المرونة العصبية وآليات تعلم اللغة عند الطفل
مقــدمـــة
يتفق الباحثون في اللسانيات ، على أن اللغة هي قدرة البشر على التواصل باستخدام العلامات الصوتية ( الكلام) التي يمكن للإنسان استخدامها بيانيا (الكتابة). فمن الناحية التشريحية العصبية تبين أدبيات الموضوع، أن اللغة تكون طبيعية إذا لم تصب الأعضاء التشريحية الصوتية ( الفم، اللسان، البلعوم والأنف… مكونات الدماغ ) بعطب. وهو ما يسمح بتعلم اللغة بشكل طبيعي. والجدير بالذكر، هو أن تعلم اللغة في تحصيل المعارف لم يعد بحاجة إلى التأكيد، لأنها أصبحت وسيلة أساسية للاتصال والتواصل ، والسبيل الأمثل لتوسيع مدارك المتعلم .ذلك ما جعل الأمم المتقدمة والنامية، تعتنى بالاكتشافات الحديثة الخاصة بتعلم اللغات. لأن أساس الحياة العصرية والتقدم السريع الحاصل في المجالين العلمي والتكنولوجي، يجعل من الإلمام بالاكتشافات شرطا مفروضا لمواكبة الركب في هذا المجال. ففي البداية، كان تعليم اللغات من اختصاص اللغويين دون غيرهم ، إلاّ أن الدراسات التربوية والنفسية الحديثة، فسحت المجال لعلماء النفس، وأخصائيي البيولوجيا وعلوم الأعصاب، وغيرهم ممن اهتموا بدراسة النمو العام للفرد وعلاقته بعمليات النمو اللغوي وسيكولوجية التعلم للبحث في مجال تعليم اللغات . حيث أفضى هذا الأمر إلى بروز نظريات حديثة، تؤكد على أنّ اللغة سلوك لفظي، يمكن تعلمه عن طريق استثارة رغبة المتعلم، لكي يسلك هذا السلوك.
لا شك، أن لعملية تعلم اللغة تأثيرا بالغا في تنمية القدرات العقلية للطفل وتنمية حب الاطلاع وتيسير الاتصال والتواصل مع الغير ، حيث يساعده هذا التعلم في التأقلم مع أنماط المواقف التي تصادفه. والأفكار والقيم التي تشكل ثقافته. فلما يحضر الطفل إلى المدرسة لأول مرة يكون حاملا بالفعل لغة وراثية (يكون قد تعلمها في البيت عن طريق التحدث والسمع ).أما تعلم اللغة بواسطة القراءة والكتابة، فلا يمكنه أن يتم إلا بعد أن يكون الطفل قد أتقن اللغة اللفظية التي يحتاجها في بناء المعارف الجديدة، بناء على المعرفة السابقة. ما يسمح له بتعلم القراءة والاستكشاف الإملائي للكلمات. أما تعلم الكتابة، فيمكنه أن يتم من خلال استرجاع حروف الكلمة المقروءة، أو المسموعة في نظام تسلسلي. ففي السابق، كان تعلم القراءة والكتابة، يمارس دون أن نعرف طبيعة العمليات العقلية (العصبية) الكامنة وراء هذه النشاطات. لكن في الآونة الأخيرة ، بينت نتائج الأبحاث التجريبية في مجال العلوم العصبية، وعلم النفس المعرفي باستخدامها للتكنولوجيا الحديثة، أن القشرة المخية للدماغ تتضمن مناطق متخصصة مسؤولة عن تعلم اللغة، ولا يمكن للتعلم أن يحدث إلا إذا قام الدماغ بالخبرة الملائمة خلال الفترة الحساسة للطفولة.
لقد أصبح مجتمع القرن 21 يدرك اليوم أن " فهم آليات الدماغ " يمكنه أن يعين آفاق جديدة في البحث وتحسين السياسات والممارسة التعليمية . ما يجعل فهم آليات التعلم ، يستدعي أخذ اكتشافات العلوم العصبية بعين الاعتبار. حيث يدفع هذا، لا محال بالمهتمين إلى إعادة النظر في تصميم البرامج، وتنظيم استراتيجيات التعلم والتعليم . فإذا كانت نظريات علم النفسي التربوي، تتفق على أن للدماغ استعداد بيولوجي لاكتساب معرفة اللغة في وقت مبكر من حياة الطفل. وكان تعلم اللغة، يستلزم تدخل المكونات اللغوية للدماغ والأنشطة الفكرية، قصد معالجة المعلومات ذات الطبيعة السمعية، البصرية، و الحس- حركية. فمعرفة التركيبة الفونولوجية والتركيبة الغرافولوجية للكلمات في التعلم المدرسي يلعب دورا مهما في فهم كيفية اكتساب كفاءات اللغة ( القراءة والكتابة) التي تستلزم تدخل الآليات الدماغية المختلفة الضرورية لاستقبال وإدراك وترجمة وفهم كل ما يسمع أو يقرأ من حروف أو كلمات. وعلى هذا الأساس، أصبح فهم ومعرفة الدماغ (مقر التعلم و الفكر والتفكير) وآلياته في التعلم (المرونة العصبية) ضروريا بالنسبة لكل من المعلم والمربى، حتى يتمكن كل منهما من فهم كيفية إتمام التعلم على مستوى الدماغ، وبالتالي جعل المتعلم عنصرا فعالا في تعلمه. لهذا ، سنحاول من خلال هذه الورقة الإجابة على الأسئلة التالية:
- ما المقصود بالنمو المعرفي الطبيعي للطفل ؟
- ما المقصود بالمرونة العصبية ؟
- ما هي المناطق اللغوية في الدماغ؟
- كيف يعالج الدماغ اللغة ؟
- ما هي الآليات التي تسمح بتعلم اللغة ؟
- ما دور المدرسة في تعليم تعلم اللغة ؟
1 - النمو المعرفي الطبيعي للطفل
نقصد بالنمو المعرفي للطفل نمو التعلم والقدرات المعرفية ، أي تطوير السيرورة المعرفية التي تساعده في اكتساب المعارف التي سيتم تحويلها فيما بعد من مستوى لأخر في نوعيته ، نتيجة الخبرات المكتسبة. ولا شك " أن اكتساب دلالة الأفعال لدى الطفل، لا يكمن في العوامل المنطقية الصرفة، وإنما يعود إلى تجارب الطفل وخبراته الواقعية ، حيث يكتسب الطفل التصورات الدلالية للأفعال التي تعبر عن الوقائع المألوفة في وسطه" ( أحرشاو 203:1999). ما يؤكد أن لما يلتحق الطفل بالمدرسة يكون حامل لمجموعة المعارف الساذجة أو المتعلمة عفويا ( Lautrey et Mazens ,1999 ( . فإذا كانت الذاكرة هي الخزان الأساسي لكل المعارف، والخبرات التي تراكمت عن محيط الطفل. فتأثير المخزون المكون من تجاربه وخبراته، يشكل أصل معارفه وقدراته على تعلم اللغة. ما يجعل من نشاط الدماغ حجر الزاوية في عملية التعلم. فإذا كان التعلم وفق النظرية البنائية بناء معرفة، وكان البناء المعرفي من الناحية التشريحية يتم في الدماغ . فهذا يؤكد أن النشاط الفكري على مستوى الدماغ ، يتضمن عمليات بناء وتنظيم وتخزين المعرفة ، من خلال ربط كل معلومة موضوع المعالجة بمعلومات أخرى (سابقة) موجودة بالذاكرة تتشابه (دلاليا أو فنولوجيا…) مع المعلومات الجديدة. فحسب نمو الطفل المعرفي، تنظيم المعلومات يخضع لمدى تكرارها واستئناس الطفل بها.
