** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الاتجاهات النقدية النصية العربية ومرجعياتها في النقد الغربي I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 الاتجاهات النقدية النصية العربية ومرجعياتها في النقد الغربي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هذا الكتاب
فريق العمـــــل *****
هذا الكتاب


عدد الرسائل : 1296

الموقع : لب الكلمة
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

الاتجاهات النقدية النصية العربية ومرجعياتها في النقد الغربي Empty
15102012
مُساهمةالاتجاهات النقدية النصية العربية ومرجعياتها في النقد الغربي

الاتجاهات النقدية النصية العربية


ومرجعياتها في النقد الغربي


الدكتور محمد الحسن ولد محمد المصطفى



أستاذ بجامعة نواكشوط -موريتانيا





email : drelhacen@gmail.com

الاتجاهات النقدية النصية العربية ومرجعياتها في النقد الغربي Books_previewإذا
كانت الممارسات النقدية التقليدية ثم الحديثة في جانب كبير منها قد
استنفدت ما تقدمه المناهج الخارجية على نحو أو آخر دون أن تقدم إجابات
كاملة عن حقيقة العمل الأدبي وجمالياته كما يدعي خصومها فإن السعي قد اتجه
منذ نهاية القرن التاسع عشر ولأسباب مختلفة إلى قلب المجن والبحث عن طبيعة
النص الأدبي واكتشاف قوانينه من داخله دون استشارة العوامل الخارجية
المتعلقة بالمحيط والتاريخ الخ.

وهكذا نظر النقاد الذين انطلقوا من التوجهات البنيوية والأسلوبية إلى داخل النص، مترصدين تفاعلات اللغة مع عملية الإبداع الإنساني.

ولقد أنجز هذا التوجه في الفكر النقدي
الغربي كثيرا من الأعمال النقدية، وسلط الضوء على جوانب من قراءة العمل
الأدبي لم تكن متاحة من قبل، بل وكانت مغفلة على أهميتها ودورها في فهم
الظاهرة الأدبية.





وقد تشعبت هذه التيارات التي تنظر إلى
النص من داخله وازدحمت في الساحة النقدية العالمية إلى بحر الستينات من
القرن العشرين، غير أن اقتصار نقاد هذه المناهج البنيوية والسيميائية
والأسلوبية على وصف البنيات، ومحاولة معرفة طبيعة عناصرها دون الخروج
باستخلاصات ذات علاقة حقيقية بالمعنى في بعده المرتبط بخارج النص قد حال
بينهم وبين الوصول إلى ما يريدون من توازن النظرة إلى العمل الأدبي، ووقعوا
في ما يعادل الأخطاء التي وقع فيها خصومهم من أصحاب المناهج النقدية
الخارجية، والتي عمل هؤلاء طويلا على تقويضها، إذ أن أولئك قد ركزوا على
الظروف التي اكتنفت العملية الإبداعية، أو المرتبطة بالمبدع إن عموديا أو
أفقيا في حين انصرف ورثتهم إلى صميم العمل الأدبي وفصلوه عن كل سياق أو
محيط أو دلالة، فصار العمل الأدبي أشبه ما يكون بحجر ملقى على الأرض أو ذرة
من ذرات الغبار، أو موجة من أمواج البحر كما تترائى للناظر لكي يقبل بها
كعناصر طبيعية معزولة دون أن يفكر في ربطها بعد النظر إليها في ذاتها
بسياقاتها الطبيعية الأكبر.

وهذا ما لاحظه بعض النقاد الذين تنقلوا
بين هذين المنهجين الكبيرين في الدراسة الأدبية فسعوا إلى إقامة نوع من
أنواع التواصل بينهما قصد الوصول إلى منهج "عادل" أو "معتدل" قدر المستطاع،
يعطي كل جانب من جوانب الظاهرة الأدبية حقه من التحليل والتفسير، باعتبار
أن العمل الأدبي هو فن قبل كل شيء آخر، وله طبيعته الجمالية الخاصة، ولكنه
في الآن نفسه منتج من طرف ذات تعيش في مجتمع وفي سياق تاريخي متراكم،
ومرسل إلى قارئ مهتم.

