الكرخ فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 964
الموقع : الكرخ تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4
| | النساء و مخاض الحداثة | |
النساء و مخاض الحداثة الحداثة مبدئيا، فعل ذكوري بامتياز لأن المساهمات الأساسية في بناء الحداثة في صيغتها الكونية هي، على العموم، مساهمات ذكورية من طرف علماء و مستكشفين و فلاسفة...و لكن الحداثة – التي هي فعل ذكوري إلى حد كبير – هي مع ذلك أكثر الأفعال الذكورية أنثوية. هذا الفعل الحداثي الذي هو فعل ذكوري ، هو أولا فعل تحرير، و طاقة تحريرية، لأن القيمة الأساسية للحداثة هي الحرية والفردية، قيمة الفرد و قيمة الفكر الحر الشخصي. أولا الحرية، ثانيا قيمة الفرد: هذه هي الأقانيم الأساسية للحداثة الأم. الحداثة هي إسهام بشري في تحرير الإنسان، بالكشف عن أسرار الطبيعية، و محاولة للحد من مخاطرها، و لتطوير قدرات الإنسان مما يزيد من حرية الأفراد و المجتمعات و من قدرتها على الفعل. و الحداثة هي أيضا تحرير للشعوب (حق السيادة و المشاركة السياسية)، و للأفراد و للفئات اقتصاديا و سياسيا و فكريا. في هذا الإطار تندرج قضية المرأة,أن المفهوم النسائي مرتبط بتحرير النساء كفئة اجتماعية و كأفراد. لقد ساهمت الحداثة في تحرير فئات اجتماعية بعينها كفئة العبيد، كما ساهمت في تبلور كيانات و فئات اجتماعية معينة من بينها النساء و الأطفال، من خلال وعيها بذاتها وبحقوقها. إذا كانت الحداثة أولا طاقة تحريرية و مشروعا تحرريا للأفراد و الشعوب و الفئات (العبيد، النساء...) فهي ثانيا طاقة استكشافية و معرفية*1. فالحداثة مرتبطة بتطور العلم و بتطور المعرفة أي باستكشاف الطبيعة و الفهم الموضوعي لنظامها وقوانينها، أي الفهم الغير الأسطوري و الخرافي لها، أي تطهيرها من زوائدها لمعرفة و التعرف على آلياتها كما هي، و الانتقال من الفهم الغائي أو السحري للطبيعة إلى فهم و وصف القوانين التي تحكمها والتفاعلات التي تحدث فيها. هذا الجانب المعرفي للحداثة هو جانب استكشافي أي محاولة فهم آليات الطبيعة لتسخيرها لصالح الإنسان. ثالثا الحداثة طاقة تعبوية بمعنى أنها تعبئة الموارد البشرية وتحرير الناس من العبودية و من الحتميات المختلفة و تحويلهم من كم مهمل و من أفراد لا قيمة و لا فاعلية لهم إلى أفراد لهم أولا كامل الحق الإنساني بمعنى الاعتراف بالمساواة الصورية المطلقة، المساواة القانونية المطلقة بما يعني إلغاء الاستثناءات، أي استثناء فئات بشرية بعينها غما عرقية، لغوية، دينية، و اعتبار كل البشر متساوين و بالتالي التعبئة القصوى للموارد البشرية ثم تعبئة للطاقات و الإمكانيات و القدرات التي يتوفر عليها الناس من حيث هم كائنات متساوية القيمة بغض النظر عن الدين أو العرق أو النوع. إذن هناك خصوصية في علاقة الحداثة بالمسألة النسائية. لا جدال في أن تاريخنا مليء بسلوكات و بتقاليد ثقافية تحط من قيمة المرأة سواء في تاريخنا المحلي أو القومي أو الديني. لكننا نجد كذلك في تراثنا الإسلامي العديد من النقاط المضيئة سواء في القرآن أو السيرة النبوية أو حتى في بعض الاجتهادات التي قدمها العديد من الفقهاء. و لكن ما حدث مع الأسف هو أن هذه