أفلا يجب أن ننتقم؟
وبذات الضعف البشري، يمكن أن يعاني العالِم من عمى–القيمة. يمكن للعالِم، وهو الذي يملك غددًا وجهازًا عصبيًا، أن يفقد صوابه في نوبة هلع أو غضب. ومثل أي شخص آخر يعاني العالم صعوبات في اتخاذ خيارات قاطعة حاسمة، على الرغم من أن خياراته تختلف إلى حد ما عن خيارات الرجل العادي. إن مشكلات مهنته تخضع للحكم الأخلاقي كما هو الحال لدى السياسي أو رجل الأعمال، على الرغم من أن هذه المشكلات تتمحور حول المدى الذي يمكن مواصلة المعرفة ضمنه في عالم مليء بالمنازعات.
إن حقيقة كون العالم يقضي قسطًا كبيرًا من وقته في دراسات وبحوث يحاول أن يستبعد منها الأحكام الأخلاقية، لا تعني أن العالم ونشاطه لن يكون خاضعًا للحكم الأخلاقي. إن أفعاله، مثله مثل أي كائن بشري آخر، سوف تكون معبرة عن تفكير مروى أو عن نزوة، صحيحة أو خاطئة، حكيمة أو حمقاء. فالعالم المصاب بـعمى–القيمة ربما يعتبر أعماله مجرد مثابرة نظرية وتقنية بينما يفسر بقية أعضاء المجتمع عمله في فئة التملق أو عدم الإخلاص أو الابتزاز. والعالم الذي يواصف عمله وفق المعايير الأخلاقية ربما يستمد بعضًا من أحكامه السديدة من العلم، وربما يتجاوب مع ما لا صلة له بوجهة النظر البحثية.
إن الفروق بين الأحمق المتعلم والعالم الذي يتصف بالحكم السديد لا تكون في الغالب مصادفة غير متوقعة. لقد اقترحت على الدوام أن فلاسفة الأخلاق يستطيعون أن يخرجوا هذه الفروق من دائرة الحزر المجرد والحدس ويذللونها من خلال صوغ بضعة أسئلة عميقة التفكير. يساعد الفلاسفة ذوو البصيرة العظيمة العالم في التساؤل إن كان قد قيَّم سلوكه الخاص في ضوء السوابق، أو من وجهة نظر العواقب، أو من خلال فحص دوافعه الخاصة، أو من خلال تنظيم وضبط حدوده الشخصية، وما إلى ذلك. إن مثل هذه الأسئلة تجبر الإنسان على ربط نشاطاته مع قيمه وولاءاته.
كل ما ذكرته أعلاه يفترض أن المشكلة الأخلاقية الأكثر صعوبة بالنسبة للعلماء ليست في تجنب اختيار الشر، بل في إدراك متى يجب الإقدام على خيار أخلاقي محدد. لذلك فإن العالم الخلوق ربما يكون هو ذلك العالم الذي يطرح الأسئلة الصائبة. إنني أقترح أن الإسهامات المستقبلية في أدبيات التعامل مع أخلاقيات العلم يجب أن تولي مزيدًا من الانتباه لطرح أسئلة القيمة ذات الصلة الوثيقة، ليس بالعلم عمومًا، بل بالنشاطات اليومية لرجل العلم.
ترجمة: معين رومية
*** *** ***
٭ العنوان الأصلي للمقال The Scientist's Code of Ethics (ملاحظة: نشر المقال للمرة الأولى في Physics Today، March، 1952، وقد أعادت المجلة نشره في عدد November 2004).٭٭ واين أ. ر. لايس Wayne A. R. Leys (1905 - 1977): كان عميد كليات ونائب رئيس جامعة روزفلت في شيكاغو. حصل على دكتوراه الفلسفة من جامعة شيكاغو عام 1930، وقبل الانضمام إلى جامعة شيكاغو عام 1945 كان أستاذ الفلسفة في جامعة WMCA المركزية. وهو مؤلف كتاب صدر في العام 1952 وعنوانه: أخلاقيات القرارات السياسية، دار نشر Prentice Hall, Inc. والبحث الحالي هو أحد ثلاثة بحوث قدمت إلى المؤتمر السنوي الثاني "طريق العلم" الذي عقد في 7-8 ديسمبر 1951 برعاية جامعة روزفلت ورابطة فلسفة العلم. وكان المتحدثون آنذاك كل من أ. س. إيفي نائب رئيس جامعة إيلينوي وتشارلز ل. توماس مدير البحث والتطوير في شركة كربون البحيرات العظمى. كان موضوع مؤتمر العام 1951 هو "هل ثمة أخلاقيات في العلم".[1] المقالة نشرت أول مرة في العام 1952. (المترجم)[2] المشروع الأمريكي الشهير لإنتاج القنبلة الذرية. (المترجم)