ولم تكن المنطقة العربية بمعزل عن هذه
الصراعات والتجاذبات، وأنماط القطيعة والتجاوز بين المدارس والاتجاهات
النقدية الغربية، كما لم تخل هذه الحصيلة النقدية من محاولات للتوفيق
والترقيع وإعادة النظر، كانت في جانب منها امتدادا للتجارب الغربية، وكانت
في بعضها الآخر مجهودا أصيلا للإجابة عن تساؤلات محلية ملحة اقتضتها نوعية
الأعمال المدروسة وطبيعة الإشكالات المثارة.

وهكذا سندرس في الصفحات الآتية مقدمة عن
المدارس الغربية المتجهة نحو دراسة النص من داخله خاصة في شقها البنيوي
والأسلوبي، وهما متداخلان، ثم محاولات التوفيق بين داخل النص وخارجه كما
تجلت أساسا مع الاتجاه البنيوي التكويني، ثم نعرض لمظاهر استقبال المنطقة
العربية لهذه المدارس و"التوجهات الجديدة" في النقد الأدبي.

1- البنيوية والمناهج النصية المجاورة

لم تولد البنيوية من فراغ ، وإنما مهدت
لها تراكمات الممارسة النقدية عبر الزمن ، وأشكال التناول الإيجابي والسلبي
للنص الأدبي ، ولكن التحديد المنهجي يفرض علينا في هذا التمهيد المختصر
الذي لا يتطلع لأسباب موضوعية – إلى الإفاضة في هذه المدرسة "المترامية
الأطراف" من الفلسفة إلى العلوم الإنسانية، إلى النقد الأدبي، المتشابكة
القضايا والاشكالات أن نلم بالروافد الكبرى لهذه المدرسة قبل أن ننتقل إلى
أبرز المبادئ التي قامت عليها وأهم القضايا التي انشغلت بها فيما يتعلق
بالنص الأدبي.

1- روافد البنيوية

لا يمكن حصر العوامل التي أنتجت المدرسة
البنيوية ،و لا التراكمات الفكرية والفلسفية والعلمية التي أدت إلى ظهورها،
ولكن يمكن القول إن ثمة رافدين أساسين استقت منهما هذه المدرسة معظم
أطروحاتها الفكرية ومنطلقاتها الجوهرية هما:

أ – سوسير والتأسيس للسانيات المعاصرة

كان العمل الرائد للعالم اللغوي السويسري "
فردينان دي سوسير" المعروف بـ " دروس في اللسانيات العامة " cours de
Lunquistique Général، والذي نشره طلابه بعد وفاته سنة 1913 م أحد الروافد
البالغة الأهمية في نشأة التفكير البنيوي من خلال القطيعة التي أقامها هذا
العالم الفذ مع الدراسات اللغوية السالفة عليه.

فقد عرض لأول مرة مجموعة من المفاهيم
والآليات التي أثبتت كفاءتها في الدرس اللغوي خصوصا والدرس الإنساني عموما
وكانت أساسا صلبا للسانيات البنيوية لدى هلمسلايف، وجاكبسون، ومارتيني،
وغيرهم ناهيك عن الاتجاهات التي قامت على أنقاض اللسانيات البنيوية .

ومن أبرز منجزاته تنبيهه إلى الطبيعة
الاعتباطية للغة، ودعوته إلى دراسة اللغة في ذاتها وبذاتها، وتفريقه بين
مجموعة من الثنائيات ذات الأهمية القصوى في الدراسة التقليدية، ومن أبرز
هذه الثنائيات: اللغة والكلام، القدرة والإنجاز، الآنية، والزمانية[1] ...

لقد ساهم سوسير بالفعل " من خلال المثال
الذي قدمه، والأفكار "التنبئية" التي طرحها في إخراج السيميوطيقا إلى
الوجود، أي العلم العام للعلامات ونظم العلامات ، وعلى ظهور البنيوية وهي
تيار مهم في علم الإنسان (الأنتروبولوجيا) المعاصر وفي النقد الأدبي[2] كما هو مهم في العلوم الإنسانية.

وإذا كان هذا أثر الرافد اللساني فماذا عن الرافد الآخر؟

ب- الشكلانيون الروس

نشر الشكلانيون دراساتهم ما بين 1915-
1930 وهي نصوص أعاد لفت الانتباه إليها الناقد المجري " تزفتان تودوروف" من
خلال ترجمتها إلى اللغة الفرنسية سنة 1965[3].

