عدنان المبارك
روايتان لدانييل سواريز عن هشاشة العالم
05/04/2011
|
دانييل سواريز |
دانييل سواريز(Daniel Suarez (1964الذي بدأ ينشر بإسم مستعار( ليناد زيروس
Leinad Zeraus ) أي إسمه مقروء بالعكس ، صار معروفا في عالم الكتابة
السردية بفضل روايتيه ( الشيطان Daemon ) من عام 2006 و(الحرية تي إم
Freedom TM) التي صدرت قبل أقل من سنتين . وسواريز مهنته مستشار أميركي في
التكنولوجيات المعلوماتية. الرواية الثانية تكملة للأولى. لم أتوقف طويلا
عندالروايتين كجدّة سردية ، بل من زاوية الإثارة وحتى هذه لا تبتعد كثيرا
عن التقليدية في هذه الرواية وسابقتها أيضا. ما لاحظته أن هذا الكاتب يطلق
بإستقامة حقائق كثيرة ، ولكم هي مرهبة ، عن عالمنا اليوم والذي ينهار
خلال بضع ثوان إذا إختفت الألكترونكا ، أو كما كتب سواريز : ( كلنا في
الشبكة / النت . ومن هناك لامفر... ). ( بطل ) الرواية الثانية برنامج
حاسوبي قاتل يجهز على الشبكات العنكبوتية. يجنّد عملاء ويقضي على ضحايا
جديدة. الحكومة تتعاون مع كبريات الشركات كي تكافح هذا العدو غير المرئي.
وما يثير الإهتمام هو بعد معيّن في هذين العملين الروائيين : هشاشة النظام
الحالي في العالم ووقوف هذه الحضارة على الحافة عندما أطلقت من قمقمه
الذكاء الصناعي. إنه حلف غريب بين أنظمة الإنسان والأخرى التكنولوجية.
تدورالروايتان حول الخطط التي ينسجها هذا ( الإرهابي ) المتمثل بشبكات
البرمجة المتقدمة ، ضد ( مؤسسة النظام القائم Establishment) ، بالأحرى
عالم الشركات الكبرى التي هي ، في الواقع ، من يحكم عالم اليوم. وهؤلاء ،
المؤسسة ، الذين تكاد تكون سلطتهم مطلقة ، أي أباطرة الإقتصاد والإدارة ،
يسعون الى إخفاء خطط ( الشيطان ) مستعينين بمختلف أنواع الشركات المختصة
بالعلاقات العامة. الإجتماعات تعقد بلا توقف. أطرافها الوكالات الحكومية
وتلك الشركات. سواريز يوحي للقاريء بأن ما سيحدث هو المصير المحتوم لمثل
هذا العالم المستحضر كما الوصفات الصيدلانية. إنه القعرالثاني للتأريخ
المعاصر، فكل شيء معد سلفا وإلا لإنهارت أكثر من واحدة من إمبراطوريات
الحاضر. ويكتب سواريز بالصورة المباشرة : نحن نحيا في عالم ( مبرمَج ) بدءا
بسيناريو الهبوط على القمر عبر هجوم طالبان في الحادي عشر من أيلول
وإنتهاء بأسلحة صدام حسين للدمار الشامل... أكيد أن مثل هذه
السيناريوهات ازاحت الحقيقة وجاءت بأخرى زُيِّفت الى درجة تطابق صدقية
الإثنتين. والمكدِّر أن ليس الجميع تزكم أنوفهم روائح مطبخ المصالح ،
سواء أكانت عليا أو دنيا. وتكفي هنا قراءة مثل هذا المقطع من الرواية
الثانية : BCM : ليس هذا بالمهم. لكن إذا وصل الى الميديات خبر
أن ( الشيطان ) سيطر على شبكات الآلاف من الشركات ، ففي البورصة سينفجر
الهلع. CSC : سيدي المدير ، أؤكد لك بأن أي واحد من هذه
الأفلام الصغيرة عن ( عربات الشيطان ) سوف لن يكون ذا صدقية ولن يصل الى
الميديات الرئيسية. NSA : لكنها إنتشرت في الإنترنت كله. ملايين
الناس شاهدتها. EndoCorp : هذه ليست مشكلة مستعصية الحل.
NSA : ماذا تقصد ؟ EndoCorp : سنملك
نحن حق التصرف بالماركة المسجلة ل( عربات الشيطان ).
NSA : و هل سيغيّر هذا شيئا في القضية ؟ EndoCorp :
سنحصل على أساس قانوني للتصرف بصورة ( العربات ). كما سنوزع أخبارا عن أن
كل هذا هو حملة دعائية للترويج لنوع جديد من الألعاب الكومبيوترية.