وما بات يميز الاكتشافات النفسية والعلمية في يومنا هذا، هو أن البحث في كيفية بناء المعارف أصبح منصبا على المعرفة الساذجة التي يبلورها الأطفال حول الظواهر التي يلاحظونها في محيطهم، قبل أي تعلم ممنهج للنظريات العلمية. وعلى هذا الأساس، إذا كانت المعرفة الساذجة للطفل تفيد أن المتعلم يلتحق بالمدرسة وهو مزود بمعطيات طورها بشكل طبيعي، فإن عملية تعليم التعلم للطفل ، ملزمة بالعمل على تدعيم هذا التوجه من خلال تحويل معارف طورها المتعلم بشكل ذاتي من معارف ساذجة إلى معارف علمية. وبالتالي سنحصل على الانسجام بين النمو والتعلم الذي يعتبره علم النفس المعرفي تحويلا للمعارف من حالة أولية (الطفل المبتدئ) إلى حالة نهائية مستقرة (الراشد الخبير) ، حيث تتميز هذه الأخيرة عن الأولى بتنظيم أقوى للمعارف واستعمال فعال لها (أحرشاو و الزهار،2005). بهذا، يصبح تعليم الطفل يشكل نوع من التوازن بين النمو المعرفي وعملية التعلم. فعند التعلم، تستغل المعارف السابقة ( المخزنة في الذاكرة أوما يسمى بالمعارف القبلية) لمعالجتها، قصد بناء معارف جديدة. ما يجعل من عملية التعلم سيرورة لتعديل المعارف السابقة واستقرارها وتطورها إلى معارف علمية جديدة.
فإذا كانت اللغة تحتوي مجموعة كلمات حاملة لدلالة معينة، معترف بها من قبل اللسانين، وكانت للكلمات وظيفة وجدانية، بنفس قدر وظيفتها الإخبارية ( cyrulnik, 2004). نجد أن معالجة الطفل للمعرفة في تعلم اللغة ، تتطلب مثير خارجي يؤدي إلى استخدام " أساليب مختلفة في تنشيط البنية العصبية، والبنية المعرفية للطفل . ما يجعل لقدرة تعلم اللغة بالمفهوم الحديث مرجع نيرولوجي، يمكن الكشف عنه بواسطة التصور الدماغي. وعلى هذا الأساس، وحتى يتحقق تعلم الطفل بصفة عادية، لا بد من توفير شرط النضج العصبي، والمحيط الثقافي الغني باللغة، حيث يسمح نضج الجهاز العصبي بالتواصل بين المراكز العصبية المختلفة. ما يساعد الطفل في بلورة العملية على مستوى نضج الجهاز العصبي بين 7 و10 سنوات" (cyrulnik، 2004: 7-8). بهذا، يمكننا القول أن حتى يؤمن الدماغ الوظائف الخاصة بالتعلم ، ويتمكن من القيام بمعالجة المعلومات لتنمية قدراته المعرفية بطريقة سليمة، فلا بد من أن يكون ناضجا من الناحية التشريحية، وأن تكون مكوناته البيولوجية والفسيولوجية سليمة ليتمكن فعلا بالقيام بمعالجة اللغة بما فيها القراءة والكتابة والكلام بواسطة المرونة العصبية .
