لماذا كانوا يهاجرون ، لماذا هاجروا اصلا منذ البداية ؟
لا احد يعرف ، لا احد يعرف على الاطلاق ..
كانت هذه البداية ، فقط البداية ..
كانت الليلة الموعودة ، احد ليالي فبراير الباردة ، كانت الثلوج تملأ الشارع ،
تحرك الظل ، على ضوء الكشافات الخافت .. وقف هناك .. و نظر يمينا ويسارا ..
تحرك باتجاه الضوء ، رأها هناك جالسة على احد الارصفة ، تبكي ..
تردد كثيرا جدا قبل ان يقترب ، راودته بعض الاسئلة البديهية ، ما الذي اتى
بها الى هنا في هذا الليل المظلم ،و هذا البرد الشديد ؟؟!! ، هل هناك خدعة
ما في الأمر ؟!!
اقترب على حذر ، وعندما اقترب اكثر وجدها جميلة جدا ، ليس هو الجمال
المعتاد الذي تراه في كل مكان ، انما هو جمال من نوع خاص جدا .. لن تراه
في اي مكان ..
نظر لها لبضع لحظات لا يعرف ما يقول ، ثم استجمع افكاره ، تنهد في تؤدة و سألها : من انتي و ما الذي اتى بك الى هنا في هذا الوقت ؟!!
حينها نظرت له اخيرا بعينين تملؤها الدموع وقالت : هو القدر ، لا شيء سواه ..
استطرد باستغراب : ما دخل القدر اذن ، ولما انتي هنا الان ؟!!
لكنه فكر في نفسه السؤال الحقيقي هو لم أنا هنا ولم الان تحديدا ؟!!
توقفت فجأة و نظرت له ثم قالت : أنت الان في مدينة الخطيئة ، مرحبا بك يا صديقي ..
نظر لها بحذر و قال : انها مدينة الخطيئة ، حقا .. لذا أنا هنا ، لذلك جئت منذ البداية ، اريد ان اعرف ، انه الفضول كما ترين ..
ضحكت ضحكة شيطانية معتادة و قالت : نعم أنتم ابناء ادم تتمتعون دوما بهذه
العادة ، انها قاتلة كما تعلم ، فكما تقولون دوما " الفضول قتل القط " ..
قاطعها قائلا : لا يهم الان ، فقط اريد ان اعرف .. لماذا هاجر هؤلاء وتركوا كل شيء ورائهم؟ لماذا رحلوا جميعا ؟
قالت في غرور : هم رحلوا لانهم لم يحتملوا ، لم يستطيعوا العيش وسط كل هذا الجنون ..
قال لها : حقا ما الذي فعلتيه بهذه المدينة الجميلة ، التي كانت يوما جميلة على الأرجح ؟!!
كل هذه الجرائم ، قتل ، سرقات ، اغتصاب ، خيانة ، و الكثير غيرها ، ما الذي فعلتيه ، لابد انك فعلتي شيئا ..
نظرت له و ابتسامه خبيثة تعلو وجهها : انا لم افعل شيئا حقا ، هل تريد ان
تعرف ماذا فعلت، أنا فقط تناولت وجبة الغداء في ذلك المطعم .. فقط جلست مع
مالكه و اوحيت له بطريقة سهلة لكسب المزيد من المال بطريقة غير مؤذية على
الاطلاق ، انه الطمع كما ترى ، هذه عادة اخرى تتمتعون بها ..
و بالفعل قد بنى هذا الكازينو ، و جاء المال ، كثيرا جدا ..
أناس متدينون حقا كانوا يذهبوا كي يؤدوا صلاتهم ، تحولت وجهتم الى هنا ..
بدأوا يثملون ، يتغازلون ، و يتقامرون ، ارتكبوا جميع الأخطاء القاتلة ..
بالكاد قمت بفعل شيء ..
قاطعها قائلا باستغراب : هل هذا كل شيء ؟؟!
فاستطردت قائلة : انت لا تفهم ، لا تفهم شيئا على الاطلاق ..
كل ما عليك فعله هو توجيه البشر الى الطريق الصحيح ، شراب ويسكي هنا ،
عاهرة هناك ، و سوف يمشون على طريق الجحيم و ابتسامة عريضة تعلوا وجوههم ..
فصيلتك فاسدة بالأساس يا صديقي ، ضعيفة .. و ارادتنا نحن قوية .. لهذا سنفوز ..
قال لها : و هكذا سينتهي الأمر ؟!!
فردت قائلة : بالطبع لا ، هكذا سوف يبدأ ..
فقال لها : اذن سوف تحتلون العالم ، و سوف ترثون الأرض ، و سوف يأتي المخلص في نهاية الأمر و ينقذ الأرض من قبضتكم ..
