لا يدرس العالِمُ الطبيعة لأنَّ ذلك مفيد،
بل إنَّه يدرسها لأنَّه يُسَرُّ بها.
وهو يُسرُّ بها لأنَّها رائعة.
لو لم تكن الطبيعة بهذه الروعة لما كانت الحياة تستحقُّ أن تُعاش.
هنري بوانكاريه٭
تتقاطع
نطرية الشواش[1]
Theory of Chaos
مع مفهومٍ جديدٍ في الرياضيات يدعى الكسيريَّات. وهو مفهومٌ يمكن تلخيصه على هذا
النحو: إنَّ هندسة الأجسام الطبيعية أكثر تعقيدًا من أن تكوِّن أشكالاً هندسيةً
مثالية كالدائرة والمربع... ومع ذلك فإنَّ البُنى المعقَّدة لهذه الأشكال تخفي وراء
هذا التعقيد نظامًا رائع البنيان. وقد أدَّت الدراسات إلى الوصول لمفهوم "البعد
الكسيري" وهو عددٌ غير صحيحٍ عمومًا يعبِّر عن هندسة الشكل. فما هي قصة الكسيريات
وما هي مجالات تطبيقها في العلوم المختلفة وفي غير العلوم أيضًا؟
تعود بدايات مفهوم الكسيريات
fractals
إلى زمنٍ بعيد، وبالتحديد إلى هنري بوانكاريه، وقد قاربها العديد من العلماء من
بعده، لكن فضل إحيائها وتطويرها وإعطائها اسمها يُرَدُّ إلى رجلٍ واحد هو بونوا
ماندلبروت
Bonoit Mandelbrot،
البولوني الأصل، الذي نشأ ودرس في فرنسا، وعمل وما يزال في شركة
IBM
في الولايات المتحدة.
لم
تتضح مباشرةً القرابة بين الشواش والكسيريات، ومع ذلك فهما شقيقتان من وجهة النظر
الرياضية ولإبراز هذه القرابة الوثيقة أنطلِقُ من صفةٍ ملازمةٍ للظاهرة الشواشية هي
التماثل الذاتي، أو كما يُعبَّر عنها بطريقةٍ أخرى: التشابه على جميع سلالم القياس.
في
عام 1960 زار ماندلبروت أحدَ أساتذة علم الاقتصاد، وأدهشه أن يرى صدفةً على سبُّورة
الأخير شكلاً بيانيًا سبق أن صادفَه هو في دراساته. كان الشكل يمثِّل تغيُّر أسعار
القطن في إنكلترا في فترةٍ زمنية معينة، ولم يكن يبدو خطًّا منتظمًا معروفًا.
عندما عاد عالِمُنا إلى عمله في
IBM
استطاع الحصول من وزارة الزراعة الأميركيّة على لائحةٍ بأسعار القطن لفترةٍ تعود
إلى العام 1900. كان عقلُهُ مشغولاً بتلك الفكرة التي كان يبحث عنها في كلِّ شيء:
التشابه على جميع سلالم القياس. قام ماندلبروت إذًا بإدخال جميع السجلات إلى الحاسب
ومثَّلَ بيانيًا تغيُّر الأسعار يومًا فيومًا خلال شهر، وشهرًا فشهرًا خلال بضعة
سنين، وسنةً فسنة خلال بضع عشراتٍ من السنين... وكانت توقُّعاته في محلِّها فالخطوط
البيانية الثلاثة كانت تقريبًا خطًّا واحدًا! ثمَّة نظامٌ ما مختبئٌ في قلب الفوضى:
إنَّ أسعار القطن، وإن كانت لا تعطي توزُّعًا متناظرًا حول قيمةٍ ثابتة، إلا أنها
تخفي تناظرًا من نوعٍ آخر: الثبات على سلالم القياس المختلفة.
في
تلك الفترة نفسها (التي كانت الحاسبات الالكترونية فيها تتألَّف من أبنيةٍ ضخمة
وأسلاك طويلة تربطها...) كان المهندسون في شركة
IBM
يواجهون مشاكل مع شبكة حواسب الشركة. ذلك أنَّ الضجيج
الإلكتروني الناتج عن نقل المعلومات عبر الأسلاك الكهربائية كان يُسبِّبُ أخطاءً في
المعلومات تكون مؤذيةً في بعض الأحيان. ووِفقَ العقليَّةِ التقليدية، كانوا يبحثون
على الدوام عن رجلٍ يحملُ مفكًّا فاحصًا ويبحث عن العطل في هذا الموضع أو ذاك.