2- المرونة العصبية
يتفق المختصون في مجال البيولوجيا والعلوم العصبية والعلوم المعرفية، على أن الوحدة البنائية للدماغ هي العصبون . وهو المسؤول الأساسي عن تفعيل العمليات العقلية على مستوى الدماغ أتناء التعلم. وكل بنية نشاطية لهذه الوحدة العصبية تمثل حالة نفسية . كشف تصوير الدماغ ، أن عند تعلم كفاءات اللغة يؤدي كل مثير خارجي مهما كانت طبيعته (اللفظية، القراءة، الكتابة) إلى إحداث تفاعلات بيوكيماوية على مستوى الدماغ ، حيث تنتقل السيالة (المؤشرات) العصبية من جسم الخلية إلى المحور الاسطواني للخلية العصبية في صورة إشارات (شوارد موجبة وسالبة) كهربائية (cl-, Mg+, H+, ca++…) تؤدي إلى تفريغ الإشارة الكيماوية (النواقل العصبية) على مستوى المشابك (الوصلات) العصبية. فأثناء عملية انتقال المعلومة (الرسالة العصبية) من عصبون لأخر على مستوى المشبك، تتشكل المرونة المشبكية ، لتعديل المعلومة السابقة . فكلما زاد عدد المشابك النشطة نتيجة تنشيط مجموعة أخرى من الخلايا العصبية بواسطة الاستثارة الخارجية، حدث نتيجة ذلك المرونة العصبية، ما يجعل الدماغ ينتقل من حالة إلى أخرى. Aimard et Vighetto , 1997) Sherwood, 2008, )
الشكل (1) مرونة مشبكية الشكل (2) مرونة عصبية
و على هذا الأساس، يمكن تعريف المرونة العصبية على أنها قدرة الخلايا العصبية على إحداث تشابك مع خلايا العصبية أخرى بواسطة النهايات والتفرعات العصبية نتيجة الاستثارة الخارجية ( في هذه الحالة، نقصد بها القراءة والكتابة والألفاظ). ذلك ، لتشكيل مشابك جديدة. ويعني هذا، أن " كل ما نتعلم شيء جديد ونخزنه في ذاكرتنا، يقوم النشاط العصبي (نقل السيالة العصبية) بتوفير المرونة العصبية لوظيفة الدماغ التي هي في تعديل مستمر" (Villar-Documet. Ruby, 2011). فهذه الآلية العصبية ، هي بمثابة الكاشف عن آلية بناء المعرفة العلمية ،أي الآلية التي تحدث نتيجة التفاعلات البيوكيميائية على مستوى المشابك العصبية Droz .Marion, 2010)). ما يؤكد، أن عناصر عملية نقل المعلومات بين الخلايا العصبية في تعديل مستمر، ذلك حسب تجربة الفرد. فآليات المرونة العصبية ، تعمل طوال حياة الفرد وتحدد بشكل معنوي مستقبلها (2004 . Ansermet. Magistretti).
فإذا كان إحداث الحالات النفسية (العقلية) ينتج عن آلية نشاط البنيات العصبية، وكانت المعرفة من الناحية الفسيولوجية تعرف على أنها تدفق معرفي من حالة نفسية لأخرى، فلا بد من أن يتم تشفير (ترميز) هذه المعرفة في المشابك العصبية ( 2002O.C.D.E, ). لهذا، يصبح من المعقول أن نتصور العمليات المعرفية وتجسيدها يتم في الجهاز العصبي. ما يجعل المعرفة في نهاية المطاف، تمثل كل مظاهر وأشكال التعبير لوظائف المخ (Imbert, 1987). ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن " لا يمكن لأي منطقة من مناطق الدماغ أن تنشط منعزلة عن المناطق الأخرى حتى ولو أرجعت هذه النشاطات الخاصة لمناطق معينة من الدماغ. فكل منطقة من هذه المناطق ، تستقبل وترسل الرسائل – الشكل (3) يمثل التدفق المعرفي
التي تعتمد على التفاعل مع العديد من المناطق الأخرى للدماغ " (2008 )Sherwood,. ما يدل على أن " مناطق الدماغ تحدد كعمليات مرنة مترابطة فيما بينها، تكون قادرة على معالجة مجموعة متنوعة من المعلومات لم نتصورها حتى الآن." ( 2002 ، O.C.D.E).
الدماغ إذا، يعمل ويتعلم بواسطة المرونة العصبية، التي تسمح لمناطق متخصصة على مستوى القشرة المخية للدماغ بالتواصل فيما بينها. فمن حيث التطور، تمثل القشرة المخية للدماغ طبقة رقيقة من الخلايا العصبية تغطي سطح التلافيف الدماغية. وتتضمن هذه القشرة ثلاثة أرباع الخلايا العصبية للدماغ البشري. فهي تمثل مقر التفكير والعمليات العقلية. ينقسم المخ إلى نصفي كرتين مخيتين، تتصل فيما بينها بواسطة الجسم الثفنى ( الجاسي) الذي يسمح بالتواصل بين المخ الأيمن والمخ الأيسر. وكل نصف كرة مخية تتضمن فصوص، وكل فص مخصص للقيام بمهام مخصصة للتعلم. وتتفق كل الاكتشافات على أن ، لا يمكن للتعلم أن ينجز على مستوى الدماغ ، إلا إذا كانت هذه الفصوص متصلة فيما بينها، وتنشط كل منطقة منهما الأخرى ((Sherwood, 2008.
3 – المناطق اللغوية للدماغ ووظائفها
يتفق المختصون في اللسانيات على أن " اللغة هي القدرة الخاصة بالنوع البشري على التواصل، ذلك عن طريق منظومة من الأدلة الصوتية، تأخذ بعين الاعتبار تقنية جسدية معقدة. وتقتضي هذه، وجود وظيفة رمزية ومراكز دماغية متخصصة وراثيا لذلك " (Jean Dubois, 2002). فكلما نتكلم عن اللغة، يبدر لأذهاننا أحد الأنظمة المتعددة للمعرفة التي يستطيع الطفل اكتسابها عن طريق التعلم. ما يجعل من اللغة أداة أساسية لبنية تعبيرات لغوية تتميز بخصائص محددة ومحكومة بطبيعة العقل الذي أصبح معروف بأن سنده المادي هو الدماغ . يمثل الدماغ الإنساني، نظام تشريحي معقد يدخل في تركيبه أجزاء متفاعلة متعددة ،أحدها يمثل ما يسمى " بالملكة اللغوية " التي تكون مقصورة على النوع الإنساني وعامة في أعضائه.