فقالت : هذا ما يذكرونه في كتابكم المقدس ، نعم .. لكنه مجرد كتاب يا صديقي .. مجرد كتاب ..
فقال لها : لا أعتقد ان الكثيرين يوافقوكي على هذا ..
فقالت : لماذا ؟ .. لانكم تعتقدون انه كتاب الاله ؟ .. هل تؤمن به حقا ؟ .. سوف اندهش لو كنت كذلك ..
فقال : لا اعرف .. كنت اود هذا ..
فقالت : أنا لا اعرف كيف فعلتم هذا ، كل هذه الأفعال المشينة .. ان كنتم تؤمنون حقا بوجود اله ..
كل هذه المجاعات ، الحروب ، الابادات الجماعية ، يا لها من مأساة حقيقية .. الوضع يتحول من سيء الى اسوأ ، فقط الى الاسوأ ..
فانظر ، خلال القرن الماضي فقط ، قد قتلتم الكثير جدا من ابناء جنسكم حتى
اننا لنعجز عن تصديق هذا ، حتى اننا اصابتنا الدهشة و الذهول لما تفعلونه
..
لقد حان دورنا الأن و سنقوم بالأمر بالطريقة الصحيحة هذه المرة ، كل ما عليك فعله هو المشاهدة فقط ، فقط عليك ان تنتظر و تشاهد ..
لا تكن متفائلا يا صديقي ، انها البداية ، فقط البداية ..
حينها قال : اعتقد انك تبالغين فقط ، فانا لا اصدق حرفا من كلامك ، فالشياطين تكذب كما تعلمين ..
قالت : ولماذا اكذب ؟ ، فبعضنا يكذب هذا حقيقي ، و البعض مؤمنون حقا ..
نظر لها باستغراب : مؤمنون بماذا تحديدا ؟
فأكملت : أتظن ان البشر فقط يمتلكون قوى عليا ؟!!
نحن ايضا لدينا اله انه " لوسيفر " ..
فقال : تقصدين الشيطان ؟
فقالت : هذه تسميتكم ، و ليست تسميتنا ، انه كان يوما احد ملائكة الله و
كان في الجنة ، فطلب منه ان يسجد لابيكم ادم ، فرفض ، ببساطة لانه كائن
اقل منه في المنزلة ، قل لي ما هو شعورك عندما تؤمر ان تسجد لكائنات اقل
منك ؟ ، بالتأكيد سوف ترفض هذا ..
فقال : اذا " لوسيفر " حقيقي بالفعل ..
فقالت : لم يره احد حقا .. لكنهم يقولون انه جعلنا نبدو على هذه الشاكلة
..و سوف يعود يوما ما .. انه بداية كل شيء .. و سوف يكون النهاية ..
فقال لها : حقا ؟ و انت تصدقين هذا ؟
فقالت : لدي ايماني الخاص ، اترى ؟ ، هل فصيلتي مختلفة عن فصيلتك في نهاية الأمر؟..
فقال لها : حسنا ، في ما عدا ان الشياطين يملؤها الشر ، فلا ارى فارق كبير ..
فقالت له : حقا ؟ و البشر يتمتعون بالطيبة ؟؟!!
انظر لهؤلاء السفاحين الذين يقودون بلدا بأكمله ، هؤلاء مكانهم محجوز في أقصى الجحيم ..
حينها ادرك كم هو ساذج ، عندما بدأ الامر ، كان القدر هو ما يحركه تحديدا
.. الان اصبح الأمر معقدا ، هو لا يدري حقا ما الذي يؤمن به ..
ما الذي جعله يأتي الى هذه البلدة تحديدا ، كان الأمر غامضا في البداية ،
اراد الحصول على بعض الاجابات ، لكن الامر ازداد غموضا و حسب ..
فقط خرج بهذه الفكرة التي تحكم الكون منذ البداية ، كل انسان لديه القدرة
على التمييز بين الخير و الشر ، بين ما هو محرم حقا و ما هو مباح ، انها
الارادة كما يقولون ، الارادة الحرة .. و هو يعلم كم هي صعبة .. لكنها في
النهاية تحكم افعالنا جميعا ..
لمع ضوء الصباح من زجاج النافذة ، و كان حينها مستيقظا يجلس على سريره
يفكر في هذا الحلم الذي راوده تلك الليلة ، و يحمد الله كثيرا انه ما زال
يمتلك ولو جزءا بايمانه بالله ..
فعلى الرغم من كونه حلما ، لكنه متأكد ان العالم حقيقة تحكمه مجموعة من
الشياطين ، لا يؤمنون ربما سوى بزعيمهم الاوحد " لوسيفر " .... فمن سوف
ينقذ العالم ؟