الشيخ أبو اسلام و القس تيري جونز وجان لعملة واحدة: الكراهية…
د.أحمد ابو مطر
الشيخ أبو” اسلام أحمد عبد الله” لا يحتاج لتعريف بشخصيته ومواقفه، فهو
شخصية مشهورة خاصة في مصر بأنّه من المهتمين للغاية بالكتابات النقدية
الحادة ضد كافة الشخصيات و الديانات والمذاهب الأخرى غير الإسلام، وكان
يملك أو يرأس قناة فضائية باسم (الأمة) قبل إغلاقها لأسباب مادية كما يقول
البعض ولأسباب أخرى كما يقول بعض آخر، وكان يقدّم هذه القناة على أنّها
مخصصة ل (مكافحة التنصير والماسونية). وله مواقف عنصرية حاقدة ضد المواطنين
المصريين من معتنقي الديانة المسيحية (الأقباط) إلى حد أنّ الاتحاد المصري
لحقوق الإنسان قد رفع ضده قضايا إلى النائب العام المصري بتهمة ازدراء
الديانة المسيحية. ويمكن الاستدلال على مواقفه العنصرية الطائفية الحاقدة
هذه فقط من عناوين بعض كتبه دون الحاجة لشرائها وقراءتها:
بطرس (بيتر) غالي: من الجد بطرس إلى بيت صهيون والعودة، 1993_
بطرس غالي القديس الذئب، 1993_
من أغمى فتيات مصر؟ تنظيم الكاريزماتيون المتطرف بالكنيسة المصرية، 1994_
الكنيسة والانحراف الجنسي، 1995_
من قتل الكلب، قصة مقتل الكلب العلماني الراحل فرج فودة، 1996_
الحداثة ملة الكفر المعاصر،1996 _
النصرانية من الواحد إلى المتعدد،1996 _
ويمكن الاستناد لعناوين هذه الكتب فقط لرفع دعاوي القدح والذم والشتيمة
ضده، وكل هذا يقوم به بصفته داعيا إسلاميا لنشر الدين الإسلامي في كافة
أرجاء العالم. ومبدئيا لا أعرف كيف سيستمع له الآخرون وهو ينظّر بالدعوة
لنشر الإسلام، عندما يعرّفون آراءه ومواقفه هذه من ديانات الآخر على ضوء
قول الله تعالى (لكم دينكم ولي دين)، (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و
أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)؟. أو
عندما يطلق على الكاتب المصري الراحل (فرج فودة) صفة (الكلب) وهي صفة
شوارعية من المستحيل أن يستعملها أي إنسان يتصف بالحد الأدنى من تعاليم
الإسلام (وادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم)
أو سلوك الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (وإنك لعلى خلق عظيم) ( إنّما بعثت
لأتمم مكارم الأخلاق) فأين هذا السلوك للشيخ المذكور من هكذا تعليمات
إنسانية أخلاقية، والقادم من سلوكه وتصرفاته أدهى وأعظم مصيبة بحق الإسلام
والسلوك القويم للمسلمين!!!.
ماذا فعل هذا الشيخ بالإنجيل أمام السفارة الأمريكية؟
في الاحتجاجات التي دارت أمام السفارة الأمريكية بالقاهرة يومي 12 و 13
سبتمبر 2012 ردا على الفيلم المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، قام هذا
الشيخ بتمزيق صفحات من الانجيل ثم حرقها، مما حدا بالمحاميين المصريين
السيد حامد وناصر العسقلاني ان يقدما بلاغا ضده لنيابة أمن الدولة العليا
متهمينه بازدراء الدين المسيحي، حيث طلب المستشار نادر الفرجاني المحامي
العام الأول للنيابة تحريات جهاز نيابة الأمن الوطني في هذه الواقعة، كما
أمر بتفريغ الأسطوانات التي تقدم بها المحاميان المذكوران، وهي تحمل مقاطع
للشيخ وهو يقوم بتمزيق الإنجيل، وتمّ عرضها على لجنة فنية متخصصة من اتحاد
الإذاعة والتلفزيون المصري. وقد أكّد المحاميان أن الأسطوانة المدمجة (سي
دي) تحتوي على أربعة مقاطع، يظهر فيها الشيخ وهو يقوم بتمزيق الإنجيل أمام
السفارة، ويظهر بجواره شخص آخر كان يرافقه، طلب ولاعة، وقام بإحراق صفحات
من الانجيل بعد تمزيقه من قبل الشيخ، وأنّ هذا الشخص استقل السيارة مع
الشيخ عند مغادرتهما. كما قدّما صورة ضوئية من جريدة” التحرير” التي أجرت
حوارا مع الشيخ يعترف فيه بتمزيق الانجيل. وقد بدأت النيابة العامة
التحقيقات فعلا مع الشيخ ونجله (اسلام) بخصوص هذه الواقعة الاستفزازية
المنافية لكافة الأعراف والقيم التي يقدمها في أحاديثه ودعواته على أنّه
حريص على قيم الإسلام الذي يطالب الآخرون باعتناقه.
وقد قرّرت النيابة العامة إحالته إلى المحاكمة
الجنائية العاجلة، وتمّ هذا القرار من النيابة العامة يوم الثلاثاء،
الخامس والعشرون من سبتمبر 2012 ، بحقه و ابنه (اسلام ) و (هاني محمد ياسين
) المحرر الصحفي بجريدة التحرير، واسندت النيابة العامة إلى المتهمين
الثلاثة تهمة ازدراء الدين المسيحي بطرقة علنية، وإتلاف وإحراق نسخة من
الإنجيل أمام السفارة الأمريكية. وقد أكّدت تحريات النيابة المصرية هذه
التهمة مع توفر الأدلة الدامغة، حيث قامت النيابة العامة بتفريغ اللقطات
المصورة لهذه الحادثة البشعة مما أكّد التهم الموجهة لهم، فاستحقوا إحالتهم
للمحاكمة الجنائية العاجلة.