أما فيما يخص المناطق اللغوية للدماغ، تبين الدراسة التشريحية للدماغ، أن الجزء الأكبر يتكون من المخ المتضمن لأغلب المناطق اللغوية. يتكون المخ من نصفي كرتين مخيتين (الأيمن والأيسر) مكسوتين بقشرة مخية ذات لون رمادي متكونة من أجسام الخلايا العصبية والتفرعات العصبية يكون دورها استقبال المعلومات الآتية من الخارج .أما الطبقة الداخلية للمخ، فتتكون من ألياف عصبية (مادة بيضاء) تتضمن المحاور الاسطوانية للخلاية العصبية ودورها الأساسي نقل الرسائل العصبية إلى المشابك . تتضمن هذه القشرة المخية عدة مناطق مسؤولة عن اللغة وتعلمها، بحيث تتمثل هذه في : الفصوص الجبهية ، الفصوص الصدغية ، الفصوص الجدارية ، الفصوص البصرية (القحفية)، منطقة فرنكيه ، ومنطقة بروكا والحزمة المقوسة . وكل منطقة من مناطق القشرة المخية للدماغ متخصصة في صنف معين من المعالجة المعرفية الخاصة باللغة. (Sherwood.2008 )
3- 1- الفصوص الجبهية
توجد الفصوص الجبهية في مقدمة الدماغ ، ولها دورا فعال في تنظيم حالات النشاط الدماغي (العمليات العقلية) وتنظيم الأفعال التذكرية المعرفية ، كما تشترك هذه المناطق في تنظيم وتوجيه النشاط الحركي . من الناحية الوظيفية ، تقوم الفصوص الجبهية ببرمجة وتنظيم وتنقية النشاط المرغوب ، حسب طبيعة النشاط . وأي تلف في هذه الفصوص خاصة في نصف الكرة الأيسر، يكون مصحوب بخلل في العمليات المعرفية. ولقد بينت الدراسات التي اهتمت بدراسة تخصص الفصين الجبهيين أن وظائف الطلاقة اللفظية والتعلم اللفظي عادة ما يكونان من تخصص الفص الجبهي الأيسر، بينما تكون وظائف تصميم المكعبات والتوجه الزماني من تخصص الفص الجبهي الأيمن. الشكل(4) الفص الجبهي
3-2- الفصوص الجدارية:
تقع هذه الفصوص بين المناطق الخلفية للدماغ من جهة والمناطق الصدغية والمركزية من جهة أخرى. تقوم الفصوص الجدارية بدور رئيسي وهام جدا في تنظيم التركيبات المكانية المعقدة وتعمل علي التكامل بين التأثيرات البصرية واللمسية . ويكون الفص الجداري مفترق الطرق لنقل وتركيب المثير من منطقة إلي أخرى.
كما تشترك هذه المناطق مع المناطق الخلفية من جهة والمناطق الصدغية من جهة أخرى في تنظيم التناسق في الإدراك المكاني والبصري، أين تظهر القدرة علي التصور الحركي المكاني للأشكال. هي أيضا المنطقة المسؤولة عن الحركات العضوية للفم وأجهزة النطق المستخدمة في إنتاج الكلام. إنها الجزء من المخ الحركي الذي يسيطر على عضلات الوجه والفم . الشكل(5) الفص الجداري
3- 3- الفصوص الصدغية
تتضمن هذه الفصوص مساحات أولية إسقاطيه مسوؤلة عن عملية انعكاس المثيرات الخارجية (السمعية) ومساحات ثانوية مسئولة عن التعرف الدقيق على الأصوات المسموعة. ويبين التصوير الدماغي، بأن بهذه المساحات من القشرة الدماغية مسوؤلة عن التمييز بين الأصوات المختلفة من جهة والوظائف اللغوية من جهة أخرى، حيث تعد الكلمة المسموعة أساس تكوين المفاهيم المختلفة لمكونات العالم الخارجي. كما ترتبط هذه المراكز بنشاط الكلام عند الإنسان، ذلك لكون اللغة وحدات نطق صوتية. تكون أصوات الكلام، نظام يتم من خلاله عملية التمييز بين معاني الكلمات المختلفة. وهو ما جعل لكل لغة أصوات تركيبية خاصة ومخارج صوتية للحروف، تتم طبقا لدقة التركيب الوظيفي لهذه المناطق من القشرة الدماغية. فالتمييز بين الحروف (أ، ب ، ت…) يعتمد بالدرجة الأولى علي نشاط هذه المراكز العليا. شكل (6) الفص الصدغي
3-4- الفصوص القحفية:
تنقسم الفصوص القحفية (القذالية) إلي مساحات أولية وأخري ثانوية. أما المساحات الأولية فهي تنتهي عندها الألياف العصبية التي تأتي من شبكية العين. فالوظيفة الأساسية الأولية لتلك المناطق، هي تحليل المثيرات البصرية لتترجم إلى الصورة المرئية. فلا يمكن للرؤية أن تحدث إلا إذا تمت ترجمة المعلومات المنقولة إلي القشرة الدماغية . وتبين الدراسات الطبية أن إصابة المناطق الإسقاطية الأولية تؤثر علي طبيعة العمليات العقلية العليا. أما وظائف المساحات الثانوية للمنطقة القحفية فهي تقوم بعملية ترميز المعلومات البصرية، حيث يتم تنظيم عملية الإدراك البصري وأي خلل في هذه المناطق، يؤدي إلي اضطراب في تكامل الإدراك البصري للأشياء الخارجية المعقدة نسبيا، وهو ما يصعب التعرف السليم علي تلك الأشياء تعرفا كاملا. الشكل (7) الفص القحفي
3– 5 – منطقة بروكا ( l’aire de Broca)
هي جزء من المنطقة اللغوية، تقع في المنطقة الجبهية للفص الأيسر من الدماغ وتعمل على تحويل التصور العصبي للكلمات إلى تسلسلات النطق (تنفيذ عملية الكلام حركياً). وصفها بروكا بأنها "مركز نطق اللغة". ومن وظائفها أيضا تشكيل وبناء الكلمات والجمل واستخدام علامات الجمع وشكل الأفعال، واختيار الكلمات الوظيفية كحروف الجر والعطف، و تعيين المعاني للمفردات التي نستخدمها. وتفسر وظيفة منطقة بروكا بقربها من المنطقة المسؤولة عن التحكم بحركة الجسم وكذلك عن التحكم بعضلات الوجه والفك واللسان والحنجرة ، ألا وهي المنطقة الحس – حركية (الفص الجداري )
- الشكل (8) يمثل المناطق الرئسية للغة
3– 6 – منطقة فيرنيك
تقع منطقة فرنيك من الناحية التشريحية بالقرب من منطقة السمع الرئيسية في الجزء الخلفي للفص الصدغي وترتبط بالذاكرة قصيرة المدى. ومن وظائفها: استقبال المدخلات السمعية وفهم وتفسير الكلام وتعيين معنى للكلام ، وتفسير المفردات واختيارها بهدف إنتاج الجمل. وغالبا ما تعرف منطقة فرنيك بمنطقة استيعاب اللغة، أو منطقة التعامل مع اللغة الواردة إلى الدماغ سواء كانت مكتوبة، مقروءة أو محكية. وهذا التمييز بين الكلام واللغة هو المفتاح لفهم دور منطقة فرنيك في اللغة. فمنطقة فرنيك تتعامل مع الكلام الوارد، أما بروكا فتتعامل مع الكلام الصادر. وتسيطر منطقة فرنيك على الكلام المحكي المكتوب وعلى إنتاج لغة الإشارة أيضا. فمنطقة فرنيك تتصل بمنطقة بروكا بواسطة "الحزمة المقوسة " Faisceau arqué " ، التي تمثل المنطقة الثالثة من العناصر الأساسية لتعلم اللغة.
