بريطانيا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة
د. حسن صنع الله
2011-10-10
بريطانيا التي اعتقلت فضيلة الشيخ رائد صلاح بغير ذنب
اقترفه سوى انه مناهض لجرائم وسياسيات الفصل العنصري الإسرائيلية، ومن قبله
طردت الشيخ القرضاوي والشيخ وجدي غنيم والشيخ احمد نوفل، متذرعة بمعاداتهم
للسامية، صادقت أمس بتفويض من الملكة على تعديل قانون اعتقال مجرمي الحرب
عن المسؤولين الإسرائيليين لدى دخولهم الأراضي البريطانية، وكان السفير
البريطاني في تل أبيب "ماثيو غولد" قد اتصل بزعيمة المعارضة الإسرائيلية
"تسيبي ليفني" واخبرها بذلك.
المملكة المتحدة كانت قد وعدت بتعديل قوانين قضائية في
البلاد عقب إلغاء زعيمة المعارضة "تسيبي ليفني" رحلتها إلى لندن أواخر
العام الماضي بعد أن أصدر قاض بريطاني مذكرة اعتقال بحقها على خلفية
اتهامها بجرائم حرب في العدوان على غزة. وكانت مذكرة اعتقال "ليفني" سببت
حرجا للحكومة البريطانية التي وعدت بإيجاد الحل لها بأسرع ما يمكن، ويضمن
القانون الجديد عدم اعتقال أية شخصية إذا كان احتمال تقديمها للقضاء
البريطاني ضئيلا، كما أن اعتقال أية شخصية أجنبية تدخل إلى بريطانيا سيتم
بعد مصادقة المدعي العام البريطاني.
هذا التصرف البريطاني كان متوقعا، فالموقف البريطاني من قضايا الشرق الأوسط
لم تتغير، فإسرائيل ربيبة بريطانيا، فهي التي سعت إلى إنشاء وطن قومي
لليهود على ارض فلسطين، بإصدار وعد بلفور المشؤوم، والانتداب البريطاني هو
الذي مهد الطريق أمام العصابات الصهيونية للاستيلاء على فلسطين، من خلال
القضاء على المقاومة الفلسطينية، وتجريدها من السلاح، وبالتالي كان
الانتداب مسؤولا مباشرا كالعصابات الصهيونية عن النكبة الفلسطينية والمجازر
التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وبريطانيا
هي التي ساعدت المؤسسة الإسرائيلية على نيل الاعتراف من الأمم المتحدة، وهي
التي أمدتها بالسلاح ولا زالت تمدها بالسلاح إلى جانب الأمريكان وبقية
الدول الغربية، وان كان الأمريكان يصرحون علنا عن ما يسمى بالتزامهم الأدبي
والأخلاقي بحفظ أمن المؤسسة الإسرائيلية، فإن بريطانيا تعلن عن هذا
الالتزام بصورة عملية وتتناغم مع الموقف الأمريكي قلبا وقالبا.
هذا القانون الذي سنته بريطانيا لا يخرج عن دائرة هذا الالتزام البريطاني
الأمريكي، ففي الوقت الذي تحارب فيه بريطانيا ومن ورائها الغرب ما يسمى
معاداة السامية، وهو بالأحرى معاداة إسرائيل، وتساعد المؤسسة الإسرائيلية
على التهرب من الجرائم التي يرتكبها جنرالاتها، وتعطي غطاء زمنيا كاملا
للمؤسسة الإسرائيلية من أجل تهويد المشهد الفلسطيني برمته، وإلا فما معنى
أن تدين بريطانيا الاستيطان، وهي تحبط بمساعدة الأمريكان أي قرار يدين
الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في مجلس الأمن، وما معنى أن
تدين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وهي تسكت وتدعم الحصار
الإسرائيلي على قطاع غزة، وما معنى أن تعارض بريطانيا والاتحاد الأوروبي
توجه السلطة الفلسطينية (رغم التحفظ على هذا التوجه) إلى مجلس الأمن لنيل
اعتراف، في ظل التعنت الإسرائيلي ورفضه الانسحاب من الأراضي الفلسطينية
المحتلة، وما معنى أن ترفض بريطانيا والاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية
أي ضمانات للمفاوض الفلسطيني لكي يعود إلى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي،
علما أن الرباعية تدرك أنه قد مر عقدان من الزمن على بدأ المفاوضات
الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي دون أي نتائج تذكر بسبب التعنت
الإسرائيلي. أليس توجه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي البريطانية اشتون
لإقناع عباس بعدم التوجه إلى مجلس الأمن والاكتفاء بالتوجه للجمعية العامة،
مقابل تعهد فلسطيني بعدم مقاضاة المؤسسة الإسرائيلية أمام المحاكم
الدولية، يعد دعما مطلقا لسياسات إجرام الاحتلال الإسرائيلي.
أن ما تريده بريطانيا من وراء مواقفها الداعمة للمؤسسة الإسرائيلية هو
حماية الاحتلال الإسرائيلي، وضمان استمراريته، وذلك أن المؤسسة الإسرائيلية
هي في الأساس مشروع استعماري بريطاني أوروبي وجد ليبقى بحسب الذهنية
الغربية، فإسرائيل بالنسبة للغرب مصلحة عليا وامن قومي وعهد ديني، ولذلك
ليس من الغريب أن يبرر هذا الغرب تلك الجرائم الإسرائيلية ويشرعن ما تقوم
به من احتلال لأراضي الغير وما يرتكبه جنرالاتها من جرائم حرب، فالغرب
بالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية هو سياج الأمان الذي يمد هذه المؤسسة بالحياة.
إذن بريطانيا هي بريطانيا والعقلية الاستعمارية لن ولن تتغير ودعمها
للمؤسسة الإسرائيلية لن يتبدل ولن يتغير، وعليه ما سنشهده في المستقبل هو
استمرار لسياسة الكيل بمكيالين، حيث سترفض كل القضايا التي تقدم بحق
جنرالات إسرائيل الذين اتهموا بارتكاب جرائم بحجة عدم وجود أدلة كافية، في
الوقت الذي ستحاكم فيه بريطانيا كل من يشك انه معاد للسامية، أو على اقل
تقدير تقوم بإبعاده من البلاد انتصارا للموقف الإسرائيلي، وهذا بدوره يعنى
أن القضاء البريطاني سيكون مضطرا إلى التأقلم مع واقع قضائي جديد، بحيث
يتماها مع سياسات الحكومة، وخصوصا في القضايا ذات الطابع الأمني تماما كما
هو الحال مع القضاء الإسرائيلي، أي أن يصبح القضاء البريطاني أداة بيد
حكومته لشرعنه العنصرية ضد كل ما هو مناهض لسياسات المؤسسة الإسرائيلية.