ووصف هؤلاء النقاد –الذين كانوا على خلاف
فكري مع الثورة البلشفية بالشكلانينن جاء من خارج مدرستهم، بل إنهم لم
يرتاحوا تماما لهذه التسمية حتى أن أحدهم ( أخينبوم)، وصف اتجاههم
بـ"المورفولوجية " وبرر ذلك بما يكشف عن تصورهم للأدب ودراسته " إني أفضل
أن أسمي هذا المنهج بالمنهج المورفولوجي تمييز لهذا الاتجاه عن المنهج
النفسي أو السوسيولوجي وما شابه[4]، كما دعا إلى تسمية أصحاب الاتجاه أيضا بالمخصصين لأنهم يدرسون خصوصية الأدب.

وقد تعامل الشكلانيون مع النصوص التي درسوها على أساس أنها فجرت الشكل الفني للغة وبحثت عن لغة جديدة ، ودعت إلى لغة ما وراء العقل.

وقد رفض الشكلانيون النظر إلى النصوص على
أنها نتاج إيديولجي لمرحلة معينة من تاريخ التطور الاجتماعي، وهي رؤية يحقق
فيها النقد نفسه على حساب الخطاب الأدبي ، فاتجهوا على العكس من ذلك نحو
"الخصيصة" اللسانية لشعر[5]

إن أهم عمل قام به الشكلانيون الروس هو
أنهم حصروا موضوعهم وأزاحوا عن ميدان بحثهم كل ما هو خارج ( الأدبية ) ثم
انطلقوا من فكرة كون النظرية يجب أن تبقى دائما كفرضية للعمل فقط ، لذلك
كانت أعمالهم مرتبطة أكثر بإعادة الأدبية المدروسة ( النصوص ) وانصبت
جهودهم في اتجاه محاولة خلق علم للأدب[6].

ومن أشهر الشكلانيين الروس: توماتشفسكي، إيخنباوم، شكلوفسكي، بروب، تينانوف، باختين .. الخ

"ثم امتدت تأثيرات هذه المغامرة الروسية
الكبيرة بفرعها الشكلي لا الباختيني إلى براغ ومدرستها المرموقة التي برز
منهـا "يان موكاروفسكـي" "ورومان ياكبسون" فطور مكاروفسكي الأساس الإشاري
المكثف لتطوير نقد المسرح والعلامة المسرحية بطريقة بدأ بها العرض المسرحي
يحتل مكانة مرموقة في نقد المسرح بعد ما كان هذا النقد قاصرا في الماضي
على النص المسرحي وحده .. أما جاكبسون فقد أصبح أبرز أعلام مدرستي
الشكلانين الروس وبرع في الغرب بسبب دراساته اللغوية، واستقصاءاته المهمة
عن عمل اللغة وآليات عملية التوصيل من ناحية، وتطبيق هذا كله على نقد الشعر
من ناحية أخرى...[7]

وإذا كان الشكلانيون الروس قد أثروا على
نحو أو آخر في النقد الإنجليزي والأمريكي منذ العشرينيات والثلاثينيات فإن
استقبال الفرنسيين لأعمالهم تأخر حتى الستينات، كما ذكرنا، ولكن تأثير
أعمالهم كان أقوى وتم تطوير كثير من أفكارهم على يد جيل من النقاد
الفرنسيين والمقيمين من أمثال رولان بارت، وجيرار جنينت وتزفتان تودوروف،
وامتد تأثيرهم إلى مختلف تيارات النقد الجديد عموما من سيميائية وأسلوبية
وتفككية وغيرها.

وليس من همنا في هذا العمل أن ندرس
امتدادات البنيوية في الفكر الغربي سواء في الأنتروبولجيا، أو علم النفس،
أو الفلسفة ، من خلال رواد كبار من أمثال "كلود ليفي شتراوس"، "وجان بياحه
"، "وجاك لاكان"، "ولوي ألتوسير"، "وميشال فوكو" وغيرهم.