عالج ماندلبروت الأمر بطريقةٍ أخرى. قام بدراسة تواتر حدوث الأخطاء ولاحظ أنَّها لا
تقع على الإطلاق بصورةٍ دورية. فقد تمرُّ ساعةٌ بدون حدوثِ أيِّ خطأ ثمَّ يقع
العديد من الأخطاء خلال الساعة التالية. قسَّم ماندلبروت الساعة التي تحدث فيها
الأخطاء إلى ثلاث فتراتٍ متساوية من عشرين دقيقة، ولاحظ أنَّ الأخطاء تتركَّز في
الثلثين الأول والأخير ولا تحدث في الثلث الأوسط. أعاد تقسيم أحد الثلثين الحاويين
على الأخطاء إلى ثلاث فتراتٍ متساوية، ولاحظ تكرار الظاهرة نفسها! أمرٌ لا يخلو من
العجب، ولكن ليس بالنسبة لماندلبروت الَّذي كان يتوقَّع شيئًا من هذا القبيل،
والَّذي ذكَّرَه بالتأكيد ببنيةٍ رياضيةٍ مجرَّدة هي مجموعة كانتور، أو كما يسمَّى
أيضًا: "غبار كانتور".
كان
"غبار كانتور" حتَّى ذلك الوقت محض تجريدٍ رياضيٍّ لا محلَّ له في الطبيعة، وها هو
يُكتشَفُ الآن، ويضحي شيئًا ملموسًا.
ما
تبيَّن فيما بعد هو أنَّ الطبيعة تذخر ببنىً تشابه غبار كانتور، وأنَّ الأقلَّ
واقعيَّةً والأكثر تجريدًا هي المستقيمات والدوائر والأشكال الهندسية الأخرى.
كان
ماندلبروت يحبُّ ترديد عبارته الشهيرة: "ليست الغيوم بكراتٍ ولا الجبال بمخاريط،
وأمَّا البرق، فهو لا ينتشر في خطٍّ مستقيم".
فكرةٌ أخرى مُشابهة لاحَظَها ماندلبروت عندما فكَّر بخطوط السواحل: لا يقيسُ مراقبٌ
من تابعٍ صنعيٍّ يدور حول الأرض طول خطِّ الساحل نفسَهُ الَّذي يقيسه ماسحٌ من سطحِ
الأرض، فمن فوق، تختفي الكثير من الخلجان والرؤوس... أمَّا إذا قاس خطَّ الساحل
نفسَهُ حلزونٌ يسير مع الخطِّ مارًّا بجميع النتؤات والتعرُّجات الدقيقة، فممَّا لا
شكَّ فيه أنَّه سيسجِّلُ قياسًا أكبر.
توصَّلَ ماندلبروت إلى نتيجةٍ تعارضُ كلَّ حدسٍ فطري: إنَّ طول هذا الخط يجب أن
يكون لانهائيًا! تظهر هنا فكرة التماثل الذاتي، فعند تكبير صورةٍ لجزءٍ من خطِّ
الساحل سوف تظهر تفاصيل لم تكن واضحةً من قبل، وهذه التفاصيل تبيِّنُ تعرُّجاتٍ
تشابه إلى حدٍّ بعيد الشكل الأصلي. هنا أيضًا توضِحُ الأمرُ بنيةٌ رياضيةٌ مجرَّدة
كانت معروفةً لدى الرياضيين باسم مجموعة كوتش.
إنَّ السؤالَ الَّذي يطرح نفسه هو التالي: ما هو هذا الغبار، غبار كانتور، الَّذي
يبدو كلا شيء، وهو مع ذلك موجود؟! أو ما هو هذا الخط اللانهائي الطول الَّذي يحصرُ
مع ذلك مساحةً محدودة؟
لو
كان لخطِّ الشاطئِ شكلاً هندسيًّا إقليديًّا، دائرة، أو قوسًا من دائرة، على سبيل
المثال، فإنَّ طول هذا الخط سيأخذُ قيمةً محدودةً بالتأكيد. أمَّا عندما لا يكون
هذا الخط منتظمًا، فإنَّ القيمة المُقاسة للطول سوف تزدادُ بدون حدود مع زيادة
دقَّة المقياس. والنتيجة هي أنَّ القياسات، قل الأبعاد، الإقليدية: الطول والعرض
والارتفاع، لا تستطيع التعامل مع الأشكال التي من هذا النوع. أدركَ ماندلبروت أنَّ
الأمر يتعلَّقُ مباشرةً بمفهوم البعد.