الطاقة التحريرية التي جاء بها الإسلام في إشعاعه الأول في اعتبار النساء شقائق الرجال، وفي الحد من تعدد الزوجات، هذه الإشراقات التحررية بدأت تخبو مع الزمان و خاصة في عصور الانحطاط التي تغلبت فيها ثقافات الضواحي و ثقافات المناطق الصحراوية المتخلفة في العالم الإسلامي. و قد يسرت الوليمة النفطية فرصة الإشعاع هذه الرؤى التي تعود إلى عصور الانحطاط حيث اندغم نوع من الفكر الأسيوي أو التقاليد البدائية الأسيوية مع فكر بدوي أو صحراوي ... يحط من قيمة المرأة. و هكذا وجدنا أنفسنا في العقود الأخيرة أمام عودة و حضور قوي و كاسح لذلك الجانب القدحي و التنقيصي في تصور و معاملة المرأة سواء باعتبارها كائنا ناقصا نقصا بيولوجيا، أو عقديا، أو معرفيا أو أي شكل من أشكال النقص، حيث عادت هذه الثقافة التحقيرية للمراة لتنتشر في العقود الخيرة على نطاق واسع وذلك بتواز و تلازم مع شيوع "الفكر" التحريمي الذي يتخذ مواقف متشددة و محافظة تجاه كل مظاهر التحديث و يفهم التراث الروحي و الدين فهما متحجرا مضادا للتطور. كمثال على ذلك، أورد هنا كتابا مشهورا لابن باز، بعنوان"من منكرات الأفراح و الأعراس" و فيه الكثير من المواقف المتشددة تجاه المراة التي تشكل دستورا للفكر التحريمي. و هذا الكتاب ليس مجرد كتاب عادي لأن صاحبه كان مفتيا ومؤثرا و كان من صناع السياسة الدينية في المملكة العربية السعودية لعدة عقود و التي كانت تضخ بملايين الكتب و آلاف الجرائد والمجلات و عشرات القنوات الفضائية. لابن باز هذا الكثير من الفتاوي التحريمية من أشهرها فتوى تحريم التلفاز. أما كتابه هذا فهو نموذج للفكر التحريمي، إذ فيه يحرم على المرأة: السفر وحيدة أو بدون محرم ـ و زيارة الطبيب الذكر ـ وارتداء الملابس العصرية ـ و تعرية الشعر و الوجه ـ استعمال موانع الحمل ـ رفع الصوت أمام الرجل ـ السلام باليد على الرجال ـ قيادة السيارة ـ تصوير الوجه ـ الاختلاط ـ شهر العسل ـ رؤية الخطيب ـ خاتم الخطوبة ـ الجلوس مع الخطيب على المنصة أو الهودج (العمارية) ـ الوقوف في الشرفة ـ المشي وسط الطريق ـ الالتفات إلى الوراء ـ إظهار القدم أو الظفر...إلخ. لكي نفهم الدور التحريري للحداثة يجب أن ننتبه إلى رسوخ وقوة هذا الفكر المتشدد التحريمي الذي اقل ما يقال عنه أنه يطمس صورة أخرى مضيئة موجودة في تراثنا و في تاريخنا الإسلامي وحتى في بعض ممارساتنا الاجتماعية في هذا القطر أو ذاك.إذن الحداثة كطاقة تحريرية للعديد من الفئات الاجتماعية و للنساء خاصة، تقدم للمرأة مجموعة هدايا. فكر الحداثة يعيد للمرأة قيمتها ككائن إنساني مساوي للرجل، و كرامتها، و حقها الكامل في الإنسانية، ويمنحها حق المساواة في المواطنة، و يحولها من موضوع إلى ذات فاعلة مسؤولة و حرة. و لكي لا اذهب بعيدا في التحليل أقف عند نموذج التحرر الذي تعيشه المرأة في المغرب اليوم، الذي هو المدونة التي تمثل إلى حد ما قدرة توفيقية كبرى بين ما في تراثنا من تحرر كامن و من قدرة على التطور و بين الأفكار الحداثية و ذلك عندما تتوفر الإرادة السياسية التي هي تعبير عن إرادة المجتمع و إصغاء لرغبة المجتمع في التطور. فمع توفر الإرادة السياسية يصبح التعارض بين الحداثة والتقليد