الكرخ فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 964
الموقع : الكرخ تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4
| | حسين الهنداوي: الفلسفة في تعريفها الاول والاخير ليست غير الحرية | |
ماذا حل بالفلسفة في العالم العربي؟ وهل لدينا فلسفة بالمعنى الدقيق للكلمة: أين هي اليوم؟ ما هي انجازاتها الراهنة؟ هذه الاسئلة التي يطرحا ملف الشهر في "ايلاف"، سبق ان حاولت، كما ازعم، الاجابة عليها عام 1987 في محاضرة تحت عنوان "ظاهرة غياب الفيلسوف في الثقافة العربية"، اقيمت في قلب العاصمة البريطانية لندن ولم يحضرها سوى قلة من المهتمين، تركز جدلهم في نهايتها، وكان سجاليا بشكل غريب، حول جملة واحدة اثارت ثائرتهم سخرت فيها من عبارة كارل ماركس الشهيرة في "اطروحاته حول فيورباخ" والقائلة بأن الفلاسفة لم يفعلوا إلا تفسير العالم بطرق شتى بينما المطلوب تغييره. فالسؤال الرومانتيكي: هل تهجر الفلسفة ثقافة من الثقافات، كما تهجر حسناء عاشقا عاثر الحظ؟ كان سلفا يراود كل من يتأمل الثقافة العربية الراهنة او المعاصرة، تأملا عميقا وحريصا وجديا. وكما الآن - وهنا اعيد الحياة لمعظم وجهة نظري في حينه - فالجواب بالايجاب ممكن ودقيق كما أعتقد في الاقل، ولابد تاليا من الاستفهام، حبا بثقافتنا وبانفسنا وبالحياة، عن اعراض هذه الهجرة، ثم عن كيفية احلال الوئام بينهما من جديد، وعن الهدايا التي ينبغي ان تحملها هذه الثقافة-كأي عاشق مهجور-لارضاء خاطر الفلسفة واقناعها بالكف عن الزعل ثم العودة الى الاحضان راضية مرضية. بداهة، وقبل اية خطوة، ينبغي علينا ان نتعرف على الاسباب الجوهرية التي دفعت الفلسفة الى الهجران المذكور. لان لكل زعل اسبابا، وما دامت الاسباب شاخصة، فليس هناك اي امل جدي بعودة المياه الى مجاريها بشكل طبيعي ودائم بين اي عاشقين. وهذا هو قانون يعرفه كل من ابتلى بالعشق وذاق لوعة الهجران حتى المتخيل وربما هذا خاصة. نتوقع، أن بعضا من الاحباء سيعترض على هذه المقارنة الطريفة ربما لغرابتها بين الفلسفة والحسناء على اساس انها تنطوي على كمٌ كبير من الاعتباطية والدعابة لا يليق بقدسية الموضوع. ولا نتردد-جوابا- ان نقول له بانه على ألف حق شكليا. بيد ان الجوهري يمكث قائما بعناد، طارحا نفسه بصيغة اخرى، هي الآتية: لماذا لا نجد في الثقافة العربية الراهنة رغم كل مظاهر حيويتها، البديهية او المفترضة منها، مفكرا واحدا، واحدا فقط، يستحق وناموسنا مرتاح ان نطلق عليه دون مبالغة او محاباة نعت فيلسوف بالمعنى العميق الذي نتفق على اطلاقه على افلاطون والكندي او على ارسطو والفارابي وابن سينا او على ابن عربي وكانت او على السهروردي وديكارت او على هيغل على العشرات الأخرين غيرهم من فلاسفة الشرق او الغرب؟ فإذا بحثنا في الثقافة العربية الحديثة شمالا وجنوبا، يمينا ويسارا، مشرقا ومغربا، لا نجد بالفعل ذلك المفكر المتميز والاصيل الذي ينتزع، عبر منظورات اصيلة، مكانة فيلسوف بجدارة واستحقاق بعيدا عن الفذلكات الصحفية والاطراءات العاطفية. وهذا في الواقع هو ما استنتجناه شخصيا عن كثب، وبعيدا عن أية نزوات مشاكسة، او رغبة بغمط حق احد، او هواية الاستفزاز العابث. فبعد تقليب، نزعم بأنه غير عجول، في مختلف الانتاجات التي تعنينا في هذا الميدان، لم نعثر على ذلك الفيلسوف الحقيقي الذي يعتبر وجوده في ثقافة ما، ضرورة مستقلة بحد ذاتها، وعلامة حيويتها الجوهرية والفعلية، ما دمنا