لنمسك بيدنا خارطةً للطرق مثلاً. إنَّ هذه القطعة من الورق المقوى لها ثلاثة أبعادٍ
عمليًّا، لكنَّني حين أستخدمها لمعرفة طريقي فإنني أفرضُ نفسي نقطةً موجودةً على
سطحها، والحال فإنَّ البعد الثالث، الارتفاع، وهو صغيرٌ جدًا بالأساس، لا يدخل في
نطاقِ اهتمامي وتمثِّلُ الخارطة بالنسبة لي جسمًا له بعدين فقط. وحتَّى حين أطوي
الخارطة أو ألُفَّها فإنَّها تبقى جسمًا ذا بُعدَينِ اثنين.
ما
هو بعد كُبَّة من الخيوط؟! يجيبُ ماندلبروت على هذا السؤال كما يلي: يعتمد هذا على
المنظور الَّذي ننظر به إلى الكبَّة: فمن بعيد جدًّا تبدو كنقطةٍ صغيرة، ويمكن
اعتبارها بدون أبعاد، وعلى قربٍ أكبر يمكن أن نرى فيها كرةً تشغل حيِّزًا من الفراغ
فلها إذًا ثلاثة أبعاد، أمَّا بالنسبة لحشرةِ العثَّة الَّتي تسيرُ على الخيط
قاضمةً إيَّاه فالكبَّة تبدو ذات بعدٍ واحدٍ، وإذا نزلنا إلى المستوى المجهري فإنَّ
الخيط الواحد يبدو من جديد كعمودٍ من الألياف ثلاثيِّ الأبعاد.
هكذا قرَّر ماندلبروت أنَّ موضوع الأبعاد، ومثل كلِّ شيءٍ آخر في الحياة، هو موضوعٌ
نسبيٌّ، وأنَّ الأبعاد الحقيقية للأجسام تختلفُ عن هذه الأبعاد التقليديَّة الَّتي
اعتدنا عليها. وهجر ماندلبروت فكرة الأبعاد الصحيحة، 0، 1، 2، 3... وبدأ بالتفكير
بطريقةٍ تعارض كلَّ حسٍّ سليم: الأبعاد الكسرية.
يمكن تبسيط الأمر على النحو التالي: إنَّ ندفة الثَّلج (منحني كوتش) أكثر تجعُّدًا
بشكلٍ واضحٍ وأفضل "تعبئةً للمستوي" من المنحني "الناعم" الذي يملك بعدًا واحدًا
كمحيط دائرة أو مثلَّث أو قطع ناقص... وهو أقلُّ تعبئةً للمستوي من شكلٍ مستوٍ
بالأساس كقرص الدائرة كلَّه... وعلى هذا، فإنَّ بعدها أكبر من 1 وأصغر من 2.
يمكن الحصول على منحنياتٍ أخرى متماثلةٍ ذاتيًّا ولانهائية الطول، يكفي على سبيل
المثال أن نستبدل المثلَّث الَّذي انطلقنا منه للحصول على منحني كوتش بمربَّع أو
مخمَّس منتظم،... لنحصل على منحنياتٍ جديدة. هذه المنحنيات ستختلف عن بعضها بعضًا
بـ "تعبئتها للمستوي". انطلاقًا من ذلك عُرِّف البعد الكسيري.
البعد الكسيري هو صفةٌ لمنحنٍ متماثلٍ ذاتيًّا، واقع في مستوٍ ذي بعدين، أو لسطحٍ
متماثلٍ ذاتيًّا واقعٍ في الفراغ الثلاثي الأبعاد... والبعد الكسيري يميِّز صفةً
للأشكال والسطوح تعبِّر عن "خشونتها" مع الإشارة إلى أنَّ كلمة خشونةٍ هنا تأخذ
معنىً رياضيًّا دقيقًا ومحدَّدًا.