3 - 7 – التلفيفة الزاوية
تقع هذه المنطقة في أسفل الفص الجداري خلف منطقة فيرنكي وأمام مناطق الاستقبال البصري وهي المنطقة المسؤولة عن تحويل المثير البصري إلى رسالة سمعية . فهي تسهل وظيفة القراءة البصرية وكل ما يحتاج إلى الربط بين المثيرات البصرية ومناطق الكلام. وتلعب أيضا، هذه المنطقة دوراً هاماً في التوصيل بين الشكل المحكي من اللغة وصورتها المدركة وتسمية الأشياء واستيعاب الشكل المكتوب للغة.
وبناء على ما سبق ذكره، يمكننا القول أن القشرة الدماغية هي العضو الرئيسي بالمخ المسؤول عن أي نشاط نفسي معرفي ، ذلك لانتشار المراكز العصبية بها. أما تعلم اللغة ، فهو يستدعي تدخل عدة مناطق من القشرة المخية (المناطق الجبهية والصدغية، المناطق الجدارية والبصرية وكذا مناطق بروكا وفرنيكي اللذان يتصلان فيما بينهما بواسطة الحزمة المقوسة إضافة إلى التلفيفة الزاوية ) من نصف المخ الأيسر. فالمخ الأيسر يقوم بتدبير اللغة ، في حين يقوم نصف المخ الأيمن بتدبير الوظائف المكانية . أما قطب الإدراك، فيتمركز في الفص الصدغي. أما قطب الحركة، فينتمي إلى الفص الجبهي. هذان القطبان ينشطان في نصف المخ الأيسر، كما يتم في هذين القطبين التمييز بين مناطق معالجة الأصوات والمعاني ، وبين التخطيط والانجاز ، وبين الانجاز الفهمي للكلام )زغبوش بنعيسى ، 2008).
4- معـالجة الدمــاغ للغة
تمثل اللغة بوسائلها المقروءة والمكتوبة والمنطوقة، أداة أساسية لتنمية معرفة الطفل، قصد تحقيق تواصله مع الأخر، والتعبير عن الذات. ذلك ، لكون اللغة تعالج بالفعل في الدماغ .فمنها ما يسمع، وما يتبلور، وما ينطق . ولما كان للدماغ البشري استعداد بيولوجي لاكتساب اللغة في وقت مبكر من حياة الطفل. فهذا الاكتساب المعرفي، يمثل " جميع الأنشطة الثقافية والعمليات التي تتصل بالمعرفة، وبالوظيفة التي تحققها " Larousse, 2007 : 172) (. فحتى يتمكن المختصون في علم النفس المعرفي من دراسة العمليات المعرفية التي يقوم الدماغ بمعالجتها، قاموا بتحديد الافتراضات عامة (Lemaire, 1999, : 42):
– النظام المعرفي معالجة فعالة للمعلومات، يعالج الرموز ويحولها إلى تصورات عقلية. النظام المعرفي نظام رمزي نشط.
- تتم معالجة المعلومات خلال سلسلة من العمليات المعرفية (ترميز وتخزين واسترجاع) تنفذها أنظمة خاصة تكون مستقلة عن بعضها البعض نوع ما.
- تتطلب كل عملية معرفية بعض الوقت لمعالجة المعلومات. تحليل الوقت يخبرنا عن وجود هذه العمليات وخصائصها.
- الهدف من علم النفس المعرفي هو تحديد التصورات والعمليات العقلية التي تعمل على تأكيد أداء المهام الإدراكية للموضوع .
- يشكل النظام المعرفي بنية معرفية تضم عناصر عديدة من الإدراك العام البشري.
وعلى هذا الأساس، تصبح الحياة النفسية للطفل متكونة من تصورات ذهنية تتضمن معرفة يكون قد اكتسبها من المحيط. يقوم الطفل بتطويرها نتيجة المعالجات المختلفة بطريقة لا واعية. فإذا كان الطفل في الواقع ، يدرك ما يقرأه أوما يكتبه أو ما يسمعه، فلا يمكنه أن يدرك العمليات المعرفية التي يمكنها أن تحدث أثناء التعلم في دماغه. إلا أن مساهمة كل من علم الأعصاب المعرفي والتكنولوجيا الحديثة عن طريق تقنيات تصوير الدماغ (EEG، PET، الرنين المغناطيسي الوظيفي IRM)، ساهموا، في الكشف عن العمليات العقلية، وعن مناطق اللغة الرئيسية الذي أطلق عليها فدور ( 1983Fodor .) اسم أنظمة الوحدات. وتبين أدبيات الموضوع ،أن لأنظمة الوحدات هذه ، تخصصات مختلفة في معالجة المعلومات. بمعنى أن " داخل وبين مناطق الدماغ ، يتم تأسيس اتصالات تؤدي إلى إنشاء مصفوفة معالجة المعلومات. بحيث تقوم وحدات مختلفة خاصة باللغة تعمل فيما بينها في نصف الكرة المخية الأيسر بإنجاز مهام القراءة والكتابة والإملاء " (Duncan Milne, 2010, P10).