مسألة قابلة للتجاوز. عندما يريد مجتمع ما أن يتطور فإن بالإمكان القيام بذلك إذا ما توافر شرط تهيؤ نخب قانونية، و سياسية، و مثقفة و فكرية... إذن بغض النظر عن رمزية المدونة كتعبير عن قدرة المجتمع على تخطي إشكال التعارض الممكن و المتخيل، الواقعي و المفتعل بين التراث و الحداثة فإن بالإمكان القياس بذلك شرطة توفر إرادة التطور لدى كل الأطراف الفاعلة في المجتمع. "مدونة الأسرة" الجديدة إذن نموذج لإعادة استرجاع حقوق المرأة (الولاية، و الطلاق، و النفقة، الملكية العائلية المشتركة..). المدونة التي هي توفيق إيجابي و نموذج لنص قانوني تتفاعل فيه بشكل قوي مقومات مستنيرة في تراثنا و روح التحديث و التجديد، بل لها في العمق ثورة ثقافية صامتة. و في الفترة الأخيرة بدأنا نشاهد نوعا من التباري في القضية النسائية. بدأنا نسمع في العالم العربي اجتهادات حيث تتوسع في حقوق المرأة و حريتها فقد صرح "حسن الترابي" أخيرا أنه من الضروري أن نفكر في إطار إسلامي بالتخلص من الثقافة التقليدية للفقهاء التي أغلقت الباب على التطور و دعا على التفكير بجد في مسالة حق المسلمة في التزوج من الكتابيين و الدفع بمساواة المرأة مع الرجل في الإمامة و الإرث و غيرها. هذا يدل على أنه في العقود الأخيرة ظهرت هنا و هناك في العالم العربي دينامية فكرية لتحديث المرأة كانت المدونة المغربي إحدى ابرز معالمها. الفكر التحديثي هو فكر تحريري للمرأة في العديد من المجالات و إقرار لحقوقها هو فكر حقوق و فكر حريات، ولكنه أيضا فكر لتحرير الرجل و لتحرير المجتمع من النظرة الاختزالية للمرأة في قضية الجنس أو في قضية الإنجاب إلى ... غير ذلك و بالتالي فهو دعوة للانتقال بالمرأة إلى درجة الإنسانية. مسألة تحرر المرأة ليست عملا تلقائيا بسيطا و ميكانيكيا بل هو مخاض عسير يضرب بجذوره في المجتمع لأنه يتعلق بنظام الأسرة و النظام الاجتماعي و النظام السياسي. مسألة تحرر أو تحرير النساء هي مسألة سهلة على مستوى الخطاب و الكلام لأن الأمر لا يتعلق بأفكار و تصورات فقط بل ببنيات اجتماعية راسخة منذ عدة قرون. و نحن نتحدث عن بنيات اجتماعية بالمعنى السوسيولوجي، أي عن قوالب و قواعد متوارثة عبر قرون و ستستمر قرونا. و هذه البنيات قوية و متينة و راسخة و لها ميكانيزمات للدفاع عن نفسها. إنها بنيات موضوعية مترسخة و متجذرة في البناء الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية و التقاليد الثقافية. الحداثة النسائية مخاض عسير لأن النظام الاجتماعي التقليدي ليس شاشة سلبية تتلقى التأثير من الخارج و تتقبله، بل إن التغير يمر عبر شبكات التراث الفكري و الاجتماعي و العائلي... و هذا التراث الفكري و الاجتماعي يفرز مقاومات و آليات مضادة لا على مستوى الرأي و الفكر و اللغة بل أيضا على مستوى الميكانيزمات الاجتماعية، و العادات و التقاليد و القيم التي تكرر نفسها عبر الأجيال و القرون. هناك مستوى آخر من مستويات مناهضة التحديث و يتمثل في تعبئة النساء أنفسهن ضد الحداثة. و هذا مستوى آخر من مستويات مقاومة الحداثة قد يكون أخطر شكل من أشكال مقاومة تحديث المرأة، لأن العبودية الطوعية أكثر مشروعية و حلاوة من العبودية