وسنركز عوضا عن ذلك- لمقتضيات منهجية- على
أهم الأطروحات والتصورات التي قدمتها هذه المدرسة في سياقها النقدي على
نحو موجز قبل أن نعرض للاتجاه الذي حاول التوفيق بينها وبين الماركسيه في
سعي "مستحيل" ومخلص لجمع "النقيضين" من زاوية أو الخروج من نظرية المنهج
الأحادي، والنظرة الواحدة للعمل الأدبي من زاوية أخرى ثم نختم هذا التمهيد
بلمحة موجزة عن تيار لغوي نقدي آخر يتشاكل مع البنيوية في منطلقات نظرية،
وجوانب إجرائية ويفترق عنها في تصورات وزوايا أخرى من الدراسة الأدبية.

والبنيوية كمدرسة تنطلق من محدد منهجي
جوهري هو " البنية " وتعرف البنية بأنها نسق من التحويلات، لـه قوانينه
الخاصة باعتباره نسقا في مقابل الخصائص المميزة للعناصر، ويبقي النسق قائما
أو يغتني ويزداد ثراء بفضل الدور الذي تقوم به التحويلات نفسها، دون أن
تتعدد حدود النسق أو تستعين بعناصر خارجية عنه[8].

إنها "المثل الأعلى في السعي إلى تحقيق
معقولية كامنة عن طريق تكوين بناءات مكتفية بنفسها ، لا تحتاج من أجل
بلوغها إلى الرجوع إلى أية عناصر خارجية، ومحاولة الوصول إلى السمات التي
تشترك فيها كل البناءات التي يتوصل إليها بوجه عام[9].

ويمكن أن نلاحظ ثلاث صفات محددة للبنية تتمثل في أنها:

1- تعددية

2- سياقية

3- مرنة

"وقد شب جدل حول مفهوم مصطلح البنية
باعتباره تصورا ذهنيا مجردا وليس مجموعة من العلاقات الحسية في هياكل مادية
يمكن أن يطولها الإدراك المباشر، كان هناك خلاف أو تساؤل وهو هل البنية في
الهيكل المادي الذي نراه أم التصور الذهني الذي نخلقه بعقولنا ويدرك
العقل به طبيعة هذا الهيكل المادي الخارجي؟ وانتصر مفهوم البنية باعتباره
تصورا ذهنيا أكثر مما هو علاقات محسوسة مادية[10].

ويتركز التصور البنيوي للنقد "في دراسة
الأدب باعتباره ظاهرة قائمة في لحظة معينة تمثل نظاما شاملا، والأعمال
الأدبية حينئذ أبنية كلية ذات نظم، وتحليلها يعني إدراك علائقها الداخلية
ودرجة ترابطها والعناصر المنهجية فيها وتركيبها بهذا النمط الذي تؤدي به
وظائفها الجمالية المتعددة.

ومن هنا سنجد أن العنصر الجوهري في العمل
الأدبي هو الذي لا يرتبط بالجانب الخارجي، سواء بالمؤلف أو سياقه النفسي
ولا بالمجتمع وضروراته الخارجية ولا بالتاريخ وصيرورته، وإنما يرتبط بما
بدأ البنيويون يسمونه بأدبية الأدب، أي تلك العناصر التي تجعل الأدب أدبا،
تلك العناصر التي يمكن اعتبارها ماثلة في النص محدده لجنسه الفني ومكيفة
لطبيعة تكوينه وموجهة لمدى كفاءته في أداء وظيفته الجمالية على وجه التحديد[11]".

وقد أدى بهم هذا التوجه إلى التركيز على
النص، وقدراته على تقديم نفسه على نحو بالغ الخصوبة ومن خلال مجموعة
متنوعة من القراءات فالنص الأدبي عند رولان بارت (ت 1980)، أحد أبرز رموز
هذا التيار قائم على كونه "مفتوحا على عدد لا نهائي من المعاني والدلالات،
لأنه بناء بلا إطار ولا مركز يتميز بالحركية والفاعلية المستمرة وينطوي على
تعددية المعنى الذي لا يمكن أن تقتنصه شبكة التفسيرات لأن لـه طبيعة
انفجارية كما أنه يتفاعل مع غيره من النصوص ، وينتمي إلى مجال تناص ولكنه
يطيح وفي نفس الوقت بخرافة الأصول والمصادر"[12].