CSC : وهذا يعني أن الرأي العام سوف لن يعامل ( العربات )
بصورة جادة . NSA : فكرة من هذه ؟ CSC :
لما بحثتُ هنا عن أفراد. فريقنا لقضايا العلاقات العامة هو المسؤول عن وضع
الستراتيجية. أطفال الإنترنت سيتعاملون معها كحملة للتسويق على طريقة حرب
العصابات. CIA : لكن هناك شهودا ابصروا ما حدث حقا. كذلك هناك
جثث حقيقية. كيف تفسرون هذا ؟ BCM : الواقع والوهم
يملكان في التسويق ( ماركيتنغ ) ذات الوزن النوعي. لحسن الحظ لا يقدم
الواقع فواتيرا للدعاية التجارية علينا أن ندفعها. CSC : إن
وجودهما و تكرارهما يسمحان بخلق حقيقة إفتراضية. EndoCorp :
تفرغنا لمسألة تحييد الشهود العيان بالتشكيك بصدقيتهم كمرشدين في مجال
الألعاب الجديدة. كما خلقنا نماذج مجسمة وأفلاما زائفة كي نبرهن على أن
تسجيلات المكالمات الهاتفية والكاميرات الصناعية هي محرَّفة وغير موضوعية.
BCM : أي أن الرأي العام يعرف عن ( عربات الشيطان ) لكنه
يجهل أي شيء هي حقا ؟ FBI : هل يعني هذا أننا
أخذنا نستخدم حيل العدو؟ BCM : وأقول أيضا : قد يتبين
أننا سنحقق أرباحا من وراء هذا الإستخدام... من الممكن أن تكون
هذه الجملة الأخيرة إجمالا لدوافع القوى التي تقف وراء الكثير من أحداث
العالم القائمة على المصادفة أو أنها غير مفهومة. وهناك عدد منا ، وهو ليس
بالقليل ، يؤمن بأن أحداث الحادي عشر من أيلول قد خططت لها جهات أخرى غير
أولئك الإرهابيين من ( القاعدة ). مثلا قبل الأحداث بقليل بيع هذا المركز
التجاري ، وقام المالك الجديد بالتأمين عليه بمبلغ خيالي. والمبنى المجاور
الذي دُمِّر ( بالمصادفة ) كان موجودا فيه إرشيف البورصة التي كانت تعمل
بصورة مريبة فيما يتعلق ببيع وشراء الأسهم. وقد إكتشف عدد من هذه الصفقات
المريبة بعد أن تركت آثارا في النت. وقبيل الهجوم بيعت أسهم شركات الطيران.
معلوم أنها هبطت تحت الحد الأدنى بعد الهجوم... قرأت مرة أن
لندون جونسن حين رشح نفسه في عام 1941 لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس ،
أقترح عليه أحد المشرفين على حملته الإنتخابية أن تقوم الميديات بنشر خبر
مفاده أن منافسه في الإنتخابات ينام في الفراش مع خنزير. إلا أن جونسن
إعترض بالقول : لكن هذه ليست الحقيقة. المشرف رد عليه بالقول : أنا أعرف
بأن هذه ليست الحقيقة ، لكن أريد أن أشاهد كيف سيفسر هو في التلفزيون للناس
هذا الأمر ...
معلوم أن لتلك ( المصالح العليا ) مطية جديدة اليوم : الألكترونكا. بصورة
أعم : هيمنتها على التكنيك الذي كنتّ قد حاولت في كتابين إستعراض تأريخه
وراهنه ( للقاريء الذي لم يصل إليهما بعد ، أذكر بأنهما متاحان بالمجان في
موقع القصة العراقية الألكتروني ) كما توقفت طويلا عند عقم الفرضية
القائلة بأن التقدم ، الحضاري / التقني خاصة ، سيخلق وحده تلك الجنة
الأرضية التي تعدنا بها عقائد شتى. ومنذ تصاعد الزخم التكنولوجي أخذت ترتسم
علامة إستفهام على مصير الإنسان. وأقصد هنا هذا السبيل الذي إختطه لنفسه
وليس الوقوف عند التفاصيل المتعلقة بالخطوات والمسيرة. فنحن ، كجنس عاقل ،
دخلنا متاهة مأزق جديد لكنه الأخطر. ولو كان بمقدوري لتكلمت/ كتبت في كل
يوم عن معضلة وجودنا الكبرى هذه...
عدنان المبارك
روائي وكاتب ومترجم عراقي مقيم في الدنيمارك
adnan1935@gmail.com More Sharing Servicesشارك|
Share on facebookShare on emailShare on favoritesShare on print