الإكراهية. وهذا النمط من العبودية الطوعية صعب التحليل لأنه يعكس رسوخ هذه البنيات و تجذر ثقافة الدونية و تحقير المرأة في البنيات الاجتماعية نفسها. وهكذا يحصل نوع من التماهي اللاشعوري مع الصورة السلبية، أو التوحد اللاواعي مع الغريم. هذه المقاومات هي جزء من الصراع بين آليات التحديث التي هي آلياة موضوعية بالدرجة الأولى و بين الإفرازات التي يفرزها المجتمع في مقاومة التحديث الكاسح. و ربما كانت مسألة تعبئة النساء ضد تحررهن أو ضد ثقافة التحرر هي أخطر أنواع التبعية أو الدونية لأنها تكرس الدونية الطوعية التي يراد لها أن تنبثق تلقائيا من نفس الجسم الاجتماعي المروَّض. مخاض الحداثة إذن طويل و عسير لأن الحداثة ليست فعلا تلقائيا و سهلا بل هي مخاض صراع و جدل و أخذ و رد بين مختلف مكونات المجتمع. و هذا المخاض العسير يتطلب مجموعة شروط حتى يؤدي على نتائج محددة، أولها ضرورة تبلور وعي ذاتي نسائي: وعي ذاتي منبثق من النساء أنفسهن من حيث أنهن المعنيات والمعانيات للاحتقار و الدونية..في الشارع في البيت و في كل الأماكن. إذن شرط المعاناة شرط أساسي. هناك قناعات فكرية لدى نخب مثقفة تحديثية ربما كان لها الفضل في إثارة مسالة تحرير المرأة و لكن إذا قارناه بالوعي التلقائي النسائي المنبثق من رحم المعاناة يتبين أن الوعي الذاتي يعكس معاناة و جودية مفعمة بالألم فمسألة التحرر تتطلب وعيا نسائيا ذاتيا و تحالفا مع الفئات المستنيرة في المجتمع و المتطلعة للمستقبل، و المؤمنة بضرورة تحرير المرأة. مسألة الوعي هي مسالة معرفة و مسالة ضمير نسوي. إن الوعي بمسألة تحرير المرأة لا يمكن أن يتم فقط من خلال نضالات المرأة و لكن بالتنسيق مع القوى الاجتماعية و القوى السياسية التي تؤمن بهذا التحرر سوء تعلق الأمر بالدولة أو الأحزاب. إذن لا بد من اندراج النضال النسائي في إطار هذا السياق التاريخي و في إطار هذه الفئات و الإرادات السياسية التحررية. و هنا لابد من إثارة الانتباه إلى أن مسألة تحرير المرأة قد تعرضت – مثلها في ذلك مثل جل القضايا السياسية ـ لتكييف فكري وفئوي قانوني و حقوقي. بل إن الوعي النسائي اتخذ في كثير من الأحيان صورة.وعي قانوني. و حقوقي. و هذا أمر ضروري كما أن الحقبة القانونية أساسية لكن الوعي الثقافي. هو أعمق أشكال الوعي. و هو ضروري و لا محيد عنه لأن المسالة النسائية مرتبطة بإيديولوجيا المجتمع، بوعيه و بلا وعيه و بثقافته العميقة نعم إن الوعي الحقوقي ضروري لكن إذا لم تكن لديه مرتكزات و رؤية ثقافية فسيكون نضالا سطحيا و وعيا سطحيا لأن هناك ضرورة ارتباط النضال النسائي بمسألة المناخ الثقافي و البعد الثقافي. الشرط الثقافي شرط أساسي في مسالة تحرر المرأة. لقد أصبحت مسالة تحرر المرأة اليوم رهاناً أساسيا في تطور المجتمع، في عصر العولمة أي في عالم هو حلبة تباري بين الأم من أجل التحديث و تحقيق التقدم. و المسالة النسائية تقع كميا و كيفيا في صلب التحديث. مسالة التحدي و التباري الحضاري تجعل المسال النسائية ضرورة تاريخية لإمكانية نجاح المجتمع في استدراك التأخر التاريخي العميق و الطويل هذا. إذا كان هذا المجتمع يريد أن يتطور، و أن يواكب عصره، و ينفض عنه غبار التاريخ | |
|