ويحدد" هيوديفيدسون أسس منهج بارت البنيوي
في" أربعة عناصر أولها أن بارت يضع الأدب في السياق العام للغة وليس
السياق العام للأشياء أو الفكر، وثانيهما، أن بارت يحدد الأدب تحديدا نوعيا
بوصفه استخداما لازما –بالمعنى النحوي للغة، وثالثهما أن بارت يرى أن مهمة
الناقد هي تقديم معنى للعمل الأدبي" وليس هناك معنى وحيدا للعمل الأدبي،
وأن معاني أخرى لا بد أن تتولد لتصارع المعنى الذي توصل إليه النقاد على
نحو يجعل المعاني كلها قابلة للتبدل، ورابعها أن بارت يضع النقد داخل إطار
أوسع يتضمن موهبة غريبة في الإحساس بالنص هي القراءة ودراسة لغة متعددة
الأبعاد، أي علم الأدب"[13].

ويحاول تزفتان تودوروف تلميذ بارت، وأحد
أشهر البنيويين من الجيل الثاني أن يشرح كيفية التوصل إلى إيضاح هذا المعنى
الذي تنشده البنيوية يقول: "في الواقع أننا مدعوون للبحث في سياق نقيم
بينه وبين النص علاقة ما وهذه العلاقة هي التي تشكل المعنى. وفيما يخص حالة
الدراسات الشكلانية والبنيوية نجد أن هذا السياق من نمط معين. إنه سياق
متماثل Nomogéne أقصد أنه من نفس طبيعة النص المنقود ذاته، فمثلا لكي نحلل
بيتا شعريا في القصيدة لكي نشرحه علينا أن " نضعه في علاقة " مع الأبيات
الأخرى أي أن نقيم بينه وبينها علاقة ما. وإذا كانت لدينا قصيدة كاملة
فلكي نشرحها في بنياتها " التكوينية " علينا أن نضعها في علاقة مع القصائد
الأخرى، ولكي نحلل رواية ما ضمن المنظور البنيوي ينبغي علينا توضيح بنياتها
"التكوينية" ثم وضعها ضمن منظور الرواية : أي الرواية المعاصرة أولا، أو
الروايات الأخرى للمؤلف نفسه أو النوع الروائي بشكل عام وكل هذا يخص نوعا
محددا من السياق والوسط المحيط، أي السياق المتماثل والمنسجم"[14].

وإذا كانت البنيوية في النقد الأدبي قد
امتدت فروعا متعددة في فرنسا، وإنجلترا، وألمانيا، والولايات المتحدة،
وغيرها إلا أن أطروحاتها قد واجهت مع الوقت معارضة كبيرة بدعوى الانغلاق
على نظرة أحادية للأعمال الأدبية ، وإغفال المقترحات المخالفة أو المناقضة.
وقد استدعى الأمر مجموعة من المحاولات التي انتهت بالبعض إلى السميولوجية،
وبآخرين إلى التفكيكية، في حين ظلت في نظرنا أجرأ محاولة لتطعيم البنيوية
وتقديمها على نحو يسعى لانفتاحها على مناهج وأفكار كان ينظر إليها على أنها
مخالفة أو مغايرة تلك التي قام بها "لوسيان جولدمان" من خلال ما أسماه "
البنيوية التكوينية "فكيف كان ذلك؟

2- البنيوية التكوينية وهاجس القراءة "المكتلمة"

إن مشروع البنيوية التكوينية كما تصورهـا
رائد هـا لونسيان جولدمان (1913- 1970) يتركز على دراسة البنيات ليس "
بصورة سكونية ولا زمنية بل العملية الجدلية لصيرورتها ووظيفتها"[15].

ولاشك أن وجهة نظر البنيوية التكوينية
التي تتضمن رؤية جدلية تسعى إلى تجاوز بعض حدود البنيوية "عانت من رفض
وانتقاص البنيويين المتعارف عليهم[16]
فرغم أن رولان بارت يعترف له (جولدمان) بفضل محاولة الربط بنوع من الحدس
الخصوصي بين شكل " التراجيديا " ومضمون "رؤية طبقة سياسية " فإنه مع ذلك
يعتبر أن التفسير المعطي تفسير غير مكتمل ، وينتهي إلى اتهامه بتبني "
حتمية متنكرة" ويستعجل آخرون إلى وصم محاولاته للبحث في البنيات الأدبية
المربوطة بالبنيات الاجتماعية بأنها " نزعة اجتماعية مبتذلة"[17].