هل هذه مصر الجديدة بعد الثورة؟
والجواب على سؤالي هذا سيكون بسؤال آخر وهو: هل كان يجرؤ هؤلاء المسيئون
للدين المسيحي أن يقوموا بفعلتهم هذه في زمن نظام الرئيس المخلوع حسني
مبارك؟. وأساسا هل كان يجرؤ المتظاهرون من الاقتراب من السفارة الأمريكية؟.
لذلك أقولها بصراحة: إنّ نسبة من الشعوب العربية كافة تسيئ فهم
الديمقراطية وحرية التعبير، بدليل هذه الفوضى غير الخلاقة في أكثر من عاصمة
عربية حيث يفهم كل مواطن الديمقراطية أنّها على مقاسه وما يريد فقط،
فيتظاهر متى ما يشاء وبالطريقة التي يريد حتى لو كانت مهاجمة رجال الأمن
والشرطة، وإحراق الممتلكات العامة التي لا علاقة لها بموضوع التظاهر
والاحتجاج، بل يعيش منها ألاف من المواطنين الغلابى. ومن خلال المناظر التي
شاهدناها للمتظاهرين أمام السفارات الأمريكية في أكثر من عاصمة عربية،
أطرح هذا السؤال: هل كان كل أولئك المتظاهرين من أجل نصرة الرسول صلى الله
عليه وسلم؟ وهل نصرة الرسول تكون بهذه الأعمال التدميرية الوحشية
اللاأخلاقية التي تتنافى مع أبسط مبادىء وأخلاق الرسول؟.
وماذا كان ردّ الدول الأوربية على تمزيق وحرق الإنجيل؟
أليس الإنجيل الذي قام أبو اسلام ونجله بتمزيقه وحرقه هو الكتاب المقدس
لمليارات من المسيحيين العرب والأوربيين والأمريكيين ومختلف الجنسيات عبر
كافة القارات؟. فكيف يكون الردّ على فيلم مسيء للرسول صلى الله عليه وسلم
بعمل لا يقل اساءة وتخلفا عن هذا الفيلم؟. وأعتقد أن تمزيق الإنجيل وحرقه
أشدّ وحشية من الفيلم، لأنّ الفيلم أساء للرسول فقط، بينما تمزيق الإنجيل
وحرقه أساء للإنجيل وللقرآن الكريم، لأنّ هذا الانجيل كان مكتوبا بنفس
الحروف العربية المكتوب بها القرآن الكريم. وأتذكر وموجود حتى الآن تنبيه
على العديد من الصحف والمجلات العربية مفاده ( يرجى عدم القاء هذه المطبوعة
في أماكن القاذورات أو الدوس عليها، لأنّها مكتوبة بالحروف العربية
المكتوب بها القرآن الكريم).
ورغم هذا العمل المتخلف، لم تشهد أية عاصمة أوربية أو أمريكية تظاهرة
احتجاج أمام المساجد الإسلامية الموجودة بكثافة في كل عاصمة غربية. لماذا؟.
وكذلك المواطنين المصريين من معتنقي الديانة المسيحية 0الأقباط) لم
يتظاهروا ضد هذا العمل المشين، بل تظاهروا بشدة وحرقة ضد الفيلم المسيء
للرسول الكريم، لأنّ العمل السيئ خير رد عليه هو تجاهله ليصبح هو وصاحبه في
عالم النسيان، أو كما قال الشاعر العربي:
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من اجابته السكوت
فلماذا نتظاهر نحن بوحشية وحرق وتمزيق واتلاف بحجة نصرة الرسول، وهم في
الغرب يسكتون على تمزيقنا واتلافنا وحرقنا لإنجيلهم؟. إنّ احالة حارق
الانجيل في مصر للمحاكمة الجنائية العاجلة، يدعم طلبات العرب والمسلمين
للمجتمع الدولي بسنّ قوانين تحرّم وتمنع وتحاكم المسيئين للأديان والرسل
والكتب المقدسة. وهي خطوة من شأنها أن تكون بداية لضبط الفلتان في الشارع
المصري الذي أصبح كأنّه ظاهرة أو عادة يومية.
الجواب على سؤالي عنوان المقالة
نعم يختلف الشيخ أبو اسلام عن القس تيري جونز في أنّ الشيخ المتحدث باسم
الإسلام والذي يعتبر نفسه حارسا للقيم الإسلامية، مارس بالفعل عمله البشع
بحرق الإنجيل بعد تمزيقه علانية، بينما القس تيري جونز بعد أن شاهد حجم
التنديدات الأمريكية تحديدا بما ينوي فعله من حرق للقرآن الكريم، عاد إلى
رشده ، وأعلن يوم العاشر من سبتمبر 2010 توقفه عن القيام بذلك العمل
الكريه، وفعلا لم ينفذ تهديده ولم يحرق نسخة من القرآن الكريم. هذا هو
الفرق. ورغم ذلك فكل هؤلاء طالبي الشهرة من خلال الأعمال المسيئة للديانات
والرسل تحديدا، هم يسيئون لأنفسهم فقط، لأنّ الديانات السماوية لها مريدوها
ومعتنقوها بالمليارات، وبالتالي أي عمل فردي ضدها لا يضرّها، تماما كما
قال الشاعر العربي:
ما يضير البحر أمسى زاخرا إن رمى فيه غلام بحجر
drabumatar@hotmail.com