فعند معالجة المعلومات على مستوى الدماغ، غالبا ما تستقبل المناطق الوظيفية للقشرة المخية المعلومات الواردة من أعضاء الحس، أو أعضاء الحركة :
الشكل (8) مناطق معالجة للكلمة المسموعة وتصويرها الدماغي
تستخدم" الكلمات المسموعة المدخلات الحس-سمعية.أما معالجتها ، فهي تتم في منطقة القشرة السمعية الأولية لترسل بعد ذلك نتائج تحليل الأصوات إلى منطقة فيرنيكي أين يتم إدماج المعلومات الإدراكية والدلالية .فإذا كانت المهمة تستلزم نطق كلمة مسموعة (أي تكرارها)." تبعث الرسالة عبر ألياف الحزمة المقوسة من منطقة فرنيكي إلى منطقة بروكا المسوؤلة عن التخطيط لإنتاج اللغة . فبعد معالجتها ترسل المعلومة من منطقة بروكا إلى القشرة الحركية التي ستسمح بالانجاز الفعلي للكلمة. علما أن منطقة بروكا تنشط مسبقا للتوليد الصامت للكلمات " ( Géraudel , 2004 :50) . أما معالجة اللغة المنطوقة، فيرتبط التعرف على الكلمة بتفعيل الكامل لنصفي الكرتين المخيتين. في حين التعرف على الكلمات الوظيفية، يتم في النصف الأيسر. أما مسؤولية تخطيط وتنظيم الأفكار، فهي ترجع إلى ذاكرة العمل. حيث يسمح تدخل النظام الثقافي للذاكرة طويلة المدى باسترجاع الخصائص الدلالية، وكذا الحمولة الرمزية والانفعالية للكلمات المقروءة أو المسموعة (Chevrie-Muller, Narbona, 1999 ) .
أما معالجة قراءة الكلمة المكتوبة ، فتستخدم المدخلات الحسية البصرية ، حيث تدرك الكلمة المقروءة من طرف القشرة البصرية الأولية (الاستقبال المركزي للغة المكتوبة) على شكل رسم، ينتقل بعد ذلك إلى القشرة البصرية الثانوية (إدراك اللغة المكتوبة) . ومن ثم يتم إلى المجال الثلاثي (تفسير اللغة). فتنشيط العمليات المسؤولة عن معالجة الكلمة المقروؤة ، يتم بتنشيط كل من الفصوص الصدغية، الجدارية و البصري (Sherwood, 2008) .
الشكل (9) مناطق معالجة الكلمة المقرؤة وتصويرها الدماغي
تتم معالجة القراءة من خلال مسارات اللغة التي تربط نظام الوحدة البصرية بنظام الوحدة السمعية. يكون نظام الوحدة السمعية مسؤولا عن الوعي الفونيمي وهو يتضمن فرعين : منطقة نطق الكلمات، ومنطقة الفونيمات phonèmes. حيث يمكن تنمية الوعي الفونيمي بتعلم أصوات اللغة المنطوقة وممارستها لبناء كلمات جديدة.أما نظام الوحدة البصرية، فهو مسوؤل عن الوعي الخطي(المكتوب) ، ويتضمن هو الأخر فرعيين : منطقة شكل الكلمات / صورة الكلمة كلها ، ومنطقة شكل الحروف. أما تطوير الوعي الخطي، يتم عن طريق فهم الكلمات الذي هو مزيج من الحروف (Duncun , 2010)..
أما معالجة توليد الخطاب بصوت مرتفع، تستدعي تنشيط كل من : منطقة بروكا المنطقة السمعية، والمناطقة الحركية و ما قبل الحركية ، وكذا المنطقة القاعدية للغة، ما يسمح للفرد بنطق كلمات أو جمل تم توليدها انطلاقا من مؤشرات مسموعة. فعند المقارنة بين مهمة الانجاز الفعلي (المنطوق) والانجاز الصامت للغة عند نفس الفرد، يبين تصوير الدماغ نشاطا قويا في المنطقة ما قبل الحركية للغة أثناء الإنتاج الداخلي للكلمات. أما المنطقة الحركية ، فتتدخل في الانجاز الفعلي للغة و في الانجاز الخطي (الكتابة) للحروف والكلمات. لهذا، إذا تعلق " الأمر بتوليد كلمة تطابق موضوعا تم ملاحظته سيتم توليد الكلام بفضل تحويل المعلومات البصرية التي تم إدراكها من قبل القشرة البصرية إلى التلفيفة الزاوية،حيث تحول هذه المنطقة المعلومات الخاصة بالمنقطة السمعية للكلمة الواجب نطقها نحو منطقة فرنيكي. وتحول هذه المعلومات بعد ذلك عبر الحزمة المقوسة إلى منطقة بروكا التي تسمح بتلفظها" (Géraudel.2004c :50 ). ما يؤكد أن تعلم اللغة يتطلب تدخل كل المناطق العصبية.
وعلى هذا الأساس ، لا يمكن اعتبار " المعالجة الدماغية لنشاطات القراءة والإملاء معالجة متطابقة، وإنما هي نشاطات لها علاقة وثيقة فيما بينها لدى القارئ الماهر، وكذا القارئ المبتدئ. تستغل عمليات المعالجة هذه، مصادر معرفية مشتركة. إذ تدعو العلاقات المتبادلة بين القراءة والإنتاج المكتوب إلى التأكيد على التعلم العفوي. بمعنى أن كل من القراءة والكتابة يسهمان في المكتسبات الجديدة في الوقت نفسه (Gombert, 2003 : P5) . فحتى يتم اكتساب مهارات القراءة ومهارات الكتابة ، فلا بد من أن يضع المتعلم استراتيجيات من شأنها أن تدخل آليات لتحديد وإملاء الكلمات المكتوبة. وهو ما يجعل من اللغة ملكة خاصة بالإنسان.
5 – آليات تعلم اللغة عند الطفل
لتتم تنمية القدرات العقلية للطفل، فلا بد من أن يكون تعلمه منتظم وفق استراتيجيات وآليات التعلم. بمعنى، أن لابد من أن يمر تعلمه بالمرحلة الفنولوجية (صوتية) والمرحلة اللجوغرافية (الكتابية) ثم المرحلة الابجدية (فونيم /غرافيم) وبالتالي المرحلة الاملائية :
5- 1 – الآلية الفونولوجية Phonologique
تمثل الفنولوجيا نظام الأصوات ذات المعنى بالنسبة لما هو مسموع. والقدرة على تحديد الفونيمات ،هي النتيجة.أما الفونيم،فيقصد به " أصغر وحدة للتصور الفنولوجي للملفوظ، وهو غير قابل للتجزئة. تحدد طبيعته بمجموعة من الصفات المميزة 2007 : 690) ، .(Larousse أما "الفنولوجيا، تدرس طريقة أصوات اللغة انطلاقا من جرد محدد لعناصر المعالجة في هذا النظام " (2002 Dubois et al,). الفنولوجيا إذا، هي نظام صوتي ينتج معنى لأداة التعلم، وتمثل قدرة التعرف على الفونيمات من أحد نتائجها. ما يسمح فيما بعد بتوليد الكلمات.