ويلعب العمل الأدبي في نظر جولدمان
وأضرابه من البنيويين التكوينيين دورا حيويا في تكوين الواقع وتشكيله عوض
عكسه بشكل سكوني، وانطلاقا من التمييز بين"المعرفة المجردة" و"المعرفة
المحسوسة" يمكن إدراك المفهوم الجولدماني عن البنية الدالة أي وحدة العمل
ومعناه، وبالتالي طابعه الجمالي الخاص، وليس ذلك إلا لإيجاد علاقة مشتركة
ليست بين مضمون الوعي الجمعي ومضمون العمل الأدبي، ولكن بين البني الذهنية
التي تشكل الوعي الجمعي والبني الشكلية والجمالية التي تشكل العمل الأدبي.

وهكذا اهتم جولدمان بدراسة " بنية " النص
الأدبي دراسة تكشف الدرجة التي يجسد بها النص بنية الفكر أو رؤية العالم
عند طبقة أو مجموعة اجتماعية ينتمي إليها الكاتب وعلى أساس أنه كلما اقترب
النص اقترابا دقيقا من التعبير الكامل المتجانس عن رؤية العالم عند طبقة
اجتماعية كان أعظم تلاحما في صفاته الفنية[18].

والرؤية للعالم أشد حضورا في الأعمال
الأدبية والفلسفية العظيمة أي تلك التي تتميز بقيمة جمالية أو فكرية أو
بهما معا " إن البنية الداخلية للأعمال الفلسفية أو الأدبية أو الفنية
العظمى صادرة عن كون هاته الأعمال تعبر في مستوى يتمتع بانسجام كبير عن
مواقف كلية يتخذها الإنسان أمام المشاكل الأساسية التي تطرحها العلاقات
فيما بين البشر، والعلاقة بين هؤلاء وبين الطبيعة"[19].

والدراسة التي قام بها "جولدمان" لأفكار
"باسكال" ومسرحيات "راسين" في كتابه " الإله المختفي"( Le dieu caché) تؤكد
الفكرة السابقة فقيمة أعمالهما الفكرية والجمالية ليست في حاجة إلى تأكيد
ولا ينفي جولدمان " الرؤية للعالم " عن الأعمال الأدبية والفلسفية غير
العظيمة، بل إنه يرى أن كل أديب أو فيلسوف إنما يعبر في كتاباته عن رؤية
معينة للعالم بغض النظر عن قيمتها[20].

ويوضح جولدمان رؤيته أكثر " إن الرؤية
للعالم هي بالتحديد هذا المجموع من الطموحات ، من المشاعر والأفكار التي
تضم أعضاء مجموعة أخرى ، إنها بلا شك ليست خطاطة تعميمية للمؤرخ ولكنها
تعميمية لتيار حقيقي لدى أعضاء مجموعة يحققون جميعا هذا الوعي الطبقي
بطريقة واعية ومنسجمة إلى حدما"[21].

وهكذا فإن وظيفة العمل الفني داخل المجتمع هي إعطاء رؤية العالم.

ويؤكد جولدمان أن العلاقات القائمة بين
النتاج المهم حقا والمجموعة الاجتماعية من نفس مستوى العلاقات القائمة بين
عناصر النتاج وصورته الكلية[22] ويدعم جولدمان وجهة نظره بالملاحظات التالية :

1-أن العلاقة الجوهرية بين الحياة
الاجتماعية والإبداع الأدبي لا تتعلق بضمون هذين القطاعين من الواقع
الإنساني بل تتعلق فقط بالبنيات الذهنية أي بهذه المقولات التي تنظم في نفس
الوقت الوعي التجريبي لمجموعة اجتماعية والعالم المتخيل المبدع من طرف
الكتاب ليست هذه البنيات الذهنية ظواهر فردية بل هي ظواهر اجتماعية وهي لا
تتعلق بالمستوى المفهومي أو بالمضمون ، أو بالنوايا الشعورية ولا تتعلق
بإيديولوجيا المبدع بل تتعلق بما يرى ، بما يحس.

2-إن التناظر بين بنية وعي المجموعة
الاجتماعية وبنية عالم النتاج ليس تناظرا في منتهى الصرامة والدقة إذ يمكن
أن يكون أحيانا مجرد علاقة غير دالة .