إنَّ منحني كوتش بطوله غير المنتهي، والمحدود مع ذلك في حيِّزٍ من المستوي، هو أكثر
من أن يكون مجرَّد منحنٍ ولكن دون أن يصبح في الوقت نفسه مستويًا. فبعده أكبر من
الواحد إذًا لكنَّه أصغر من اثنين. وبمساعدةِ تقنياتٍ رياضية تعود إلى بداية القرن
العشرين كانت شبه منسيَّةٍ من قِبَلِ العلماء استطاع ماندلبروت تحديد هذا البعد
الكسيري بـ 1.2618.
تُدخِلُنا فكرة التَّماثل الذاتي، الَّتي عليها يقوم مفهوم الكسيريات، إلى عالمٍ
رائعٍ من السحر والجمال. لقد أعادت هندسة الكسيريات فتح الكثير من الملَّفات
الرياضيَّة القديمة شبه المهجورة والتي كانت فيما مضى تجريداتٍ رياضيةٍ لا محلَّ
لتطبيقها، فإذ بها تغدو اليوم على جانبٍ من الأهمية.
تُذكَرُ بشكلٍ خاصٍّ مجموعات جوليا. وهي أشكالٌ قامَ بتوليدِها باستخدامِ توابع
عقدية بسيطة عالم رياضيٌّ فرنسيٌّ كان تلميذًا لبوانكاريه هو غاستون جوليا. (هنا
أيضًا تتقاطع فكرة الكسيريات مع نظرية الشواش. فالتوابع الرياضية التي تنتج عنها
هذه الأشكال هي نفس التوابع التي يدرسها الديناميك اللاخطي ولكن في المستوي
العقدي).
تشتهر من بين هذه المجموعات بشكلٍ خاصٍّ مجموعة ماندلبروت التي تكشف بنيتها عن
روعةٍ فائقة تذكِّرُ بمقولة برتراند راسل:
إننا لو استعرضنا الرياضيات استعراضًا صحيحًا، لما وجدنا فيها الحقيقة فحسب، بل
وجدنا فيها جمالاً ساميًا جمال البرود والقسوة والصَّرامة، هو جمالٌ فيه الصفاء
والسناء، والمقدرة على بلوغ الكمال، الذي لا يتاح إلاَّ لأعظم الفنون.
وجدَت هندسة الكسيريات تطبيقاتٍ لها في ميادين مختلفة. نذكر على سبيل الأمثلة منها
ما يلي:
-
تختلف بنية سطحٍ معدني باختلاف المعدن، ولكلِّ معدنٍ بعده الكسيري الخاص. وجدَ
المختصون في علم المعادن أنَّ خواصًا معينة للمعدن، كالقساوة مثلاً، تتعلَّق
مباشرةً بالبعد الكسيري لسطحه.
-
أمَّا في الطبِّ فلقد أُعيدَت دراسةُ الأوعية الدَّموية على
هذا الأساس، وكما يمثِّلُ منحني كوتش طولاً لانهائيًّا محصورًا في مساحةٍ محدَّدة،
فإنَّ على الأوعية الدموية أن تغطِّي ضمن مساحةٍ محدودة حجمًا أكبر منها بكثير.
إنَّ حجم جهاز الدَّوران لا يزيدُ عن خمسةٍ بالمئة من حجم الجسم ومع ذلك فنحن نعرفُ
جميعًا درس تاجر البندقية[2]،
إذ لا يمكن قطع رطلٍ واحد بل ولا حتى ميليغرامٍ واحد من اللحم دون إسالة الدَّم،
بمعنىً آخر: تغطي شبكة الأوعية الدموية، وحجمها خمسة بالمئة من حجم الجسم فقط، كامل
هذا الجسم، وتصل إلى كلِّ نقطة فيه بفضل بنيتها الكسيرية. ينطبق الأمر بشكلٍ آخر
على الرئتين: فالمساحة الداخليَّة لهما تزيد قليلاً عن مساحة ملعب كرة المضرب،
والقصيبات الدقيقة التي تتوزَّع في هذه المساحة ذات طبيعة كسيرية ولها بعدها
الكسيري.
-
التطبيق الأكثر طرافةً للهندسة الكسيرية نجده في هوليوود، حيث قام المخرجون
السينمائيون بخلق مناظر متحرِّكة خلاَّبة تحاكي المناظر الأرضية والكوكبية التي
تخيَّلوها، وكلُّ ما تتطلَّبه مختلف أنواع الخدع السينمائية وخصوصًا في مجال أفلام
الفضاء، والتي تبدو حقيقيةً بصورةٍ لا تُصدَّق.