الفونيم (الصوت الحرف) | ألف | باء | شين | سين | عين | ذال | طاء | ياء | لام ألف |
الغرافيم ( شكل الحرف) | أ – ا- آ | ب | ش | س | ع | ذ | ط | ي | لا |
- الجدول يمثل أمثلة عن الفونيمات و الغرافيمات
فعندما يتعلم الطفل كيفية الربط بين الغرافيم (الوحدة الكتابية) والفونيم (الوحدة الصوتية) الغرافيم / أ = الفونيم / ألف ، فهو يتعلم في نفس الوقت كيفية تحديد الغرافيم ( حرف معزول أو مجموعة من الحروف). فلا بد من أن يتعلم الطفل ترميز (التشفير) الحروف المسموعة بالتركيز على الغرافيم (شكل الحرف) غرافيم = الفونيم وعلى الربط بينهما.
5– 2 – الآلية الخطية logographique
تقتضي القراءة الإدراك البصري للكلمة ، حيث يتم التعرف على شكلها الذي له علاقة بالمؤشرات البصرية المخزنة في الذاكرة. فالطفل يعالج الكلمة المقرؤة في هذه الآلية على أنها صور.فالتعرف على شكل الكلمة يتم بالتحليل البصري الجزئي، دون تحويل شكل الكلمة إلى صوت.فهذا التعلم المباشر، يمكنه أن يحدث قبل أي تعليمات بشأن الربط بين الحرف والصوت. في هذه الحالة ، تكون مبادئ الفونوغرافية حاسمة. لأنها تسمح بإعادة تشكيل المعرفة اللغوية السابقة مع تسريع وتيرة التعلم) (David, 2003 .
نطق الحرف المقروء
( لام ألف ) |
نظام الوحدة البصرية (لا) التعرف على شكل الكلمةومحاولة تميزها بالمعرفة السابقة |
نظام الوحدة السمعية ( لام ألف ) نطق الكلمة |
- النموذج يمثل الآلية اللغوغرافية
بعد نطق الكلمة، يتم تخزين سماتها البارزة في الذاكرة، ما يسمح بتمييز خصائصها عن خصائص الكلمات الأخرى التي توجد ضمن المعجم البصري للطفل . ما يجعل القراءة " لوغوغرافية على الفور ، بينما لا تزال الكتابة رمزية أي يعبر الطفل بواسطة الرسم .فمع التطور هذه الآلية ، يتم انتقال العمليات اللغوغرافية إلى الكتابة (Delahaie, 2009 :34). ).
5 – 3 – الآلية الأبجدية (الهجائية)
يرتكز المبدأ الأبجدي على الإدراك البصري للحروف التي تشكل الكلمة المكتوبة. بعد قراءة الكلمة، يقوم الدماغ بتشفير العناصر المكونة للكلمات المنطوقة إلى فونيمات .ويمكن للطفل أن يستخدم" نفس الحروف لكتابة كلمات ذات معان مختلفة. فالمقصود هنا، ليس معرفة التناسق بين الحرف والصوت، وإنما فهم نمط خاص من العلاقة التي توجد بين المقروء والمكتوب ".(Gombert, 2003 : P2) فبعد إدراك الكلمة (فرع شكل الكلمة) والبحث عن الحروف المشكلة لها (فرع شكل الحروف) يتم تجزئتها إلى (شكل الحرف) رموز على مستوى المسار العلوي للحزمة المقوسة. وبالتالي، يحاول الطفل التعرف صوت كل حرف يشكل للكلمة ( فرع الفونيم). يقوم بعد ذلك، بتكرار صامت للفونيمات على مستوى فرع نطق الكلمة بنظام الوحدة. السمعية. ولما يتعرف عليها ، تتدخل المنطقة ما قبل الحركية وبالتالي الحركية التي تؤدي إلى نطق الكلمة.
ا – ل- م- د – ر – س- ة (الفونيم)
|
فرع شكل الحروف نظام الوحدة البصرية فرع شكل الكلمة |
فرع الفونيم نظام الوحدة السمعية فرع نطق الكلمة |
- النموذج يمثل الآلية الأبجدية (الهجائية)
فحتى يتم تحديد كلمات جديدة بشكل مستقل ، على الطفل أن يتبنى استراتيجية تتطلب تجزئة الكلمة إلى حروف (فونيمات). حيث تسمح هذه العملية بتحديد الكلمات فنولوجيا، أي كل حرف من حروف اللغة، يساوي صوت. على سبيل المثال : أ = ألف. في هذه الحالة، يتطلب الترميز من الطفل جهدا من الانتباه حتى يتمكن من الاحتفاظ بجزء كاف من نشاطه العقلي ليفهم. فتحديد الكلمات قصد تشكيل معجم أبجدي ذهني (أشكال الكلمات والحروف في الذاكرة) يحتاج القارئ إلى تنشيط الآلية الأبجدية (Observatoire national de la lecture, 2005) .
5 – 4- الآلية الإملائية
تشتمل معظم " الأشكال الإملائية، على رابط مباشر بين المكون الفرعي للنطق والمكون الفرعي للشكل البصري للكلمة. فهذا الرابط، يتيح الوصول المباشر إلى إملاء الكلمة دون الحاجة إلى نطقها " (Duncun, 2010 : P53).. فعندما يقرأ الطفل الكلمات المكتوبة المعروفة لديه، فهو يخزن رموزها الفونولوجية عفويا في الذاكرة الدلالية (المعجم الدلالي). فبمجرد أن يعيد قرأة الكلمة نفسها ، يستخدم المكون الفرعي ل"شكل الكلمات" تلقائيا بواسطة المسار السفلي (للحزمة المقوسة) الذي يتصل بالمكون الفرعي للنطق بنظام الوحدة السمعية، مما يسمح له بنطق الكلمة بتدخل المنطقة الحس – حر كية .