3-إن البنيات الذهنية التي يتعلق بها
الأمر هنا ليست بنيات شعورية أو بنيات لا شعورية بالمعنى الفردي للكلمة بل
هي بنيات تمثل عمليات غير واعية يمكن مقارنتها في معنى من المعاني بالبنيات
العضلية والعصبية التي تحدد السمة الخاصة لحركاتنا وإشارتنا[23].

وإذا كان جولدومان الخارج من عباءة
الماركسية في صورتها" اللوكاتشية" والمتأثر بالبنيوية الغربية قد حاول أن
يقدم حلا لمعضلات جوهرية في مجال الدراسة النقدية فإن الخلافات التي ألمعنا
إليها في صدر حديثنا ظلت متقدة إلى حد كبير طوال الحقبة التي تناظر فيها
هذا الاتجاهان اللذان يدعي كل منهما الكفاءة أكثر من الآخر في قراءة العمل
الأدبي وتحليله بل واستثمرت إلى حد ما حتى بعد انتهاء عصر البنيوية وتوهجها
وموضويتها في الغرب.

ويبدو أن الخلاف الجوهري بين التيارين
يتعلق بتصور كل منهما لمفهوم البنية، وستتمايز بل وتتعارض المفهومات
الفرعية المترتبة على فهم كل منهما لـه، وقد ظهر ذلك جليا في تحليل كل من
بارت وجولدمان لمسرحية "فيدرا" لراسين والخلاف ينبع من مفهوم " البنية "
التي يفهمها جولدمان فهما تاريخيا يصلها بالذات والتحول والوظيفة فيصل ما
بينها وبين مشكل بعينه يتطلب حلا عند مجموعة اجتماعية محددة، ويفهمها بارت
فهما يتجاوز التاريخ، ويلغي ذاته الفاعلة، فتصبح "البنية" إسقاطا لنموذج
ذهني قار في وعي الناقد قبل أن يكون قارا في العمل نفسه. وكأن جولدمان،
وبارت في الحقيقة يبحثان عن شيئين مختلفين في "فيدرا" أما بارت فيبحث عن
حالة سكونية يثبت فيها النص مستقلا به عن التاريخ أما جولدمان فيبحث في
النص عن التلاحم الداخلي الذي يربط بين الأجزاء والكل من حيث تحقيقه لوظيفة
على مستوى العلاقة بين النص والمجموعة الاجتماعية[24].

وهو يصرح بأسباب خلافه مع البنيوية " فيما
يخص البنيوية الالسنية فإن العقبة " الألسنية " الأساسية التي تقف في وجه
أي فهم إيجابي لعمل ثقافي ما، تبدو أنها تبطل الأهمية المعطاة لهذا النهج،
لا مجال هنا، بطبيعة الحال لإنكار مغالبة هذا المنهج فيما يتعلق بالنطاق
الألسني ( اللغوي) البحت، إن إنكاري لهذا المنهج ( في النقد) ليس راجعا إلى
عدم كفاءتي في هذا الميدان فحسب وإنما يتناول أيضا اعتراضا أساسيا فيما
يخص التفريق بين مصطلحي اللغة والكلام، إنني أعتقد باستحالة تطبيق الممارسة
فيما يخص المصطلح الأول (اللغة) على المجال الخاص بالمصطلح الثاني
(الكلام)[25].

ولا شك أن جولدمان هنا قد حدد ما يريده
بدقة في منهجه ولكن التساؤل سيبقي مشروعا حول ما إذا كانت البنيوية
التكوينية جسدت مسعى جاد للخروج من "شرنقة" التحليل اللغوي "المغلق"، أم
أنها كانت محاولة خلاقة " لترقيع الماركسية.

وإذا كانت البنيوية قد تشعبت وتنوعت
وانفجرت من الداخل إلى مجموعة من التيارات والمحاور، والدوائر، فإن
الدراسات الأسلوبية لم تكن بعيدة عن كل ما حدث، بل يمكن القول إن الأسلوبية
وإن نشأت زمنيا قبل البنيوية إلا أن ما أحدثته هذه الأخيرة من ثورة معرفية
ونقلة نوعية في المنهج والنتائج قد انعطف بها انعطافة كبيرة عن الخط
التقليدي الذي سارت عليه ردحا من الزمن.