-
أصبح هناك أيضًا ما يدعى "فنُّ الكسيريات". ويمكنك ببساطةٍ شديدة عزيزي القارئ أن
تُدخِل كلمة
fractale
في أحد محرِّكات البحث على الإنترنت لتجد آلاف الصور الرائعة التي تولِّدها الحواسب
انطلاقًا من توابع رياضية. بل يمكنك إن أحببت، وإن كان لك إلمامٌ بالرياضيات وكنتَ
من هواة فنونها أن تتعلَّم توليد صورٍ كسيريةٍ جديدة.
-
أمَّا على الصعيد العلمي والفلسفي فإنَّ التماثل الذاتي صار الشغل الشاغل للكثير من
المفكِّرين والفلاسفة. يطرح البعض سؤالاً عمَّا إذا كان الكون برمَّته متماثلاً
ذاتيًّا أو إذا كان هذا الأمر ينطبق على ظاهرة الحياة. فإذا كانت الخريطة المورثية
لكلِّ كائنٍ حيٍّ موجودةً في كلِّ خليةٍ من خلاياه، أفلا يعني ذلك أنَّ الكائن
موجودٌ بشكلٍ مصغَّرٍ في نفسه وهذا ما يثبته استنساخ العديد من الكائنات؟
سبق
لسبينوزا، الفيلسوف الكبير من القرن السابع عشر، أن اختصر نظريَّة الشواش بعبارةٍ
بسيطةٍ رائعة: "لا فوضى في الطبيعة. تبدو ظاهرةٌ ما فوضوية بسبب ضعف رؤيتنا".
وبالفعل يمكن تلخيص المعنى الكامن وراء الكسيريات والتماثل الذاتي، والمرتبط بنظرية
الشواش، بوجود النظام الأكثر كمالاً وتعقيدًا في قلب ما نحسبه "فوضى".
تقدِّم لنا هذه الفكرة عبرةً ربما كانت مفيدةً لا على صعيد العلم وتطبيقاته فقط، بل
وعلى صعيد الحياة اليومية العملية أيضًا، وأكثر من ذلك أيضًا على صعيد حياة البشرية
على الأرض. فحين نتحقَّق أنَّ النظام هو على الدوام سيِّد الموقف، حتى إن بدا لنا
الأمر غير ذلك، وحين نعلِّم أنفسنا البحث عن الجمال والتناغم في قلب ما يبدو
اضطرابًا وفوضى وشواش... فإنَّ قبول الواقع يصبح أكثر سهولةً بالنسبة لنا، ويصبح
العالَم أكثر جمالاً وانسجامًا، ويؤثِّر ذلك في نفوسنا من حيث لا ندري، فنستطيع أن
نعيش بسلامٍ أكبر مع نفوسنا ومع الآخرين وتصدق مقولة العالم الكبير ورنر هايزنبرج،
صاحب مبدأ الريبة الشهير في الميكانيك الكوانتي:
قد
يسِّهل تأثير العلم الحديث السبيل إلى موقفٍ من التَّسامح: فيكون بذلك قد أجزل
الفائدة.
الباحثون،
العدد 31، كانون الثاني 2010
٭
رياضي فرنسي يُعتبر واحدًا من كبار الرياضيين خلال التاريخ حتى أنَّ البعض
يعتبره آخر رجلٍ كان محيطًا بكافَّة فروع الرياضيات.
[1]
راجع
نظرية الشواش مجلة المعرفة (الصادرة عن وزارة الثقافة في الجمهورية
العربية السورية) العدد 540 أيلول 2008، ص 253.
[2]
إشارة
إلى مسرحية "تاجر البندقية" لشكسبير، التي يستدين فيها أحد تجار مدينة
البندقية مبلغًا كبيرًا من أحد المرابين مقابل تعهُّدٍ في أن يقدِّم له
رطلاً من لحم صدره إذا عجز عن تسديد الدين في موعده. وحين تغرق بواخر هذا
التاجر ويعجز فعلاً عن تسديد دينه. فإنَّ القاضي يقرُّ للمرابي بأن يأخذ ما
يمليه الشرط من لحم المدين ولكن، وكما ورد في العقد، لحمًا فقط ودون أيَّة
نقطةٍ من الدم. ويذهب المرابي خائبًا بطبيعة الحال لأنه لا يستطيع أخذ شيءٍ
من اللحم دون أن ينزف الرجل.