المكون الفرعي لشكل الحروف/ أ . م . ي نظام الوحدة البصرية المكون الفرعي شكل الكلمة / أمي شكل الكلمة أمي |
المكون الفرعي / الفونيم نظام الوحدة السمعية
المكون الفرعي لنطق الحروف أو الكلمة |
- النموذج يمثل الآلية الإملائية
لما تقرأ الكلمة لأول مرة، لفك الرموز ، يقوم المكون الفرعي (شكل الكلمة) بتدخل المكون الفرعي (شكل الحروف ) بتجزئة الكلمة إلى فونيمات من خلال تفعيل المسار العلوي للحزمة المقوسة. يحاول بعد ذلك ، الطفل المتعلم بتكرار الفونيمات ذهنيا قبل نطقها نتيجة تفعيل المنطقة ما قبل الحركية والحركية. فبمجرد أن يخزن الشكل الكلي للكلمة في الذاكرة (تنمية المعجم الدلالي) عن طريق مدخل للمكون الفرعي (شكل الكلمة) على مستوى نظام الوحدة البصرية، وبتكرار العملية، يصبح هذا التنشيط آلي. ما يسهل الوصول إلى معنى الكلمة بواسطة النظام الدلالي اللفظي.
5- 5 – آلية توليد الكتابة
إذا كانت القراءة تتطلب كفاءات خطية و صوتية graphophonologiques فالكتابة تتطلب كفاءة تحويل الفونيم (الصوت) إلى غرا فيم (مكتوب) ، حيث تمثل هذه العملية جوهر تعلم الطفل. يرتكز تصور الكلمات أو الحروف أثناء توليد الكتابة، على " شبكة متعددة الوسائط plurimodalitaireيمثل أحد هذه الوسائط بالنسبة للكتابة الطبيعة الحس – حركية. فتطور هذه الشبكة، يعتمد على التعلم العفوي للقراءة والكتابة . فعلى سبيل المثال ، "الطفل الذي يتعلم حرف " أ" فهو في نفس الوقت، يجمع بين شكل الحرف، الصوت المنطوق به والحركة التي تساعد على كتابته " (Velay et al, 2004 : P8) . نتيجة لهذا، يقوم الطفل بتنشيط " الصورة الذهنية للكلمة المعروفة لديه، ليتمكن بالفعل من وضع كتابة الحرف الأكثر احتمالا " (Bézu, 2009 : P6) . فمن حيث الآلية ، تنشط منطقة القشرة ما قبل حركية أولا، نتيجة حركة الأعين لملاحظة الحروف و القيام بالكتابة. فالحركة اليدوية التي تستعمل أثناء التعلم الثنائي للقراءة والكتابة تثير الذاكرة المعجمية التي تساعد في التعرف على الحروف.
نظام الوحدة السمعية وفروعيها |
نظام الوحدة البصرية وفروعيها |
الشكل يمثل الشبكة المتعدد الوسائط المتدخلة في آلية الكتابة
وعليه، تتطلب عمليات الكتابة اليدوية، الحركة التي تصف شكل الحرف بطريقة يتم فيها تطوير نموذج داخلي (ذهني) للقراءة، من خلال تناسب الشكل المرئي للحرف بالحركة التي تسمح بكتابته. فبمجرد أن تفعل الشبكة المتعددة الوسائط على مستوى الدماغ، فتنشيط وسيط واحد (حس- حركي،أو بصري ،أو سمعي ) يكفي لتنشيط الشبكة كلها .فالمنطقة ما قبل حركية في القشرة المخية إذا، هي المسؤولة على تصور الحركات الضرورية لكتابة كل حرف أو كلمة مقروءة. وهكذا تسبب القراءة تفعيل المنطقة قبل الحركية في نصف الكرة المخية الأيسر بالنسبة للطفل الذي يكتب باليد اليمنى ، والعكس صحيح .
6– دور المدرسة في التعلم بالمفهوم الحديث
لا شك،أن لمدرسة الألفية الثالثة دورا مهما في تحديد الكيفية الملائمة لتمكين الطفل المتمدرس من تطوير قاموسه اللغوي. ذلك ضمن"اهتمامها بإشكالية اكتساب المعارف والمفاهيم والنظريات، انطلاقا من التمييز بين نوعين من المعارف:معارف حرة عادية أو تلقائية أو عامية أو ساذجة من جهة ، ومعارف عامة أو مدرسية أو علمية أو رسمية من جهة أخرى " ( أحرشاو ، 1999 :85).حيث يحتم هذا الاهتمام الكشف عما تلعبه المدرسة الحديثة في بعديها البيداغوجي والديداكتيكي والسيكولوجي، وفي بعدها النظري والمنهجي، ذلك من خلال طبيعة العلاقة التي تجمع بين كل من علوم الأعصاب وعلم النفس المعرفي والتربية. ذلك ، لما لهم من دور أساسي في فهم عملية اكتساب المعارف وتحولها من النظرية الساذجة إلى النظريات العلمية. لأن الطفل المتعلم اليوم، أصبح يشكل حلقة وصل أساسية بين التربية والسيكولوجيا. فالطفل، " يوصف في علم النفس المعرفي بالعنصر ذا الكفاءات، والعنصر الفعال الذي يساهم بالنشاط في تعلمه في السن المبكرة.فهو يأتي إلى المدرسة وهو مزود بمعارف معينة ، وعلى المدرسة تحويلها من سياقها الطبيعي التلقائي الواقعي، إلى سياقها المدرسي العلمي" ( أحرشاو ،2005: 2-4).
ولقد أصبح اليوم لزاما على المدرسة أن تجمع بين كل من المتعلم (محور التعلم) آليات التعلم (التربية المدرسية) ، ومرجعية تعليم التعلم ( علم النفس) ، قصد البحث عن الاستراتيجيات الملائمة التي تساعد في إعداد وتكوين معلم ذا كفاءة تعليمية. ومتعلم فعال، قادرا على الخلق والإبداع وحل المشكل. ذلك من خلال تعليم تعلم استراتيجيات تسمح للطفل