نعرف- ونتفق مع الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت- بان "اعظم خير يمكن ان تقدمه ثقافة ما هو ان يكون فيها فلاسفة حقيقيون". واذا كنا نلح اعلاه على مفهوم الهجران، فذلك بالتحديد لاننا نعتقد جازمين بان المسألة تتعلق فعلا بخراب علاقة بين اثنين، وليس مطلقا بسبب عجز عضوي في عبقريتنا التأملية او بتنافر "طبيعي" بين العقل الشرقي وفعل التفلسف كما يروج بعض مؤرخي الفلسفة الغربيين ضد الثقافة العربية الراهنة مدفوعين باغراض ايديولوجية ونوايا استعمارية وحسابات صهيونية او ما شابه. فنحن نرى، على العكس من هؤلاء، ان العقل العربي او الكردي او الفارسي او التركي والعقل الشرقي عموما، ككل العقول الانسانية الاخرى، يكتنز بالعبقرية وجدير بكل ابداع فلسفي مهما كان راقيا وساميا. ويكفينا دليلا قاطعا على ذلك ان الثقافة العربية والشرقية عموما عرفت الفلسفة في فترات سابقة من تاريخها، وعاشرتها طويلا وانجبت-باعتراف العدو والصديق- هذا الجنس من "الفلاسسفة الحقيقيين" الذين يقصدهم ديكارت والذين اصبحوا فخرا للانسانية والى الابد. لماذا اذن توقفت الثقافة العربية منذ بضعة قرون ولحد الان عن انجاب "فلاسفة حقيقيين"؟ان بعض التفسيرات التي سبقتنا على الرغم من أنها لم تطرح السؤال اعلاه بهذه الدرجة من الوضوح، حاولت تقديم اجاباتها عنه، وغالبا بشكل غير مباشر. واذا كنا ننعت هذه التفسيرات جميعا بالتهافت والاضطراب فذلك لانها على اختلافاتها الجوهرية تنطلق من ارضية ايديولوجية صريحة الى هذا الحد او ذاك. وكأي تفسير ايديولوجي فانها تقدم الجواب قبل طرح السؤال، وقبل اي بحث في الحيثيات الملموسة. وعندما تبحث في هذه الاخيرة فانها تقع بالضرورة، في نوع من الانتقائية والنظرة المنحازة، على مضض احيانا بالنسبة لبعضها، بحكم مشربها الايديولوجي ذاته. وابرز هذه التفسيرات ثلاثة مختلفة جذريا هي: العنصري والماركسي والتبسيطي. يعود التفسير العنصري بولادته الى القرن الثامن عشر، ويمد جذوره في النزعة الذاتية الغربية وخرافة التفوقية اليهودية-المسيحية. وهذا التفسير الذي ولد وتطور في اوربا الغربية ما يزال يجد ممثلين له فيها وفي الولايات المتحدة الامريكية وايضا في جميع الاوساط التابعة للثقافة الغربية بما فيها الشرقية منها. حتى القرن السادس عشر، كان الاعتراف بالعبقرية الفلسفية للعرب والمسلمين ثابتا لدى المفكر الغربي. وقد عبر روجيه بيكون عن ذلك بوضوح قاطع عندما قال "ان المعرفة جاءت الى العالم اربع مرات: الاولى والثانية بالعبرية عبر الانبياء وعبر حكمة سليمان والثالثة بالاغريقية عبر ارسطو والرابعة بالعربية عبر ابن سينا..". وواضح هنا ان ارسطو يرمز للعبقرية الفلسفية الاغريقية باعتباره نتاجها الطبيعي، في حين يرمز ابن سينا للعبقرية الفلسفية العربية والاسلامية باعتباره نتاجها. لكن ابتداء من نهاية القرن السابع عشر، وبموازاة تصاعد القوة الصناعية والاقتصادية، وخصوصا العسكرية للغرب وتحفز الاخير للسيطرة على القارات الاخرى، راح الهمٌ الاول للمؤرخ والمفكر الغربي، يتجه نحو التخلص من الاعتراف بالعبقرية الفلسفية العربية. وقد اخذ هذا التوجه، في لحظة ما، شكل صراع عنيف داخل الاوساط الفلسفية الغربية ذاتها. ففي كتابه "تاريخ الفلسفة الحديثة" المنشور في عام 1816 يشير المؤرخ الالماني بوهل الى هذا الصراع قائلا: "حتى الفترة الاخيرة جرى اعطاء العرب وحدهم شرف نشر فلسفة ارسطو في االمزيد فلسفة | |
|