3- الأسلوبية

لقد نشأت الدراسات الأسلوبية غير بعيدة من
البنيوية ، وفي كنف المنجزات العلمية القيمة التي عرفها مطلع القرن
العشرين في مجال الدرس اللغوي اللساني مـع " فردينان دي سوسيـر، وكـان
تلميـذه شـارل بالـي (1865 – 1947م) رائد البحث الأسلوبي الحديث. "وقد
ركز" بالي "على الطابع العاطفي للغة وارتباطه بفكرتي القيمة والتوصيل ،
فكان يرى أن الاحتكاك بالحياة الواقعية يجعل الأفكار التي تبدو موضوعية في
الظاهر مفعمة بالتيار العاطفي.[26]

وقد بدأت نتائج أعمال "بالي" مبهرة إلى حد
جعل البعض يكاد يجزم " أن علم الأسلوب قد تأسست قواعده النهائية على يديه
مثلما أرسى أستاذ ف . دي سوسير أصول اللسانيات الحديثة[27]

وعلى كل حال فقد انطلقت الأسلوبية من بعده تيارات شتى وتصورات مختلفة ومناهج متعددة .

وقد قام صلاح فضل بترصد مفهوم الأسلوب كما تبلور مع هذه الاتجاهات الأسلوبية المتشبعة ملخصا ذلك في ثلاث مجموعات تعريفية :

أولا : مجموعة التعريفات
التي ترد الأسلوب طبقا للنموذج التواصلي المعروف في الدراسات الإنسانية
إلى المرسل ابتداء من المقولة الشهيرة " الأسلوب هو الرجل" إلى تلك
التعريفات التي تميز الأساليب باعتبارها خواص للكتابة المحددة المجسدة
للطابع الشخصي للكتابات والممثلة لملامحهم التعبيرية المميزة .

ثانيا : تعريفات تتركز حول الخواص المتمثلة في النص ذاته بغض النظر عن قائله كما تتجسد موضوعيا في الأعمال الأدبية.

ثالثا : تعريفات تحاول
أن تمسك بالأسلوب بالنظر إلى الطرف الثالث في التواصل وهو "المتلقي"
باعتباره هو الذي يميز بين الخواص الأسلوبية ويدركها ويكشف انحرافها
وبروزها عن طريق ما تحدثه من أثر وما تقوم به من وظيفة، وحينئذ يتجلي مفهوم
القارئ النموجي الذي قدمه "ريفاتير" لكي يصبح هو محور التعرف على الخواص
الأسلوبية[28]

" وتقوم الأهداف العامة للبحث الأسلوبي
على أساس نظرية علم اللغة التطبيقي ، مما يدعو إلى الاهتمام بالوسائل
المنهجية المشتركة بينهما ، ويصبح على البحث الأسلوبي أن يعني في المقام
الأول بتحديد موضوعه ، والهدف الأخير الذي ينشده ؛ إذ يمكن تطبيق إجراءات
التحليل الأسلوبي بطرق مختلفة، فيعالج مثلا نصا أدبيا مستقلا "أو إنتاج
مؤلف بأكمله، أو يقوم بإجراء مقارنات أسلوبية متعددة أو يدرس تغير الأسلوب
من حالة إلى أخرى وتطوره من الوجهة الزمنية"[29].

تلك نظرة عجلى على مجمل الاتجاهات
والنظريات التي اتجهت إلى مقاربة النص الأدبي من داخله، لا ندعي فيها أنا
أحطنا بجميع هذه الاتجاهات ولا أكثرها، ولكننا ركزنا على التيارات الأكثر
دلالة في نظرنا في مسار النقد العالمي، ثم تلك الأبلغ تأثيرا في حصيلتنا
النقدية العربية الواثقة، وحركتنا النقدية الموريتانية "الناشئة", التي سنخصها بدراسة قادمة ان شاء الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الاتجاهات النقدية النصية العربية ومرجعياتها في النقد الغربي :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الاتجاهات النقدية النصية العربية ومرجعياتها في النقد الغربي

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» إشكالية المنهج في النقد العربي الحديث والمعاصر النقد - المناهج النقدية
» من قواعد التأويل في النقد العربي النقد - المناهج النقدية
» تحيز النقد العربي الحديث إلى النقد الغربي
» أخطاء الحسابات العربية حول الاتفاق الإيراني الغربي
» انتفاضات العالم العربي (43) الثورات العربية: فصل الخاتمة لنسق "النقدية المثقوبة"!

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: